“بالدولار أو بالليرة التركية” سؤال طارئ من تاجر في سوق هال معرتمصرين لعبد الرزاق الحسين، مزارع في بلدة كللي، توقّف عنده للحظات لاستيعابه، قبل أن يختار الليرة التركية ثمناً لمحصوله من الباذنجان.
يقول عبد الرزاق، لم أفهم جيداً ما يحصل، منذ تداول الليرة التركية كعملة معتمدة في مناطقنا ونحن نتعامل بها، ولم أكن بعد قد عرفت بالتعميم الذي أصدرته الحكومة لاستبدالها بالدولار في سوق الهال، وإلى الآن لا أعرف سبب هذا القرار وتداعياته.
وكانت حكومة الإنقاذ قد أصدرت نهاية تموز الماضي، عبر وزارة الاقتصاد والموارد، تعميماً يقضي بإلزام تجار أسواق الهال المنتشرة في محافظة إدلب وريفها، البيع والشراء بالدولار الأمريكي عوضاً عن الليرة التركية، وفي حال الدفع مباشرة بالعملة التركية يحسب سعر الصرف بالحد الأعلى حسب الشاشة المعتمدة في سوق الهال وذلك تحت طائلة المسؤولية، معللة السبب بخدمة المواطن وبخاصة المزارعين، ما أثار ردود فعل متباينة بين تاجر ومزارع وبائع مفرق و حتى المستهلك.
وعن أسباب اعتماد الدولار في أسواق الهال يقول محمد الجاسم، مسؤول العلاقات العامة في وزارة الاقتصاد، إن التعميم أتى “تلبية لحاجة المواطنين، خاصة المزارعين، وبناء على شكاوى تقدموا بها وطالبوا فيها الحكومة بتثبيت أسعار الخضار والفاكهة بالدولار حفاظاً على أسعار منتجاتهم وتجنباً للخسارة، خاصة مع تأرجح الليرة التركية والتي تضاعف انهيارها في الأشهر الأخيرة التي تلت الزلزال”.
وأضاف الجاسم أن الوزارة “عمدت لعقد جلسات ضمت تجاراً ومزارعين وذوي الاختصاص للوصول إلى الحل الأمثل”. وعن تخصيص أسواق الهال بقرار التسعير بالدولار، دون غيره من القطاعات الاقتصادية الأخرى في المحافظة، قال الجاسم: “أتى الاختيار بناء على شكاوى المزارعين بما يخص البيوع الآجلة، والمزادات على وجه الخصوص”.
يدعم مهند الخاني، مزارع مقيم بمحيط بلدة حزانو، فكرة تحديد التسعيرة بالدولار للخضار والفاكهة، يقول “تعرضت لخسارات كبيرة بسبب تأخر التجار بدفع ثمن الخضار لعدة أيام، بما يسمى (بالدفع المؤجل) وهي طريقة متبعة في كل أسواق الهال في الشمال السوري، فالتاجر يتقاضى عمولة (كومسيون) من المزارع على كل كيلو غرام يقوم ببيعه في محله، ويقتطع العمولة من ثمن المبيع بالكامل، ويحاسب المزارع فيما بعد”.
ويشرح مهند ” يتراجع سعر صرف الليرة التركية بين يوم وآخر، ما يترك فارقاً بين يوم البيع وتسديد الثمن، هذا الفارق نحن أولى به، لو كان السعر مثبتاً بالدولار، خاصة أن التراجع يترك آثاره على غلاء المنتجات كافة في السوق”.
يستغرب باسل، تاجر في سوق هال سرمدا، هذا التعميم ويجد فيه إجحافاً بحق التجار، يقول “إن معظم التجار مدينون بدفع فواتير مؤجلة للمزارعين، وإن تم تحويلها للدولار فسيتعرضون جميعهم لخسائر كبيرة”، ويضيف : “منذ ثلاث سنوات نتعامل بالليرة التركية، فكيف أبيع المنتجات بالتركي وأدفع للمزارعين بالدولار، من سيعوضني خسارتي بفرق التصريف”.
ويخالف أبو حسن، مزارع آخر في بلدة حزانو، ما ذهب إليه الخاني، يقول “إن الأمر سيّان، إذ لا توجد جدوى من تحديد السعر بالدولار، ولا سبيل لضبط الأمر إلا من خلال التجار أنفسهم”.
ويضيف أبو حسن إن “هذه الخطوة قد تفيد في حال كان المزارع سيتقاضى ثمن منتجه بالدولار، لا تثبيت السعر به فقط، وأن يحصل عليه في اليوم ذاته، لكن ما يحدث هو عملية تثبيت تضرب القيمة بالليرة التركية وتثبت عن يوم البيع، فما الداعي لذلك، خاصة وأنه لا توجد أسعار ثابتة ملزمة للبيع القائم على العرض والطلب”.
محمد زكريا الجابر، تاجر في سوق هال سرمدا، أبدى هو الآخر عدم رضاه عن التعميم الصادر، وأرجع ذلك إلى عدة أسباب منها، صعوبة حسابات التحويل التي تتغير بين ساعة وأخرى، وسعر الصرف المعتمد، إضافة لتغير سعر البضائع بين يوم وآخر وأحياناً بين ساعة وأخرى، ويتحكم في ذلك وفرتها، كثرة الطلب عليها أو قلته، توفر الراغبين بشرائها، إضافة لنضجها والخوف من تعرضها للتلف.
