أُنجزت آلاف الوحدات السكنية في مناطق واسعة على الشريط الحدودي في إدلب وحلب، ضمن مشاريع للتخفيف من صعوبة الحياة في الخيام ونقل النازحين إلى بيوت إسمنتية و تجمعات سكنية، شارك في ذلك منظمات وفرق محلية ودولية، بالتعاون مع المجالس المحلية والوزارات المعنية، معظمها بنيت على أراضي ملكيات عامة، وفق مذكرات تفاهم.
سنسلط الضوء في تحقيقنا بالدرجة الأولى على ملكية الأراضي التي تقام عليها التجمعات السكنية، وسلامة عمليات التعاقد التي تجري حالياً في ظل الظروف التي تعيشها البلاد، ورصد أبرز التداعيات المحيطة بها، وأخيراً على جزئية إلى مَن ستؤول ملكية هذه التجمعات لاحقاً.
خيام.. طين.. إسمنت
بدأت أولى مخيمات الطين والإسمنت بالظهور في الشمال منذ عام 2013 بمبادرات فردية وخاصة، ثم توسعت بمرور الوقت لتصل إلى مرحلة المشاريع و التجمعات السكنية ابتداء من عام 2016، قبل أن يتم تبنيها بشكل رسمي في عام 2020.
تكتب قصة التجمعات السكنية حكاية التغريبة السورية التي بدأت تتشكل في شمالي البلاد، بدء من دوافع التحول إلى البيوت بسبب قسوة الحياة في الخيمة، وإدراك النازحين أن الحالة السورية دخلت في استعصاء يبعد الحل والعودة المرتقبة للنازحين إلى بيوتهم ومدنهم وقراهم.
كما سجلت بعض الحالات محاولة النازحين استنساخ حياتهم السابقة مثل التضامن والبناء بين سكان قرية ما أو حي في مدينة ما، كما حدث مع سكان رتيان، الذين أقاموا في ريف إدلب نسخة مصغرة عن قريتهم، في محاولة للدفاع عن الروابط الاجتماعية التي تشكل ذلك الخيط المتين من الهوية والانتماء.
وكما أن معظم النازحين قد استبدت بهم الظروف الاقتصادية والعجز المادي، فقد شكلت المشاريع و التجمعات السكنية لاسيما المتبناة من المنظمات حلاً للانتقال من الخيمة إلى البيت، في إعادة تشكيل قسري للمنظومة الاجتماعية التي كانت سائدة بما ينطوي ذلك على سلبيات وايجابيات جمة.
وتبرز هذه المعضلة بشكل جلي في ردة فعل كثير من السوريين على إعلان الرئيس التركي في مايو من العام الجاري عن مشاريع تهدف إلى تشجيع “العودة الطوعية” لنحو مليون سوري لاجئ في تركيا، وفق ما نقلته حينها قناة “A Haber” التركية. وتلخصت ردة الفعل في مخاوف ملايين اللاجئين من ترحيلهم باعتبار أن العودة الطوعية تكون إلى البيت الذي غادره اللاجئون وليس إلى أي مكان تختاره حكومة أجنبية.
في العموم، تؤشر تلك التجمعات السكنية على أنها حجر أساس لظهور مدن وقرى قد تتوسع وتبقى، وقد أحصى تقرير نشرته وحدة تنسيق الدعم في حزيران الماضي 117 تجمعا سكنياً، بلغ عدد قاطنيها أكثر من 170 ألفاً، يشكلون أزيد من 32 ألف عائلة، معظمها تركزت في محافظة إدلب، بواقع 93 تجمعاً.
وجدت الدراسة أن عدد الأبنية ضمن 41 تجمعاً لا يزيد عن 107مبنى. وفي الوقت ذاته فإن 29 تجمعاً تحتوي ما بين 108-207 مبنى، و16تجمعاً تضم ما بين 208-307 مبنى، و10 تجمعات سكنية فيها ما بين 308-407 مبنىً. وتتألف غالبية المباني من طابق واحد يضم منزلاً من غرفتين. وأوضح التقرير أن 35 تجمعا تم بناؤها على نفقة السكان أنفسهم معظمها كانت مخيمات، في حين أن المنظمات الدولية انشأت 31 تجمعاً سكنياً، و8 تجمعات أنشأها مقاولون.
اللافت في التقرير المذكور أن نحو 84 في المئة من التجمعات السكنية أنشئت قرب قرية أو مدينة، وهو ما يؤشر إلى أن هذه التجمعات السكنية قد تشكل مستقبلاً امتداداً تتوسع من خلاله مدن وبلدات الشمال السوري.
على أي أراض تقوم المجمعات السكنية؟
أظهر المسح بأن المجمعات التي تقف خلفها المنظمات الحكومية التركية تقوم على أراض ملكيتها للدولة، في حين تركز منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الإغاثية والفرق التطوعية والأفراد على بناء التجمعات فوق أراض خاصة، يتم شراؤها عادة من أصحابها.
ورغم تأكيد غالبية المسؤولين عن إقامة المشاريع الممولة من جانبهم والمقامة على أملاك الدولة في أراض حراجية أو جبال صخرية، إلا أن الدراسة بينت أن 50٪ من هذه المشاريع أقيمت فوق أراض زراعية بالفعل، وبواقع (59 مجمعاً) من بين 117 مجمعاً تم تنفيذه أو المباشرة بتنفيذها حتى نيسان/أبريل 2022 ويزيد عدد المنازل فيها على الأربعين شقة.
وحسب الدراسة فإن 10 % (12مجمعاً) أُنشئت على أراض کانت أحراجاً أو تلالاً مزروعةً بالأشجار، فیما أُنشئت 36 % (42 مجمعاً) من المجمعات السکنیة على أراض وجبال صخرية قاحلة، وفقط 3 % (44مجمعات) من المجمعات السکنیة أُنشئت على أراضي مسطحة في ساحة کانت مخصصة لبناء حكومي أو مدرسي.
