شكل العام ٢٠١٦ بداية التغلغل الإيراني في سوريا، ليس بوصفه قوة عسكرية تقف مع قوات النظام وتسانده في معاركه لاستعادة ما سيطرت عليه المعارضة السورية وخروج القسم الوازن من الأراضي السورية عن سيطرته، ولكن هذه المرّة بوصفه مقيماً طويل الأمد في هذه المناطق يسعى لتثبيت وجود ميليشياته بطرق مختلفة، أهمها التملك والاستملاك العقاري، أيّاً كانت الطريقة، لحماية مصالحه من جهة، مثل حقول الفوسفات في تدمر والمعبر الحدودي في مدينة البوكمال، والتمكين لنفسه في المدن الكبرى، مثل دمشق وحلب ودير الزور من جهة ثانية.
فوكس حلب يتناول مسألة “الوجود الإيراني” من جانبها المادي البحت، المتجلية في ملكية للأراضي والعقارات، مباشرة عبر الإيرانيين وحلفائهم، أو وكلائهم، وكما يرسم فوكس حلب مسار هذا التملك جغرافيا، وآلياته القانونية، وسبل إنفاذها. وكان لافتاً أن الاهتمام الإيراني بعقارات وأراضي السوريين يرسم إلى حد بعيد الحلم الإيراني العتيق بالوصول إلى موانئ المتوسط، من خلال طرق تمتد من البوكمال مروراً بتدمر ودير الزور، وصولاً إلى دمشق وضواحيها، الجنوبية على وجه التحديد، ليتصل بالشريط الحدودي مع لبنان من الزبداني وصولاً إلى القصير، الخاضعة حتى اليوم لهيمنة كاملة لحزب الله اللبناني، والممنوع معظم أهلها من العودة إليها حتى اليوم. وشكل سلوك التملك الإيراني إلى درجة معقولة محاولة لاستنساخ “ضاحية بيروت الجنوبية” في جنوب دمشق، وكذلك حلب ودير الزور.
وبناء على ما سبق، يبدأ فوكس حلب في رصد السلوك المبين أعلاه في محافظة دمشق، بوصفها مركز الثقل وعقدة الطرق المأمولة، ومنها سننتقل في جزئين لاحقين إلى رصد هذه السلوك شرقي سوريا، وبعد ذلك نمذجة هذا السلوك وإسقاطه على ما يحدث في ثاني أكبر الحواضر السورية، في حلب.
المراقد بوصفها نقاط ارتكاز
بدأ فوكس حلب بتحديد نقاط ارتكاز لتبيان عمليات الاستملاك والاستيلاء الإيراني على العقارات والأراضي في سوريا، وهذه النقاط هي المراقد التي اتضح أنها تشكل مجالاً حيوياً مناسباً للتوسع في محيطها، وراقب فريق التحقيقات التبدلات في محيطها.
والبداية في داريا، من مرقد السيدة سكينة، إذ بينت صور الأقمار الصناعية التي حصل عليها فوكس حلب والملتقطة بين عامي ١٩٨٥ و٢٠٢٠، تحول مقام السيدة سكينة من بناء صغير ليتوسع تدريجياً يحيط به أبنية طابقية، وظل واقع المكان ثابتاً نسبياً دون تغيير في طبيعة المقام والمساحة المحيطة به إلى بداية عام ٢٠١٢.
أظهرت صور الأقمار الصناعية في عام ٢٠١٣ المرقد بقبته ومئذنتيه، مع أضرار واضحة، دون هدم في الأبنية المحيطة به، لكن كل هذا تغير لاحقاً، مع بدء التدمير الواسع في داريا خاصة في منطقة الخليج المقابلة لمطار المزة العسكري، والمنطقة المجاورة للمرقد بشكل دائري يحيط بالمقام، ولوحظ هذا النمط من الدمار بدرجة أقل في بقية أحياء داريا، حيث أظهرت صور الأقمار الصناعية دماراً واسعاً في داريا مع سيطرة قوات النظام عليها بداية عام ٢٠١٧، وكذلك أظهرت صور وفيديوهات منشورة الدمار الذي طال المقام ومحيطه.
