فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

الكهرباء في الشمال السوري

الكهرباء الدائمة في الشمال السوري.. مصدر واحد وأسعار كاوية متفاوتة

يوسف البدوي

يستفيد أقل من خمس سكان شمال غربي سوريا، إدلب وريف حلب الغربي، من الكهرباء التي وصلت إلى مدن رئيسة في المحافظة عبر تركيا بموجب اتفاق مع شركة كهرباء سورية وبإشراف […]

يستفيد أقل من خمس سكان شمال غربي سوريا، إدلب وريف حلب الغربي، من الكهرباء التي وصلت إلى مدن رئيسة في المحافظة عبر تركيا بموجب اتفاق مع شركة كهرباء سورية وبإشراف حكومة الإنقاذ، بينما تغيب الكهرباء الدائمة عن باقي السكان الذين ما زالوا يعتمدون على ألواح الطاقة الشمسية أو مولدات الأمبير للحصول على الضوء.

وتتفاوت أسعار الكهرباء في الشمال السوري بين المناطق التابعة لحكومة الإنقاذ (إدلب وريف حلب الغربي) والتابعة للحكومة المؤقتة (شمال حلب وشرقها)، كذلك تتفاوت بحسب تصنيفها بين المنزلي والتجاري، وهو ما يستدعي البحث في الأسباب، طبيعة الشركات الموردة، التناسب بين الأسعار والدخل، إضافة للمناطق التي وصلتها الكهرباء والخطة المستقبلية لتخديم المناطق كافة.

ثلاث شركات لتخديم الكهرباء في الشمال السوري

في عام 2014 تأسست شركة (Green Energy) المملوكة لمستثمرين سوريين في ريف حلب وعملت استجرار الكهرباء من تركيا لتغطية الحاجة الكهربائية في المنطقة.

تُعرف الشركة عن نفسها بأنها “شركة لإنشاء واستثمار مشاريع الطاقة الكهربائية بأشكالها كافة، تأسست عام 2014 في محافظة حلب السورية باسم POWER GE، وتتلخص أعمالها بثلاثة أنشطة رئيسة هي: إنشاء وتنفيذ مشاريع الطاقة الكهربائية، صيانة البنى التحتية للشبكات والمحطات الكهربائية، استثمار وتوزيع الطاقة الكهربائية”.

في عام 2019 اندمجت شركة (POWER GE) مع شركة (FUTURE GREEN) للاستثمار تحت اسم (Green Energy) حيث عملت الشركة مع جميع المنظمات والمؤسسات في الشمال السوري في قطاع الطاقة الكهربائية وإدارتها، ويعمل في الشركة اليوم نحو 800 موظف، بين مهندسين وفنيين، بحسب أحد مسؤولي الشركة. تغطي الشركة ريف حلب الغربي ومحافظة إدلب، أما عفرين وريفي حلب الشمالي والشرقي فتغطيهما شركتا STE –AK.

الكهرباء تركية والشبكات محلية

وقعت شركة (Green Energy) في العام الماضي عقداً مع شركة خاصة تركية كانت قد حصلت على أحقية تغذية مدينة إدلب بالكهرباء بموجب اتفاق مع وزارة الطاقة التركية لاستجرار الكهرباء من الريحانية في تركيا عبر مدينة حارم السورية وإنشاء خط توتر عال فيها لهذا الغرض،

أولى الخطوات التي قامت بها شركة (Green Energy) كانت تهيئة مدينة إدلب وريفها من خلال إنشاء خط توتر عالي V.66K بطول 17 كم يربط محطة حارم بمحطة تحويل سلقين (v.20K/66. K )، وصيانة خط سلقين –أبو كشة v.K) 66) بطول 25 كم، ثم صيانة خط أبو كشة –إدلب (v.K 66)  بطول 30 كم، وخط الدانا –إدلب (v.K 66) بطول 30 كم والذي يربط بين محطتي تحويل الدانا وادلب، ومن ثم صيانة خط الدانا – سلقين (v.k 66)  والذي يعد خط ربط رئيسي في شمال محافظة ادلب ويربط بين محطتي تحويل الدانا وسلقين، ومن ثم صيانة وتأهيل جميع المحطات الموجودة في ادلب وريفها والعمل على توسعتها، كما وأكملت الشركة صيانة وتأهيل شبكة الجهد المتوسط الأرضية والهوائية (v.K 20) في كامل المنطقة وتجهيز مراكز التوزيع في المدن والبلدات كافة، إذ بلغ عدد المراكز المجهزة في محافظة إدلب وحدها 60 مركزاً تحويلياً.