والواقع فإن معظم التجمعات السكنية التي أنشئت على أراض زراعية هي تجمعات عشوائية أنشئت على نفقة قاطنيها الشخصية، بعضهم اشترى الأرض من مالكيها أو استأجرها منهم بغرض البناء المؤقت إلى حين انتهاء الدافع الذي أجبرهم على النزوح، وبعضهم حصل على هذا الحق مجاناً من قبل المالك، فيما أقام البعض الآخر منازل خاصة به وبأفراد عائلته، أو بغرض التأجير والبيع فوق أرضه وبشكل عشوائي.
التجمعات العشوائية
توجد عدة أمثلة على هذه الفئة في مناطق مختلفة من الشمال، سواء في مناطق سيطرة الجيش الوطني أو هيئة تحرير الشام، كما حصل في مناطق عديدة من ريف إدلب، وخاصة في جبل الزاوية، حيث استعاد الكثيرون أراضيهم التي استملكتها الدولة قبل عام 2011، وقاموا بالبناء عليها بغرض السكن أو لغرض تجاري، بينما منحت الفصائل التي كان لها النفوذ هناك مساحات أخرى للنازحين والأهالي من أجل البناء فيها دون ترخيص أو أي إجراءات.
لكن الحالة الأوضح والأبرز في إدلب في هذا السياق، هي التجمع السكني الذي أقيم خلال السنوات الماضية شمال المدينة على طريق سرمدا، حيث تحولت مساحة تمتد على طول أكثر من كيلو متر من الأرض الصخرية إلى ضاحية سكنية، تشمل المنازل والمتاجر بالإضافة إلى محطة انطلاق للحافلات (كراج سفر داخلي).
الصحفي حسين العمر وهو من إدلب، قال لفوكس حلب: “إن المساحة الممتدة من دوار سرمدا في أطراف إدلب الشمالية، أو ما يعرف بساحة باب الهوى القديمة، وبين أول حاجز تابع لمعبر باب الهوى، كانت في السابق عبارة عن أراض صخرية ملك للدولة، وقد شهدت أول عملية استيطان ابتداء من عام 2014 عندما وجد فيها النازحون، الهاربون من مناطق أخرى سيطرت عليها قوات النظام، مكاناً مناسباً لإقامة خيامهم فيها، بسبب عجزهم عن استئجار منازل في مدينة سرمدا.
ويضيف: عانى المقيمون في هذه المنطقة بشدة نتيجة عدم توفر أي خدمات فيها، وخاصة المياه، وقد استمرت معاناتهم لسنوات قبل أن تسيطر فصائل المعارضة على إدلب ولاحقاً انضمام أفواج جديدة من النازحين إليهم، ما دفع الكثير منهم إلى تحويل خيمهم إلى شقق من الطوب، لتشهد تطوراً تدريجياً بمرور الوقت حتى باتت اليوم ضاحية شبه متكاملة، تضم بالإضافة إلى التجمعات السكنية، ورشاً ومعامل ومعارض سيارات وغير ذلك، وبالتأكيد فإن هذا التطور العمراني لم يكن ليحصل بدون موافقة من حكومة الإنقاذ أو هيئة تحرير الشام.
يذكر أن هذه التجمعات العشوائية تشكل ما نسبته 30 بالمئة من مجموع المشاريع السكنية التي أنشئت في الشمال بعد عام 2020 على وقع أزمة النزوح الأخيرة من ريفي حلب وإدلب الجنوبيين، بينما كانت نسبة المشاريع التي نفذتها جهات تركية بشكل مستقل أو بتمويل من جهات خيرية أخرى (هي في الغالب قطرية وكويتية) 26 بالمئة، وذلك حسب دراسة وحدة تنسيق الدعم.
مشاريع مثيرة للجدل!
في ريف حلب وعلى الرغم من وجود الكثير من التجمعات العشوائية الصغيرة المتناثرة في مناطق سيطرة الجيش الوطني، ورغم الحركة العمرانية النامية التي شملت المخالفات بطبيعة الحال، إلا أن المثال الذي أثار جدلاً كبيراً وكان محط اهتمام حقوقي وإعلامي واسع، هو المشروع السكني الذي أقيم في منطقة (جبل الأحلام) بريف عفرين شمال حلب.
فقد نشرت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” تقريراً في حزيران/يونيو 2022 حمل عنوان “التجمعات السكنية في عفرين: مخططات هندسة ديمغرافية أم مشاريع لإيواء نازحين؟” اتهمت فيه جهات سورية معارضة، ومؤسسات حكومية تركية، وجمعيات خيرية عربية، بتنفيذ مشروع سكني “غير قانوني” الهدف منه “المساهمة في عملية تغيير ديموغرافي للمنطقة، من خلال توطين سكان نازحين إليها بشكل نهائي”.
وحسب التقرير فإن “عدداً من فصائل الجيش الوطني السوري/المعارض، قامت ببناء واحدة من أكبر المستوطنات البشرية التي خُصصت في معظمها لإسكان مقاتلي الجيش الوطني السوري/المعارض وعائلاتهم في منطقة عفرين، التي يشكّل الكرد السوريون النسبة الأعظم من عدد سكانها تاريخياً”.
يقول التقرير إن الإفادات التي حصلت عليها منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” أكدت “بأنّ والي ولاية هاتاي التركية هو أحد المسؤولين المباشرين عن بناء ذلك التجمع، من خلال إعطاء الضوء الأخضر لعدد من المنظمات الإغاثية المحلية والدولية من جهة، والمجلس المحلي لمدينة عفرين من جهة أخرى، للبدء ببناء التجمّع على سفح الجبل وتخديمه، بعد أنّ عرضت مجموعة من الفصائل المعارضة وعلى رأسهم الجبهة الشامية فكرة المشروع وسهلت تنفيذه.
تقرير كان قد أثار ردود فعل متباينة، لكن أبرزها تلك التي اعتبرت أن المنظمة التي نشرته عملت على تسييسه “من خلال تصوير المشروع على أنه جزء من عملية تغيير ديموغرافي يستهدف المناطق ذات الغالبية الكردية شمال حلب”.