اللافت في صور الأقمار الصناعية، هو الدمار الذي لحق بالمنطقة ولم يظهر إلا بداية العام ٢٠١٩، وكان ضمن مساحة دائرية تحيط بمقام السيدة سكينة ضمن نصف قطر قرابة ٧٠٠ متر، وخلت تقريباً الجهتان الشرقية والشمالية الغربية من معظم الأبنية، وكذلك في محيط مطار المزة العسكري من جهته الشرقية، وإلى الشمال من داريا في المنطقة المطلة على المتحلق الجنوبي.
التدمير الممنهج
هنا تبدو لافتة شهادة أدلى بها إلى فوكس حلب أحد مهجري داريا، وهو أبو فاروق، قال إن الأشهر الأخيرة السابقة لاستيلاء قوات النظام على داريا تركز الجيش الحر في بقعة جغرافية صغيرة لا تزيد مساحتها عن ثلاث كيلومترات، وكان الجيش الحر محاصراً من جميع الجهات.
ويضيف أبو فاروق، المنطقة عسكرياً كانت ساقطة، وكان بإمكان النظام دخولها في أي لحظة، ما بدا حينها سلوكاً عسكرياً غير مفهوم، إلا أن اللافت استمرار النظام بقصف مناطق دون أي قيمة عسكرية، وتركز القصف الشديد على الأجزاء المحيطة بمقام السيدة سكينة ومطار المزة، ويزيد أبو فاروق قائلاً: أسقط النظام قرابة ٨ آلاف برميل في المنطقة.
هذه الشهادة تسلط الضوء على ما يبدو تدميراً ممنهجاً يتصل ما كان يقوله السوريون من باب التندر أن اليابانيين اقترحوا أن أفضل حل لتنظيم دمشق هو تدميرها وبناؤها من جديد، وهو حل يبدو أن النظام طبقه فعلاً، تدميراً أولاً، وثانياً التهجير.
يشير أبو فاروق في شهادته لفوكس حلب، وهو يتابع أخبار مدينته عن كثب بعد التهجير، أن بيوتاً كثيرة في المدينة خسرها أصحابها، استملاكاً أو استيلاء أو تضييقاً، منوهاً إلى كثافة انتقال عوائل شيعية إلى تلك البيوت.
وبينت فيديوهات وصور في فيسبوك على صفحة باسم “السيدة سكينة” الدمار الذي لحق بالمقام ومحيطه، مما يؤكد جزئياً ما ورد في شهادة أبو فاروق، وخصوصاً الدمار في منطقة الخليج، وهو دمار لا يمكن ترميمه، كما أظهرت الصور تعزيزاً للقيمة الدينية للمكان من خلال كثافة الزوار وهويتهم بما فيهم مسؤولون إيرانيون رفيعو المستوى،
وفي هذا الصدد أشارت دراسة أعدها مركز حرمون للدراسات في آب ٢٠٢٠ إلى وجود نحو ٣٠٠ عائلة من مقاتلي حركة النجباء العراقية، جزء منهم لديهم جنسيات سورية، ناهيك عن بقية التشكيلات الموالية لإيران. ونقلت قناة زينبيون، زيارة وكيل الإمام الخامنئي، السيد الطباطبائي إلى مقام السيدة سكينة في نهاية العام ٢٠٢٠.
قوننة الاستيلاء
دأب فوكس حلب في إحدى مسارات التحقيق في حالة داريا على مراقبة المصادر المفتوحة، وكان لافتاً أن عشرات الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تحوّلت إلى مكاتب لبيع وشراء الممتلكات العقارية في داريا، وبلغ هذا النشاط ذروته بطبيعة الحال بعد سيطرة قوات النظام على المدينة وتهجير أهلها في آب ٢٠١٦.
من هنا، كان لابد من الولوج إلى الآليات الأساسية القانونية التي يخسر بموجبها الأهالي عقاراتهم، باعتبارها أكثر أهمية من خسارة العقارات جراء الغصب أو التزوير، لأن قوننة الاستيلاء الذي ترعاه الدولة يكون أكثر خطورة وخصوصاً على المدى الطويل.
