فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

شبكات الإنترنت في مخيمات إدلب خدمة سيئة بأسعار مرتفعة 

عامر عز الدين

يدفع سكان في مخيمات إدلب عن أقرانهم خارجها للحصول على الإنترنت أسعاراً مضاعفة وبسرعة أقلّ، لغياب المنافسة والرقابة على مشغليها


تتفقد نوال المحمود هاتفها المحمول مراراً، تطمئن لاتصاله بالشبكة قبل الحديث مع أخيها في تركيا، وما إن يبدأ الاتصال حتى يأخذ الحديث عن بطء الإنترنت في مخيمات أطمه بريف إدلب ، حيث تسكن، الحصة الأكبر. تتوقف الصورة في مكالمة الفيديو دون القدرة على التحميل، يصل صوتها متقطعاً، أحياناً يسبق الصورة أو يتأخر عنها، قبل أن تعود كلمة “جار الاتصال” لتنهي الاتصال.

تدفع نوال خمس دولارات اشتراكاً شهرياً للإنترنت بسرعة 1 ميغا/ثا، وتقول إنها مضطرة لاستخدام الشبكة الوحيدة في المخيم والمفروضة عليهم، إذ لا شبكات منافسة لتحسين الخدمة أو السعر.

ولا تلبي سرعة الإنترنت في مخيمات إدلب حاجة السكان، سوى لإرسال بعض الرسائل عبر واتس آب، أو  تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، تضيف نوال “لا يمكن مشاهدة التلفاز بهذه السرعة، سواء البث المباشر أو اليوتيوب”. وتتضاعف هذه المشكلة لدى الأشخاص الذين يعتمد عملهم على الإنترنت، دون قدرتهم على استجراره من شبكات خارج المخيم تلبي احتياجاتهم بشكل أفضل.

ويقول عمر، يعتمد على شبكات الإنترنت في عمله بالبرامج الإلكترونية، إنه استغنى عن شبكة المخيم الذي يسكنه ليشترك في إحدى الشبكات المجاورة.

ويضيف “النت داخل المخيم سيء فوق الوصف وما في غير شبكة وحدة، وأنا شغلي على البرامج الإلكترونية، يعني وقت بكون في نت بشتغل ووقت ما بكون في نت بوقف شغلي تماما وهو ما دفعني للاستغناء عن نت المخيم كي لا أخسر عملي”. 

تسيطر شبكة وحيدة على المخيم الذي يسكنه عمر، شأنه شأن العديد من المخيمات التي ينفرد فيها أصحاب الشبكات بفرض خدماتهم دون وجود منافس. ولم يكمل عمر شهره الأول عبر الشبكة الجديدة حتى فوجئ بصاحبها يطرق باب منزله ويطلب منه الصعود إلى السطح ليقوم بفك معداته، يقول “أبلغني صاحب الشبكة بوجود شكوى عليه من قبل مزود شبكة المخيم، بحجة اعتدائه على مناطق عمله، ما اضطره لفك معدّاته لزبائنه في المخيم خوفاً من العقوبة”.

ويستحوذ أصحاب شبكات الإنترنت على حق العمل في مخيمات محددة، بالاتفاق مع المؤسسة العامة للاتصالات، ولا يجوز بموجب الاتفاق دخول شبكات جديدة إلى المكان، ما يجعلهم، بحسب من تحدثنا معهم من مشتركين، يتحكمون بسرعة وأسعار الإنترنت في المكان.

 يقول صبحي عثمان، يسكن في مخيم الهدى التابع لمنطقة كفر لوسين، إن صاحب شبكة الإنترنت في المخيم وجّه له إنذاراً بالاستغناء عن اشتراكه من خارج المخيم. ويضيف “أعمل في ملاحقة صناديق النقود، الكوينزات، عبر منصات إلكترونية، ويتطلب هذا العمل إنترنت منتظماً وسريعاً، لكن شبكة المخيم ضعيفة ولا يمكن من خلالها أن أستمر في عملي”.

لا يكون الإنذار للمشتركين فقط، بل إلى ملّاك الشبكات التي تعمل خارج نطاق مناطقهم التي يخدمونها، وتتدرج العقوبات من الإنذار إلى المخالفات التي تبدأ بدفع ضعف فاتورة الإنترنت الخاصة بالشبكة المخالفة، ثم ستة أضعاف في المرة الثانية، وتصل إلى إغلاق الشبكة بشكل كلي عند تكرارها للمرة الثالثة.

قتيبة عوض، مالك شبكة إنترنت عامة تتوسط بلدة البردغلي المحاطة بعشرات المخيمات، حصل على إنذار أخيراً نتيجة تغذيته لبعض المستخدمين من مخيم مجاور يعتبر خارج ملاك شبكته. يقول قتيبة “معظم الأحيان أتعرض للإحراج من قبل بعض الزبائن الذين يعانون من رداءة الإنترنت داخل المخيمات بالرغم من الانعكاسات السلبية التي قد تعود علي في حال قام صاحب شبكة المخيم بتقديم شكوى ضدي نتيجة الدخول إلى منطقة عمله”. 