المعترضون رأوا أنه مشروع مؤقت وهدفه إيواء عوائل نازحة من مناطق سورية مختلفة، بما فيهم أسر مقاتلين في الجبهة الشامية وفصائل أخرى، وأن التعامل مع هؤلاء النازحين يجب ألا يكون مختلفاً عن غيرهم من السوريين الذي يحصلون على فرص مماثلة في أماكن أخرى، بغض النظر عن انتماءاتهم القومية والأثنية والمكان الذي انتقلوا للعيش فيها حالياً كنازحين بانتظار عودتهم إلى منازلهم.
لكن المنظمة ردت من خلال موقعها الإلكتروني بأن الأمر “تجاوز دور بعض المنظمات في تقديم الخدمات العامّة لعائلات المقاتلين، إلى بناء قرى بأكملها، وذلك لإضفاء صبغة مدنية على المشروع المخصص أساساً لإسكان المقاتلين وعوائلهم؛ ومنها قرية (كويت الرحمة) التي بُنيت بدعم من (جمعية الرحمة العالمية) ومتبرعين من دولة الكويت، وذلك بحسب (جمعية شام الخير الإنسانية) التي نفّذت مشروع القرية.
بدورها نفت كل من الحكومة المؤقتة ومجلس مدينة عفرين أي مسؤولية لهما أو دور في المجمعات السكنية التي أقامتها الفصائل العسكرية في منطقة جبل الأحلام بريف عفرين، مؤكدين أنهما لما يمنحا أي ترخيص أو يقدما أية خدمات لهذه المشاريع.
وزير الإدارة المحلية في الحكومة محمد سعيد سليمان، والذي يشغل أيضاً منصب رئيس المجلس المحلي لمدينة عفرين، أكد في تصريح لفوكس حلب “أن المجلس لم يمنح الجهات العسكرية التي قامت بالبناء في هذه المنطقة أي ترخيص، كما لم يقدم لها تخصيصاً للأرض التي أقيمت عليها المجمعات السكنية”.
وحسب سليمان “فإن مقاتلين في بعض الفصائل، بالإضافة إلى نازحين من مناطق سورية أخرى، بادروا إلى بناء وحدات وشقق سكنية في أراض واقعة في منطقة جبل الباسوطة (الأحلام) بدون أي غطاء من المجلس المحلي أو الحكومة المؤقتة، أما فيما يخص قرية “كويت الرحمة” فهي جهة مدنية ومؤسسة خيرية لا تحمل أي أجندة سياسية، وهدفها مساعدة النازحين بغض النظر عن قوميتهم أو طائفتهم، ولذلك كان من الواجب التعاون معها ومنحها تخصيصاً من أراض أملاك الدولة دون التجاوز على أي ملكية خاصة، كما حصل في مناطق أخرى من قبل المجالس التي تديرها.
إضافة للوحدات السكنية في جبل الأحلام أحصت منظمة حقوق الإنسان في عفرين العديد من التجمعات السكنية التي بنيت في مناطق مختلفة من منطقة عفرين، سواء على أملاك الدولة أو على ملكيات شخصية قالت المنظمة إن أصحابها أجبروا على التوقيع على تنازل عن ملكياتهم، أبرزها: ناحية الشيخ حديد، ناحية جنديرس في قرى عديدة تتبع لها منا دير بلوط وديوان تحتاني و فوقاني وإيسكا وجلمة، في عفرين المدينة حي المحمودية على طريق راجو، قرى خالتا ودير مشمش، ناحية راجو في بلدة ميدان اكبس، ناحية شران في قريتي بافلون وعلقينا، في ناحية بلبل وناحية شيروا قرية شاديره.
الآليات!
بالنسبة للمشاريع التي نفذتها الجهات التركية في المناطق التي تديرها حكومة الإنقاذ (إدلب وريف حلب الغربي) فقد تواصل فريق التحرير مع المسؤولين في الحكومة من أجل الحصول منهم على توضيحات بهذا الخصوص إلا أنه لم يتلق أي رد.
لكن مصادر خاصة في وزارة التنمية بحكومة الإنقاذ أوضحت أن الحكومة لا تمنح أراضي أملاك الدولة بشكل مباشر لأي جهة، وإنما تُخصصها لوزارة التنمية والشؤون الإنسانية، التي تقوم بدورها بتخصيصها لمصلحة منظمة أو جمعية بهدف إقامة المخيمات والتجمعات السكنية بمختلف أنواعها.
المصادر التي فضلت عدم ذكر اسمها أضافت أن منح الأرض للجمعية لا يكون بمثابة تنازل أو بيع أو تأجير، بل هو تخصيص، بمعنى أن رقبة العقار تبقى أملاك دولة، والتخصيص فقط للانتفاع من العقار بشكل مؤقت وضمن شروط، على أن تُحدد الغاية من التخصيص والمدة وبقية التفاصيل ضمن قرار التخصيص.
أحد منفذي الكتل السكنية في واحدة من المنظمات شرح لفوكس حلب أن الأمر يتم وفق اتفاق مع وزارة التنمية، تمنح من خلالها الأخيرة أرضاً من الأملاك العامة لبناء المخيم السكني، ويجري الاتفاق الإداري على إسكان العائلات في المخيم وفق حصة بين إدارة المهجرين والمنظمة، كذلك الاتفاق على إدارة المخيم وباقي الخدمات الأخرى، دون أن يكون هناك أي عقد يفضي بملكية المنظمة للمشروع، بل يعود الحق في العقار إلى المجالس المحلية في كل منطقة.
وأضاف أن “للمستفيدين فقط الحق في الانتفاع من هذه الشقق لا ملكيتها”، إذ ” تخصص الأراضي من المجالس المحلية بالتوافق مع وزارة التنمية ومسؤول المخيمات”، ثم يمنح المستفيد عقد إعارة أو استفادة يحق له بموجبه الاستفادة من السكن وفق شروط يتعد بها بعدم “بيع العقار أو تغيير معالمه”، وتوضح له المنظمة أن هذا العقار ليس ملكاً شخصياً.
يقول من تحدثنا معهم من مستفيدين إن عقودهم تضمنت هذه البنود، زاد عليها في مخيمات أخرى تعهداً بعدم مغادرة المخيم دون إخطار الإدارة، وتسلم الشقة خلال مدة محددة.
