ارتفعت أسعار اشتراك باقات الإنترنت المحلية في مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي بنسبة تجاوزت 100 % مع بداية عام 2024، ما تسبب بموجة استياء عامة لدى الأهالي، بعد أن أصبح الاعتماد على المزودين الحاليين كبيراً في المنازل وأماكن العمل في ظل غياب شركات الاتصالات السورية المحلية.
أعلن مزودو شبكات الإنترنت العاملة ضمن القطاع الخاص في مناطق شمالي حلب عن تسعيرة جديدة للاشتراك الشهري، وصلت إلى ضعف التسعيرة القديمة، وذلك بحسب حجم (الميجابت)، واشترطوا إضافة إلى ذلك أن تدفع بالدولار الأمريكي أو حسب قيمة صرف الليرة التركية في الأسواق المحلية.
وتشهد أسعار الباقات تفاوتاً واضحاً من منطقة إلى أخرى، وفقاً للجدول المرفق أدناه بوحدة (الميجابت) بينما يزيد سعر الباقة حسب حجم الاشتراك، على الرغم من أن مصدر الإنترنت واحد.
أسعار الإنترنت في القطاع الخاص ضمن مناطق الشمال السوري (الدولار الأمريكي) | |||||
باقات الإنترنت | إعزاز | الباب | مارع | عفرين | إدلب |
(1) ميغابت | 4 | 2.4 | 5 | 6 | 5 |
(5) ميغابت | 8 | 4.8 | 16 | 18 | 17 |
وتسجّل مدينة الباب بريف حلب الشرقي أقل الأسعار لباقات الإنترنت حالياً، بينما تتصدر مدينة عفرين بريف حلب الشمالي القائمة تليها إدلب، مارع، إعزاز.
ويعود انخفاض سعر الإنترنت في مدينة الباب عنه في باقي المدن إلى تعميم أصدره المجلس المحلي في المدينة وريفها، نهاية كانون الثاني الماضي، طالب فيه بتحديد تسعيرة جديدة لباقات الإنترنت، بعد دعمه من قبل المجلس المحلي ذاته وولاية غازي عنتاب التركية، ما أدى إلى خفض تسعيرة الباقات في المنطقة الواقعة تحت إدارته.
وشكّل ارتفاع تسعيرة الإنترنت صدمة للأهالي، في ظل ظروف معيشية خانقة فرضتها ندرة فرص العمل وانخفاض دخل العاملين ضمن القطاعين العام والخاص، وبالرغم من أنّه ليس حاجةً أساسية أمام الاحتياجات الغذائية والصحية، لكنه وسيلة اتصال ضرورية ويومية مع الأقارب والأصدقاء بعدما تفرقت العائلات السورية نتيجة النزوح والتهجير القسري في المخيمات وبلدان اللجوء، فضلاً عن استخدام الإنترنت في مكان العمل، وبعض الوظائف عن بعد.
“سهيل العيد” صاحب ورشة موبيليا في مدينة مارع وجد نفسه أمام واقع جديد مع ارتفاع أسعار الإنترنت، الذي يستخدمه في ورشة النجارة والمنزل، حيث يدفع شهرياً مقابل اشتراك (3 ميغابت) لكل من المنزل والورشة نحو 20 دولاراً أمريكياً.
يقول “العيد”إن الإنترنت من الأساسيات التي لا يمكن الاستغناء عنها كون معظم أعمالنا التجارية تحتاج تواصلاً مع الزبائن، فهم يسألون عن المواصفات والأسعار، ويوفّرون على أنفسهم مشقة وتكلفة القدوم إلى الورشة”. ويملك العيد صفحة على موقع فيسبوك، ومجموعات تجارية على وسائل التواصل الاجتماعي بهدف عرض أعماله والأسعار، وتشكل إعلاناً مهماً، في تسويق منتجاته، وفي حال غاب الإنترنت فإن أعماله ستتعطل، بحسب قوله.
ازداد اعتماد الأهالي على الإنترنت مع كثرة مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في الشمال السوري، وغياب شركات الاتصالات (MTN) و(سيرياتل) ومؤسسة الاتصالات السورية التي تضررت أجزاء كبيرة من بنيتها التحتية من مقاسم وأبراج تغذية هوائية وشبكات اتصال سلكية ولاسلكية، ليؤدي ذلك إلى توقف الخدمة عن مساحات واسعة من المنطقة.
ومع بدء الوجود التركي في مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي عقب عمليتي (درع الفرات وغصن الزيتون) خلال عامي 2017، و 2018، عملت المجالس المحلية على إصلاح أجزاء واسعة بنسبة تجاوزت الـ 60 % من الكابل الضوئي المغذي للأحياء السكنية ضمن المدن الرئيسية ومراكز مؤسسة البريد.
المهندس في مركز بريد مارع، محمد عيد، أكّد أن بنية كابلات الألياف الضوئية موجودة في مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي منذ سنوات، لكن في سنوات الثورة الأولى كان الناس يعتمدون على اللواقط الهوائية التي لم تعد موجودة الآن.
