مع استمرار تدهور قطاع الكهرباء وازدياد ساعات التقنين في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، تحولت الطاقة البديلة في حلب إلى خيار السكان الوحيد لتعويض غياب الكهرباء، بالرغم من ارتفاع تكاليفها التي لاتنتهي بمجرد اقتناء وتركيب منظومة، غالباً ما يحصلون على ثمنها من خلال حوالة خارجية.
يشهد سوق الأجهزة والمعدات الكهربائية والألواح الشمسية المرتبطة بالطاقة البديلة في سوريا نمواً كبيراً، مستفيداً من تبني وتشجيع حكومة النظام على استخدامها، كحل اقتصادي مناسب، في ظل أزمة نقص المحروقات وارتفاع أسعار كهرباء المولدات الأهلية (الأمبيرات) وقناعة السكان بغياب أي حلول لمشكلة الكهرباء على المدى المنظور.
في تشرين الثاني من عام 2021، أصدر النظام القانون رقم 32، الذي تم بموجبه تعديل المادة 28 من قانون الكهرباء رقم 32 لعام 2010، ما أتاح للسكان تركيب أجهزة توليد الطاقة المتجددة للاستخدام المنزلي، وشراء الكهرباء المنتجة من مشاريع هذه الطاقة، التي يمكن ربطها بشبكات النقل أو شبكات التوزيع، تشجيعاً للاتجاه نحو الطاقة البديلة.
منظومة الطاقة البديلة حاجة ملحة
حلب، مثل بقية المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، تعاني من كثرة ساعات تقنين الكهرباء تشهد أسطح منازلها زيادة ملحوظة في أعداد ألواح الطاقة الشمسية، وإقبالاً على تركيب منظومتها بين السكان، رغم غلائها.
عبد الباسط من سكان مدينة حلب، وهو رب أسرة مؤلفة من ثمانية أفراد، يرى أن تركيب منظومة الطاقة البديلة في مدينة حلب بات حاجة ملحة بالنسبة إلى الأهالي، بسبب وضع الكهرباء المزري وفشل الحلول التي لجؤوا إليها رغم تكلفتها المرتفعة.
وعن تكلفة تركيب منظومة الطاقة الشمسية، يقول عبد الباسط لـ “فوكس حلب”: “اشتريت أصغر المنظومات المنتشرة وأقلها تكلفة، التي بلغت تكلفتها الكلية نحو خمسة ملايين ليرة سورية، لكنها تكفي فقط لشحن الأجهزة الكهربائية كالهواتف وبطارية “يو بي إس” (شاحن لموزع الإنترنت) مع إنارة منزلية مقبولة”.
وبحسب عبد الباسط، فإن منظومته تتكون من لوحي طاقة صغيرين مع بطارية متوسطة الحجم وجهاز “أنفيرتر” (محول تيار من مستمر إلى متناوب) إضافة كابلات كهربائية وحديد لتثبيت الألواح وغيرها من المعدات.
ويضيف: “أنه وبالرغم من أن تكلفة تركيب المنظومة عالية، إلا أنها تدفع لمرة واحدة فقط، وإذا ما قارناها مع التكاليف التي تدفع للحصول على الكهرباء، فنجد أنها أوفر بكثير، كنت أدفع نحو 150 ألف ليرة شهرياً مقابل الحصول على ثلاثة أمبيرات كهربائية لخمس ساعات فقط، أما اليوم فأنا أحصل على أمبيرين طول ساعات النهار وإنارة ليلية دون تكاليف تقريباً”.
الطاقة المتجددة تنقذ المزارعين
الإقبال على شراء منظومات الطاقة المتجددة لم يعد حكراً على سكان مدينة حلب، فمع ارتفاع أسعار الوقود ورفع حكومة النظام جزءاً كبيراً من الدعم عن المازوت الزراعي، لجأ كثير من المزارعين إلى تركيب ألواح الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، من أجل تشغيل مضخات المياه وسقاية محاصيلهم، لإعادة الحياة لها.
يقول أبو شعبان، مزارع من ريف حلب الجنوبي: “إن ألواح الطاقة الشمسية أنقذت أشجاره وأرضه من الجفاف، بعد أن عمد إلى تركيب منظومة خاصة لضخ المياه الجوفية، بقدرة تصل إلى ثلاثة أرباع الـ”إنش”.