يفرق أحد المسؤولين عن هذه المشاريع بين ثلاثة أنواع من العقارات، أولها ما يكون مشترى من قبل الأهالي وتساعد المنظمات في بنائه، وفي هذه الحالة يكون المستفيد مالكاً للعقار، إضافة لعقود المنفعة، وهي عقود التوسعة لأشخاص يملكون أرضاً أو عقاراً مجاوراً لأحد المخيمات ويجري الاستفادة منها بالتوسعة، وعقد المنفعة، وهو النوع الأول الذي تحدثنا عنه، ويكون للمستفيدين من مخيمات بنيت على أراضي الدولة ولا يحق فيها للمستفيد التملك أو البيع أو تغيير المواصفات.
أما فيما يتعلق بالمشاريع المشابهة التي تنفذ في مناطق سيطرة الجيش الوطني، فقد أكد محمد سعيد سليمان، وزير الإدارة المحلية في الحكومة السورية المؤقتة، أنها تقام بالتنسيق بين الجهات الممولة والمنفذة وبين المجالس المحلية في المناطق التي تقام فيها، كما يحفظ للمجلس الحق بمتابعة هذه المشاريع والتأكد من سلامتها وصلاحيتها للسكن، إلى جانب إدارة الخدمات فيها بطبيعة الحال.
لماذا المجالس المحلية؟
من الواضح أن المنظمات والمؤسسات الخيرية غير السورية، المهتمة بتنفيذ مشاريع سكنية للنازحين في الشمال، تحصر العلاقة بهذا الخصوص مع المجالس المحلية، باعتباره الجهة الرسمية ذات الاعتبار الأقوى في الوضع الحالي بهذه المناطق، حيث يمنحها قانون الإدارة المحلية رقم (107) الصادر عام 2011 صلاحيات واسعة فيما يخص إدارة وتطوير المناطق الواقعة في نطاق إدارتها، ورغم أن النظام لا يعترف بالمجالس التي تأسست في المناطق الخارجة عن سيطرته، إلا أنه وفق القانون الدولي تبقى هذه المجالس الجهة الأكثر شرعية من بقية المؤسسات الإدارية الموجودة في هذه المناطق بحكم الأمر الواقع، ” وتبقى مشروعية قرارات المجالس المحلية وأعمالها في هذا الجانب متوقفة على مدى التزامها بمجموعة من الشروط والمحددات المطلوبة” حسب المحامي أيمن أبو هاشم.
أما هذه الشروط والمعايير، فيشير أبو هاشم في حديث مع “فوكس حلب” إلى أنها محددة في القانون السوري الناظم لعمل الوحدات الإدارية، وكذلك القوانين المتعلقة بالبناء على الأملاك العامة “باعتبار ذلك حق محصور بالدولة، وفي إطار شروط ومعايير قانونية واضحة تهدف إلى تحقيق مصلحة عامة، مثل حل مشكلة الإسكان أو بناء مرافق عامة”.
ويضيف أن إدارة مناطق الشمال السوري من قبل سلطات الأمر الواقع لا يعفيها من ضرورة الالتزام بتلك الشروط والمعايير، إذا ما استخدمت أو استغلت أو استثمرت الأملاك العامة ضمن مناطق سيطرتها. مشدداً أنه “ورغم ضرورة بناء مجمعات سكنية تساعد في تحسين شروط عيش النازحين، إلا أن الوحدات الإدارية في تلك المناطق ملزمة بأن توضح في التراخيص التي تمنحها للمنظمات وشركات البناء أنها ليست ذات طبيعة تجارية، وأنها لا تعطي المستفيدين منها حق التملك والتصرف الكامل بها، وإنما حق السكن والإشغال فقط ريثما يعودون إلى مناطقهم الأصلية التي نزحوا منها”.
هذا في الإطار العام، أما من ناحية تطبيقات القانون العقاري السوري، فإن المحامي المتخصص عبد العزيز درويش، وهو عضو في نقابة المحامين السوريين الأحرار، يوضح أن ما يدفع الجهات المانحة أو المنفذة للمشاريع السكنية الخيرية للتعاون الحصري مع المجالس المحلية أو الجهات التي في حكمها بالشمال، هو رغبتها بالحصول على أراض مجانية بهدف تقليل النفقات أو الاستفادة منها في زيادة عدد الوحدات والمجمعات السكنية، بالإضافة إلى إلزام المشرع السوري هذه الجهات بالحصول على التراخيص من الوحدات الإدارية في كل منطقة.
ويقول في تصريحات خاصة لفوكس حلب: الأراضي المعدة للبناء تكون ضمن حدود المصور التنظيمي المصدق للبلدات والمدن، وقد خولت القوانين ذات الصلة بالتخطيط العمراني وإعمار العرصات الوحدات المحلية بإحداث المناطق التنظيمية ضمن مخططاتها التنظيمية، كما خول القانون هذه الوحدات إجراء عمليات تحديد العقارات، وإجراء المسح الاجتماعي للمقيمين في المناطق التنظيمية المحدثة، لذلك تسعى كل الجهات المهتمة بعمليات البناء والتطوير العقاري للحصول على الأراضي المعدة للبناء وإصدار التراخيص من الوحدات الإدارية، التي هي المجالس المحلية بحكم الأمر الواقع حالياً.
كيف تنفذ المشاريع؟
أما عن الآلية التي يتم من خلالها التعاون بين الجهات الممولة والمنفذة لمشاريع الإسكان الخيرية وبين المجالس المحلية، فإن العملية تبدأ بعد اختيار تلك الجهات المنطقة التي تنوي إقامة أي من المشاريع فيها، ثم تبحث عن أقرب أرض مملوكة من قبل الدولة وترى أنها مناسبة لتنفيذ هذا المشروع، قبل أن تتواصل مع المجلس المحلي المسؤول في تلك المنطقة لإتمام المعاملات الورقية والتراخيص اللازمة، حسب إفادات أدلى بها مسؤولون في عدد من المجالس المحلية في الشمال لفوكس حلب بهذا الخصوص.