الكهرباء الدائمة تدخل أكثر من نصف مناطق إدلب

يقول المهندس أسامة أبو زيد، المدير التنفيذي في شركة (Green Energy)، إن “عدد المستفيدين من الكهرباء الدائمة الآتية عبر الشركة، بلغ، حتى هذه اللحظة، في الرقعة التي تخدمها الشركة في كل من حلب وإدلب نحو 110 آلاف مشترك، منهم 85 ألف اشتراك منزلي و20 ألف اشتراك تجاري”، كما قدر أبو زيد نسبة القرى والمدن التي وصلت إليها الكهرباء في إدلب بنحو 60٪ من مجمل المنطقة المخدمة.

لا توجد معلومات دقيقة عن كمية الكهرباء اللازمة لتغطية محافظة إدلب بالكامل، لكن المهندس أبو زيد يقدر هذه الكميات بنحو 250 ميغا واط، مؤكداً إن رؤية الشركة تفيد بتغطية نحو 95٪ من مناطق المحافظة نهاية عام 2023، إذ تعمل الآن على إيصال الكهرباء الشمال السوري إلى (جسر الشغور –باتبو –أرمناز –معرة الإخوان –كفتين –رام حمدان –سرمين –قميناس –طعوم)، إضافة للعديد من البلدات الأخرى.

يؤكد أبو زيد أنه لا توجد مخاطر حالية تهدد استمرار عمل الشركة ووصول الكهرباء الدائمة، ويوضح أن شركة (Green Energy) وقعت عقداً مع حكومة الإنقاذ يقضي باستثمار شبكات الكهرباء والمحطات في كامل المحافظة، وأن تقوم الشركة العامة للكهرباء في إدلب بالإشراف المباشر على آلية العمل، ورفض تزويدنا بالعقد أو اطلاعنا على بنوده.

قسمت شركة (Green Energy) المستفيدين إلى شريحتين (منزلي، تجاري)، وحددت سعر الكيلو واط المنزلي بـ 20 سنتاً لأول 100 كيلو واط مستهلك، و23 سنتاً لكل واط زائد عن مئة كيلو واط شهرياً، أما التجاري فيبلغ سعر الكيلو واط 23 سنتاً.

تنقص تكلفة الواط المنزلي في ريفي حلب الشمالي والشرقي إلى 16 سنتاً، مقابل زيادة في سعر الكيلو واط التجاري والصناعي إلى 29 سنتاً.

يدفع محمد صالح، محاسب في مركز تسوق في مدينة بنش، نحو 120 ليرة تركية ثمناً للكهرباء الدائمة، يقول إن هذا المبلغ يرافقه تقنين كبير في الاستهلاك، وهو ما أكده عدد ممن تحدثنا معهم، إذ تتراوح معدلات الفواتير بين 200 إلى 250 ليرة تركية، باستهلاك صرفي بين 50 إلى 60 كيلو واط شهرياً، وهو ما يعني استخدام الكهرباء بالحد الأدنى.

ويعتمد سكان على الطاقة الشمسية إلى جانب الكهرباء الدائمة، إذ من المفترض الاستغناء عنها لكن ارتفاع ثمن الكهرباء أجبرهم على الإبقاء على مصدري الطاقة الكهربائية، ويبلغ متوسط سهر منظومة طاقة شمسية، بحسب الصالح، نحو 600 دولار وهو ما لا يملكه معظم سكان المنطقة.

ويقول أبو حمزة، تاجر يقيم في مدينة سرمدا إن فاتورة الكهرباء الخاصة بمنزله تتفاوت بين الصيف والشتاء، إذ يستهلك شتاء نحو 100 كيلو واط، ثمنها نحو 375 ليرة تركية، بينما يستهلك ربع الكمية صيفاً، لاعتماده على منظومة الطاقة الشمسية.

يكتفي أبو جمال، عامل بناء في ريف حلب ورب عائلة مكونة من سبعة أفراد، ببطارية صغيرة ولوح طاقة شمسية فقط مع تمديدات بسيطة وبدون منظومة، يستعملها لتشغيل الكهرباء ليلاً (ليدات) وشحن هواتفهم.

يقول أبو جمال “راتبي الشهري لا يتجاوز 1500 ليرة تركية، قمت بتركيب عداد كهربائي قبل سنة من الآن، وبلغت تكلفة الاستخدام حينها نحو 200 ليرة، وهو ما لا يتناسب مع مدخولي الشهري، فقررت، حينها، وبعد استخدام الكهرباء الدائمة لمدة شهر واحد فقط، أن ألغي كابل الكهرباء والاكتفاء بالبطارية و اللوح الشمسي الوحيد”.

