فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

ما بين الأصلية والمزورة ..  تجارة العطور في الشمال السوري

حسن كنهر الحسين

يلعب الفارق السعري والقدرة الشرائية، إضافة لعمليات الغش المتبعة من قبل أصحاب محلات في المنطقة، وغياب الرقابة التموينية عليها، دوراً كبيراً في رواج العطور المزورة أو المقلدة في الشمال السوري، دون إعارة انتباه لما قد تسببه من أمراض جلدية وتنفسية.

اصطفت على أرفف أحد محلات العطورات في مدينة الدانا، بريف إدلب الشمالي، مئات الأصناف من العطور الجديدة إلى جانب الأصناف المعروفة التي كانت موجودة من قبل في السوق.

عطر “انفيكتوس” بنسخته الأحدث من شركة “باكو رابان”، التي لم يمضي على تداوله في الشمال السوري سوى أسابيع قليلة، وجد له صاحب المحل الذي زرناه مكاناً بارزاً على أحد الرفوف، وبأربع عبوات تحمل اللون نفسه واللزوجة ذاتها، لكن الأسعار تختلف بين العبوة والأخرى، والتي تبدأ من ليرة تركية واحدة للسنتيمتر الواحد حتى ثماني ليرات.

انتشرت مؤخرا مجموعة من أسماء العطور المشهورة عالمياً، وبأسعار منخفضة عن تلك المستوردة، من قبل الشركات المصدرة للعطور ذاتها. معظم تلك الأنواع نسخ مزورة عن النسخ الأصلية، أغلبها تستورد من شركات صينية، ويضاف إليها زيوت صناعية وأصبغة مركزة، بحسب من التقيناهم من أصحاب محلات العطور.

تتفاوت الأسعار بين عبوة وأخرى من النوع ذاته ويأتي ذلك تبعاً لنوعية الزيت العطري وجودته، يوضح إياس غنَّام، صاحب محل عطور.

يقول غنَّام إنه ترك للزبون حرية اختيار نوع العطر الذي يرغبه باقتنائه، إذ لا يميز معظم الزبائن بين الأصلي والتقليدي من العطر وهو ما أدّى إلى فقدانه كثيراً من زبائنه بحجة غلاء أسعاره عن باقي محلات العطور في المنطقة.

وجد الغنَّام حلاً في اقتناء أصناف مختلفة من العطور الجيدة والمتوسطة والرديئة لاستعادة ما خسره من زبائن. ويحدد جودة العطور الزيوت العطرية ومصدر استيرادها.

يعود انتشار الزيوت العطرية المزورة لأسباب منها، استيرادها عبر شركات العطور الصينية وأغلبها مركبة من زيوت صناعية، وبأسعار رخيصة الثمن، مقارنة بالزيوت الأصلية التي تباع من قبل شركاتها المنتجة نفسها، إلى جانب وجود العديد من الزيوت العطرية التي يجري تركيبها محلياً، وتتراوح أسعارها ما بين ليرة وأربع ليرات تركية للسنتيمتر الواحد.

أما العطورات المشتقة من “زيت عطر العود”، فتتجاوز المائة صنف، و بسعر تسع ليرات تركية للسنتميتر الواحد، إضافة لنوعين من عطر العود بسعر دولارين للسنتميتر الواحد، والعطورات الغربية بسعر دولار ونصف الدولار للسنتميتر الواحد.

ويتبع أصحاب المحلات طريقة أخرى للترويج للعطور المزورة، من خلال خلط زيوت عطرية أصلية بأخرى صناعية عديمة الرائحة، دون الالتفات إلى أعراضها الصحية، وتأثيرها على الجهاز التنفسي والجيوب الأنفية أو حساسية للجلد. غالبية تلك الأصناف تباع على البسطات الجوالة أو في بعض محلات العطور على أنها عطور مستوردة، وتعود بأرباح كبيرة مقارنة بالعطور الأصلية.

لا يقتصر تزوير العطور على الزيوت العطرية المكونة لها فقط، بل يشمل أيضاً نوعية الكحول اللازم لعملية تمديد الزيوت، يقول رامي الرحمون، أحد تجار العطور والكحول.

يقول الرحمون لـ”فوكس حلب”: “انتشرت عمليات تزوير الكحول، حين انقطع عن السوق كحول “الإيثانول” المستورد من هولندا، الأكثر أماناً وجودة لتمديد الزيوت العطرية، ويستخرج “الإيثانول”  من خلال عملية تخمير الفاكهة، وهو النوع الوحيد المعتمد طبياً وصحياً، وليس له آثاراً جانبية على الجسم، وخلال انقطاعه انتشرت أصناف أخرى، ولاحقاً أُعيد استيراد كحول “الإيثانول” من باكستان”.