هذا من حيث المبدأ، لكن يحدث في كثير من الأحيان أن تعرض بعض المجالس المحلية على الجهات التي تنفذ مثل هذه المشاريع أراض تتبع لوحدتها الإدارية وترى أنها صالحة للبناء، بهدف مساعدة النازحين المقيمين ضمن نطاق حدود هذه الوحدة، وفي حال تمت الموافقة على المشروع تبدأ مرحلة إنجاز المعاملات والتراخيص وفق القانون.
المهندس محمد النجار، عضو مجلس بلدة قباسين بريف حلب الشرقي، يقول إن دور المجالس بالنسبة للأملاك العامة هو إعطاء موافقة بتخصيص قطعة أرض من هذه الأملاك للمنظمات والمؤسسات المهتمة والمتخصصة بإنشاء المشاريع السكنية من أجل إقامة وحدات عليها، دون أن يشمل ذلك التنازل عن الأرض أو الوحدات المنشأة لهذه الجهات، أو حتى للأشخاص الذين سوف يقيمون فيها.
ويضيف في حديث مع فوكس حلب، رداً على سؤال حول الصيغة التي يتم التعاقد على أساسها بين هذه الأطراف: الصيغة تقوم على مبدأ حق الانتفاع، وتشمل الموافقة من قبل المجلس المحلي على السماح للمنظمة بإقامة مشروع سكني على أرض من الأملاك العامة، محددة المواصفات والمساحة، بالإضافة إلى إلزام المنظمة بإنشاء الوحدات السكنية ضمن بنود ووصف كامل للأعمال التي سوف تنفذها، مع قيام المجلس المحلي بدور رقابي على هذه الأعمال، بالإضافة لتقديم التسهيلات الإدارية.
ويؤكد النجار على أن المجالس المحلي ليس لها الحق بالتنازل عن هذه الأرض أو أي من أراضي أملاك الدولة “إلا في حال المشاريع الاستثمارية التجارية التي تحقق فائدة للصالح العام، وعندها يمكن للمجلس تقرير ذلك بعد موافقة كامل أعضائه”.
ويجري حالياً بالقرب من بلدة قباسين تنفيذ مشروع سكني خيري مخصص للنازحين واللاجئين بتمويل من عدة جهات ومنظمات، منها الهلال الأحمر القطري، ومؤسسة “القلوب الرحيمة الخيرية” ومنظمة “سيريا ريليف” حيث منح المجلس لهذه الجهات أراض من أملاك الدولة لبناء أربعة آلاف وحدة سكنية عليها، وفق الصيغة المشار إليها.
وحول الشروط والمواصفات التي يتم على أساسها اختيار الأراضي المخصصة لبناء مثل هذه التجمعات يقول النجار: هي ذاتها الشروط العامة المنصوص عليها في القانون، وأبرزها أن تكون الأراضي التي تم تخصيصها صخرية أو قراج، وفي نسبة قليلة منها حراجية، وهذه الأراضي عادة ما تكون في الجبال، أما الأراضي التي يمنع بشكل قاطع منحها لمثل هذه المشاريع السكنية، فهي الاراضي المشمولة بأي من مشاريع الري.
يضاف إلى موافقة المجالس المحلية في إدلب، موافقة وزارتي التنمية والزراعة في إدلب، يقول أحد المشرفين على مخيم سكني في إدلب، إن موافقة وزارة الزراعة تأتي لمنع إنشاء هذه التجمعات على أراض زراعية، وغالباً ما يراعى حاجة السكان في هذا البند، واصفاً موافقة وزارة الزراعة بـ “الشكلية”!
الدراسة السابقة لوحدة تنسيق الدعم تحدثت عن إقامة نحو 50% من التجمعات التي قامت بدراستها على أراض زراعية، و 10% على أراض حراجية، وهو ما يخالف الفصل السابع، المادة 19، من مشروع القانون الزراعي رقم 25 لعام 2007 والذي ينص على أن “حراج الدولة ثروة وطنية لا يجوز التصرف بها أو تقليص رقعتها من قبل أي جهة، ويمنع بوجه خاص، تمليك أو تأجير أراضي حراج الدولة لإي جهة أو شخص مهما كانت الأسباب، سواء كانت مسجلة باسم الدولة أو غير مسجلة، إصدار أو تنظيم أي صك يتعلق بحراج الدولة، إقامة منشآت لأي جهة رسمية أو اعتبارية، يشمل ذلك أيضاً أراضي حراج الدولة المحروقة، ولا تقبل أي دعوى عينية بهذا الشأن إلا لصالح الدولة”.
ويعاقب، بحسب المادة 3 من المرسوم التشريعي 59 لعام 2008، بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة والغرامة من 200 ألف ليرة سورية إلى مليون ليرة سورية كل من تثبت مسؤوليته سواء أكان مالكاً أو حائزاً أو شاغلاً أو متعهداً أو مشرفاً أو دارساً للبناء عندما يكون البناء المخالف. (سواء كان متجاوزاً على التخطيط المصدق، أو واقعاً ضمن الأملاك العامة أو أملاك الدولة الخاصة ضمن الحدود الإدارية أو متجاوزاً عليها.
المشاريع الخاصة
تبین من خلال النتائج التي خلصت إليها الدراسة التي أعدتها وحدة تنسيق الدعم أن 30٪ (35 مجمعاً) من المجمعات السکنیة، أنشأها سکانها على نفقتهم، وعلى الأرجح أن هذه المجمعات کانت مخیمات وبدأ سکانها بتحويلها إلى غرف أو منازل إسمنتية، بينما لدينا 21٪ (24 مجمعاً) أنشأتها منظمات إنسانية عربية وأجنبية، 9 ٪ (11مجمعاً) أُنشئت من أموال التبرعات، و7٪ (8 مجمعات) أنشأها تجار المقاولات أو المتعهدین، أما حصة المنظمات المحلية فكانت معقولة جداً وبلغت (33 مجمعاً) بنسبة 28 ٪ من المجموع العام.
