أمام باب “مكتبة الشهيد” في مدينة مارع شمالي حلب يقف الطفل محمد عبد القادر (10 أعوام) وهو ينظر إلى الحقائب المدرسية المصطفة بانتظام على واجهة عرض المنتجات الجديدة، بينما ينزل والده من الدراجة النارية -وسيلة النقل الأكثر استخدامًا في المنطقة -بغية شراء اللوازم المدرسية التي يحتاجها أبناؤه مع بدء العام الدراسي 2023 -2024.
يبدأ محمد (تلميذ في الصف الرابع الابتدائي) باختيار الحقيبة التي يرغب باقتنائها ويطلب من والده بإلحاح شراءها له، بينما يطيل والده النظر داخل المكتبة ويتحسس ما تبقى من نقود في جيبه.
مشهد محمد ووالده يتكرر يومياً أمام المكتبات خلال موعد افتتاح المدارس الذي بدأ في العاشر من الشهر الحالي، ليمثل تأمين اللوازم المدرسية عقبة أخرى أمام الأهالي الذين يشتكون من البطالة أو انخفاض الدخل، وبعد أشهر المونة الثقيلة عليهم لما تتطلبه من تكاليف.
لم يعد هناك أولويات، يقول من تحدثنا معهم، في كل شهر هناك التزام واجب الدفع، ومعظم العائلات اختصرت ما يمكن شراؤه وفقاً لما يتوفر من دخل لا يتجاوز 70 دولاراً ما دفعهم للاستغناء عن الكثير من الضروريات، بدء من المواد الغذائية وليس انتهاء عند اللوازم المدرسية.
يعمل أكرم عبد القادر، معلماً في قرية العيون بمحيط مدينة مارع، ويتقاضى 1925 ليرة تركية (يعادل 70 دولاراً أمريكياً)، ويواجه ظروفاً معيشية صعبة، نتيجة انخفاض دخله الشهري كونه بالكاد يغطي فواتير المنزل الضرورية مثل الماء والكهرباء والخبز والغاز، دون تغطية الاحتياجات الأخرى.
حاجة أبناء أكرم إلى اللوازم المدرسية ضرورية، ولا يمكن الاستغناء عنها، لكن ظروفه المعيشية حالت دون قدرته على شراء ما يحتاجونه، سيما أن لديه ثلاثة أطفال في المدرسة، وجميعهم بحاجة إلى قرطاسية مكونة من حقيبة ودفاتر وأقلام وألوان ولوازم أخرى، إضافة إلى اللباس والأحذية.
تعصِب السيدة آمنة، نازحة إلى مدينة الدانا بريف إدلب و أم لأربعة أطفال في المدرسة، رأسها قبل دخول أيلول المدارس كما أسمته، إذ يبدأ أطفالها بـ “الطلبات” التي تفوق قدرتها على الشراء. تعمل آمنة في ورشة للخياطة وتتقاضى نحو ألفي ليرة تركية شهرياً لا تسدّ احتياجات المنزل التي اختصرتها إلى الحدّ الأدنى من كل شيء، على حدّ قولها.
تتجنب آمنة المرور بأطفالها في أسواق الدانا، حالها كحال معظم المدن التي غصٌت واجهات محلاتها وأرصفتها باللوازم المدرسية من حقائب ودفاتر وألبسة وأحذية، وبألوان وأشكال تجذب نظر الأطفال، أيضاً بأسعار متفاوتة لا تصفها بـ “الباهظة”، لكن قِصر اليد يحول دون شرائها.
يحلم الطفل بحقيبته وأدواته المدرسية، تقول آمنة، وهو ما يضعها في صراع سنوي بين حرقة قلبها لعدم قدرتها على تلبية احتياجات أطفالها وقلّة حيلتها لتحقيق ذلك، خاصة مع غياب أو ندرة المساعدات التي تخص التعليم في الشمال السوري.
يحصل الطالب في المدارس العامة على الكتب المدرسية مجّاناً ويقع على عاتق الأهالي تأمين باقي المستلزمات. ويحتاج الطالب الواحد في الصف الأول والثاني في كل فصل دراسي إلى نحو 800 ليرة تركية لتأمين لوازم مدرسية بالحد الأدنى مكوّنة من دفاتر للغة العربية والرياضيات واللغة الانجليزية وحقيبة مدرسية وأقلام وألوان بقيمة 300 ليرة تركية، إضافة لثياب (بدل واحد وبيجاما وحذاء رياضي) بقيمة 500 ليرة تركية.
ترتفع التكلفة إلى ألف ليرة تركية لطلاب المراحل الابتدائية في الصفوف الأعلى، إذ يحتاج كل طفل إلى خمسة دفاتر على الأقل، وحقيبة وأقلام وألوان وأدوات هندسية بقيمة 450 ليرة تركية، بينما يحتاج إلى حذاء رياضي بقيمة 150 ليرة تركية، وبيجاما رياضية بقيمة 150 ليرة تركية، وبدل ثياب بقيمة 250 ليرة تركية.
