فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

تراجع الليرة التركية وغلاء الأسعار إرهاق لسكان الشمال السوري

مصطفى عبد الحق

تسبب انخفاض قيمة الليرة التركية، العملة المتداولة في الشمال السوري، وثبات الأجور برفع نسبة العائلات التي وصلت حدي الفقر والجوع، مع ارتفاع الأسعار وقلة الدعم.

“الأسعار بطلوع والحال برجوع” بجملة تحمل في طياتها ألف غصّة، يصف أبو أحمد ربوع الواقع المعيشي السيء لسكان الشمال السوري، والذي زاد صعوبة نتيجة التراجع المستمر في سعر صرف الليرة التركية خلال الآونة الأخيرة، ما تسبّب في ارتفاع أسعار معظم السلع، ولاسيما المستوردة.

واعتُمدت الليرة التركية كعملة بديلة عن الليرة السورية في الشمال السوري منذ تموز 2020، بعد إقرار كل من حكومتي “الإنقاذ” و”المؤقتة” التعامل بها. العملة التركية لم تكن حلاً أفضل بالنسبة للأهالي، بل شهدت تقلبات كبيرة، إذ انخفضت قيمتها مقابل الدولار بنحو  200% منذ بدء التعامل بها في الشمال السوري وحتى اليوم.

ومنذ مطلع آذار الماضي تشهد الليرة التركية تراجعاً في قيمتها، مسجلةً أطول سلسلة من الخسائر منذ عام 1999، وقد تسارعت وتيرة الانخفاض، بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية في 28 أيار الفائت. تقلُب سعر صرف الليرة التركية، يهدد معيشة سكان الشمال المحرر، ولاسيما في ظل انخفاض مستوى الدخل، وارتفاع الأسعار بشكل مستمر.

تراجع الليرة التركية تسبّب في ارتفاع أسعار المحروقات،إذ وصل ليتر البنزين إلى 30 ليرة، بعدما كان يُباع بـ 22 ليرة قبل الانتخابات، واسطوانة الغاز ارتفعت من 250 إلى 300 ليرة تركية. يقول أبو أحمد ربوع من أهالي مدينة إدلب: “الغلاء طال كل نواحي الحياة، ولم يقتصر على السلع المستوردة مثل المحروقات والسلع الغذائية والقطع الكهربائية والإلكترونية، بل طال حتى المنتجات المحلية مثل الخضار والفواكه”.

ويضيف ربوع إنه “وفي ظل هذا الغلاء مع انهيار الليرة التركية، أصبحت تكلفة المعيشة لعائلة متوسطة، تصل إلى نحو 400 دولار شهرياً، أي ما يعادل 9500 ليرة تركية، عدا إيجار المنزل الذي يتراوح بين 50 -200 دولار، وبالتالي يصل مصروف العائلة إلى 600 دولار (14 ألف ليرة)”.

ارتفاع الأسعار لا يقابله ارتفاعاً في الدخل، إذ حافظت إلى نحو كبير أجور العمال والموظفين على نفسها، رافق ذلك انخفاض في قيمة المساعدات المقدمة من قبل الهيئات الأممية والمنظمات الإنسانية.

أولى هذه المؤشرات بدأت مع برنامج الأغذية العالمية الذي خفض عدد المستفيدين في سوريا من 5.5 مليون مستفيد إلى 3 ملايين، بحسب بيان لـ “منسقو استجابة سوريا”، حذّروا فيه من أن التخفيض سيدفع مئات الآلاف من المدنيين إلى مستويات جديدة من الفقر والجوع.

وتسبب انخفاض قيمة الليرة التركية المتداولة في الشمال السوري بارتفاع نسبة التضخم خلال شهر أيار الماضي بمقدار 1.92% على أساس شهري، و 73.32 % على أساس سنوي، وزيادة نسبة العائلات الواقعة تحت خط الفقر إلى 89.81%، والعائلات التي وصلت حد الجوع إلى 40.3%.

ويصف عبد الهادي العلي، من سكان مدينة اعزاز، هذا الفارق بين الدخل وارتفاع الأسعار بـ “المعادلة الخاسرة”، ويشتكي من انخفاض أجور العامل التي تتراوح، بحسب تقديره، بين  50-75 ليرة يومياً، أي ما يعادل نحو ألفي ليرة (85 دولار) شهرياً، ولا يغطي أكثر من 20% من احتياجات العائلة.

ويقول العلي: “اليوم الذي لا أعمل فيه، لا نجد ما نأكله، كنا نظن أن الوضع الاقتصادي سيتحسن بعد فوز أردوغان بالانتخابات، لكن الواقع ازداد سوءً، لذا نخشى ألا نجد لاحقاً ما يسد رمقنا”.

بدورها تشتكي هند، التي تعمل كممرضة في مستشفى بريف حلب الشمالي، من انخفاض القدرة الشرائية لـ الليرة التركية،  تقول: “كان راتبي قبل 5 سنوات يعادل 300 دولار، أما اليوم فلا يتجاوز 90 دولار، وبالكاد يكفي لدفع إيجار المنزل فقط، ولولا عمل زوجي أيضاً لكان حالنا مأساوياً”.

