في الموسم الفائت، كان المردود المادي للخضار التي زرعها عبد العزيز اصطيفي، وهو مزارع من بنش شمالي إدلب، ضعيفاً جداً، وذلك بسبب انخفاض الأسعار نتيجةً لوفرة الخضار المستوردة من تركيا في السوق، يقول اصطيفي “إن الشمال السوري أصبح مقبرة للسلع التركية”، فأي سلعة ينخفض ثمنها في السوق التركية يبدأ التجار بنقلها إلى المنطقة، يقابل ذلك تسهيلات في عملية الاستيراد، فـ”اليوم بات أي تاجر يملك ثلاثة أو أربعة آلاف دولار قادر على التوجّه نحو معبر باب الهوى، لشراء الخضار وبيعها في سوق الهال”.
يضيف اصطيفي “أن خسائر الخضار جعلته وكثير من المزارعين يفكّرون بزراعة المحاصيل اليابسة كفول الصويا، الذي يتيح للمزارع إمكانية التخزين، في حال لم يكن السعر مناسباً، وهذه ميزة إضافية تشجع على هذه الزراعة بخلاف الخضار التي تحكم على الفلاح بالتوجه فوراً لسوق الهال والبيع بالسعر الموجود”.
ويشير إلى أن زراعة فول الصويا بدأت تعود إلى الشمال السوري بعد توقفها لنحو خمس سنوات بسبب ارتفاع حدة الأعمال العسكرية وغلاء المحروقات، حيث بات الفلاحون يبحثون عن زراعات بديلة نتيجة كساد المزروعات التي من أهمها الخضروات، و اكتفاء السوق المحلية وغياب القدرة على تصدير الفائض إلا ما ندر.
يقول الخبير الزراعي، والرئيس السابق للرابطة الفلّاحية في بلدة زردنا، سامر يسّوف، “لم تكن زراعة فول الصويا رائجة في إدلب خلال السنوات العشر الماضية، لأن المنطقة كانت تشهد أعمالاً عسكرية، إضافة إلى عدم توفر معامل استخراج الزيوت وكسبة الصويا (مادة علفية) من مخلفات فول الصويا.
يرى “يسّوف” أن انفتاح الشمال السوري أخيراً على تركيا، قد يحرّك سوق هذا المادة، لأن تركيا قادرة على الاستفادة من هذا المنتج الذي كانت تزرعه و تستورده من أوكرانيا قبل اندلاع الحرب هناك، لكنّ الأحداث العسكرية وتوقّف الموانئ حدّا من إنتاجها، و جعلا تجاراً أتراكاً يتجهون إلى الشمال السوري حاملين معهم البذار، ليشجعوا المزارعين على هذه الزراعة، من خلال وعود بشراء المنتج بأسعار جيدة لتعويض النقص الحاصل في بلادهم.
يقول حسين عبود “تاجر حبوب مهجر من مدينة كفرزيتا بريف حماة ويقيم في كللي شمالي إدلب :إن الصويا نبتة صناعية تدخل في تصنيع نحو 80 مادة من أهمها الزيت، لما تحويه من مزايا واحتوائها على نسب عالية من البروتين، وغالبية دول العالم تعاني من نقص في هذه المادة، وأشار إلى أن تركيا لوحدها استوردت العام الفائت ثلاثة ملايين طن، وتعتبر أوكرانيا ودول أميركا الجنوبية من أهم الدول المنتجة لها.
يتوقع “عبود” أن تكون زراعة الصويا ناجحة في إدلب، وتحدث عن زيارة مهندسين من الشركة المنتجة لبذور الصويا من تركيا، يقول عبود: “اطلع المهندسون على الحقول و أعجبوا بها و أشادوا بنجاح الزراعة مبدئياً، ووصفوا حقولها بأنها أفضل من الحقول الموجودة في تركيا، نتيجة موائمة المناخ لزراعتها في الشمال السوري، كما أكد أن عملية تصدير المادة لتركيا مؤكدة، نظراً لما تلقاه التجار والمزارعون من وعود.
وبحسب التاجر ذاته، فإن استيراد تركيا لفول الصويا من الشمال السوري أوفر لها بكثير من عملية استيراده من أوكرانيا، لاعتبارات عدة، منها، توفير عمولات التحويل بين الليرة التركية واليورو، وتوفير أجور الشحن والتخليص الجمركي، خاصة أن الشمال السوري يتعامل أصلاً بالليرة التركية، وحتى في حال استلام المحصول بالدولار تبقى تركيا الرابحة لأن التصريف يكون بحسب سعر الصرف لديها، على حد تعبيره.
