يقطع أحمد، مهجّر من مدينة حلب، أكثر من خمسة وعشرين كيلو متر يومياً من منزله في مدينة الأتارب إلى ترمانين في ريف حلب الغربي لحضور امتحان الشهادة الإعدادية، الذي بدأ في الخامس من تموز الجاري، بعد تأجيله نحو شهر كامل بسبب الزلزال الذي ضرب المنطقة.
في مدينة الأتارب ستة مراكز امتحانية، لكن خطأ ارتكبته مديرية امتحانات إدلب، الجهة المسؤولة عن التسجيل للامتحانات وتوزيع الطلبة، كلّف الطالب أحمد وأكثر من ألف طالب آخر قطع مسافات طويلة للوصول إلى مراكز امتحاناتهم، ودفع تكاليف إضافية، خاصة مع غياب وسائل النقل العامة، ما أجبر أسرهم على إيصالهم بأنفسهم عبر طلبات خاصة.
إضافة للأخطاء اللوجستية بالتوزيع، يشكو طلاب ومراقبون ورؤساء مراكز امتحانية من قلّة الوقت المحدد لإجراء الامتحانات وسوء في التنسيق وتأخر في المعاملات الورقية، كذلك من تأمين أجواء مناسبة للامتحانات تريح الطالب والمراقبين، خاصة ما يتعلّق بالمراوح والستائر، وغيابها عن كثير من المراكز، في ظل ارتفاع درجات الحرارة ما يؤثر على نتائج الطلاب الامتحانية، على حدّ قولهم.
يقول، حمدو حجون رئيس دائرة التوجيه الاختصاصي في إدلب، إن الوزارة عملت على تجهيز المراكز الامتحانية كافة، من حيث صيانة المقاعد وتأمين الكهرباء والستائر ولصاقات بأسماء الطلاب، ونظمت عمل المراقبين، إضافة لتشكيل لجان من المناديب للإشراف على العملية الامتحانية.
وأضاف حجون أن مديرية الامتحانات تبدأ بتوزيع الأسئلة صباح كل يوم امتحاني ضمن مغلفات توضع في صناديق مقفلة لضمان عدم تسريبها، بمساعدة وزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ، على 232 مركزاً امتحانياً توزّعت على مدن وبلدات إدلب لضمان تأمين مركز امتحاني للطلبة يراعي القرب من مكان إقامتهم.
ويخضع نحو 50 ألف طالب لامتحانات الشهادتين الثانوية والتعليم الأساسي، منهم 13560 طالباً في الثانوية العلمية، 7462 في الثانوية الأدبية، 121 في الثانوية الشرعية، 99 في الثانوية المهنية، إضافة لـ 28322 طالباً في مرحلة التعليم الأساسي العامة و 697 في التعليم الأساسي الشرعي.
يقول والد الطفل أحمد إن التوزيع لم يراع القرب من مكان السكن في حالة ابنه وأكثر من ألف طالب آخرين، فأحمد الطالب الوحيد في الأتارب الذي تفاجأ قبل الامتحان بنحو عشرة أيام، وبعد حصوله على البطاقة الامتحانية أنه سيقطع كل هذه المسافة للوصول إلى مركزه الامتحاني.
يدفع والد أحمد نحو ثلاثمائة ليرة تركية (ما يحصل عليه عامل في إدلب لمدة أسبوع كامل) عن كلّ يوم امتحاني للوصول إلى المركز، إضافة للوقت الذي يحتاجه من الخروج باكراً لضمان وصوله في الموعد المحدد، يقول: “لم تفلح المراجعات التي قمت بها إلى مجمع ترمانين التربوي الذي طلب مني تقديم طلب في دائرة الامتحانات بإدلب، رفض بسبب وجود تعميم من قبل وزارة التربية يقضي بعدم السماح للطلبة بالانتقال من مركز إلى آخر، كذلك لم نتلق أي رد من الوزارة عن الرسالة التي أرسلتها بهذا الخصوص أيضاً، ليبقى الأمر على حاله!”
لا ينكر أبو يوسف، رئيس مركز امتحاني أخفينا اسمه خوفاً من محاسبته، عمل وزارة التربية في تسهيل العملية الامتحانية وتأمين قسم من المستلزمات لإنجاحها، لكن “هناك أمور يجب تداركها في الأعوام القادمة”، على حد قوله.