ويضيف عوض “أضع المستخدمين الذين يرغبون بتوصيل الإنترنت عبر شبكتي بصورة ما يحدث، وأشترط عليهم إخفاء الأمر عن المصدر في حال سؤالهم، بالإضافة لإمكانية فصل الاشتراك على الفور، في حال اكتشاف الأمر من قبل شبكة المخيم، لأن ذلك سيعرضني لمخالفة من قبل المؤسسة العامة للاتصالات قد تصل لمصادرة معداتي وإغلاق شبكتي”.

ويباع 1 ميغا/ثا من الإنترنت في المخيمات بخمس دولارات، وينقص هذا السعر خارجها بنسبة تتراوح بين 20  إلى 25%، بحسب ما رصدنا من أسعار تتراوح بين 3.5 إلى 4 دولارات للباقة ذاتها، أما عن السرعة فقد أجرى فوكس حلب وعلى مدار ثلاثة أيام في أربع مخيمات تجربة لقياس سرعة الإنترنت عبر تطبيق  speed test، وأظهرت التجربة بطئاً بنسبة تراوحت بين 30 إلى 60% عن السرعة المتفق عليها مع مزود الخدمة.

ويصل الإنترنت عبر تركيا، ومن خمسة مصادر تغذي شمالي غربي سوريا بالإنترنت وتوزّع عبر المؤسسة العامة للاتصالات التابعة لحكومة الإنقاذ، بحسب أحد العاملين فيها، والذي أضاف أن هناك “مصادر فرعية لبعض المؤسسات أو الشبكات المستقلة التي تغذّى بشكل مباشر من تركيا بعد اتفاق مع المؤسسة العامة للاتصالات، مقابل ترخيص يوازي بالقيمة المادية ما تدفعه الشبكات التي تزودها المؤسسة بالإنترنت عبر مصادرها الخمسة”.

 ويبلغ متوسط سعر باقة الإنترنت المفتوحة وبسرعة 10 ميغا/ ثا (أي عشرة أضعاف السرعة في مخيمات إدلب) بين خمس إلى ست دولارات، في الوقت الذي يتوجب على المشتركين في المخيمات دفع 9 أضعاف هذا المبلغ للحصول على السرعة ذاتها.

يبرر أصحاب شبكات المخيمات ارتفاع الأسعار بالالتزام بالتسعيرة المحددة من قبل المؤسسة العامة للاتصالات، وتجنب مخالفتها خوفاً من العقوبات التي يمكن أن تفرضها عليهم، إضافة لاختلاف طبيعة ترخيص الشبكات في المؤسسة والتي تفرض على الشبكات الخاصة (شبكات المخيمات منها) ضرائب شهرية إضافية، مقابل فتح المجال لها بالتفرد بتغذية بعض المخيمات دون وجود منافس لها، وهو ما يفرض زيادة في التكاليف ترافقها زيادة في الأسعار.

تنفي المؤسسة العامة أن تكون قد فرضت أسعاراً محددة على أصحاب الشبكات، يقول أحد مهندسيها رفض ذكر اسمه، إن المؤسسة أوعزت لأصحاب الشبكات بضرورة توحيد أو تقارب الأسعار داخل المنطقة الواحدة لمنع خلق تضارب بين أصحاب الشبكات. 

 وبحسب المهندس، فإن المؤسسة العامة للاتصالات هي المسؤولة عن توزيع الشبكات وترخيصها، وإن انفراد بعض شبكات الإنترنت بتغذية بعض المخيمات يعود لطبيعة الترخيص الذي يتنوع بين العام والخاص.

ويشرح المهندس أن الترخيص الخاص يمنح لشبكة ما بهدف تزويد منطقة محددة بالإنترنت، وغالباً ما تكون مخيمات صغيرة غير قابلة لاستيعاب أكثر من شبكة واحدة، ويمنح الترخيص وفق شروط أهمها تقديم خدمات الإنترنت للمستخدمين بالكفاءة والأسعار المناسبة، وبدورها تحتفظ المؤسسة بعدم إدخال منافسين له تجنباً لخسارته لقلة عدد المستخدمين والتكاليف التي يدفعها لتخديم المكان، أما الترخيص العام، فيتيح المجال لوجود أكثر من شبكة في المنطقة ويفتح المجال المنافسة، خاصة بوجود أعداد كبيرة من المشتركين.

ويضيف المهندس، أن إخلال أي شبكة عامة أو خاصة بالشروط المتفق عليها، سواء في جودة الإنترنت وسرعته أو التفاوت الكبير في الأسعار، وتقديم شكاوى من قبل المشتركين، يفضي إلى قيام المؤسسة بإجراءات لمحاسبة المسؤولين عن الشبكة تصل حدّ سحب الترخيص واستبدال مزودي الخدمة بشبكات أخرى.

يدفع سكان المخيمات بما يحصلون عليه من خدمة إنترنت نحو عشرة أضعاف ما يدفعه غيرهم في الدول المجاورة، ويعيق بطء الشبكات المتوفرة عمل كثر من الأشخاص الذين يعتمدون على الإنترنت في عملهم، في الوقت الذي وصلت فيه نسبة البطالة إلى نحو تسعين بالمائة، دون تدخّل من المؤسسة العامة للاتصالات لتوحيد الأسعار أو تقليصها مراعاة للظروف القاسية التي يعيشها السكان في المخيمات.