فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

تشوهات جلدية نتيجة الإهمال والعلاج التقليدي لحبة اللشمانيا

حسن كنهر الحسين

بعد المسافات وضعف الإجراءات الوقائية للمصابين بمرض اللشمانيا، يدفعهم للتوقف عن العلاج أو اللجوء للطب التقليدي ما يترك تشوهات جلدية على وجههم لا يمكن علاجها

خلّفت إصابات اللشمانيا، أو ما يعرف بـ “حبة السنة”، تشوهات في وجه الطفلة فاطمة ذات الست سنوات، تاركة مجموعة من الحفر توزعت في مناطق متفرقة من الوجه واليدين.

تعيش فاطمة رفقة والدتها وأختها في مخيم وادي البلاط القريب من بلدة وادي سمعان بريف حلب الغربي، بالقرب من المخيم مكب للقمامة وتنتشر بين طرقاته حفر الصرف الصحي والمياه الآسنة.

تقول والدة فاطمة “في البداية ظننت أن هذه الحبوب المنتشرة في وجه فاطمة مجرد قرص بعوض، لكن ومع اتساع حجم الندبات وتأخر شفائها راجعت أحد المراكز الصحية ليتبين أن فاطمة وأختها مصابتان باللشمانيا”.

في مخيم وادي البلاط الذي تسكنه نحو مئة وخمسين عائلة أكثر من خمسين حالة مشابهة لحالة فاطمة وأختها، معظمهم من الأطفال الذين أصيبوا بتشوهات نجمت عن الإصابة باللشمانيا والتأخر في علاجها، أو الاعتماد على طرق علاج خاطئة في شفائها، بحسب مالك رستم مدير المخيم.

طبيعة الحياة في المخيمات المكتظة والتي أنشئ بالقرب منها مكبات للقمامة، إضافة لخطوط الصرف الصحي المكشوفة وتشكّل مستنقعات تحوي مياهاً آسنة بالقرب منها، إضافة للأماكن الرطبة، زاد من إصابات السكان بالمرض الطفيلي الذي تنقله ذبابة الرمل، خاصة وأن سوريا واحدة من خمس دول تضم بمجموعها نحو 90% من إصابات اللشمانيا في العالم.

يجاور مخيم وادي البلاط، شأنه شأن مخيمات كثيرة، أحد أكبر مكبات النفايات في المنطقة، وتغيب عنه البنى التحتية الخاصة بالصرف الصحي ما شكل بؤرة لتجمع مياه آسنة وفّرت بيئة مناسبة لتكاثر وانتشار ذبابة الرمل، بحسب من التقيناهم في المخيم.

ويعزو من تحدثنا معهم انتشار اللشمانيا لهذه الأسباب إضافة لعمل كثير من أطفال المخيم في جمع المواد البلاستيكية وغيرها من المواد الصالحة للبيع، وغالباً ما يبحث عنها الأطفال في مكب القمامة المجاور الأمر الذي يعرّضهم للإصابة بأمراض مختلفة ومنها اللشمانيا.

فاطمة وأختها من الأطفال الذين يعملون بجمع المواد الصالحة للبيع، تقول والدتهما إنهما تعملان لسدّ قسم من احتياجات المنزل بعد وفاة والدهما قبل أربعة أعوام. وتضيف أن هذا العمل غالباً ما تسبب لهم باللشمانيا التي نقلتها ذبابة الرمل من مكب للقمامة، وبدأت تنتشر على شكل حبوب انتشرت في الوجه واليدين قبل أن تتسع وتتسبب بتشوهات في المنطقة المصابة.

ليست كل الإصابات تترك تشوهاً إن عولجت بالشكل الأمثل، لكن غياب أو بعد المراكز الصحية، واضطرار الأهالي للسفر مراكز طبية مجاورة لتلقي العلاج، في حال مخيم وادي البلاط يبعد أقرب مركز، وهو في دارة عزة بريف حلب،  نحو 12 كيلو متراً، يدفع الأهالي لإهمال العلاج الذي يتطلب وقتاً وتكلفة لا يملكونها، بحسب مدير المخيم.

