تغيب الإجراءات الدقيقة لمراقبة المواد التموينية والسلع والأدوية المستوردة أو المصنعة محلياً في أرياف حلب الشمالية والشرقية الواقعة ضمن نفوذ الحكومة المؤقتة، وتتفاوت هذه الإجراءات بين مجلس محلي وآخر، إذ يملك كل منها دائرة للرقابة التموينية تختص بمتابعة الشكاوى من قبل المواطنين، بينما يحدّد القانون الذي أصدرته مديرية الجمارك العامة آليات الرقابة حول المواد المستوردة في المعابر الحدودية.
الحاجة للتأكد من سلامة وصلاحية وجودة المواد الغذائية والدوائية والذي ترافق مع زيادة الشكاوى التي تغيب عنها الإحصائيات الدقيقة دفع مديرية الصحة في مدينة إعزاز في آب 2023 لافتتاح مخبر الشمال المركزي، وهو المخبر الأول من نوعه في ريفي حلب الشمالي والشرقي المختص بتحليل المواد الغذائية والتموينية والأدوية.
وكشف المخبر عن خلل في مواصفات منتجات مستوردة ومصنعة محلياً، فمن بين 500 تحليل أجراها خلال عمله توزّعت على 60 منتجاً دوائياً و 440 منتجاً غذائياً، أظهرت النتائج وجود 3 أصناف دوائية مخالفة و 110 منتجاً غذائياً مخالفاً لمواصفات منظمة الصحة العالمية التي يعتمدها المخبر.
ويوضح عبد الله قطاش، مدير المخبر أن من بين المنتجات الغذائية المخالفة أغذية أطفال تحتوي أصبغة صناعية يمنع استخدامها لسميتها، ومواد غذائية تحتوي على كميات كبيرة من المواد الحافظة. يقول قطاش “أجرينا تحاليل مخبرية لمادة (الماجي) وتبين احتواؤها على نسبة كبيرة من المعادن الثقيلة تشمل الرصاص والزئبق، ولها تأثير على صحة الإنسان، إضافة إلى ظروف الشراب (العصير) التي تنحل بالماء، وتحتوي على ملونات وتحلية صناعية، تشكل ضرراً على صحة الإنسان”.
ويضيف قطاش أن المخبر مجهز بمعدات حديثة قادرة على كشف المواد التي تخالف المواصفات التي وضعتها منظمة الصحة العالمية، وفي حال كشفت التحاليل المخبرية عن وجود خلل في المادة تحال إلى مديرية الصحة التي تتخذ إجراءات تشمل سحب المنتج من الأسواق ومخالفة العاملين فيه إذا كان مصنع محلياً.
يقدم المخبر خدمة التحليل المخبري المحلية للمواد الأساسية، التي تحوّل عيناتها إليه عبر مديرية الصحة وتشمل مياه الآبار، التربة، الحبوب، الطحين، المأكولات والمشروبات في المطاعم والمخابز والمقاهي، واللحوم بكافة أنواعها في المذابح، والمنتجات الغذائية المعلبة التي تباع في مراكز تجارية في حال قدمت شكاوى من المواطنين لمديرية الصحة.
يوضح مدير المخبر أن التحليل يهدف إلى الكشف عن صحة استهلاك مياه الآبار في حال كانت تحتوي على جراثيم وكلس وكبريتات كبيرة، أما تحليل الحبوب فيكون لمعرفة جودة ونضج الثمار، أما بخصوص المخابز والمطاعم والمقاهي فتشمل التحاليل التأكد من نظافة المواد الأولية المستخدمة وجودة المأكولات والمشروبات المقدمة، وتهدف تحاليل المذابح إلى التأكد من صحة استهلاك اللحوم ونظافة المكان.
يجري المخبر تحاليل على المنتجات الدوائية والغذائية المحلية أو المستوردة من أو عبر الأراضي التركية أو القادمة من مناطق سيطرة النظام وقوات سوريا الديمقراطية عبر معابر داخلية تربط بين مناطق السيطرة السورية. يضم مخبر التحاليل الغذائية والدوائية أجهزة تحليل البروتينات في المواد الدسمة، وتقدير قيمة الدسم، وآلة كشف المعادن الثقيلة، وجهاز مراقبة الماء والناقلية، وآلة قياس السكريات واللزوجة في العصائر، وأجهزة تفكيك وجهاز موازين الرطوبة، وأجهزة معايير كلاسيكية.