وفي هذا الإطار، أصدر النظام السوري المرسوم التشريعي رقم 66 لعام ٢٠١٢، والذي نص على إحداث منطقتين تنظيميتين، الأولى حملت اسم “ماروتا سيتي”، وتقع على محور (جنوب المزة –كفرسوسة) خلف السفارة الإيرانية في دمشق، وتفصل هذه المنطقة داريا بشكل كامل عن دمشق، وأما الثانية تسمى “باسيليا سيتي” وتمتد من جنوب المتحلق الجنوبي، وصولاً إلى القدم والعسالي وشارع “الثلاثين”، لتضم مساحة واسعة من العقارات شرقي داريا، وبشكل أقل جنوبها.
وتلخيصاً، فإن هذا المرسوم يستولي على عقارات المالكين وفق ثلاثة أوجه، الأول يستغل الغائبين ويمنحهم مدداً غير معقولة في ظروف سوريا الحالية لإثبات ملكيتهم تصل إلى ثلاثين يوماً، والوجه الثاني هو القضم الواسع للعقارات من خلال رفع سقف الاقتطاع المجاني، أما الوجه الثالث فإنه يتكفل بالأهالي الموجودين من خلال تحويل الأملاك إلى شركات مساهمة، وتحويل الملاك إلى مساهمين صغار يضطرون في كثير من الحالات إلى بيع حصصهم في مزادات علنية.
تكفل المرسوم رقم عشرة الشهير في إتمام عمليات نزع الأملاك، إذ أعقب صدروه إعلان محافظة ريف دمشق جهوزية المخطط التنظيمي النهائي لمدينة داريا بعد عامين فقط من السيطرة عليها وتهجير أهلها، ومثل هذه المخططات قبل ٢٠١١ كانت تستغرق سنوات طويلة وفي حالات كثيرة عقوداً.
ومنذ أيام، نشرت محافظة دمشق، على موقعها الإلكتروني أنها سلمت ٢٢٤٧٩ سند ملكية في مشروع “باسيليا سيتي”، حصة داريا منها كان ٢٧٧٦، وتحدث الموقع عن وجود ٣٩٨٢٨ مالكاً لم يستكملوا بياناتهم الشخصية لاستلام السندات لدى المديرية، بحسب مدير مديرية المرسوم ٦٦، المهندس رياض دياب. وأيضا، صفحة المكتب الفني في مدينة داريا نشرت أسماء أصحاب سندات الملكية.
تلاعب في أسماء المالكين
تتبع فريق التحقيق في فوكس حلب الأسماء المعلن عنها، وتبين أن كثيراً من الأسماء “مجهولة” وغير معروفة بالنسبة لسكان المدينة، في حين قال آخرون أن أسماءهم غير موجودة رغم أن لديهم أملاكا في المقاسم المعلن عنها.
من جانبه، أكد هشام في شهادته لفوكس حلب، وهو مهجر من مدينة داريا، أن بعض الأسماء الواردة في قوائم محافظة دمشق هي عائلات “دارانية” لكن البقية ربما كانوا من أبناء المدن المجاورة أو أنهم أشخاص سكنوا المدينة في السنوات اللاحقة لتهجير أبنائها.
نتائج تقصي الأسماء الأولية تتصل بنتائج تقارير تحدثت عن وسطاء سوريين يعملون في مكاتب عقارية لصالح إيران، مهمتهم شراء منازل المدنيين، بل ذهبت هذه التقارير في تفسير الأسماء المجهولة إلى أنها قد تعود إلى أفراد من ميليشيات إيرانية حملوا أسماء سورية بعد تجنيسهم.
الظرف المثالي
التثبت مما سبق لجهة هوية الملّاك مهمة غاية في الصعوبة نظراً إلى الكتمان الشديد الذي تحصل فيه مثل هذه العمليات وتعقيد الشبكات العاملة فيها، وسعياً إلى تسهيل هذه المهمة كان لابد من تجميع آلاف القطع المتناثرة، بين شهادات هنا، وتقارير هناك، لرسم صورة أوضح موثقة عما يحصل.
