سائلة أو على شكل بودرة أو حبيبات تأخذ مواد التنظيف “الفرط” المصنعة محلياً مكانها في بيوت ربّات المنازل لاستخدامات متعددة من الاستحمام والغسيل والتنظيف، وتغيب عن هذه المواد البطاقات البيانية التي توضح محتويات المنتج، العلامة التجارية، الجهة المنتجة، العنوان، رقم الهاتف، بلد المنشأ، تاريخ الإنتاج، مدة الصلاحية، الوزن، طرق الحفظ والتخزين، إضافة إلى تعليمات الاستخدام والتحذيرات و أنواع العطور والمطهرات والمواد المستخدمة في صناعتها.
حتى على صعيد الشكل والتعبئة تغيب العبوات البلاستيكية أو الكرتونية الحافظة لهذه المواد عن أولويات مصنعيها الذين يكتفون بتعبئتها بأكياس من النايلون أو في براميل كيفما اتفق. السعر المنخفض مقارنة بمواد التنظيف المسجلة والمرخصة سواء في المجالس المحلية أو تلك المستوردة من خارج سوريا أو من مناطق النظام، هو ما يدفع السكان لشرائها دون أن يعيروا انتباهاً للأضرار التي يمكن تسببها صحياً، خاصة ما تتركه من أمراض جلدية يستعصي علاجها وتتفاقم يوماً بعد يوم، إضافة لآثار صحية على الجهاز التنفسي.
كفّا سلوى الخليل (ربة منزل من مدينة مارع) مثال عن ما تتركه مواد التنظيف المحلية غير الخاضعة للرقابة من أمراض جلدية زاد من تفاقمها الماء والطقس الباردان. أصابع وأكف مشققة، جلد مائل للحمرة عليه علامات التقشير وألم أقعد أصابع سلوى عن العمل، كان ما تشكوه السيدة التي حدد الطبيب الذي راجعته مرضها بـ “الأكزيما التي تفاقمت وتحولت إلى ما يشبه الحروق”.
تقول سلوى إن الطبيب أخبرها بضرورة “الامتناع عن استخدام المنظفات المحلية غير المرخصة لعدم خضوعها لمعايير صحية”، وإن “حالات كثيرة تتطابق مع ما تشكو منه تراجعه بسبب هذه المواد”.
يشتري زوج سلوى، شرطي في مدينة مارع، مواد التنظيف غير المغلفة لرخص ثمنها، تقول “يحتاج المنزل للمنظفات بأنواع متعددة، من الشامبو وسائل الجلي والغسيل والكلور والمعطر للأرضيات وغيرها، ويتقاضى زوجي 2900 ليرة تركية من عمله، وفي حال أردنا شراء منظفات أصلية فلن يكفي الراتب للحصول عليها دون متطلبات أخرى، ما يدفعنا للقبول بأي مواد تنظيف منخفضة السعر، حتى لو حساب صحتنا!”
ليست سلوى الوحيدة التي تجد في السعر المنخفض ما يدفعها لاختيار مواد التنظيف “الفرط” والتي تسببت لهم بأمراض متنوعة، يقول محمد العمر، مدرس من ريف حلب الشمالي، إن طبيب الجلدية الذي راجعه بشكاية “ظهور بقع واحمرار وحكة تشبه مرض الصدفية” حدّد السبب باستخدام شامبو وبلسم كان يشتريهما العمر من براميل في محال المنظفات. ويضيف العمر أن الطبيب وصف هذه المواد بـ “غير الصالحة للاستهلاك، بسبب وجود أخطاء في معايير المواد الكيميائية التي تدخل في إنتاجها، وهو ما تسبب للعمر بالتهابات جلدية”.
كمال السمعو، عامل في مغسلة سيارات ودراجات نارية، قال إنه يستخدم أنواعاً متعددة من المنظفات وبكميات كبيرة تساعد على إزالة الأوساخ والشحوم على السيارات والمحركات، تعرض لحالة مشابهة لسلوى تركت تشققاً وتسلخات على قدميه وكفيه. يقول السمعو “رغم ما تركته المهنة من آثار في جسدي سيما اليدين والقدمين، إلا أن استخدام المنظفات التي أشتريها فرط بالكيلوغرام ضاعف من شدة الالتهابات”. وأضاف “أنه يواجه آلاماً شديدة نتيجة التشققات في الكفين لاسيما خلال انخفاض درجات الحرارة التي تسببت في مضاعفة الآلام و نزف الدماء من اليدين”.
تنتشر مهنة صناعة المنظفات بمختلف أنواعها في مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي، وتشكل مصدر دخل رئيسي لمئات العائلات التي باتت تزاول مهنة صناعتها في ورشات منزلية صغيرة للتغلب على أحوال اقتصادية معيشية قاسية، لكنها لا تخضع لمعايير السلامة الصحية مسببةً أمراض جلدية مختلفة.
