مضى أربعة أعوامٍ على إعلان الأسد سيطرته الكاملة على الغوطة الشرقية بريف دمشق، والأوضاع الخدمية والأمنية لم تشهد أي تحسّنٍ ملموس، وسط تقاعسٍ من حكومة النظام التي تكتفي بالتصريحات الإعلامية فقط، بينما يواجه الأهالي واقعاً أليماً لم يعيشوه حتى خلال سنوات الحصار.
بعد ست سنوات من الحصار والقصف العنيف، أعلن النظام السوري في الثاني عشر من نيسان 2018، سيطرته على جميع قطاعات الغوطة الشرقية، ليبدأ بعد ذلك إطلاق الوعود والتصريحات، بالعمل على تأهيل البنى التحتية وإعادة الخدمات لمدن وبلدات الغوطة.
موقع “فوكس حلب” تواصل مع عدد من الأهالي المقيمين في عدة مدنٍ وبلداتٍ بالغوطة الشرقية، والذين أكدوا أن الخدمات مازالت شبه غائبة في مناطقهم، وأعمال الصيانة والترميم تسير ببطء شديد، وأن النظام يتعمّد إهمال تأهيل البنى التحتية وتحسين الواقع الخدمي، كعقاب للسكان الذين ثاروا ضده.
الكهرباء والمياه والخبز بالقطّارة
تعتبر الكهرباء من أكثر المشكلات التي ترهق الأهالي، يقول الناشط الإعلامي هيثم بدوي، من مهجري جوبر: “سكان جوبر ممنوعون من العودة نهائياً لبيوتهم بحجة دمار المنطقة، وبالتالي ليس فيها كهرباء ولا أي خدماتٍ أخرى، لذلك يعيش أقاربي في باقي مناطق الغوطة، ومن خلال تواصلي معهم قالوا لي إن الكهرباء لا تأتي سوى ساعة أو ساعتين طوال اليوم”.
يضيف بدوي لموقع فوكس حلب: “واقع الكهرباء أفضل بقليل في المناطق القريبة من العاصمة أو جرمانا، مثل بلدات عين ترما والمليحة وزملكا والقاسمية، كونه يمر فيها خط التغذية الكهربائي الواصل إلى العاصمة وبعض المناطق الموالية، أما المدن والبلدات التي تقع في قلب الغوطة، مثل كفربطنا وسقبا وعربين وحزة وحمورية، فوضع الكهرباء فيها سيء جداً”.
مع غياب التيار الكهربائي بشكلٍ شبه تام، لجأت العديد من العائلات الى الاشتراك بالأمبيرات، لكنها اشتكت من غلاء تكلفتها.
يقول أبو سليم من سكان حرستا لفوكس حلب: “يتعمّد النظام إهمال وضع الكهرباء، لإجبار الناس على الإشتراك بالأمبيرات التي تعود ملكيتها لأشخاص مرتبطين به، وبالتالي كل مازادت ساعات قطع الكهرباء، يلجأ الناس إلى استعمال الأمبيرات، وبالتالي تزداد أرباح مالكي مولدات الأمبير”.
من خلال التقصّي عن سعر الأمبير في مدن وبلدات الغوطة، تبيّن أنه يشهد ارتفاعاً بشكلٍ متواصل من قبل أصحاب الأمبيرات بحجة غلاء المازوت وندرته، حيث يتراوح سعره الحالي بين 2500-2700 ليرة سورية للكيلو واط الساعي.
أبو سليم لفت الانتباه إلى مشكلةٍ أخرى تواجه الأهالي، حيث قال: “تعرّضت العديد من الأجهزة الكهربائية لدى كثيرٍ من العوائل للتلف، بسبب قطع وتشغيل الكهرباء بشكلٍ متتال، لدرجة أنه في الربع ساعة قد تنقطع وتعمل أكثر من خمس مرات، وعلاوةً على ذلك فإن التوتر الكهربائي يأتي ضعيفاً تارةً، وبشدة عالية تارةً أخرى”.