يراهن “عبود” على زيادة الكميات والمساحات المزروعة بفول الصويا في إدلب، من أجل الوصول إلى تصدير منافس، مؤكّداً أن تجار الشمال السوري لن يبيعوا المحصول لتركيا إن لم تكن الأسعار التي يدفعونها مناسبة، وقد يفتحون خط تصديرٍ ثانٍ، وتكون تركيا حينها عبارة عن خط ترانزيت أو عبور لأي دولة في العالم، وهذا يحتاج لإنتاج يفوق الـ 1000 طن، حتى تستقبل الدول الشحنة.
أحمد الحمادين من سهل الغاب بريف حماة، نازح إلى مدينة معرة مصرين، يقول، إنه كان يزرع أرضه مرة كل عامين بفول الصويا، لكن و بعد نزوحه إلى الشمال السوري، استأجر أرضاً وزرعها بالمحصول ذاته، ويشير إلى أن أقارب له في ريف حلب الجنوبي كان يزرعون أراضيهم بفول الصويا أيضاَ، وهم شركاء معه في الأرض التي زرعها قرب معرة مصرين.
يؤكّد “الحمادين” أنّه لم يكن يرغب بزراعة الصويا سابقاً، لكن تشجيعات التجار الأتراك واعتماده على ري المحصول من خلال مضّخة تعمل على الطاقة الشمسية شجّعاه على إعادة إحياء هذه الزراعة في الشمال السوري، لكنّه يأمل في نفس الوقت أن يكون هناك اهتمام من وزارة الزراعة في حكومة الإنقاذ بهذا الزراعة التي عادت بعد أن غابت لسنوات.
عرفت سوريا زراعة الصويا نهاية الثمانينات أثناء الحصار الاقتصادي الذي كان مفروضاً على البلاد، الأمر الذي خلف ضائقة وحالة فقر كانت سائدة آنذاك، فتوجهت الحكومة لفرض عدد من المزروعات على الفلاحين ومنها فول الصويا ودوّار الشمس الزيتي، بغية استخراج الزيت وتشغيل المصانع التي كانت متوقفة آنذاك.
تجاوزت مساحة الأراضي المزروعة بفول الصويا في إدلب هذا العام الـ 5000 دونماً، بحسب تقديرات مزارعين متابعين، وهي أضعاف المساحات التي زرعت بالمحصول في المنطقة العام الماضي، والتي لم تتجاوز 500 دنماً.
ويعتمد معظم أصحاب حقول الصويا على مشاريع الطاقة الشمسية لري الحقول بحسب “اصطيفي”، الذي يقول “لو أن الفلاح اعتمد في الري على الديزل أو الكهرباء التركية فإن زراعته خاسرة قطعاً، بسبب التكلفة الزائدة وغلاء أسعار الكهرباء والمحروقات”.
تعتبر نبتة الصويا مادة غذائية -صناعية، يستخرج منها الزيت، وتعد كسبة الصويا من أفضل أنواع الأعلاف لتسمين المواشي، ويكثر الطلب على تبن الصويا المرغوب كمادة علفية خاصة في ظل غلاء الأعلاف وقلتها، ودخلت مادة فول الصويا أخيراً في الصناعات الغذائية والمحامص بشكل كبير، ويتراوح سعر طن فول الصويا بين 800 وألف دولار، بحسب تجار حبوب.
يطالب عدد من الفلاحين الذين التقيناهم في المنطقة بإيجاد مصانع لاستخراج الزيوت من فول الصويا، من أجل تأمين منتج محلي وتوفير أجور النقل، والتخلص من التحكم الخارجي بالفلاح والعمولات التجارية، يقول عدد ممن التقيناهم “إن هذه الخطوات أفضل من تصدير الصويا لتركيا، ومن ثم استيراد زيته منها، فحينها تزيد أعباء الاستيراد والتصدير، وقد تنقص جودة المنتج”.
يقول “يسّوف” كان المزارعون يضعون وساطات لزراعة الصويا، لأن الدولة كانت تستلمها بسعر أعلى من دوّار الشمس والذرة. وفي التسعينيات كانت وزارة الزراعة تفرض على الفلاحين في العروة التكثيفية (الزراعات الصيفية التي تزرع بعض الحصاد) زراعة 5000 دونماً من فول الصويا و 5000 دونماً من دوّار الشمس من ضمن 20000 دونم تكثيفي، تزرع لصالح مديرية الزراعة بإدلب، مقسمة ما بين عباد الشمس والذرة وفول الصويا.
وبلغت مساحة المزروعة بفول الصويا في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام هذا الموسم 206 هكتاراً، بحسب وزارة الزراعة، إذ شهدت هذه الزراعة تراجعاً كبيراً بعد عام 2011، ما انعكس على أسعار الزيوت التي وصلت إلى أرقام مرتفعة جداً، وعلى علف الصويا الذي أثر على أسعار اللحوم.