أهم ما يجب تداركه، بحسب مدير المركز، توزيع المراكز بما يتناسب مع القرب والبعد عن مكان الإقامة، ومراعات الوقت المخصص لكل مادة دراسية بما يتوافق بين طول الأسئلة والزمن اللازم لحلّها، كذلك التنسيق الجيد لوصول (الورقيات) التي تأخّرت رغم الوعود المقدمة في الاجتماعات التي سبقت العملية الامتحانية بتأمينها في الوقت المحدد.
ويشرح مدير المركز، على سبيل المثال، أن ورقة تفقد الطلاب وصلت في ثاني أيام الامتحانات، رغم أن الوزارة فرضت التفقد في العام الحالي بموجب البطاقة المثبتة على المقعد من خلال (باركود) مخصص تتم قراءته ونقله إلى الورقيات الخاصة بسجل الدوام.
وجود مراكز امتحانية تضم الشهادتين الإعدادية والثانوية مشكلة أخرى يراها أبو يوسف، لما تسببه من أعباء على الكادر الإداري في هذه المراكز، يقول “سبقت الامتحانات اجتماعات طلب فيها فصل مراكز كل شهادة عن الأخرى، لكن العجز المادي وقلة الدعم حال دون ذلك، إذ أن هناك مراكز تضم أكثر من 13 قاعة تحوي أكثر من 300 طالباً.
ويرى عبد الواحد، أمين سر أحد المراكز الامتحانية، أن اختيار المراكز كان عشوائياً، سواء بالنسبة للكوادر الامتحانية أو للطلبة، إذ تتجمع معظمها في مراكز المدن، قسم منها بأعداد كبيرة ما يشكل ضغطاً على المراقبين والإداريين واحتمال وقوعهم في أخطاء خلال عمليات التفقد، كما يزيد من التعب والتكاليف عليهم. خاصة مع ندرة وسائل النقل العامة أو غيابها كلياً، وما تخضع له هذه الوسائل من عمليات تأخير وازدحام قد تتسبب بتأخر وصول الطالب في الوقت المحدد، الأمر الذي سيؤدي إلى عدم السماح له بالخضوع للامتحان، إذ لا يسمح لهم بدخول القاعات بعد توزيع الأسئلة.
المشكلة المكررة سنوياً هي قلة أجور الكوادر التعليمية المكلّفين بالمراقبة أو الإشراف على العملية الامتحانية، يقول عبد الواحد، إن الأجور لا تغطي تكاليف التنقل وحدها وهو ما دفع كثر من المعلمين والمعلمات للاعتذار عن التكليف بحضور الامتحانات.
ويضيف عبد الواحد مشكلات أخرى صادفتهم خلال العملية الامتحانية منها النقص الكبير في المستلزمات، مثل المراوح والستائر، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة في تموز، يقول “أشعة الشمس تدخل إلى الغرف الصفية، الطلاب كانوا يشتكون من عدم قدرتهم على التركيز في هذا الجو الحارّ، طالبوا بحلّ لكن ذلك لم يكن بالإمكان، رغم المناشدات التي رفعت للوزارة والاجتماعات التي سبقت الامتحانات وتقديم لوائح الاحتياجات في كل مركز”.
ويضيف “تأمين الكهرباء في بعض الطوابق والمراوح ومبردات الماء وعود لم تتحقق من قبل الوزارة في كثير من المراكز، وطلب إلينا حلّ هذه المعوقات وتعبئة النواقص على نفقة المراكز الخاصة بشراء أقمشة مستعملة من البالة واستخدامها كستائر!”.
شكاوى أخرى حملها الطلبة عن طبيعة الأسئلة ومعاملة المراقبين في مراكز امتحانية والتي وصفوها بـ “القاسية”، لكن تهيئة الجو الامتحاني يبقى العائق الأكبر الذي يحتاج إلى تطوير ودعم من قبل وزارة التربية أو المؤسسات المعنية وتسهيل وصول الطلاب إلى مراكزهم دون أن تحرمهم التكلفة المالية من الخضوع للامتحانات، وضمان تحصيلهم العلمي.