غزت أعداد كبيرة من الحشرات المنزلية والصراصير مناطق مختلفة من محافظة إدلب مسببة خوفاً للأهالي من وجودها سواء على الصحة العامة أو النظافة، وكذلك ما تتركه من آثار نفسية سيئة على ربات المنازل والأطفال.
تفاوتت أعداد الحشرات بين منطقة وأخرى، وشكّلت مدينة إدلب وريفها الجنوبي وتجمعات المخيمات المكان الأكثر انتشاراً لها، وبأعداد كبيرة غطّت ساحات المنازل والثقوب وخطوط الصرف الصحي.
شكّلت التغيرات المناخية التي شهدتها المنطقة وندرة حملات المكافحة من الجهات الحكومية أو انعدامها في بعض المناطق، كذلك زيادة معدلات الهطولات المطرية وانتشار القمامة وصعوبة ترحيلها العوامل الأهم في انتشار هذه الحشرات. يعرّف الدكتور محمد عبد الحي، المختص بعلم الأحياء في جامعة إدلب، الحشرات بـ “الحيوانات مفصلية الأرجل ذوات الدم البارد، أي أنها تسكن شتاء، وتستأنف نشاطها وتكاثرها مع قدوم فصل الربيع الدافئ نسبياً”.
ويرجع الدكتور محمد، الانتشار الكثيف للحشرات في إدلب خلال الفترة الحالية إلى موسم تكاثر الحشرات الذي جاء بعد غزارة مطرية شهدها الشتاء الماضي وندرة موجات الصقيع التي تقضي على البيوض في مهدها، والكثافة النباتية العالية التي أسهمت بتشكيل غطاء مناسب لتكاثر أنواع مختلفة من الحشرات، مثل خنفساء الكالوسوما، التي لوحظ انتشارها بكثافة، لا تشكل خطراً صحياً على الإنسان، كذلك انتشار هائل لصراصير المنزل والتي تختلف عن سابقتها بنقلها للأمراض، بسبب الجراثيم التي تحملها على مجساتها وأطرافها، كونها تعبر الأماكن القذرة مثل المجارير ونقاط الصرف الصحي، وبحكم أنها تتغذى على المواد الغذائية والأطعمة التي يتناولها الإنسان.
لا يستبعد الدكتور محمد أن تشهد مناطق في الشمال السوري موجات أخرى من انتشار الحشرات لاحقاً مثل الفراشات والذباب، للعوامل ذاتها، وهو ما يفرض مكافحتها بـ “المبيدات ذات الضرر الضئيل على الإنسان، واستخدام بعض المستخلصات النباتية مثل زيت النعناع والخل وزيت النيم”.
يغلق سكان في إدلب جميع منافذ المنازل وفتحاته للحد من انتشار الحشرات، يقول محمد القاسم، يسكن في حي الملعب البلدي بإدلب “نستخدم قطع الملابس القديمة لسد الفتحات تحت الأبواب بعد ترطيبها بالماء بهدف منع دخول الصراصير الى المنزل”، بهذه العملية قلّت أعداد الحشرات ولكنها ما تزال تنتشر في كل مكان، وهو ما دفع السيدة خديجة إلى ترك منزلها في بلدة المسطومة والرحيل إلى منزل عائلتها رفقة طفليها في مدينة سلقين.
تقول خديجة “أشكو من وسواس قهري تجاه الحشرات بمختلف أنواعها خاصة الصراصير، وهو ما دفعني لمغادرة بيتي، لم أعد أستطيع النوم أو الجلوس، الرحيل كان الحلّ الوحيد ريثما تنتهي هذه المشكلة”.
لمجابهة غزو الحشرات تكافح مؤسسة إي كلين، المشرف الوحيد على عمليات النظافة العامة في محافظة إدلب بتكليف من حكومة الإنقاذ، وجودها باستهداف المناطق الأكثر انتشاراً ومناطق تكاثرها، مثل مكبات القمامة والأماكن الرطبة والطرقات والممرات الضيقة بين المنازل والتي لا يصلها ضوء الشمس لفترات طويلة، بهدف الحد من أعداد الحشرات وإبقائها قريبة من العتبة الدنيا المقبولة، بحسب فياض الحسين موظف في مكتب العلاقات العامة التابع للمؤسسة.