يقول الجابر إن هذه الخطوة تفرض أسعاراً مختلفة على المنتج ذاته ما يزيد من أعباء العمل، خاصة وأن معظم عمال سوق الهال لا يجيدون العمليات الحسابية التي وصفها بـ “المعقدة”، وهو ما أيده أبو خالد، العامل في محل الجابر، والذي يرى “أن مسألة التحويل من الدولار إلى الليرة التركية وبالعكس، ستثقل كاهله وتأخذ منه وقتاً وجهداً، ويشك بأنه سيتقنها”.
ويضرب الجابر مثالاً لتوضيح عدم صوابية التعميم وصعوبة تطبيقه، يقول ” تختلف أسعار الخضار تبعاً لعوامل كثيرة، مثل زمن القطاف والحجم والنوعية، وقبل ذلك هي تخضع لمبدأ العرض والطلب”، فالخضار قد تباع بسعرين من نفس “الشكارة”، أي ذات المنتج.
فسعر الصباح، بحسب الجابر، يختلف عن سعر العصر والمغرب، والكميات الكبيرة تتطلب منهم تخفيض السعر أحياناً مراعاة للزبون، وذلك لا ينطبق على الكميات القليلة، وكذلك الخضار الطازجة ثمنها يكون أكبر من ثمنها حين يمر عليها يوم أو يومان لتباع. يقول الجابر: “يوم الخميس أحرص على بيع كل الخضار في محلي بأي ثمن فاليوم التالي الجمعة وهو يوم عطلة، ولن تصمد الخضار حتى يوم السبت، وسيكون مصيرها التلف”.
أبو حسان كما عرف عن نفسه، تاجر آخر في سوق هال سرمدا، تحفظ على التعامل بالدولار الأمريكي، بسبب عدم توفر الفئات الصغيرة منه في المنطقة، وهي ضرورية برأيه لإتمام أي عملية بيع أو شراء، خاصة مع الكميات الصغيرة أو متوسطة الحجم. يقول أبو حسان: “كيلو الفليفلة الحمراء بسبع ليرات وخمسة وسبعين قرشاً تركيا، وإذا احتسبنا السعر بالدولار سيتطلب منا الأمر وجود فئات دولار صغيرة كالنصف والربع وحتى الأصغر منها، وهي ليست متوفرة مطلقاً”.
من جهته يقول حمدو الجاسم إن “الحكومة ستذلل الصعوبات التي تواجه تطبيق التعميم مستقبلاً، فهي ستجهز حلقات البيع في سوق الهال بشاشات تعرض أسعار الصرف لحظة بلحظة، وإن التعميم جاء لحماية للمستهلك والتاجر معاً من الخسارة و الغبن بالثمن”. وأضاف الجاسم أن “التعميم يتعلق بالبضائع ذات الكميات الكبيرة وليس بالمفرق، وهذا ما يجعل عملية الحساب والتحويل بسيطة واعتيادية”.
وأوضح الجاسم أن تسعير معظم البضائع المستوردة خارجياً أو محلياً يتم بالدولار، باعتباره عملة أكثر ثباتاً لجهة القيمة، وهو ليس طارئاً على الشمال السوري ويتعامل به جميع تجار الجملة، لكن هذا لا يظهر سوى في التبادلات الكبيرة. وتابع الجاسم أن التعميم لا يقتضي الدفع بالدولار الأمريكي، وإنما فقط شدد على جهة اعتماد الدولار في بيوع الجملة والمزادات الكبيرة، و للمشتري والبائع معاً كامل الحرية في اختيار العملة التي يتفقون على الدفع بها.
ونص التعميم على الطلب من جميع حلقات البيع في أسواق الهال، الالتزام بالبيع والشراء بالدولار الأمريكي، دون ذكر إذا ما كان المقصود التسعير أم التداول ليبقى الموضوع إشكالياً في نظر الكثيرين.
يقول تجار في سوق هال سرمدا إنهم علموا بالتعميم وقرؤوه منشوراً على غرف واتس آب مخصصة لهم، لكنهم مثل أسواق عدة لم يلتزموا صراحة بتطبيق التعميم، ولم تقم الدوريات التموينية التي تجوب الأسواق بإبلاغ التجار بضرورة تطبيق التعميم، ولم يروا الشاشات الكبيرة التي ستعرض سعر الصرف الآني التي تم الحديث عنها.
تصدر القرارات والتعاميم دون إجراءات تنفيذية تسهل عملها وشرح لأسبابها وتداعياتها، خاصة وأن معظم من تحدثنا معهم رأوا في التعميم الأخير خطوة غير صائبة في انتظار مآلاتها. ويغيب المواطن عن فكر أصحاب هذه التعاميم في ظل ارتفاع يومي للأسعار لا ترافقه حلول لمشكلاتهم، لسان حالهم يقول إن كان التعميم بتداول قوتنا سيتم بالدولار فلتحدد يومياتنا نحن أيضاً بالدولار، أم أن هذه التعاميم ما هي إلا وسيلة أخرى لفرض الضرائب والمخالفات وسحب الدولار من الأسواق.