ويقول رستم “معظم أهالي الأطفال المصابين ملتزمون بعمل يتضارب مع عمل المراكز الطبية، والتي تقدم العلاج خلال يوم أو يومين في الأسبوع، وهو ما تسبب بإهمال الأهالي لمتابعة علاج أبنائهم”.

ويتطلب علاج اللشمانيا جلسات دورية أسبوعية ولأشهر طويلة، ما يفرض تكاليف كبيرة على أهالي المصابين الذين يعيشون ظروفاً قاسية، إذ يعمل قسم منهم في المياومة وبأجرة لا تتجاوز 50 ليرة تركية، إن وجدت، بينما تبلغ أجرة الوصول إلى المركز ذهاباً وإياباً أكثر من مئة وخمسين ليرة تركية.

ويتبع سكان طرقاً موروثة خاطئة لعلاج اللشمانيا أو وسائل تقليدية يزيد استخدامها من الآثار الجانبية للشمانيا وترك آثار لا تمحى، منها إذابة حبة السنة بالأسيد أو حرقها بشكل مركر لاستئصالها ما يترك حفراً صغيرة في الجلد.

يقول عمر نشار، والد لطفلين مصابين باللشمانيا في مخيم وادي البلاط، إنه استمرّ بعلاج ولديه في أحد المراكز الصحية لشهر ونصف الشهر، لكن حالتهما لم تشهد أي تحّسن، وتضخمت الحبات واتسعت رقعة الإصابة ما دفعه لكيهما بـ “الأسيد” لإذابتهما.

ويضيف النشار “عملي لا يمكنني من الالتزام بمواعيد المركز، كما أن العلاج الذي تلقاه ولدي لم ينتج عنه أي تقدم، وهو ما دفعني للتوقف عن معالجتهما في تلك المراكز”. شفي طفلا عمر لكن آثار حبات اللشمانيا لا تزال بادية على وجهيهما على شكل تعرجات وندب غيرت من ملامح وجهيهما نتيجة ذلك العلاج.

يقول  الدكتور أحمد ياسين إن معظم حالات التشوه تنتج إما عن إهمال العلاج بشكل كامل أو عدم المتابع، لا سيما أن حبة اللشمانيا تحتاج لمتابعة العلاج على مدار ثمانية أشهر حتى يمحى أثرها بشكل كامل.

ويضيف الطبيب “هنالك طرق عامة وروتينية للتغلب على انتشار حبة اللشمانيا عن طريق نشر الوعي الصحي، وتوفير المياه النظيفة والمنظفات، وترحيل القمامة بشكل مستمر، ورش المبيدات الحشرية، وتأمين ظروف صحية مناسبة، وهو ما يقلل من انتشار حبة الرمل المسببة للمرض”.

تزايد انتشار حبة اللشمانيا لا سيما في مخيمات الشمال السوري دفع منظمة “مينتور” بالاشتراك مع منظمة الدفاع المدني لإطلاق حملة قبل شهرين، تستمر لمدة ستة أشهر، ووفق بيان المنظمة فإن الحملة ستكون عبر مراحل تتضمن أنشطة وقائية رئيسية، وهي “عمليات رش المبيدات الحشرية، وتوزيع حزمة وقائية تتضمن مبيدات طاردة للحشرات على سكان المخيمات، إضافة إلى توزيع ناموسيات من نوع خاص بفتحات ضيقة لا تسمح بدخول البعوض”.

وتهدف الحملة، بحسب تقرير المنظمة الى تأمين حماية وخدمات وقائية لمليون و800 ألف مستفيد في شمال غرب سورية، كما تهدف لإيصال عدد المستفيدين من حملات الرش إلى مليوني مستفيد وتشمل توزيع الحزم الوقائية التي تحوي مبيدات حشرية طاردة للحشرات والناموسيات الخاصة.

وتنقسم اللشمانيا إلى قسمين، جلدية تصيب المناطق المكشوفة وحشوية تصيب الأعضاء الداخلية من الجسم، وتعالج بحقن عضلية أو موضعية، لكن إيجاد حلّ لمكبات النفايات والصرف الصحي والمياه الملوثة، وتوفير خدمة العلاج للشمانيا ضمن المخيمات وحماية الأطفال من العمل بظروف قاسية وأعمال تسبب لهم أمراضاً وتشوهات ستترك أثرها على حياتهم مستقبلاً.