ويعمل المختبر أيضاً على إجراء تحاليل مخبرية للبضائع المستوردة مثل المعلبات، اللحوم، المواد الغذائية، الأدوية، الأعلاف، التربة الزراعية، الطحين، الحبوب،خاصة البضائع المثيرة للشكوك ما يستدعي تحليلها بالتعاون مع إدارة معبر باب السلامة.
تتولى الضابطة الصحية مهمة إيصال عينات من المنتجات لإجراء التحاليل المخبرية التي يجب أن تتوافق مع المواصفات التي وضعتها منظمة الصحة العالمية، إذ ترفض وتصادر في حال مخالفتها للشروط من المعبر أما المواد الموجودة في الأسواق فتسحب بشكل كلي ويتعرض المتعاملين بها للمخالفة، بحسب مدير المخبر.
ويتيح مختبر التحاليل أمام منظمات غير حكومية عاملة شمالي سوريا فرصة تحليل المواد الغذائية والدوائية قبل توزيعها على المستفيدين، وتوقع من قبل مديرية صحة إعزاز، فضلاً عن إمكانية إجراء تحاليل مواد غذائية مصنعة محلياً ضمن القطاع الخاص.
يقول الطبيب حسان إبراهيم، مدير المكتب الصحي في مجلس إعزاز المحلي: “إن شكاوى الأهالي المتكررة عن وجود منتجات غذائية ودوائية غير صالحة للاستهلاك بسبب اختلاف معاييرها أو عدم نظافتها، دفعتنا إلى إنشاء مخبر التحاليل الغذائية والدوائية، بهدف مراقبة المنتجات التي تصنع محلياً مثل المواد الغذائية المغلفة وفي المطاعم والمقاهي، والأدوية “.
وأضاف “أن الشمال السوري يفتقر إلى وجود مخبر تحاليل غذائية، بعدما تكررت حالات التسمم الغذائي نتيجة تناول أطعمة فاسدة غير صالحة للاستهلاك، نتيجة غياب الرقابة “. مشيراً، إلى أن خدمة التحاليل المخبرية متاحة لكل سكان المنطقة ضمن القطاعين العام والخاص. تقدر قيمة التحاليل المخبرية للمواد الغذائية والدوائية التي يجريها المخبر بسعر التكلفة، مع وضع ربح بسيط لتغطية نفقات المخبر ورواتب العاملين فيه.
وكانت مديرية صحة إعزاز قد خصصت رقماً خاصاً بالشكاوى عمم على سكان المدينة لتقديم الشكاوى حول وجود المواد الفاسدة أو المخالفة في الأسواق، لإجراء الاختبارات اللازمة لها، وفي حال الكشف عن وجود خلل حقيقي يجري مصادرتها وتحويلها إلى النيابة العامة أصولاً.
وتستورد المنتجات الغذائية والدوائية في شمال سوريا من معابر حدودية مع تركيا مرفقة ببيانات تحليل مخبري وشهادة منشأ، لكن قسماً منها لا يحمل بيانات واضحة، ما يدفع الضابطة الصحية إلى أخذ عينات من المنتجات وتحويلها إلى مخبر تحاليل الغذاء في محافظة إدلب، لكنها اليوم تحول إلى المخبر في إعزاز.
النسبة الكبيرة لعدد المواد المخالفة للمواصفات يظهر أهمية وجود هذه التحاليل وتعميمها على معظم المواد المستوردة والمنتجة المحلية كشرط رئيسي لتداولها في الأسواق، تجنباً للأضرار التي يمكن أن تتسبب بها على صحة وسلامة السكان والتي قد لا تظهر مباشرة، كذلك تشكل رادعاً مع غياب الرقابة لتحسين شروط الإنتاج والاستيراد من قبل المؤسسات والتجار، وتخفف من قلق الأهالي حيال ما ينتشر في أسواقهم من مواد.