لا توجد في الدراسة هذه أو أي دراسة أخرى ما يشير إلى ملكية الأراضي التي أنشأت المنظمات المحلية التجمعات السكانية الممولة من قبلها أو من أموال التبرعات التي جمعتها بهذا الخصوص، لكن من خلال التواصل مع عدد من المسؤولين في بعض هذه المنظمات تبين أن الغالبية العظمى منها، وعلى عكس المنظمات غير السورية، قد حرصت على أن تكون هذه الأراضي ملكية خاصة ويتم شراؤها بشكل مباشر من مالكيها، وتسجيل ذلك لدى الجهات الرسمية.
وحسب الإفادات التي حصلنا عليها بهذا الخصوص، فإن المنظمات المحلية والفرق التطوعية السورية تسعى من خلال ذلك إلى تجنب الوقوع في أي مشاكل قانونية في الوقت الحالي أو لاحقاً، كما تريد الحفاظ على حقوق شاغلي هذه المساكن من أي تدخل يمكن أن تقوم به أي جهة أخرى في وقت من الأوقات، لذلك فإنها عمدت إلى تخصيص جزء من مبلغ التكلفة لشراء الأرض، مع الحرص على أن تكون بأفضل سعر ممكن، وقد استفاد العديد منها من معاملة تفضيلية من قبل المالكين الذين لم يتردد كثير منهم عن تخفيض السعر كمساهمة غير مباشرة في المشروع.
وبينما أكد وائل النبهان، المسؤول في جمعية “أبرار حلب” أن الجمعية لا تفضل إنفاق أي مبلغ من أجل شراء أرض للتجمعات السكنية التي أقامتها أو تنوي تنفيذها، وذلك بهدف توظيف هذا المبلغ في زيادة عدد الوحدات السكنية، لذلك فإنها تحصل على تخصيص من أملاك الدولة عن طريق المجالس المحلية، فإن محمود حسانو، أحد المسؤولين عن هذه المشاريع في (فريق ملهم التطوعي) الذي نفذ عدد من المجمعات السكنية لإيواء النازحين، أشار إلى أنه “فيما يتعلق باختيار الأرض من قبل المنظمات المحلية، فإن الأمر يتوقف بالدرجة الأولى على الميزانية المخصصة للمشروع، وكذلك على نوعية وصلاحية الأرض المعروضة، لذلك فحتى وإن كانت هناك جهة عامة تعرض أرضاً من أملاك الدولة بشكل مجاني فإن هذه المحددات تلعب دوراً أساسياً، لكن بشكل عام فإن المنظمات السورية تلجأ إلى الشراء من قبل أصحاب الملكية الخاصة”.
ويضيف في تصريحه لفوكس حلب: حتى من ناحية الإجراءات الإدارية والقانونية، فإن المنظمات المحلية وقبل أن توقع عقد الشراء مع المالك أو المالكين للأرض التي يتم اختيارها، تكلف فريقاً من الحقوقيين والمتخصصين بالكشف عليه ودراسة صلاحيتها والتأكد من عدم وجود أي مشكلة تعيق اتمام معاملة نقل ملكيتها.
تؤخذ بعين الاعتبار معايير أخرى عند اختيار الأرض من قبل هذه الجهات فهي المعايير الهندسية المتعارف عليها، كما يقول حسانو “مثل قربها من الخدمات والطرق ومراكز التجمعات والمدن القائمة، بالإضافة إلى عمق الأرض وطبيعة التربة وغير ذلك”.
الآلية التي يتم من خلالها شراء الأرض من قبل المنظمات المحلية يشرحها حسانو، بقوله: بعد اعتماد الأرض يتم تقدير قيمتها السوقية، ثم يجري الكشف عنها في السجل العقاري بهدف التأكد من ملكيتها وعدم وجود أي إشارة عليها تمنع البيع، ثم يتم نقل الملكية بقرار محكمة في السجل العقاري.
لكن حسانو يشير إلى أنه “وبسبب عدم امكانية أو صعوبة نقل ملكية الأرض المشتراة لهذا الغرض إلى اسم منظمة أو هيئة أو مؤسسة، فإن المنظمات تلجأ إلى تسجيل الأرض باسم أحد المسؤولين فيها، أو أحد أعضائها في السجل العقاري، وفي الوقت نفسه يتم تنظيم عقد بين المنظمة وبين هذا الشخص ينص على أن هذه الأرض مخصصة للمصلحة العامة وتم التنازل عنها لصالح المشروع المحدد الذي ستتم إقامته، ويجري تسجيل هذا العقد إما لدى حكومة الإنقاذ في إدلب، أو المجالس المحلية في الشمال.
دوائر السجل العقاري في الشمال: قانونية ولكن!
حافظت غالبية دوائر السجل العقاري في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، على وضعها واستمرت في عملها، حيث وفرت سلطات هذه المناطق التسهيلات والمتطلبات اللازمة لحماية السجلات فيها، ومواصلة الموظفين تقديم الخدمات رغم إجراء بعض التغيير في مواقع هذه الدوائر.
وحول قانونية الإجراءات التي تجري في دوائر السجلات العقارية العاملة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، يقول المحامي عبد العزيز درويش: إن دوائر السجل العقاري الموجودة في المناطق المحررة تجري عمليات نقل وتسجيل الملكية للأملاك الخاصة وفق قانون السجل العقاري السوري، سواء كانت معاملات انتقال بالبيع أو بالإرث، وبعض دوائر السجل العقاري في هذه المناطق، مثل السجل العقاري في إعزاز فإنه يقوم بتسجيل المعاملات بشكل مباشر على الصحيفة العقارية.
ويتابع: دوائر السجل العقاري في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ، في الأتارب وحارم وإدلب، افتتحت سجلات رديفة للسجلات الأصلية، وتقوم بتسجيل الوقوعات الجديدة التي تطرأ على العقارات في هذه السجلات، مع الإشارة على السجل الأساسي بوجود حق على صحيفة العقارات التي تتم معاملات بشأنها.
لكنه يشير إلى عدم إمكانية تحديد فيما إذا كانت هذه الإجراءات ستعتمد لاحقاً وتعتبر قانونية أم غير ذلك، لأن عمليات النقل تتم بصورة قانونية ووفق أحكام القوانين الناظمة، لكن شرعية العمل بالأصل والتي فرضتها ظروف الحال تتطلب حفظ الحقوق العقارية للأفراد، وبالتالي ستخضع هذه التصرفات لشروط الحل النهائي سياسياً على الغالب.