بلغت تكلفة تركيب منظومة الطاقة المكونة من 12 لوح شمسي من حجم 460 واط وبطاريات كبيرة الحجم والتخزين، بحسب أبي شعبان، حوالي 30 مليون ليرة، ويؤكّد أنه يحتاج إلى تركيب منظومة أضخم، لتغطية كامل أرضه، قد يتجاوز سعرها الـ50 مليون ليرة، لذا لجأ إلى عملية التناوب في السقاية بين الأشجار الممتدة على 10 دونمات.
الألواح الشمسية بلا جدوى صناعية
على خلاف فاعليتها في الاستعمال المنزلي والزراعي، لم تثبت ألواح الطاقة البديلة في حلب جدواها في الاستخدام التجاري والصناعي، حيث يصطدم معظم أصحاب المشاريع التجارية والصناعية الصغيرة بارتفاع أسعار أجهزة الطاقة البديلة.
يقول أبو حميد، صاحب محل لبيع المواد الغذائية في حلب: ” فكرت بشراء منظومة طاقة لتأمين الكهرباء لبرادات محلي، إلا أن سعرها دفعني للعدول عن هذا القرار، حيث يصل احتياج محلي إلى ما بين أربعة وستة أمبيرات، تبلغ تكلفة تأمينها نحو ثمانية ملايين ليرة”.
وبدوره، أوضح صاحب ورشة لتصنيع الأحذية في حي المعادي بحلب، فضل عدم ذكر اسمه، أن استخدام المازوت لتشغيل المولدات يبقى الخيار الأنسب لاستمرارية عمل الورش، يقول: “عند تشغيل مكبس الضبان (آلة لتقطيع الجلود والأقمشة) فإنها بحاجة إلى قوة تيار كبيرة جداً، وأحياناً نضطر إلى إيقاف ماكينات الخياطة عن العمل حتى تستقر المولدة مع تراجع التيار المسحوب منها، وهذه الاستطاعة لا تستطيع تأمينها منظومة ألواح الطاقة، لذا فنحن محكومون بالكهرباء الحكومية الغائبة، وكهرباء المولدات التي تعتبر أكثر استقراراً من غيرها”.
أسعار كاوية
تختلف أسعار تركيب منظومة الطاقة البديلة في حلب المولدة عبر ألواح الطاقة الشمسية باختلاف حجمها وطبيعتها، مع تعدد التطبيقات واختلاف الأدوات التي تحتاجها، حيث تتراوح تكلفة المنظومات الشمسية ذات الاستخدام المنزلي الأكثر انتشاراً بين خمسة ملايين إلى 14 مليون ليرة، بارتفاع بلغ حوالي 10 في المئة عما كانت عليه في العام الماضي، بحسب ما رصد “فوكس حلب”.
فقد تأثرت أسعار الأجهزة الكهربائية المرتبطة بعمل الطاقة البديلة بقرار “المركز الوطني لبحوث الطاقة” الذي أقر في نهاية شهر أيار الماضي، منح مختبر الطاقات البديلة في سوريا صلاحية اختبار المعدات وتجهيزات الطاقة المستوردة من الخارج، ووضع لصاقة ليزرية للتأكد من جودتها مقابل رسوم مالية.
يتقاضى المختبر 65 ليرة سورية عن كل واط في اللوح الشمسي، و 17 ليرة عن كل واط في جهاز الأنفيرتر و288 ليرة رسوماً للأمبير الواحد في البطاريات، وهذا أدى إلى ارتفاع سعر التجهيزات بمعدل 100 ألف ليرة تقريباً لكل قطعة.
يقول وائل، صاحب محل لبيع الأجهزة الكهربائية في حلب: “إن قرار اللصاقة الليزرية زاد من تسعيرة جميع المعدات الداخلة في عملية تركيب منظومة ألواح الطاقة الشمسية، ولم يقتصر على الأجهزة المشمولة بالقرار”.
وبحسب، وائل، فإنه يمكن ملاحظة فرق السعر على الأجهزة ذات الطاقة الصغيرة، حيث بلغ سعر لوح الطاقة الصغير من حجم 50 واط 150 ألف ليرة بدلاً من 100 ألف ليرة، بينما ارتفع سعر لوح الطاقة من حجم 180 واط، وهو الأكثر مبيعاً إلى 380 ألف ليرة، بعد أن كان يباع بـ280 ألفاً، فضلاً عن تضخم أسعار منظمات الأمبير بشكل كبير، حيث وصل سعر المنظم بقدرة 20 أمبيراً منزلياً إلى نحو 140 ألف ليرة، والزراعي بقدرة 4 كيلو إلى ما يقارب المليون و250 ألف ليرة.