وفي السياق ذاته، كشفت صحيفة الشرق الأوسط عن معلومات نقلتها عن تجار عقارات قالت إن مسؤولين إيرانيين أبرموا عقداً مع حكومة النظام، يقضي بإعمار ٣٠ ألف وحدة سكنية في داريا، مرجحةً أن يكون هناك اتفاق بين الطرفين، ينص على إسكان الضباط الإيرانيين في مربع أمني بمدينة داريا؛ نظراً لقربها من مفاصل مواقع النفوذ الإيراني.
هذه العقود، تمت من خلال وسطاء محليين من أبناء المنطقة، مرتبطين بالنظام، منهم بحسب ما أورد موقع عين المدينة، مروان عبيد (رئيس بلدية داريا)، إلى جانب شخص يدعى “عبد الرحيم زيادة” وهو طبيب بيطري وأحد صناعيِّي داريا، حيث اختير زيادة لتنفيذ المهمة بدعمٍ مالي إيراني كبير وحماية أمنية عالية، بالاعتماد على المكاتب العقارية المتمركزة في المدينة.
الظروف الحالية تعد مثالية لتسهيل مثل تلك العمليات، أم جوزيف، من أهالي داريا المهجرين، تقول لفوكس حلب إنه ورغم مرور خمس سنوات ونصف على سيطرة قوات النظام على المدينة إلا أن الأهالي ممنوعون من الدخول إلى مناطق بعينها في داريا لاسيما المناطق المحيطة بمقام السيدة سكينة، مشيرة إلى أن إيرانيين استولوا فعلاً على عدد من العقارات غصباً دون إذن أو تعويض لسكانها. في خطوة يرى حقوقيون أن مثل هذه الحيازة ووضع اليد خطوة أيضا ضمن مسارات الاستملاك.
وأضافت أم جوزيف، أن بعض البيوت المدمرة باعها أصحابها بمبالغ زهيدة للغاية، تراوحت بين ١٠ إلى ١٥ مليون ليرة سورية، ونوهت إلى أن آخرين اضطروا لبيع بيوتهم المدمرة جزئيا بسبب تكاليف الترميم العالية، وصعوبة الحصول على رخص من البلدية و استصدار موافقات أمنية، في تكاتف لافت بين مؤسسات النظام الإدارية والأمنية، يُضاف لها شبكة التجار.
المشهد العام في داريا وفق ما ترسمه تقاطع الشهادات التي حصل عليها فوكس حلب وتحليل المواد المصورة والمعلومات، تبين أن المدينة تتحول تدريجياً إلى “مستوطنة إيرانية”، يُشد الرحال إليها وتعزيز الحضور الشيعي فيها تحت جاذبية وجود “مرقد مقدس” و “تسهيلات لا حدود لها”. بل وتحول الدمار الجزئي الذي لحق بالمرقد إلى جزء من السردية التي تروى للزائرين الذين يتهمون أهالي داريا ممن انخرط بالثورة أنهم هم من استهدف المرقد.
توضح صورة منشورة في الصفحة الواحدي يحملاً مسدساً على “خصره” داخل المقام، وهو برفقة وفد من الإيرانيين وزوار المكان، كذلك توضح فيديوهات أخرى مقابلات صحفية باللغة الإيرانية، وأخرى عربية، تمتلئ بالنفس الطائفي. وتفنيد هذه السردية لم يشفع لها مئات الفيديوهات التي تبين قصف النظام للمكان، بقذائف الهاون والبراميل المتفجرة والطائرات الحربية، في محيط المقام، وتسببها بالدمار الحاصل.
