فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

 تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة.. صعوبات وطموح لا يقف عند حد - المصدر: freepik

 تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة.. صعوبات وطموح لا يقف عند حد

محمود يوسف سويد

تطلب الدراسة من ذوي الاحتياجات الخاصة، بذل جهد أكبر، سواء من الطالب أم من الجهات المشرفة على العملية التعليمية، فبحسب نوع الاحتياج الخاص لدى الطالب تختلف احتياجاته، ليتمكن معها من التعلم بشكل صحيح.

“عدم إلمامي بلغة “برايل” الخاصة بالمكفوفين، وصعوبة استخدامي للكمبيوتر، زادا من مشقة الحفظ والدراسة”. بهذه الكلمات استهلّت نيفين كيالي (فاقدة للبصر)، ابنة بلدة قورقانيا في إدلب، شمالي سوريا، التي حصلت على شهادة التعليم الثانوي في العام الحالي، حديثها وهي تشرح معاناتها خلال التحضير لامتحانات الشهادة الثانوية، كونها من ذوي الاحتياجات الخاصة.

تتطلب الدراسة من ذوي الاحتياجات الخاصة، بذل جهد أكبر، سواء من الطالب أم من الجهات المشرفة على العملية التعليمية، فبحسب نوع الاحتياج الخاص لدى الطالب تختلف احتياجاته، ليتمكن معها من التعلم بشكل صحيح، كتوفير وسائل نقل مناسبة لمن يحتاجها، أو وسائل تعليمية وأساليب تدريس معينة تبعاً للحالة الخاصة التي يمر بها الطالب، وعلى الجهات المشرفة يقع عاتق تأمين تلك الأجواء المناسبة لهذه الشريحة من الطلاب.

غياب المراكز الخاصة

حاولت نيفين البحث في محيط سكنها ببلدة قورقانيا، عن مراكز لتعليم لغة برايل الخاصة بالمكفوفين وضعيفي البصر، وهي لغة تستخدم فيها الحروف النافرة والرسوم التوضيحية، ويتم تدريب المكفوفين على قراءتها وحتى الكتابة بها أحياناً. تقول، إنها قررت العودة إلى المدرسة بعد انقطاع دام 12 عاماً بسبب الظروف التي مرت بها البلاد منذ اندلاع الثورة، حيث اضطر أهلها لمغادرة مدينة دمشق قاصدين حلب ومنها هجروا قسراً ليعودوا إلى مسقط رأسهم في قورقانيا.

حلم العودة للتعلم لم يفارقها لحظة بالرغم من عدم إلمامها بلغة برايل وصعوبة توفر مدرسين متخصصين لمثل حالتها، لذا قررت متابعة التعليم معتمدة على الدروس التعليمية المتوفرة على قنوات “يوتيوب”، فكانت تستمع الى الدرس بالصوت وتحفظه تحضيراً للامتحان.

نيفين ليست الوحيدة، إذ لم يساعد إتقان لغة برايل الطالبة كريمة باريشو على الحفظ والتعلم، فتقول إنها خضعت لدورات في أحد المراكز المتخصصة لتعليم هذه اللغة في إدلب قبل سنتين، لكن غياب المناهج التدريسية المكتوبة بها جعل من قضية إتقانها أمراً غير مجدٍ، لكنها لم تنكر الدور الذي أسهمت به تلك الدورة والتحفيز والتشجيع الذي حصلت عليه من قبل المدرسين هناك.

تابعت كريمة الدراسة بعد انقطاع استمر 16 عاماً، وهو الوقت الذي كانت تدرس في مدارس قلعة المضيق بريف حماة الشمالي، ضمن مدارس حكومية عامة برفقة زملائها المبصرين، حيث التحقت حينها بمدرسة خاصة بالمكفوفين تقع في بلدة بعيدة، لكن والدها منعها من المتابعة خوفاً عليها.

كانت كريمة أوفر حظاً من نيفين، حيث حظيت بمدرسين مختصين في منهاج شهادة التعليم الأساسي في دروس كانت تتلقاها عبر “واتس آب”، كما حصلت على بعض المساعدة من مدرسين ومدرسات يجاورونها في السكن في مخيم البردغلي القريب من مدينة الدانا في الشمال السوري، وهذا مكنها من النجاح والحصول على شهادة التعليم الأساسي في العام الدراسي الحالي.