يرى وائل، أنه بناءً على هذه الأسعار فإن تكلفة تركيب المنظومة المنزلية الأكثر انتشاراً، تكفي لإنارة غرفة وتشغيل التلفاز، تبلغ نحو مليوني ليرة، وتتألف من لوح طاقة واحد من حجم 180 واطاً مع التجهيزات المناسبة، منها حوالي 600 ألف تقريباً ثمن اللوح والمنظم، يضاف إليها البطارية بحسب الرغبة والكابلات الشعرية التي تتفاوت أسعارها بحسب سماكة الكيبل والمثبتات الحديدية والتمديدات وأجهزة الحماية.
لم يفوّت وائل الإشارة إلى أن عمليات البيع وإقبال السكان على شراء ألواح الطاقة البديلة في حلب “ماتزال ضعيفة ودون المتوقع، مقارنة بحجم العرض في السوق وتزايد الحاجة لها مع غياب الكهرباء الحكومية” مرجعاً السبب “إلى غلاء أسعار الأجهزة التي لا تتناسب مع القدرة الشرائية للسكان”.
كما لاحظ وائل أن معظم الأعطال التي تصيب المنظومات يكون سببها رداءة الأجهزة وسوء التركيب والاستخدام، وأما بالنسبة للحوادث، والتي غالباً ما تكون عبارة عن حرائق في الأجهزة، إنها شبه معدومة في حال تمت عملية التركيب والتمديد بعناية من قبل مختصين، وتمت رعاية الأجهزة من قبل المالك، والقيام بالصيانة الدورية للتأكد من عدم أكسدة المعدات، وعدم تعرضها لحمولة زائدة أو مياه وغيرها.
المهجرون يدفعون ثمن ألواح الطاقة
الأرقام التي تصل إليها أسعار منظومات الطاقة تفوق القدرة المالية لمعظم السكان في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، حيث يبلغ المعدل الوسطي لرواتب الموظفين في القطاع العام 149 ألف ليرة سورية شهرياً، والقطاع الخاص 200 ألف، فكيف يشتري السكان هذه المعدات؟
بحسب من تواصلنا معهم من المقيمين في مناطق حلب الخاضعة لسيطرة النظام، فإن الغالبية منهم يعتمدون على أقاربهم في المهجر لشراء المنظومة، كما هو الحال مع حسين الذي يقطن في حي باب النيرب.
يقول حسين: “إنه تشارك مع أشقائه وعائلة زوجته المقيمين خارج سوريا لشراء المنظومة التي يستخدمها في منزله منذ منتصف العام الماضي، مضيفاً، “قام إخوتي المقيمون في تركيا بإرسال 500 دولار أميركي من أجل تركيب المنظومة، إلا أن هذا المبلغ لم يكن كافياً، فطلبت زوجتي المساعدة من أهلها وأختها في ألمانيا لتوفير النصف الثاني من المبلغ، وفعلاً قاموا بإرسال 1000 دولار من أجل إتمام العملية”.
ظروف أحمد لم تكن أفضل حالاً، يقول: “إن والدته المقيمة معه في حلب، فرضت على أشقائه الموزعين على عدة دول أوروبية تأمين ثمن تركيب ألواح الطاقة الشمسية”.
مصادر ألواح الطاقة
تختلف مصادر ألواح الطاقة المنتشرة في مناطق سيطرة النظام، حيث يتم استيراد قسم كبير منها عن طريق البحر من دول عدة أبرزها الصين والهند، وبكميات أقل من الأردن عن طريق معبر نصيب الحدودي في درعا.
وإلى جانب الاستيراد القانوني، نشطت عمليات تهريب الألواح وملحقاتها من مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا إلى تلك المناطق، وخاصة خلال العامين الماضيين، بعد توجه معظم سكان المناطق الخارجة عن سيطرة النظام إلى استخدام الكهرباء التركية، وتخليهم عن ألواح الطاقة، ما عدا سكان المخيمات.
ونتيجة لذلك، انخفض سعر لوح الطاقة في أرياف حلب الخارجة عن سيطرة النظام إلى نحو 50 دولاراً أميركياً، ترافق ذلك مع انخفاض أسعار الملحقات الأخرى من بطاريات وأجهزة الحماية الكهربائية لكن بصورة أقل.