واقع المياه ليس أفضل حالاً من الكهرباء كونهما مرتبطان ببعضهما البعض، حيث أدى القصف العنيف إلى تضرر شبكات المياه بشكلٍ كليّ أو جزئي، وخلال أربع سنوات قامت ورشات النظام بصيانة طفيفة لبعض الشبكات، وبالتالي فإن كثيراً من أحياء الغوطة مازالت محرومةً من المياه أو تصلها مرة أسبوعياً.
يقول أبو سليم: “ضخ المياه ضعيف في أغلب المناطق، وبالتالي الحصول على المياه يحتاج إلى تشغيل الموتورات التي تعمل على التيار الكهربائي أو المولدات، لكن الوسيلتين غير متوفرتين، وهذا ما دفعنا لاستخراج المياه من الآبار التي حُفرت خلال فترة الحصار، باستخدام الكبّاسات اليدوية”.
وزعم “رئيس وحدة مياه كفر بطنا”، هاشم نايفة لوكالة أنباء النظام “سانا” الأسبوع الماضي، أن تشغيل محطة تحلية مياه الشرب في ريف دمشق باستخدام الطاقة الشمسية، خفّف معاناة كبيرة عن أهالي عدد من بلدات الغوطة الشرقية، لافتاً الى أن المحطة تغذي عين ترما، حزة، كفربطنا، وحمورية. لكن الأهالي الذين التقيناهم، أفادوا أن وضع المياه لم يتحسّن أبداً مؤخراً.
يواجه الأهالي صعوبة كبيرة في تأمين “ربطة الخبز” أدنى احتياجات اليومية، يقول الناشط الإعلامي هيثم بدوي “يوجد في كل بلدة في الغوطة مخبز واحد فقط، وبالتالي تشهد ازدحاماً كبيراً، وهناك بلدات خرجت فيها الأفران عن الخدمة أو توقفت لعدة أيام، بسبب فقدان الطحين والمازوت، أو مشاكل في الصيانة، في وقتٍ يتعمّد فيه النظام عدم صيانة الأفران، أو تخفيض كميات الطحين والمازوت”.
الدمار والأنقاض موجودة حتى الآن في بعض مدن وبلدات الغوطة، وما أزيل منها كان بجهودٍ من الأهالي، أو من قبل جهاتٍ ومنظماتٍ دولية، مثل الصليب الأحمر والمجلس النرويجي وبعض الكنائس.
مراكز طبية لا تف بالغرض
ما يزال الواقع الطبي في مختلف مناطق الغوطة يعاني من الضعف والهشاشة،إذ تعرّضت المشافي والمراكز الطبية خلال فترة الحصار لقصفٍ ممنهج من قبل النظام، ما أدى الى دمارها بشكلٍ كبير.
يقول الصحفي غياث الذهبي من مهجّري الغوطة الشرقية: “يوجد في بلدات الغوطة مستوصفات طبية، تم افتتاحها بدعمٍ من اليونسيف والصليب الأحمر ووزارة صحة النظام، وتقدم اسعافات أولية فقط، وتفتقر للأدوية المجانية أو التحاليل، وتفتقر لوجود أطباء مختصين بإجراء العمليات الجراحية”.
من خلال رصد عدة تصريحات لمسؤولي النظام خلال العام الماضي، تم الإعلان عن إعادة افتتاح المشفى الوطني في دوما، بينما زعمت صحة الأسد منذ أيار 2021، أنه سيتم افتتاح المشفى الوطني في حرستا والمليحة وكفربطنا، لتوفير جميع الخدمات الطبية بمختلف الاختصاصات.
مصادر أهلية في الغوطة، أكدت لفوكس حلب أن المشفى الوطني في دوما يفتقر للمعدات المتطورة والكوادر المتخصصة. قبل أيام فقط، أعلن مشفى دوما إجراء أول عمل جراحي لولادة قيصرية.