وجود قواعد تركية في المنطقة، دعا شركتي “ترك تليكوم” و”تركسل” إلى تركيب أبراج لها في مراكز المدن بهدف تخديم القواعد والمؤسسات الخدمية في المجالس المحلية، وتزامنت مع إقبال كبير من الأهالي على شراء الخطوط التركية.
عبد الرؤوف العلي، يعمل في تجارة وتربية المواشي ويتنقل بين مدن وبلدات ريفي حلب الشمالي والشرقي، هو واحد من الأهالي الذين واجهوا مشكلة متكررة في الحصول على خط اتصال تركي للمرة الثالثة على التوالي، بسبب حاجته للإنترنت لأنه كثير التنقل. يقول العلي “أثناء عملي في أسواق المواشي وخارج المنزل أحتاج للتواصل مع عائلتي، لقد بدلّت خطي التركي عدة مرات بسبب احتراقه، كوني لا أملك “كيملك”، وكل مرة أضطر فيها لدفع مبلغ لا يقل عن 600 ليرة تركية”.
تقدم مراكز البريد (الهاتف) التي تتبع للمجالس المحلية خدمة تزويد الإنترنت للمنازل في مدن الباب ومارع واعزاز وصوران وعفرين وجرابلس وأخترين والراعي وجنديرس، بعدما ربطت شبكاتها بشبكة الألياف الضوئية القادمة من الأراضي التركية.
يختلف سعر باقات الإنترنت في مراكز البريد ضمن مدن ريفي حلب الشمالي والشرقي لأنها مراكز خدمية عامة وليست ربحية، حيث يبلغ سعر (1 ميجابت) نحو 70 ليرة تركية (2,2 دولار)، بينما سعر (5 ميجابت) نحو 190 ليرة تركية (5,9 دولار)، حسب ما أوضح مجد الخليل الذي يعمل في مركز بريد مارع.
يقول الخليل أن شبكة الكابل الضوئي في مراكز البريد تشكو من أعطال ومشاكل بسبب القصف والحفر العشوائي بحثاً عن الصرف الصحي وخطوط مياه الشركة، وإصلاحات المجالس المحلية العشوائية للبنية التحتية، وسرقة الكابلات الضوئية. ويضيف أن” المجالس المحلية ومؤسسة الهاتف غير قادرين على تغطية كافة المنطقة بسبب التكلفة المرتفعة”.
ويصل الإنترنت عبر شركتي “توليب جروب” و “Kapsam net”(وهي شركات تركية بواجهة سورية، بحسب وصف من تحدثنا إليهم) إلى مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي بكابل الألياف الضوئية من الأراضي التركية، وتعتبر المصدر الرئيسي للإنترنت سواءً في مؤسسات الهاتف أو البريد، أو شركات الإنترنت المحلية الخاصة التي تغذي مراكز البريد، وتدفع رسوماً مالية لمؤسسة البريد لمرة واحدة مقابل استخدام الكابل، بينما يبقى تنسيق العمل بين الشركة المزودة وشركات الإنترنت المحلية.
وبالعودة إلى مشكلة ارتفاع أسعار باقات الإنترنت، أوضح مصدر يعمل في القطاع، فضّل عدم الكشف عن هويته خشية مضايقات أمنية، أن الإنترنت الذي كان يصل عبر الفايبرات أو الصحون لمناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي لا يتجاوز سعر (1ميجابت) فيه 11 إلى 14 ليرة تركية، لكن مع دخول الكابل الضوئي، وإلزام الاشتراك به، خلال عام 2020، أصبح سعر (1ميجابت) يتراوح بين 16 إلى 26 ليرة تركية.
ويشير المصدر إلى أن تزويد خدمة الإنترنت الذي كان يتم عبر ثلاث شركات أسهم في استقرار أسعار الإنترنت من المصدر لفترة طويلة حتى الربع الأخير من عام 2023، حيث بدأت شركتا توليب وكابسم العمل على سحب المشتركين (أصحاب محال الإنترنت المحلية) من فيجا بشكل تدريجي عبر تقديم عروض بأسعار منخفضة استمرت حتى خسرت الشركة لصالح شركتي توليب وكابسم.
وفي تشرين الثاني 2023، ارتفع سعر (1ميجابت) إلى 33 ليرة تركية، لكنه لم يستقر لفترة طويلة حتى ارتفع مجدداً إلى 2.25 دولار أمريكي عن كل (1ميجابت) بالجملة لشركات الإنترنت المحلية، بذريعة ارتفاع الأسعار من مصدرها في الأراضي التركية، وعلى الرغم من أن الارتفاع الحاصل كان لا يتجاوز الـ 40 %، لكنّ شركات إنترنت محلية صغيرة رفعت تسعيرتها إلى نسبة 100 %، حيث تباع اليوم (1ميجابت) بقيمة 5 دولارات أمريكية في بعض المناطق، ما تسبب في ارتفاع أسعار الإنترنت على المستهلكين.