يحدد الحسين أن الانتشار الأكبر كان في مدينة ادلب، والبلدات الواقعة جنوبها، وفي بعض بلدات جبل الزاوية، كما لوحظ تفاوت أعدادها ضمن تجمعات المخيمات في عدة مناطق وبلدات، مرجعاً سبب هذه الهجمات الحشرية إلى ارتفاع درجات الحرارة المفاجئ، وتحول الطقس من الشتاء البارد إلى ما يشبه أجواء الصيف مباشرة، ما هيأ الظروف لانتشار وتكاثر الحشرات.
ينفذ الرش بحسب الحسين بطريقتين: الأولى الرش الضبابي عبر مزجه بأبخرة المازوت، والثانية بالرش الرذاذي عبر خلط المبيد بالماء ورشه باستخدام مبيدات مناسبة، يقول الحسين:” تقوم المؤسسة بحملات الرش والبخ بشكل دوري باستخدام الطريقتين السابقتين، إضافة لحملات مكافحة ذبابة الرمل المسببة لمرض اللشمانيا، و تعدّ هذه الحملات مكلفة من الناحية المادية”، مركّزاً على ضعف الإمكانيات المادية التي لو توفرت “لزدنا عدد الحملات وقربنا المسافة الزمنية بينها، مع زيادة في المساحة الأفقية للمكافحة”.
تناقصت أعداد الحشرات في مخيم أبو عبيدة بن الجراح القريب من بلدة دير حسان، بعد إجراء إحدى الجهات حملات مكافحة ورش للمبيدات، هذا ما أكده لنا فؤاد الضعيف أحد القاطنين في المخيم.
أمام ضعف الإمكانيات المالية للمؤسسة وغياب الإجراءات الحكومية يلجأ السكان إلى حلول تقلل من دخول أعداد الحشرات إلى المنازل لكنها لا تنفع في الحد من انتشارها، يقول فؤاد الخطيب من سكان حي الملعب في مدينة إدلب إنه لاحظ أن الصراصير تتجه نحو الضوء في عمود على الشارع الرئيسي ما دفعه إلى اللجوء لهذه الحيلة بتركيب ضوء خارج المنزل لجذبها.
إشعال أعواد البخور حيلة أخرى لجأ إليها السكان للحدّ من انتشار الحشرات، يقول محمود الرسلان، يسكن في مخيم باريشا، إنه استخدم البخور كطارد طبيعي للحشرات الطائرة مثل الناموس والبعوض، وإنه استطاع تحجيم أعداد الحشرات الزاحفة باستخدام بودرة الرافين البيضاء المعروفة باسم (هالك). ويضيف الرسلان:” اكتشفت مصادفة أن الحشرات الطائرة وحتى الزاحفة أيضاً، تفر من رائحة البخور المشتعل التي اعتدت إشعالها في المنزل بصورة شبه يومية، خاصة في المساء لتمنح المنزل رائحة طيبة، تخفف من روائح الرطوبة المنبعثة من أرضية المنزل البيتونية”.
أحمد الأطرش وجد في أحد المبيدات الحشرية المعروفة باسم ( البيرمثرين) ضالته كحل للقضاء على الحشرات الزاحفة، من صراصير وعناكب تنتشر في تجمع مخيمات القلعة القريب من سرمدا، يقول الأطرش:” اتبعت نصائح الصيدلي الزراعي حول استخدام هذا المركب الكيميائي، أقوم بمزجه بكمية مناسبة من الماء أضعه في مرش صغير، ثم أرش به زوايا المنزل جميعها من الخارج والداخل باستثناء المطبخ خوفاً من سمية المادة وخطرها على الصحة كما أخبرني الصيدلي”.
وتبقى الحلول الفردية التي يلجأ إليها الأهالي قاصرة، إضافة لتكلفتها المادية العالية، بحسب من تحدثنا معهم، إذ باتت تشكل مصروفاً آخر يثقل كاهل الأهالي، سواء كان عبر الهالك أو البيرمثرين والبخور أو أي أنواع أخرى تشترى من الصيدليات الزراعية التي شهدت موسماً لبيع هذه المبيدات، وصفه مصطفى العبدو، يملك صيدلية زراعية في مدينة سرمدا، بـ “الجيد”، قياساً للسنوات الماضية، خاصة بيع بودرة الرافين لمكافحة الحشرات الزاحفة.
لم تجدِ الجهود الذاتية والحلول الفردية نفعاً في مواجهة غزو الحشرات، وهو ما يستدعي حلولاً من الجهات المختصة والمنظمات المعنية لمكافحتها وقت التكاثر عبر حملات الرش، قبل موجات أخرى من الانتشار تغذيها التغيرات المناخية ويزيد من انتشارها ضعف الحلول الوقائية.