أبرز الصعوبات التي تواجه ذوي الاحتياجات الخاصة

تجمل كريمة الصعوبات التي واجهتها خلال فترة التحضير لامتحان شهادة التعليم الأساسي، بالضجيج والضوضاء الصادر عن الباعة الجوالين، إضافة إلى قرب المنازل من بعضها البعض، وبخاصة أنها تعتمد التعلم بالسمع، وانقطاع شبكة الإنترنت المتكرر الذي يصل في بعض الأحيان لعدة أيام. كذلك شكل التأخر في توفير الكتاب المدرسي، ضغطاً من جهة الوقت اللازم للحفظ والدراسة، ما دفعها للتعويض بحضور دروس ضمن مجموعات دراسية خاصة أنشأها مدرسون في المخيم.

تقول كريمة “واجهت صعوبة في فهم بعض المصطلحات وبخاصة الأشكال الهندسية والنظريات الرياضية، بالرغم من بذل المدرس جهداً كبيراً في الشرح. تتشارك نيفين وكريمة حلماً واحداً وهو متابعة التحصيل العلمي والحصول على شهادة جامعية في مجال التعليم والإرشاد النفسي، سعياً منهما لخدمة الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة وبخاصة المكفوفين منهم.

حال حسن قطيني (أحد سكان مدينة إدلب) الذي تمكن من إتمام مرحلة التعليم الأساسي لهذا العام الدراسي، لم يكن أفضل من حال نيفين وكريمة، يعاني حسن من ضمور في العضلات والأطراف، ويستخدم الكرسي المدولب في تنقلاته ما بين المنزل والمعهد الذي يدرس فيه، أو في ذهابه الى المركز الامتحاني. يتحدّث عن ظروف دراسته والدور الذي لعبته أخواته في المنزل في متابعته أثناء الدراسة، والاهتمام به ورعايته بعد أن اضطرت والدته للسفر إلى تركيا لتلقي العلاج، إثر إصابتها بمرض عضال مع بداية العام الدراسي الماضي.

لا يغفل حسن دور المعلمين الإيجابي في مساعدته على مواصلة الدراسة، فيقول “أخبرني أستاذي أنّه فخور بي وبإصراري على التعلم وهذا شكل حافزاً لي لأتابع تعليمي”. يرى حسن أنه حصل على فرصة يحلم بها كثيرون من غير ذوي الاحتياجات الخاصة، بالرغم من الصعوبات التي مر بها خلال دراسته، يأتي في مقدمتها غياب الأماكن والأرصفة الخاصة لسير الكرسي المدولب، ما صعب عليه عملية التنقل أحياناً، كذلك كانت عملية الكتابة وتدوين الملاحظات تتطلب وجود شخص بجانبه يقوم بهذا الأمر، بسبب ضعف أطرافه العلوية.

آثرت أم حسن، أن تكون بجانب ابنها لحظة إعلان نتائج الامتحانات لشهادة التعليم الأساسي، وقدمت خصيصاً من تركيا لتشاركه تلك اللحظة المنتظرة والسعيدة، فتقول لـ”فوكس حلب” كان شعوراً بالفخر والفرح لا يوصف، لدرجة أني نسيت معها مرضي وما أعانيه من آلام”.

يتمنى الشاب أن يجد جهة أو منظمة تؤمن له دعماً مادياً، له ولأسرته التي تعاني من ظروف مادية بالغة الصعوبة، بعد أن توفي والده قبل سنوات، كي يتمكن من متابعة تحصيله العلمي ويحقق حلمه في دخول كلية الطب البشري ليصبح طبيباً في المستقبل.

مع غياب المراكز التعليمية والمدارس المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة في محافظة إدلب، يتابع الطلاب الراغبون بإكمال تحصيلهم العلمي دراستهم في المدارس العامة محاولين التأقلم مع واقعهم الصحي والبدني، كحال الطفلة رغداء تكس (11 عاماً)، المقيمة في بلدة (اسقاط) في الشمال السوري، التي تعاني من إعاقة ناجمة عن الولادة في الطرف الأيمن من جسدها. رغداء تدرس في مدرسة “عقيل اسقاطي” العامة، نجحت هذا العام إلى الصف السادس، تقول :إنها تحب الدراسة كثيراً وتطمح لأن تصبح معلمة في المستقبل. كذلك يشكل اهتمام المدرسين بها وحب معلماتها وزميلاتها لها، حافزاً ومشجعاً. تضيف رغداء “أشعر وأنا بالمدرسة أنني بين إخوتي والجميع يحبني”.

