فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

العدوى وقلة المياه.. الجرب يسكن مخيمات في الشمال السوري

حسن كنهر الحسين

أوبئة يزيد انتشارها في كل عام في مخيمات الشمال السوري، تسببها عوامل عدة من فقدان الخصوصية والمياه وانتشار النفايات وحفر الصرف الصحي، وسط عجز من الجهات المعنية والمنظمات الدولية عن الحدّ من آثارها

انتشار بؤر الصرف الصحي وصعوبة الحصول على المياه ومواد النظافة الشخصية، تضاف لها ارتفاع درجات الحرارة والاكتظاظ السكاني وندرة الخصوصية في مخيمات شمال غربي سوريا، جميعها أسباب ساهمت في انتشار عدد من الأوبئة، منها الجرب الذي بدأ ينتشر على نطاق واسع وسط تحذيرات بزيادة أعداد مصابيه.

يقول من تحدثنا معهم من سكان وأطباء إن الأمراض الجلدية هي الأكثر انتشاراً، وكان آخرها مرض الجرب الذي بدأ يستشري في المنطقة، ووصل إلى أعداد كبيرة في مخيمات تجاوز حجم الإصابات فيها ربع القاطنين، معظمهم من الأطفال.

يرجع أولئك سبب انتشار الأمراض الجلدية، ومنها الجرب، إلى مكبّات النفايات المنتشرة بالقرب من المخيمات و استخدام المياه غير النظيفة، قلّة المياه الصالحة للاستخدام والموزعة على السكان، المرافق العامة المشتركة مثل الحمامات والمراحيض في بعض المخيمات، حفر الصرف الصحي المكشوفة والتي شكّلت بؤراً للحشرات الناقلة للأمراض الجلدية، يضاف إليها عدم القدرة على شراء مواد النظافة الشخصية بسبب ارتفاع أسعارها وصعوبة الحصول على العلاج والدواء في المنطقة.

نحو ثلث سكان عشرة مخيمات في مدينة عفرين أصيبوا بمرض الجرب، وفق تقرير لمنظمة أطباء بلا حدود، أفاد بإصابة أكثر من 3600 من أصل 13 ألف يسكنون داخلها، أكثر من نصف المصابين من الأطفال دون سن العاشرة.

وفي مخيم التح التابع لمدينة الدانا، يؤوي ثلاثمئة وخمسين عائلة، أصيب عشرة أشخاص بمرض الجرب خلال الأيام الماضية، تتراوح أعمارهم ما بين خمس إلى خمس وعشرين سنة، بحسب عبد السلام اليوسف مدير المخيم. ويعزو  اليوسف أسباب انتشار الجرب في المخيم الذي يديره إلى ” فقدان الخصوصية ومواد النظافة الشخصية، إذ أن الحمامات والمراحيض فيها مشتركة، إضافة لغياب مجارير الصرف الصحي ووجود مكب للنفايات بالقرب منه”.

ويضيف اليوسف “لم يكن الجرب المرض الوحيد في المخيم، إذ تزامن ظهوره مع عدد من الأمراض الأخرى مثل الكوليرا وحبة اللشمانيا، وسط غياب  إجراءات التعقيم أو رش مبيدات الحشرات من قبل الجهات والمنظمات المعنية، كذلك يفتقر المخيم لأي نقطة طبية ما يزيد من مشكلات الوصول للعلاج والتداوي”.

آخر المصابين بالجرب داخل المخيم كان الأخوين عمر وأدهم اللذين بدأت تأثيرات المرض تظهر عليهم  على شكل تحسس جلدي وحبوب صغيرة انتشرت في أجزاء من جسديهما مصحوبة بحكة شديدة، وارتفاع في درجة الحرارة، ما لبثت أن انتشرت لتغطي جسديهما.

يقول عبد الكريم والد الطفلين “مع ازدياد الأعراض عرضت الطفلين على أحد الصيادلة المجاورين للمخيم، والذي أعطاهما مضادات تحسس ومعقمات جلدية”. ويتابع ” لم تنفع تلك الأدوية مع حالة ولديّ، ففي اليوم التالي ظهرت على جسديهما مضاعفات جديدة، متمثلة بحبوب صغيرة وطفح جلدي وتشققات صغيرة في الجلد نتيجة الحكة، وبعد  عرضهما على أحد أطباء الجلدية في مدينة الدانا تفاجأت بإصابتهما بمرض الجرب”.

ويعرف الجرب البشري، وفق منظمة الصحة العالمية، بأنه إصابة طفيلية ناجمة عن القارمة الجَرَبية البشرية (السوس)، ويحفر فيها السوس المجهري في الجلد ويضع البيض وينتشر بسرعة من خلال المخالطة اللصيقة، ويؤدي في نهاية المطاف إلى استجابة مناعية في الجسم تتسبب بحكّة وطفح جلدي شديدين.

كما أنه يحدث حكّة شديدة في المنطقة التي ينقب فيها السوس، وتزداد الحكّة خلال ساعات الليل، وتقتل الأدوية، من حبوب ومراهم وكريمات، السوس الذي يسبب الجرب وبيضه، وغالبًا لا تتوقف الحكّة تمامًا لعدة أسابيع بعد الأدوية.

