أخيراً أعلنت وزارة الصحة إجمالي الإصابات المثبتة إصابتها بوباء الكوليرا في سوريا بـ 53 حالة، 41.5٪ منها في مدينة حلب بواقع 22 إصابة، كذلك حصدت حلب النسبة الأكبر من الوفيات إذ بلغت أربع حالات من أصل سبع، تلتها دير الزور بوفاة شخص والحسكة بوفاة شخص واحد.
منصات وزارة صحة النظام صنفت ما يحدث، بعد شهر من انتشار الكوليرا والتعتيم الإعلامي حوله. بـ الوضع الوبائي، وتخصيص تحديث بمعدل كل يومين للإصابات والوفيات الجديدة، وقالت إنها اتخذت الإجراءات المناسبة لتطويق الوباء وتوفير العلاج المناسب له داخل المشافي، إضافة لنشر بروشورات توعوية حول الوقاية من الوباء.
فوكس حلب تابعت من خلال لقاءات مباشرة داخل المشافي طريقة الاستجابة للوباء، وتجاهل مديرية الصحة لانتشار الوباء خلال الشهر الماضي، والتعتيم الإعلامي حوله رغم انتشار الخبر عبر أشخاص في المدينة وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، ما تسبب بوفاة أشخاص لعدم حصولهم على الرعاية الصحية اللازمة، كذلك إهمال الأسباب التي فاقمت من انتشار الوباء في المدينة من قبل المؤسسات المعنية وعدم التحرك لإيجاد حلول إسعافية لها، رافق ذلك ارتفاع في أسعار الأدوية والمحاليل الملحية (السيرومات) المستخدمة في العلاج نتيجة فقدانها في الصيدليات.
داخل المشافي والتشخيصات المخبرية
لم تفصح وزارة الصحة عن عدد الإصابات بوباء الكوليرا إلا منذ أربعة أيام، وحددت عدد الحالات المصابة في حلب بـ 22 شخصاً، لكن الأرقام تزيد عن ذلك بأضعاف بحسب ما رصد فوكس حلب.
يقول محمد، شاب أربعيني يعمل على سيارة لبيع الغاز المنزلي في كرم الجزماتي، إنه دخل إلى مشفى الرازي في حالة حرجة نتيجة إصابته بالكوليرا، بعد متابعة منزلية فاشلة لمدة ثلاثة أيام تحت إشراف ممرضة.
يخبرنا محمد أن عشرات الحالات داخل مشفى الرازي تعاني من أعراض الإصابة بالكوليرا، إضافة للمرضى الذين يراجعون العيادات والمشافي الخاصة، يقول أطباء زرناهم في القسم الشرقي من حلب إن حالات الكوليرا في ازدياد، وإن مرضى كثر يعانون من الإسهال وآلام البطن، ما يوحي بتشخيص أولي بإصابتهم بالكوليرا، يراجعون العيادات يومياً.
يخبرنا أطباء أن وباء ينتشر في حلب، وهو ما يرفع من احتمالية ازدياد الإصابات ضمن واقع طبي هش وتعذر عن الاستجابة، وإهمال من قبل الجهات المختصة باتخاذ إجراءات وقائية، خاصة مع بداية الموسم الدراسي ما يهدد بانتشار الوباء بين طلاب المدارس على وجه الخصوص.
يشرح الأطباء أن الحالات التي أعلنت عنها وزارة الصحة على الأقل، من المرجح أنها نقلت العدوى لعائلاتها ومحيطها، دون إجراءات لحجرهم وإجراء الفحوص اللازمة لعلاجهم.
منذ أسبوع أوقفت جميع العمليات الباردة وأقسام المعاينات الخارجية للمراجعين داخل مشفى الرازي، بقرار من مديرية صحة حلب، وتحويل المشفى إلى مكان يختص بعزل مرضى الكوليرا ومتابعتهم بشكل كامل، مثلما حدث منذ عامين في فترة جائحة الكورونا.
تقول الدكتور إيلا، (اسم مستعار)، وهي طبيبة مقيمة في مشفى الرازي قسم الهضمية: “أوقفت العمليات الباردة وقبولات المرضى لغير المشتبهين أو المصابين بالكوليرا، إذ تجاوزت أعداد المرضى المراجعين، بشكايات هضمية وشرسوفية وترفع حروري وإسهالات متكررة وإقياء، أكثر من 60 مريضاً خلال اليوم الواحد، ولكنا لم ندخل حتى الآن بمرحلة الجائحة بل على مشارفها“.