أبدت رغداء سعادة كبيرة بالتحسينات التي نفذتها إحدى المنظمات في مدرستها، حيث وفّرت أماكن لنزول وصعود الكراسي المتحركة، كما جهزت المدرسة بحمامات مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، تشجيعاً منها لهذه الشريحة من الأطفال والشباب، للقدوم إلى المدارس العامة للدراسة والاندماج بالمجتمع.

دور المنظمات الإنسانية ومديرية التربية بتذليل الصعوبات

تقول المدرسة والمشرفة التعليمية في منظمة سداد العاملة في الشمال السوري، رحاب الخلف “إن مشروع المنظمة شمل 24 مدرسة، وزعت مناصفة بين قضائي سلقين ودركوش، وإن هذا المشروع يستهدف كل الطلاب في المدارس المذكورة، من ذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم، وحتى بعض عوائل الطلاب الذين يعانون من أوضاع مادية صعبة عبر توفير مشاريع صغيرة لهم. وتضيف، أن المنظمة تتابع سير العملية التعليمية في المدارس و تقدّم التسهيلات المادية والتعليمية والنفسية للطلاب، إضافة إلى تأهيل الكوادر التعليمية ضمن دورات تدريبية تمكنهم من إتقان أساليب التعامل والتعليم لذوي الاحتياجات الخاصة.

مرت العملية التربوية لهذا العام الدراسي بيسر كما أخبرنا مدير التربية في محافظة إدلب، محمود الباشا، وقال “إنها أفضل من الأعوام السابقة من جهة التنظيم وتوفر مستلزمات العملية التربوية لكل مراحل التعليم من مدرسين كفوئين والكتب المدرسية، لكنه ألمح إلى تأخر في توفير بعض النسخ من الكتاب المدرسي وبخاصة في المرحلة الثانوية، وأرجع السبب إلى ظروف تقنية أخرت طباعة بعض الأعداد.

وبما يخص الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة، بيّن “الباشا”، أن مديرية التربية تهتم بهذه الشريحة من الطلاب وتسعى لتخصيص مدارس خاصة لهم تناسب احتياجاتهم، ويضيف “لدينا مدرسة اسمها مدرسة المكفوفين في مدينة إدلب لطلاب الشهادتين، ونطمح أن تعمم الفكرة على بقية المراكز التعليمية في المحافظة، لكن هذا يتطلب جهوداً ووقتاً”.

ويشير إلى أنه تم الإعداد لسير العملية الامتحانية هذا العام قبل مدة كافية، وأنه تم إيلاء الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة اهتماماً ورعاية كبيرين، تمثّلا بتخصيص مراكز امتحانية لهم بلغت 25 مركزاً امتحانياً لكل من الشهادتين الثانوية والتعليم الأساسي. ويلفت إلى أن المراكز استقبلت مصابي الحرب وحتى الطلاب الذين تعرضوا إلى حوادث فجائية خلال العام الدراسي ولم يتماثلوا للشفاء حتى تاريخ بدء الامتحانات.

يقول علي قسوم مدير دائرة الامتحانات في مديرية التربية بمحافظة إدلب إن عدد الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين تقدموا لامتحان الشهادتين في هذا العام الدراسي كانت أكبر من سابقاتها، إذ بلغ عدد المتقدمين في مركز سفيان الثوري وحده 11 طالباً وطالبة في مرحلة التعليم الأساسي و14 في مرحلة التعليم الثانوي بفرعيها العلمي والأدبي.

أكّد كل من نيفين وكريمة وحسن، أن الصعوبات التي تواجههم يومياً كبيرة، لكنهم يعملون على تذليلها رغبة بالوصول إلى أحلامهم، من أجل الحصول على أعمال تصب في خدمة نظرائهم من ذوي الاحتياجات، وكي يحصلوا على مصادر دخل تمكّنهم من الاستقلال المالي، في ظل المصاعب المتراكمة التي تخيّم على الشمال السوري.