سؤال المستقبل
ما سبق كان استعراضاً لواقع الحال مع توصيف له، لكن يبقى الأهم، خاصة بالنسبة للمستفيدين من هذه المجمعات السكانية التي أقيمت وتقام في الشمال السوري بجميع فئاتها هو مآلها ومصيرها في المستقبل، وخاصة في المرحلة التي ستعقب انتهاء الحرب وعودة الاستقرار، وهو سؤال كما قلنا يُعنى به جميع السوريين وليس المستفيدين فقط، بما أن قسماً كبيراً من هذه المشاريع أقيم على أراض ملكيتها عامة، كما أن قسماً آخر من تلك التي أقيمت على أراض خاصة وهبت للصالح العام.
من حيث المبدأ فإن القانون السوري يمنع بشكل كامل التنازل عن أملاك الدولة إلا بشروط خاصة ومقابل بدل مالي، وبالتالي فإنه يعتبر أي بناء يقام على أي من هذه الأملاك هو بناء مخالف تنطبق عليه قوانين المخالفات العقارية.
ويؤكد المحامي عبد العزيز درويش أن المشرع السوري أصدر عدة قوانين تهدف لحماية الأملاك العامة، منها القانون (رقم 135) لعام 1952، الذي نص على “الحدّ من اكتساب حق التصرف بأملاك الدولة عن طريق الحيازة، ومعاقبة من شغل عقاراً، بعد صدور المرسوم المذكور، من دون ترخيص مسبق، بالغرامة والحبس من 3 أشهر إلى سنة واحدة”.
كما أن القانون (273) لعام 1956 لا يعترف بالأبنية التي شيدها الأفراد على الأملاك العامة بطريق الغصب أو الاستيلاء أو الأشغال بدون ترخيص.
ورداً على سؤال حول الأراضي التي منحتها المجالس المحلية للمنظمات والجهات التي أقامت هذه المشاريع على أساس حق الانتفاع وليس التنازل، يقول درويش: لا يسمح القانون للوحدات الإدارية بمنح حق الانتفاع بأراضي أملاك الدولة، كما منع الوحدات الادارية من تخصيص الجهات العامة أو الخاصة بعقارات أو أجزاء من عقارات أملاك الدولة ضمن التخطيط المصدق بشكل مباشر ودون بدل مالي أو مرسوم استملاك لصالح الجهة طالبة حق الانتفاع على عقار معين.
وبالنسبة للأملاك العامة التي أشاد عليها الأفراد بشكل مخالف لأحكام القانون (135) والقانون (273) وقانون مخالفات البناء رقم (44) لعام 1960 والذي ينص في مادته الأولى على إزالة مخالفات الأبنية للهدم وفقاً لأحكام المادة 118 من القانون رقم 172 لسنة 1956 المشار إليه عندما يكون البناء المخالف “واقعاً ضمن الأملاك العامة أو متجاوزاً عليها”. وتعديلاته بالقانون رقم (1) لعام 2003 والقانون (59) لعام 2008 والقانون رقم (40) لعام 2012 فالتعامل معها يكون بالهدم ونزع اليد.
وفيما يخص المشيدات الجماعية خارج المخططات التنظيمية التي فرضتها ظروف الحرب، فتخضع بالأصل لأحكام القوانين الخاصة بحماية الأملاك العامة، ولا يحق للوحدات المحلية الحالية ولا غيرها ترخيص مناطق سكن عشوائي، وهذه التجمعات فرضتها ظروف الحرب وبالتالي تخضع لشروط الحل النهائي سياسياً، فربما يتم ترخيص بعضها مما ينطبق عليها شروط تراخيص البناء التي يقررها نظام ضابطة البناء والقوانين الخاصة بتنظيم وعمران المدن، أما بالنسبة لحق الانتفاع، فإذا تقرر ترخيص الأبنية المشادة على الأملاك العامة، ينتقل العقار المرخص عن طريق الإرث وفق أحكام قانون انتقال الأموال عن طريق الإرث.
وينوه المحامي درويش بهذا الخصوص إلى أن “أملاك الدولة التي يضع الأفراد يدهم عليها وينشئون الأبنية فيها والتي لم يتم هدمها وفقا لقانون مخالفات البناء، فالقانون ينص على أن تبيعها الوحدات الإدارية للمنتفعين أصحاب الأبنية بسعر تحدده هذه الوحدات، ويسري هذا الإجراء على الورثة، فالانتفاع ينتقل إلى الورثة لأن الانتفاع حق عيني.
عقود الانتفاع: قاعدة مشتركة واختلافات محدودة
تختلف الجهات التي تسجل لديها العقود التي تحكم العلاقة بين المنظمات المنفذة لمشاريع إيواء النازحين في الشمال وبين المستفيدين، كما تختلف هذه العقود ببعض التفاصيل الجزئية، إلا أن القاسم المشترك فيها هو منحها حق الانتفاع وليس حق التصرف للسكان الذين يتم اختيارهم للإقامة في هذه الشقق.
وبينما تشرف حكومة الإنقاذ من خلال وزارة التنمية والشؤون الإنسانية على تنظيم وتسجيل وتنفيذ هذه العقود دون التدخل بتفاصيلها أو فرض نسخة موحدة منها على المنظمات والمؤسسات التي تقوم ببناء المجمعات السكنية في منطقة إدلب، فإن تسجيل العقود بالشمال يتم لدى المجالس المحلية.
وائل النبهان يقول إن “جمعية أبرار حلب” لديها صيغة عقد موحدة تنظم العلاقة بينها وبين المستفيدين من جميع مشاريع السكن التي نفذتها حتى الآن، وتنص بشكل عام على حق الانتفاع وبشكل مؤقت لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد، وعلى عدم حق المستفيد من التصرف بشكل جزئي أو كامل بالمسكن.