وعن سبب التأخر كشف الإصابة بالكوليرا فقد أشار الدكتور م. نيازي إلى أن الإصابات في فترة الصيف مشابهة للحمى التيفية والتهاب الأمعاء و أعراض الكورونا الهضمية، إلا أن المشعر الحيوي الأساسي هو الإسهال المائي كريه الرائحة والذي يشبه ماء الأرز أو النشاء، والذي يتبعه التجفاف ونقص الأملاح.
وعن استقبال المرضى تقول الدكتورة إيلا:” يستقبل المرضى في قسم الإسعاف، وتتم مراقبتهم لعدة ساعات مع التركيز على إماهة المريض المشتبه بإصابته، ففي حال تحسن الحالة العامة والعلامات الحيوية يرسل إلى البيت مع لزومه الدوائي لمتابعة العلاج. أما في حال عدم تحسن الحالة نقوم بقبول المريض وفتح إضبارة وتحويله إلى إحدى الغرف، وإلى العناية المركزة في حال الضرورة القصوى“.
الممرض عبد الكريم في قسم الإسعاف يقول إنه في الحالات الشديدة التي تصل إلى قسم الإسعاف “لدى دخول المريض قسم الإسعاف نقوم بـ (فتح وريد) له وتسريب مصل ملحي، محقون ببعض الشوارد لتحسين الحالة العامة ورفع الضغط، بالإضافة لحقنه بالـ (نور أدرينالين)، وتحويله إلى غرفة العناية المركزة، ريثما تظهر نتائج التحليل“.
الإسهالات الشديدة والإقياء غالباً ما يحدث خسارة للسوائل والشوارد بشكل كبير، مما يدخل المريض في حالة تجفاف شديد، ويبدو ذلك واضحاً من ملمس الجلد الجاف وبطء عودته للحالة الطبيعية لدى شده أو الضغط عليه.
تُجرى للمريض عادةً مجموعة من التحاليل الدموية لتحديد مستوى حاجة الجسم للشوارد وللاطمئنان على وظائف الكلى، بالإضافة إلى مسحة شرجية.
واستحدثت في مستشفى الرازي غرفة خاصة لتحليل المسحات الشرجية للمرضى المشتبه بإصابتهم بالكوليرا، حيث يصنع مستحلب من العينة المشتبه بها، وتوضع على شرائح خاصة، لتظهر النتائج بعد 10 دقائق تقريباً، وهي تشبه إلى حد بعيد الأشرطة التي تستخدم لتحليل الحمل في البول، فوجود خطين هو دليل على إيجابية العينة وإصابة المريض بالكوليرا، ولكن النتائج قد تتأخر أحياناً ريثما يتم تجميع العينات للمخبري المسؤول عن إجرائها.
يُلجأ فيما مضى إلى تحليل زرع البراز على وسط خاص لتكثير جرثومة الهيضة (الكوليرا)، ولكنه غير ناجع بكشف الإصابة لأن النتائج قد تستغرق أسبوعا كاملاً، يكون فيها المريض قد دخل في حالة حرجة أو تسببت الإصابة بموته.
يستخدم أيضا تحليل الكوثرة البوليمرازPCR ولكنه مكلف جداُ وغير متوفر سوى في مخابر وزارة الصحة في العاصمة دمشق، وهو مخصص لكبار المسؤولين في الدولة.
يقول المخبري أحمد: “نقوم بقطف مجموعة تحاليل دموية للمريض والتي تعطي فكرة عن حالته العامة، لتقدير حاجة المريض للكهارل والشوارد وهي تحليل صورة الدم الكاملة، و شوارد الدم (صوديوم وبوتاسيوم وكالسيوم)، وتحليل وظائف الكلى وهي البولة الدموية والكرياتينين، والتي يتم على أساسها تحديد حاجة المريض للإماهة وكمية الشوارد اللازمة لتسريبها للمريض“.
بطء الإجراءات المخبرية وعدم توفر أنواع منها في المخابر يزيد من تفاقم الوباء في حلب، إذ لا يمكن لمشفى واحد أن يغطي جميع الحالات، بحسب من تحدثنا معهم، إضافة لتخريج المرضى الذين لا يحتاجون لعناية فائقة مع وجود الإصابة لديهم سيتسبب لا محالة بعدوى أشخاص كثر على تماس معه.