لماذا تراجعت الليرة التركية بعد الانتخابات؟

بعد فوزه في الانتخابات، عيّن أردوغان اثنين من المصرفيين المخضرمين لإدارة العملية الاقتصادية، وهما محمد شيمشك وزيراً للمالية، وحفيظة إركان مديرة للبنك المركزي، في مساعٍ جديدة لتحسين واقع الليرة التركية، لكن الوضع الاقتصادي لم يتحسن أبداً، وازداد سوء بعد انتهاء الانتخابات بدل أن يصبح أفضل.

وفسّر المحلل الاقتصادي، رضوان الدبس، سبب تراجع الليرة التركية بعد الانتخابات الرئاسية، بقوله: “ضخ الرئيس التركي أردوغان قبيل الانتخابات مبالغ مالية ضخمة من الدولار في المصرف المركزي بشكل متواصل، للمحافظة على سعر صرف الليرة التركية، كي لا تتراجع ويؤثر ذلك على حظوظه في الانتخابات”.

وأضاف الدبس  أن “هذا الإجراء استنزف احتياطي البنك المركزي من القطع الأجنبي، وبالتالي لم يعد قادراً على ضخ الدولار بشكل مستمر لتحسين قيمة الليرة، إضافةً إلى انتهاء الحافز الذي كان يضطر الحكومة لضخ العملة الأجنبية في السوق من أجله، ألا وهو الانتخابات، وهذا ما يفسر تراجع الليرة التركية بشكلٍ واضح في الأيام الماضية”.

بدوره أفاد الباحث الاقتصادي يونس الكريم، أن “استمرار انهيار سعر الليرة التركية حتى الآن، هو نتيجة عدم زوال العقبات التي يعاني منها الاقتصاد في تركيا، فهي ما زالت غير قادرة على جلب استثمارات خليجية حقيقية، وإنما قروض فقط لا تساهم في زيادة القوة الإنتاجية وجلب القطع الأجنبي”.

وأضاف الكريم أن المساعدات الدولية المقدمة لمناطق الزلزال، التي كانت تعوّل عليها تركيا لدعم عملتها وتنشيط حركة الاستثمار وإعادة الإعمار في المناطق المتضررة، لم تحقق المأمول في ظل فرض الدول المانحة مراقبة شديدة على تلك المساعدات، وعدم السماح بمرورها عبر الحكومة التركية، هذا الأمر يجعل مستقبل الليرة التركية ضبابي.

زيادة الطلب على الدولار، سبب آخر أضافه الكريم لجملة أسباب تراجع قيمة الليرة التركية، ما جعل أنقرة تصدّر منتجاتهاعوضاً من توفيرها بالسوق المحلية، بغية الحصول على القطع الأجنبي، وهذا ما سيؤدي لاحقاً إلى ارتفاع الأسعار بشكل أكبر، كما أن المستثمر المحلي والأجنبي غير متيقن من قدرة الحكومة على السيطرة على التضخم، إضافةً إلى تراجع قطاع السياحة في تركيا، كل هذا يحرمها من القطع الأجنبي، وبالتالي يؤدي إلى تدهور عملتها أكثر.

العقبات السابقة تسبّبت في تراجع الليرة التركية، وأدت إلى حالة من الترقب لدى الأتراك والسوريين، حول مستقبل العملة التركية خلال الأشهر القادمة، وما إن كانت ستستمر في التراجع أكثر.

بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية التركية، توقع بنك “جولدمان ساكس” الأمريكي، تراجع قيمة الليرة التركية بشكل تدريجي من 23 حتى تصل إلى 28 ليرة خلال 12 شهراً.

في هذا الإطار يرى الاقتصادي رضوان الدبس، أنه في حال تم وضع سياسة اقتصادية ناجحة، واتخاذ سلسلة من الحلول خلال الأشهر الخمسة القادمة، فإن الليرة ربما تتراجع إلى 26 على المدى المنظور، ومن ثم تعود للتحسّن، أما إذا تُرك الموضوع بدون سيطرة، فربما تصل إلى 30 ليرة أمام الدولار.

وتخطط الحكومة التركية لعقد اجتماع في 22 حزيران الحالي، لتحديد سعر جديد للفائدة، على أمل أن تساهم في تحسّن قيمة الليرة التركية، وسط توقعات أن يتم رفع سعر الفائدة من 8.5 إلى 25%.

لكن رضوان الدبس، توقع رفع سعر الفائدة مبدئياً إلى 10% فقط، ولاحقاً قد يتم رفعها تدريجياً إلى أن تصل إلى 20% في آخر العام، موضحاً أن رفع سعر الفائدة، لن يساهم لوحده في تحسين الليرة، بل يجب أن يترافق مع عدة إجراءات، أبرزها ضبط النفقات المالية، وزيادة الضرائب والتصدير وتخفيف الاستيراد، والأهم من ذلك خفض التضخم، علماً أن التحسّن قد لا يظهر بشكلٍ واضح إلا بعد رأس السنة القادمة، لكن المؤشرات لا تبشر بتحسّن الليرة على المدى المنظور وتنذر بالخطر.