يدفع المشتركون في الشمال السوري تكاليف يرونها غير منطقية للحصول على الكهرباء، وتستهلك قسماً كبيراً من دخلهم اليومي، في الوقت الذي يبلغ متوسط دخل عامل المياومة (85٪ من العاملين في المنطقة ينتمون إلى هذه الفئة) 45 ليرة تركية، بحسب منسقو استجابة سوريا، ويتطلب الحصول على الكهرباء النظامية، بحسب من تحدثنا معهم، أجرة عامل مياومة بين أربعة أيام إلى أسبوع، هذا إن استثنيا غير العاملين وهم النسبة الأكبر، إذ يعيش 84٪ من السكان تحت خط الفقر منهم 36٪ تحت خط الجوع، بحسب المصدر ذاته.

ينقص سعر الكيلو واط المنزلي في مناطق الحكومة المؤقتة بين 4 إلى 7 سنتاً عنه في مناطق حكومة الإنقاذ، ويزيد سعر الكيلو واط الصناعي والتجاري بـ 6 سنتاً بينهما، ولا تعتمد الشركات في مناطق الحكومة المؤقتة نظام الشرائح، وهو ما دفع أشخاص كثر للتساؤل عن سبب هذا التفاوت، خاصة وأن مصدر الكهرباء في المنطقتين هو تركيا ذاتها.

يقول محمود الخطيب، حداد يعمل في مدينة اعزاز، إنه “من غير المنطقي أن يكون الفارق 13 سنتاً بين الكيلو واط المنزلي والصناعي، أعتقد أن الكهرباء واحدة إن كانت في البيت أم في الورشة، كما وأن ورشتي وطبيعة عملي تحتاجان لقدر كبير من الكهرباء، إذ تبلغ الفاتورة الشهرية للورشة نحو 1200 ليرة تركية، وهو ما لا يتناسب مع الدخل العائد”.

يشرح المهندس أبو زيد أن الأسعار متقاربة بين المنطقتين، ولكنها تختلف أحيانًا بحسب العقد الموقع مع الجانب التركي، إضافة إلى التكلفة التشغيلية من رواتب ومحروقات وآليات وارتفاع أسعار الكابلات والمحولات، غير أن السبب الأهم هو اختلاف حالة الجاهزية الكهربائية والدمار الكبير في البنى التحتية بين المنطقتين، ما يتطلب تكاليف أكبر لإعادة الصيانة والتجهيز، وهو ما تأخذه الشركة بالحسبان.

لم تفلح الاحتجاجات في تعديل أسعار الكهرباء الدائمة أو منع انقطاعها لساعات يومياً، إذ شهد ريف حلب الشمالي احتجاجات واعتصامات تخللها حرق للعجلات ومراكز الكهرباء في مدينتي صوران وعفرين في الثالث من حزيران الماضي، دون جدوى، خاصة مع انعدام البدائل ما يجبر السكان على القبول بالواقع الحالي، حتى وإن كان مجحفاً، على حد تعبيرهم، إذ لا يمتلك معظم السكان ثمن منظومة الطاقة الشمسية التي تلبي احتياجاتهم، وضعف هذه المنظومة خلال أشهر الشتاء، وتحول أصحاب المولدات الكهربائية (الأمبيرات) التي كانت مصدر الكهرباء الرئيسي في المنطقة خلال السنوات الماضية، إلى إبرام عقود مع الشركات ذاتها وإشراك شبكاتهم المحلية في نطاق عمل هذه الشركات.

يقول علاء جواد، صاحب شبكة أمبيرات في مدينة بنش، إنهم تقدموا بعرض للشركة في مركزها الإداري والرئيسي في إدلب المدينة، يفضي إلى التعاون بين الشركة ومالكي الشبكات في بعض القرى ضمن عقد لمدة ستة أشهر، تم تمديده لاحقاً إلى ثلاثة أشهر للمرة الأخيرة، بسبب استطاعة الشركة لاحقاً على إعادة تأهيل تلك القرى من جديد.

ويقول المهندس (أسامة أبو زيد) إن “أصحاب شبكات الأمبيرات المحلية اتجهوا للاشتراك عبر الشركة، كون الكهرباء فيها مستقرة وتعمل على مدار الساعة، وبتكلفة أقل بكثير مما يدفعونه للمولدات”.

تغيب الكهرباء الدائمة عن أكثر من 80٪ من سكان الشمال السوري، خاصة في المخيمات والقرى والبلدات الطرفية، في الوقت الذي نسيت فيه كثيرات من ربات المنازل كيفية استخدام الأدوات الكهربائية، وأصبح فيه الحصول على ماء بارد أو ضوء يستطيع فيها الموجودين في المكان تمييز ملامحهم رفاهية يدفع لأجلها مبالغ كبيرة ليست في سلم الأولويات الكثيرة لدى العائلات التي اكتفت بضوء النهار وليدات ضوء خافت تعينهم على قضاء احتياجاتهم ليلاً.