لمعرفة المواد المستخدمة في صناعة المنظفات ضمن ورش منزلية بدائية، يقول حذيفة رشو، يملك ورشة ومتجراً لصناعة وبيع المنظفات يدوياً منذ سنوات ” إن المنظفات تنتج عبر خلط عدد من المواد الأولية الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها من بينها التكسابون، حمض السلفونيك، هيدروكسيد الصوديوم، والملح الصخري، إضافةً إلى ملونات وعطور، حيث تُخلط المكونات بعناية ونسب محددة قبل خروجها بشكلها النهائي، بينما يمكن إضافة مواد تعد ثانوية يندر استخدامها في الورشات البدائية، من بينها الفورمالين، سيلكات الصوديوم، التايلوز، الجليسرين”.
ويفرق رشو بين المكونات واستخدامها، إذ يستخدم التكسابون في صناعة معاجين الأسنان والشامبو وسائل غسيل الأطباق ومساحيق الغسيل نظراً لقدرته على إعطاء رغوة كثيفة وشفافية للمنتج، بينما يستخدم حمض السلفونيك (الزفتة) في صناعة منظفات سائلة ومساحيق لدوره في زيادة كثافة الرغوة وإزالة بقع الأوساخ.
أما مادة هيدروكسيد الصوديوم (الصودا الكاوية/ قطرونة)، فتستخدم في صناعة الصابون والمنظفات السائلة لقدرته على إذابة الدهون والشحوم، ويعد متمماً لمادة السلفونيك في عملية التعادل ودرجة ذوبانه في الماء عالية، ويحتوي على تأثير كاو على الجلد نتيجة التفاعلات الكيميائية، بحسب رشو.
وعن الملح الصخري المعالج فقال رشو إنه يدخل في صناعة المنظفات، الصابون، الأدوية، المبيدات الحشرية، معجون الأسنان، فضلاً عن استخدامه في تصنيع الكلور والصودا الكاوية، ويشكل دوره في مسحوق الغسيل مادة مالئة، والمنظفات السائلة كمادة مثخنة ويزيد من سرعة التنظيف عبر سرعة إذابة المادة في الماء. في المقابل، لا تدخل المواد الثانوية في صناعة المنظفات البدائية شمالي حلب، رغم ما تمنحه من ثقل وغلظ ولزوجة في قوام المواد بحسب أنواعها، والحفاظ عليها أيضاً.
يقول طبيب الجلدية قاسم عزاوي إن هناك فرق واضح في مراعاة معايير السلامة بين الشركات الرسمية والمحلية البدائية، إذ تعتمد الأولى على معايير عالمية بنسب محددة من المواد وبمواد حافظة تقلل من تأثيرها على الصحة وتسببها بالأمراض الجلدية، بينما تعتمد الورش البدائية على معايير منقولة و أي خطأ في معايير وكميات المواد المخلوطة لا يمنع صاحبها من بيعها في السوق.
وأوضح الطبيب عزاوي، أنه وبشكل يومي يعاين حالات مصابة بأمراض جلدية أكثرها تشكو من جفاف في الجلد وتشققات تؤثر على حركة الأصابع، ويعزو سببها إلى “استخدام المنظفات بكثرة مثل اللودالين الفلاش و معجون الجلي والصابون ومسحوق الغسيل وتعد الأكثر شيوعاً لدى ربات المنزل”. وأضاف: أن هناك أمراض أخرى، مثل “الأكزيما التماس الأرجية” و هي تحسس ناجم عن تعرض الجلد للمنظفات، و “تظهر هذه الحالة في مناطق بعيدة من الجلد وتتفاقم مع بعض الأمراض الجلدية نتيجة التعرض للكلور إضافة إلى مرض العد الشائع المعروف بـ (حب الشباب)، والحروق الجلدية بالكلور”.
وتحدث الطبيب عزاوي عن ضرورة فرض رقابة حقيقية من الجهات المحلية على عمليات إنتاج المنظفات، خاصة البدائية، و فرض إجراءات السلامة للعاملين في المهنة من خلال ارتداء الألبسة والقفازات الواقية وجودة المواد الاولية، والنسب العالمية المحددة لخلط المواد الأولية، وتعويض العاملين عن الأضرار الناجمة.
يبقى الأهالي عرضةً لمخاطر صحية ناجمة عن عمليات تصنيع غير مدروسة، يقصدها البعض في سبيل كسب الرزق، دون معرفة بما تسببه من مشكلات صحية مستغلين ظروف السكان القاسية في الترويج لبضائعهم، مع غياب كامل للرقابة على إنتاج وبيع هذه المواد التي تملأ الأسواق.