أما طلبة المرحلة الإعدادية والثانوية فتصل التكلفة المالية لقاء الدفاتر والأقلام والحقيبة والقرطاسية إلى 600 ليرة تركية، كما يحتاج إلى بدل ثياب مكونة من قميص وبنطلون بقيمة 300 ليرة تركية وحذاء رياضي وبيجاما واحدة على الأقل بقيمة 450 ليرة تركية. ما يعني أن الطالب يحتاج إلى مبلغ 1350 ليرة تركية.
ويتراوح سعر الحقيبة المدرسية بين 100 و350 ليرة تركية، بحسب نوعها وحجمها، أما الدفاتر فيتراوح سعرها بين 25 ليرة تركية (دفتر يحتوي على 100 ورقة) و 50 ليرة تركية (دفتر يحتوي على 250 ورقة)، ويبلغ سعر أربعة أقلام من ألوان مختلفة 30 ليرة تركية للنوعية الجيدة وينخفض إلى 5 ليرات في الأنواع الرديئة، بحسب منذر نجار، يعمل في مكتبة داخل مدينة مارع.
ويوضح نجّار أن الأهالي لا يستطيعون تحمل نفقات اللوازم المدرسية، خاصة العائلات التي يكون لديها أكثر من طالب في المدرسة ما يدفعها لاختصار الكثير من القرطاسية والاكتفاء بدفتر وقلم. وهو ما فعله أكرم الذي سجّل على دفتر الديون في المكتبة 700 ليرة تركية ثمناً لما اشتراه لأطفاله الثلاثة من قرطاسية، مكتفياً بدفترين وقلمين وحقيبة لكل منهم.
ويلجأ أهالي طلاب إلى تقنين اللوازم المدرسية أو خلق بدائل أخرى، مثل استهلاك الدفاتر والقرطاسية بشكل محدود، واستخدام الحقائب بشكل دوري من قبل الطلاب، مثل الاشتراك في وضع الكتب في حقيبة واحدة من قبل شقيقين يدرسان في مدرسة واحدة، أو ترقيع الحقيبة واستخدامها لأكثر من عام لعدد من الأشقاء والأقارب، أو إلى إرسال أطفالهم إلى المدارس دون لوازم ريثما يستطيعون تأمينها.
يقول كامل الأبرش، نازح من ريف إدلب الجنوبي ويقيم في بلدة تلالين بريف حلب الشمالي، ويعمل في مهن حرة: “أرسلت أبنائي إلى المدرسة منذ أسبوعين تقريباً، لكنهم دون قرطاسية وحقائب مدرسية، ريثما أحصل على عمل يمكنني من تغطية احتياجاتهم فلا قدرة مالية لدي”.
بعد أسبوعين من بدء الدوام المدرسي استطاع الأبرش تأمين 200 ليرة تركية لشراء لوازم مدرسية لأطفاله الثلاثة واكتفى أيضاً ببعض الدفاتر والأقلام دون شراء الحقائب أو الثياب وغيرها من الأدوات.
عبد الرحمن حاج عمر مدرس في إحدى مدارس ريف حلب الشمالي وصف واقع الطلاب بـ “السيء للغاية” من حيث تجهيزاتهم للوازم المدرسية، ما يضطرهم إلى استخدام أكياس النايلون لحمل الكتب والدفاتر والأقلام، وفي حال توفر حقيبة قديمة حتى وإن كانت مهترئة فإنهم يستخدمونها بعد ترقيعها.
وأشار المدرس إلى أن الأهالي لا يستطيعون شراء الثياب لأبنائهم في ظل الظروف الحالية، في وقت لا يتوفر فيه لباس مدرسي موحد للمدارس يعوض هذه الثغرة، ما يخلق تفاوتاً كبيراً بين الطلبة.
وأضاف أن المدرسة لا تفرض، كما في السابق، على الطلبة تأمين اللوازم المدرسية وتكتفي بما هو متاح مراعاة للظروف الاقتصادية وخشية من التسرب الدراسي الذي بدأ بالازدياد، رغم ما يشكله غيابها من صعوبات أمام المعلم والطالب والآثار التي يتركها على تحصيل الطالب العلمي، إضافة للآثار النفسية، خاصة في المراحل الدراسية الأولى.
ورصد منسقو استجابة سوريا، وجود عجز واضح في القدرة الشرائية للمدنيين وبقائهم في حالة فشل وعجز عن مسايرة التغيرات الدائمة في الأسعار والذي يتجاوز قدرة التحمل لتأمين الاحتياجات اليومية، بعدما وصلت نسبة البطالة العام إلى 88.65 % بشكل وسطي، من ضمنهم عمال المياومة.
وبحسب مؤشرات الحدود الاقتصادية للسكان المدنيين في الشمال السوري التي رصدها منسقو استجابة سوريا، نهاية أغسطس/آب الماضي، فإن حد الفقر ارتفع إلى 90.93 %، بينما ارتفعت نسبة العائلات التي وصلت إلى حد الجوع نحو 40.67 %.
تندر المساعدات من المنظمات الداعمة للقطاع التعليمي، وتقتصر على نسبة قليلة من المدارس والمراكز التعليمية المشمولة بمشاريعها، في الوقت الذي يعيش فيه الأهالي حالة من الانقسام بين رغبة أبنائهم والعجز عن تلبية الاحتياجات الأساسية ما يؤثر على إتمام العملية التعليمية بالشكل الأمثل.