وأفادت المصادر ذاتها أن باقي المشافي الوطنية (حرستا، المليحة، كفربطنا)، لم تعمل بشكلٍ فعّال كما كان الحال قبل الثورة، وتقتصر خدماتها على الاسعافات الأولية فقط.
تقول أم طارق من أهالي زملكا: “يوجد في منطقتنا مركز طبي، لكنه يشهد ضغطاً كبيراً ولا يف بالغرض، لذلك نضطر للتوجه إلى مشافي العاصمة ما يُكبدنا مصاريف باهظة، كما أن أسعار الأدوية في صيدليات الغوطة مرتفعة أكثر من مدينة دمشق بسبب الإتاوات المفروضة على الحواجز”.
واقع أمني سيء
يشتكي سكان الغوطة من سوء الواقع الأمني في مناطقهم، فمنذ دخول النظام إلى الغوطة، انقلب على كل وعوده، واعتقل كثيراً من الشبان رغم إجرائهم “التسويات”، وعلى مدار أربع سنوات لم تتوقف حملات الاعتقالات.
يقول هيثم بدوي: “الاعتقالات مستمرة وتحصل من خلال تقارير أمنية يكتبها بعض المخبرين، ويعتقل النظام أشخاصاً من خلال تتبّع عدة خيوط، كما أن الدخول والخروج من وإلى الغوطة يخضع لتدقيقٍ على الحواجز، التي تقوم بابتزاز الأهالي خاصةً الشبان لتقاضي مبالغ من المال”.
وتوجد ثمانية معابر في الغوطة للتوجه إلى العاصمة، وهي معبر جوبر، معبر أسواق الخير في عين ترما، معبر الكبّاس في زملكا، مخيم الوافدين في دوما، معبر النور في المليحة، حاجز المياه في عربين، معبر الصمادي على الأوتوستراد الدولي، ومعبر حتيتة التركمان جنوب الغوطة.
وأوضح هيثم بدوي، أن “أغلب الأهالي يفضّلون المرور عبر معبر الكبّاس أو عين ترما، كون التشديد الأمني عليهما أقل من باقي المعابر، أما المهجّرون والنازحون فيواجهون تعقيداتٍ كثيرة للعودة، ابتداءً بطلب الموافقة الأمنية، إضافةً الى عمليات ابتزاز وطلب أوراق تعجيزية للراغبين بالعودة”.
بعض المناطق في الغوطة منعوا من العودة إليها حتى الآن، وعلى رأسها جوبر والقابون، إلى جانب أجزاء من حرستا وزملكا وعين ترما بحجة دمارها، كما أن بعض من عادوا تعرضوا للاعتقال بتهمة التعامل مع فصائل المعارضة، بحسب ما وثقت الكثير من المواقع الإعلامية.
تشهد مناطق الغوطة كذلك حالات سرقة وخطف دورية، ورغم إبلاغهم مقاسم الشرطة لكنهم لم يحصلوا على أي نتيجة، وبنفس الوقت يدفع أصحاب المحلات والورشات أتاوات لعناصر النظام، بذريعة عدم امتلاكهم فواتير نظامية، وبالتالي يتعرضون لمصادرة بضائعهم أو دفع مبالغ ضخمة.
وأطلق ناشطون قبل أسبوعين حملة إعلامية باسم “راجعين”، لتذكير العالم بجريمة التهجير القسري من الغوطة كأحد أشدّ جرائم العصر بشاعةً، وأكدوا في بيانٍ لهم توثيق مقتل 24 ألف شخص من أبناء الغوطة، في حين بلغ عدد المهجّرين قسرًا من الغوطة بحسب البيان 78 ألف شخص، كما خرج أكثر من 80 ألف من المنطقة أثناء الحملة العسكرية من معابر فتحها النظام.