ودخلت سوق الشمال السوري أصناف عديدة من الكحول الرديئة  مثل الـ”إيزو بربيلي” و”إيزو أتيلي”، وهي غير صالحة لخلطات العطور بشكل مطلق، كونها تمتاز بسمِّية شديدة، ولها تأثير مباشر على الجسم، كما يوضح الرحمون، إذ قد تسبب فرط حساسية مطلقة أو ظهور بثور وحبوب على البشرة.

أما كحول “الميثانول“، الذي يستخرج من حرق الأخشاب وتقطيرها، لا سيما من مصر بعد حرق قصب السكر، فيمتاز بسمية تراكمية، يظهر تأثيرها بعد فترة من الزمن على البشرة والأعصاب، بعد استخدامات متكررة، تترسب على الجسد تبعاً لتأثر البشرة به، بحسب قول الرحمون.

بالرغم من انقطاع تصدير “الإيثانول” من هولندا وارتفاع ثمنه، إلا أنه بات متوفراً من خلال استيراده من باكستان، لكن بعض أصحاب محلات العطور في الشمال السوري ما زالوا يستخدمون الأصناف الرديئة والمضرة من الكحول،  نتيجة انخفاض ثمنها مقارنة مع الكحول المعتمد في تركيب العطور.

يتذكر ياسين الخطيب الأيام التي كان يوصي بها أقرباءه المقيمين في الخليج العربي على عطر “أفشان” من شركة الرصاصي، منذ أكثر من عشرين عاماً، وما زال إلى الآن، وبعد أن تجاوز الخمسين من عمره، حريصاً على اقتناء أجود العطور، كما يروي لنا.

يقول الخطيب: “دائماً ما اعتبرت العطر، رمزاً للأناقة والجاذبية، ولا أقبل على نفسي استخدام عطرٍ رديء، والأمر شبيه بتناول أنواع من الأطعمة المطهوة على عجل، لا نكهة زكية بطعمها، ومضرة بالصحة، وكذلك العطر بالنسبة لي، لذلك أحرص على اقتناء أجود أنواع العطور والأصلية منها”.

على عكس الخطيب، يعتبر رجب الشيخ، 35 عاماً، من ريف معرة النعمان، أن العطر آخر اهتماماته، في ظل عمله الحالي كعامل بناء. إذ يقول: “من غير المعقول أن تكون يوميتي ستين ليرة تركية روح اشتري فيهن زجاجة عطر وأترك عائلتي بدون طعام وشراب”.

تبدأ أسعار العطور الأصلية بدء من خمسين دولار للعبوة الواحدة، وترتفع الأسعار حتى ثلاثمائة وخمسين دولاراً، مثل عطر الـ”كريد أفينتوس” و”عود بكرات”. أما الـ”توم فورد توباكو فانيل” و”توم وفورد عود وود” فتباع العبوة الواحدة منها بمئتي دولار، و”الترا ميل انتنس” مائة وثمانين دولاراً، و”سوفاج ديور” و”الور شانيل” بمائة وعشرين دولاراً، و”تيري دي هيرمز” بمائة وخمسة وثلاثين دولاراً.

فوكس حلب

لم تخل العطور الفاخرة  من عمليات الغش والتقليد، فهناك شركات عطور تقليدية تعمل على تصنيع عبوات مطابقة لعبوات العطور الأصلية. 

يقول وسام العلي، أحد أصحاب محلات العطور المستوردة في الشمال السوري: “لدينا في المحل عبوات عطر مطابقة لبعضها البعض في الوزن والشكل والغلاف الخارجي، وقد تجد عندي على سبيل المثال زجاجة عطر تعود للشركة الوكيلة سعرها مئة وخمسة وعشرين دولاراً، وأخرى مطابقة بالشكل تماماً لكنها من شركة تقليدية، سعرها خمسة وعشرون دولاراً فقط”.

تعدد جهات الاستيراد فتح المجال لتوافر كل أنواع العطور في السوق، المزورة والأصلية منها، إذ كانت العطور تدخل إلى إدلب من مناطق النظام فقط، ويوجد اليوم أفخر أنواع العطور والتي تعود لماركات فرنسية وألمانية وسويسرية وإيطالية، كما يوضح العلي، بالإضافة إلى مجموعة عطورات تصل من قبل وكلاء شركات العطور في إمارة دبي، مثل “العود” و”الرصاصي” وغيرها من أصناف العطور العالمية.

يلعب الفارق السعري والقدرة الشرائية، إضافة لعمليات الغش المتبعة من قبل أصحاب محلات في المنطقة، وغياب الرقابة التموينية عليها، دوراً كبيراً في رواج العطور المزورة أو المقلدة في الشمال السوري، دون إعارة انتباه لما قد تسببه من أمراض جلدية وتنفسية.