كيف تنتقل العدوى بالكوليرا
تدخل (ضمة الهيضة) إلى الجسم عن الطريق الفموي البرازي، من خلال الأطعمة والخضروات والسوائل الملوثة وغير المغسولة، حيث تستقر الجرثومة في الزغابات المعوية لفترة تتراوح بين 12 ساعة إلى خمسة أيام، ثم تظهر الأعراض تدريجياً أو بشكل صاعق حسب مناعة الجسم. وهي تصيب الأطفال والبالغين على حد سواء، ولكنها قد تكون مميتة عن المرضى المزمنين أو المصابين بقصور الكلية، حيث تصل نسبة الوفيات إلى 50 بالمئة في حال عدم تعويض السوائل بشكل إسعافي، وتنخفض إلى ما دون 2 بالمئة في حالة تدارك الحالة في بداية الأعراض، حسب الدكتور مضر، إخصائي الهضمية في حلب.
وفي حلب، يعد نهر قويق، الذي يحتوي على المخلفات العضوية للمدينة موثلاً رئيساً للجراثيم المعوية ومنها الكوليرا، خاصة مع توقف محطة تنقية مياه الصرف الصحي في الراموسة والريف الجنوبي، إذ تتم سقاية المزروعات والخضروات منها.
تسير مجاري الصرف الصحي لمدينة حلب في خط مواز لمجرى نهر قويق، وتصب في محطة مياه الصرف الصحي في منطقة الراموسة المتوقفة عن العمل. وتلتقي مياه قويق بالصرف الصحي النقطة ذاتها وتسيران معاً في الأراضي الزراعية جنوبي حلب ويعتمد مزارعو المنطقة عليها في ري محاصيلهم.
هذه المزروعات تسبب العدوى بالكوليرا لاعتمادها على مياه الصرف الصحي في زراعتها، وعدم الاهتمام بغسلها، إذ تحتاج للغسل بالماء والصابون قبل تناولها، ويطالب مختصون في المدينة أن تعمل الجهات المسؤولة على منع بيع الخضراوات القادمة من هذه المناطق، خاصة الحشائش مثل البقدونس والنعناع، ومراقبة المطاعم وإجبار الموظفين على ارتداء القفازات والاهتمام بالعناية الشخصية مثل قص الأظافر، كذلك منع بيع “الصندويش” والوجبات الغذائية المكشوفة في هذه المرحلة منعاً لانتشار الوباء بشكل أكبر.
كما تنتقل جرثومة الكوليرا عبر مياه الشرب غير المعالجة بالكلور وغير المفلترة مثل مياه الآبار والمسابح، إذ أن مصاباً واحداً قد ينقل العدوى لكل محيطه في طور الإصابة.
بالإضافة إلى المياه المجمدة (قوالب البوظ) والمثلجات بأنواعها، ذلك أنها لا تتعرض للحرارة، إذ أن ضمة الهيضة تموت في درجة ما قبل الغليان وهي 70 درجة مئوية، وتقاوم عوامل الجو العادية لفترة تتجاوز 10 أيام.
الاحتياطات والعلاج
النظافة الشخصية أهم الوسائل لحماية الفرد من الإصابة بالجراثيم المعوية، من خلال غسل اليدين لمدة ثلاثين ثانية على الأقل قبل الطعام، وبعد الخروج من بيت الخلاء، وتقليم الأظافر.
أما في حال الإصابة فينصح الأطباء بتعويض السوائل والشوارد بشكل مباشر وإعطاء بعض الصادات الحيوية مثل “الدوكسيسيلين والكينونات والسيبروفلوكساسين والكوتريمازول” مع المعالجة العرضية للحالة مثل “مضادات التشنج والإقياء وخافضات الحرارة” حيث تستجيب أغلب الحالات للعلاج خلال 48 ساعة حسبما ذكرت وزارة الصحة في تعميم لها على صفحتها الرسمية.
تنذر الاستجابة الحالية والواقع الصحي والمعيشي الهش للسكان، وضعف الرقابة، بانتشار الهواء الأصفر، الكوليرا، في سوريا، خاصة في حلب. ولم تتخذ الوزارة، حتى الآن، إجراءات سريعة للحد من انتشار الوباء، مثل إغلاق المسابح، ومنع المثلجات التجارية، وتفعيل الرقابة على المطاعم والكافتيريات ومحال الصندويش تحت طائلة المحاسبة القاسية، بالإضافة لتأمين التحاليل النوعية والصادات الحيوية للمرضى، ذلك أن تجار السوداء بدأوا بالتحرك لاستغلال الوباء من خلال إخفاء الأصناف الدوائية لبيعها بأضعاف ثمنها لاحقاً، يؤكد ذلك أن المصول الملحية ( السيرومات) باتت شبه مفقودة في الأسواق ماعدا شركة (الديماس) التي تبيع اللتر الواحد بمبلغ 4500 ليرة سورية، وهو مبلغ كبير قياساً بالمصول في الشركات الأخرى، حسب أحد الصيادلة في مساكن هنانو.