انتشار الجرب في مخيمات الشمال السوري جاء بالتزامن مع تحذيرات أطلقتها منظمة “أطباء بلا حدود”، من مخاطر صحية في مخيمات النازحين بريف إدلب شمال غربي سوريا، قالت المنظمة إنها رصدتها بعد الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة، ولفتت إلى انتشار أمراض متل “الجرب والتهاب السحايا والكوليرا والحصبة والليشمانيا”، ما يتطلب تدخلاً عاجلاً لمنع انتشارها وتوفير العلاج لها.

وبينت المنظمة، أن فرق المنظمة سجلت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الجرب شمال غرب سوريا خلال الأسابيع الماضية، مؤكدة أن الظروف المعيشية المتدنية في المخيمات خلقت بيئة مواتية لانتقال الجرب.

يؤكد من التقيناهم من قاطني المخيمات ما ذهبت إليه المنظمة، ويضيفون إلى الأسباب التي ذكرت في مقدمة التقرير، الخزانات المكشوفة والاكتظاظ السكاني ما يحول دون القدرة على الحدّ من العدوى.

تقول أم إبراهيم، نازحة من ريف حلب الشرقي وتقيم في أحد المخيمات العشوائية في منطقة دير حسان، إن ابنتها شيماء البالغة من العمر ثمانية سنوات أصيبت بمرض الجرب بعد احتكاكها بشكل مباشر مع إحدى صديقاتها في المخيم، والتي تأكدت إصابتها هي الأخرى بالجرب.

وتضيف أم إبراهيم “قمت بعرض ابنتي على طبيب جلدية في مستشفى كفر لوسين وأكد لي إصابة ابنتي بالجرب ضمن مراحله الأولى”. وبحسب إم إبراهيم فإن الظروف التي يعيشونها في المخيم تزيد من خطر إصابتهم بالأمراض، سواء على صعيد الوضع الخدمي والمعيشي وصولاً إلى المراحيض العامة، إذ تشترك كل خمس عائلات على حمام واحد.

قلّة الاستحمام بسبب ندرة المياه، سبب تضيفه أم ابراهيم للأسباب الكثيرة الأخرى، تقول ” الولاد كل شهر حتى يتحمموا، حصتنا اليومية من المياه 30 لتر وكل ثلاثة أيام حتى يجي دورنا، هذه الكمية ما بتكفي للغسيل وحاليا نحنا في فصل الصيف وحاجتنا للمياه مضاعفة”.

وتضيف “الحالة المادية سيئة أيضاً، ونحن لا نملك ثمن الخبز حتى نشتري مواد معقمة أو وقود لتسخين المياه للاستحمام لذلك أكيد رح يصيبنا جرب، والله يستر من الأعظم”.

ووفق منظمة أطباء بلا حدود فإن 70% من المخيمات تعتمد فقط على نقل المياه بالشاحنات كمصدر لمياه الشرب، لافتة إلى أن النسبة ذاتها تفتقر إلى مرافق الاستحمام، كما أن 85% من المخيمات تفتقر لشبكات صرف صحي عاملة بشكل كامل.

ويقول “حليم بوبكر” المنسق الطبي لمنظمة أطباء بلا حدود في سوريا،إن “دورات المياه في المخيمات الحديثة غير الكافية و غير الملائمة تهدد النظافة والخصوصية وتزيد من خطر الإصابة بالأمراض المعدية مثل الجرب”.

خطورة مرض الجرب تكمن في كونه من الأمراض المعدية وهو ما زاد من خطورته ضمن المخيمات المكتظة بالأهالي الذين لا تفصلهم عن بعضهم البعض سوا قطعة قماش، إضافة لعدم إمكانية حجر المريض عن أفراد العائلة لحين شفائه.

يقول عمر الشيخ، رب أسرة في واحد من مخيمات أطمه، إن جميع أفراد إصابته أصيبوا بالجرب بعد إصابة ابنته التي نقلت العدوى لأفراد الأسرة. ويضيف “ما في مجال للمباعدة بيننا، جميعنا نعيش ضمن خيمة واحدة، أصيب اثنين من أخوتها بالجرب نتيجة العدوى”.

ينتج الجرب عن حشرة صغيرة لا يمكن رؤيتها بالعين المجرد تعيش في طبقة الجلد الخارجية، وتسبب الحكة الشديدة أثناء النوم وتقرحات جلدية، خاصة في منطقة الإبطين وبين الأصابع وفي الأعضاء التناسلية، بحسب الطبيب محمد اليونس الذي  أوصى بـ “التقيد بالنظافة الشخصية واستخدام المياه المعقمة وسرعة استخدام الدواء، وتنظيف كل ما يستخدمه المصابون من بطانيات ومناشف، إضافة لعزل المصاب وغلي ثيابه وتعقيم المكان والاهتمام بنظافته”.

ويضيف الطبيب اليونس “قد تحدث مضاعفات الإصابة بالجرب بسبب العدوى البكتيرية التي تؤدي إلى تكوّن القروح الجلدية والتشققات نتيجة الحك الشديد، والتي قد تؤدي بدورها إلى عواقب أشد خطورة مثل الإنتان الدموي”.

بين المناشدة والبحث عن علاج وملاحقة الأوبئة في كل عام، يتنقل سكان مخيمات في الشمال السوري بين وباء وآخر، وتسعى منظمات للحد من آثارها بعد تفاقمها دون وجود خطة مسبقة تحول من انتشار هذه الأمراض قبل الإصابة بها وتأمين سبل الوقاية منها، عبر معالجة مشكلات النفايات والصرف الصحي وإنشاء مرافق صحية خاصة ورش المكان بالمبيدات وتأمين كميات مناسبة من المياه ومواد التنظيف للسكان.