ويضيف: العقد هو من صياغة المكتب القانوني في الجمعية وعند التوقيع يتم الاحتفاظ بثلاث نسخ منه، واحدة لدى الجمعية وأخرى لدى المستفيد وثالثة تودع لدى المجلس المحلي الذي يقوم أيضاً بترشيح الأشخاص والعائلات التي ستستفيد من المشروع.
تضمن العقود أيضاً بنوداً تتعلق باستخدام الوحدات السكنية وشروط المحافظة عليها وحقوق المنظمات المنفذة بتفقدها والتأكد من التزام المستفيدين منها بالمعايير المنصوص عليها في العقد، لكن جميع الجهات التي تقوم ببناء هذه المشاريع تؤكد على عدم امتلاك المستفيدين الحق في بيع أو تأجير أو نقل المنفعة منها إلى طرف آخر، وهو ما يسمى باختصار حق الانتفاع لا حق التصرف.
طبعاً ما سبق لا يعني عدم وجود عقود فيها مبالغة بالشروط من قبل الجهات المالكة أو المنفذة للمشروع، إلا أن الإطار العام لا يخرج عن هذه المحددات خاصة مع وجود عدد كبير جداً من المؤسسات التي عنيت بهذا النوع من المشاريع ولم تتركه حكراً للمنظمات والجمعيات الحكومية أو الكبيرة.
فإلى جانب هيئة العمل الانسانية التركية (IHH) والآفاد و”قطر الخيرية” و “الهلال الأحمر القطري” “وكويت الرحمة” توجد العشرات من المنظمات والمؤسسة المحلية السورية التي تعتمد على التبرعات أو الشركات في تنفيذ مثل هذه المشاريع وأبرزها: (شفق، عطاء، انصر، هذه حياتي، بنيان، فريق ملهم، رحمة، البنيان المرصوص، سيريا ريليف، أبرار حلب، سمايل يونايتد، سكن) بالإضافة طبعاً إلى مشاريع خاصة نفذتها جمعيات عربية أو متبرعين لهذا الهدف بشكل خاص ولكن ليس بشكل منظم أو مستمر.
ملكية التجمعات السكنية
لكن إذا كان للمستفيدين من هذه المساكن حق الانتفاع بها فقط دون حق التصرف، وإذا كانت هذه المجمعات لا تبقى ملكاً للجهة المنفذة أو الممولة وإنما تتحول للنفع العام، فما هي الأحكام القانونية التي تطبق عليها، خاصة فيما يتعلق بمستقبل المقيمين فيها، وتحديداً بحال طالت أمد الحرب في سوريا؟
سؤال من شقين، الأول يتعلق بملكية المشاريع التي أقيمت على أرض خاصة تم شراؤها، والثاني يتعلق بالمجمعات التي أقيمت على أراضي الدولة.
ورداً على سؤال حول مصير المجمعات التي أنشأتها منظمات محلية على أراضي ملكية خاصة اشترتها وسجلتها لصالح النفع العام، ولمن ستعود ملكيتها، وهل يمكن للمقيمين فيها توارثها، يقول درويش: بالنسبة للمجمعات التي انشأتها منظمات محلية على أراضي ملكية خاصة اشترتها وسجلتها للنفع العام، فلا يوجد أحكام قانونية تنظم قيام هيئات بتسجيل عقارات للنفع العام، لكن ربما إذا تم التنازل عن العقارات المذكورة للوحدات الادارية يتم إخضاع هذه العقارات لأحكام قانون التطوير العقاري الصادر بالمرسوم رقم 15 لعام 2008، ولا سيما البند /1/ من الفقرة /أ/ من المادة /10/ التي نصت على إحداث مناطق التطوير العقاري والبند /2/ الذي نص على هدم وإعادة تأهيل مناطق سكنية.
أما الأبنية الجماعية المشادة على أراضي أملاك الدولة أو الأملاك العامة، فتعتبر مناطق مخالفات تخضع للأحكام العامة للقوانين المذكورة، لأحكام قانون تنظيم وعمران المدن رقم (23) لعام 2015لناحية اعتبارها مناطق مخالفات يتم إزالة ما هو متعارض منها مع المخطط التنظيمي المصدق وترخيص ما هو غير ذلك.
لكن بكل الأحوال تعتبر هذه الحالة مستحدثة في سوريا، وقد فرضتها ظروف الحرب ولا يوجد نصوص تنظمها، لأنه لا ينطبق عليها وصف النفع، إذ المقصود بالنفع العام المرافق العامة والمقرات الحكومية الخدمية وملحقاتها، أما التجمعات السكنية، سواء كانت داخل المخططات التنظيمية أو خارجها، فلا يمكن الحاقها أو اعتبارها من العقارات المخصصة للنفع العام.
ويختم درويش: هناك نص ورد في القانون رقم 15 لعام 2008 في الفقرة / أ / بند /4/ من المادة /14/ يسمح ببناء مشاريع إيواء المتضررين من الكوارث الطبيعية، لكن هنا لا يمكننا القول إن المقيمين في هذه التجمعات من متضرري الكوارث الطبيعية، إلا أنه قد نستطيع في المستقبل اخضاع هذه التجمعات لأحكام قانون التطوير العقاري.
يمكن القول إن التجمعات السكنية المخصصة للنازحين واللاجئين في الشمال هي حالة طارئة على القانون السوري، والعديد من جوانبها ليست ملحوظة في أي تشريع سابق، بينما في جوانب أخرى فإنها تعتبر مخالفة للمبادئ القانونية التي تحكم وتنظم استثمار أراضي الدولة والأملاك العامة والأراضي الزراعية وغير ذلك، الأمر الذي يطرح إشكالات عدة وأسئلة كبيرة حول مصير هذه التجمعات وكيف سيتم التعامل معها لاحقاً، سواء بعد انتهاء الحرب والوصول لحل سياسي، أو حتى في حال استمرار الوضع الراهن لسنوات طويلة، وهنا يبدأ السؤال وقتها عن حقوق المقيمين فيها والمستفيدين منها، وهي كلها أسئلة مهمة تحتاج الإجابات عنها إلى أن يتداعى رجال القانون والمختصون من أجل البحث في ذلك.