نموذج داريا قابل للتعميم
ثلاثية التدمير والتهجير وقوننة السلب في داريا، تصلح أن تكون نموذجاً قابلاً للتعميم، فليس بعيداً مقام السيدة سكينة، تتخذ إيران من منطقة السيدة زينب معقلاً رئيساً للميليشيات التابعة لها، وتتعداها إلى مناطق تحيط بجنوب دمشق مثل الحزام وصولاً إلى مطار دمشق الدولي، وقد وصف المرصد السوري لحقوق الإنسان هذا التمدد بأنه سعي فعلي لتحويل المنطقة الجنوبية من دمشق إلى “ضاحية جنوبية ثانية” في الإشارة إلى الضاحية الجنوبية في بيروت التي يهيمن عليها حزب الله.
المرصد السوري لحقوق الإنسان تحدّث عن عمليات تشييد أبنية، وتسكين عوائل في مخيم “قبر الست”، وشراء العقارات والأراضي، بشكل خفي، في مناطق الغوطة الشرقية ومدن وبلدات ريف دمشق الجنوبي، خاصة في منطقة “البحدلية” التابعة لناحية ببيلا، والتي يجري الحديث فيها عن بناء ضاحية تحت اسم “ضاحية السيدة زينب”، كما استولى مسلحون من حركة النجباء العراقية على أراض زراعية متاخمة لطريق دمشق الدولي بعد اعتقال أصحابها.
ورصد فوكس حلب في المصادر المفتوحة نشاطاً واسعاً لشراء العقارات في السيدة زينب، وأحصى على الأقل ١٨ مجموعة في مواقع التواصل لهذا الغرض، وهو نشاط عقاري لافت في ظروف البلد الاقتصادية، وتبدو هذه المجموعات وكأنها تتحرك في إيقاع واحد، وسط ترجيحات من مصادر لفوكس حلب أن مرجعية هؤلاء التجار وأموالهم واحدة. وربما وجاهة مثل هذه المعلومة تشابهها مع سلوك مماثل في العاصمة اللبنانية بيروت حين نشط تابعون لحزب الله في تملك عقارات خارج الضاحية وبيروت الغربية ككل.
ورصد فوكس حلب تقارير متفرقة تفيد في مجموعها إلى توغل ملحوظ أيضا داخل مدينة دمشق وأحيائها القديمة، لتكون بمثابة عمق إن صح التعبير للهيمنة المطلقة جنوباً، مستغلة الظروف المثالية والتسهيلات غير المحدودة الممنوحة لإيران من نظام الأسد على مبدأ دفع الثمن والمكافأة.
وفوق ذلك، رصد فوكس حلب تغييراً كبيراً في هوية منطقة السيدة زينب، مثل تغيير أسماء الشوارع، مثل “الحوراء” و “الفاطمية”، أضف إلى ذلك كثافة اللوحات التي تحمل عبارات باللغة الفارسية.
في نيسان 2018، بدأت إيران بتنفيذ مشروع لتوسيع مرقد السيدة زينب في دمشق كلّف ملايين الدولارات، وذكرت شبكة “صوت العاصمة”، أن طهران تابعت أعمالها باقتطاع أراضٍ ومساحات أخرى وسط السيدة زينب بحجة توسيع المقام، ونقلت عشرات العائلات الشيعية إلى المنطقة، إضافةً إلى بناء حسينيتين داخل الأحياء السنية في بلدة حجيرة في نهاية ٢٠١٩.
وأفاد موقع “صوت العاصمة”، أن “الحرس الثوري الإيراني” نقل ١١ عائلة من عائلات عناصره من الجنسيات الإيرانية والأفغانية والعراقية، من محيط مدينة تدمر بحمص، وأسكنهم في منازل بالمنطقة الفاصلة بين حجيرة والسيدة زينب في نهاية ٢٠٢١.
وفي تشرين الثاني ٢٠١٨، أنشأت إيران مضيف “مرقد السيدة زينب”، وهو عبارة عن ٣ طوابق بمساحة ٢٣٠٠ متر مربع، حيث خصص الطابق السفلي كمخزن للمواد الغذائية، والطابق الأرضي للمطبخ والطابق العلوي مضيف. وعليه، فإن المراقد والمزارات والحسينيات، يبدو توزيعها مدروساً لتكون نقطة المركز التي يجري التوسع حولها.
ويتبين أن هذا التوسع وضع في عين مراده الغوطة الشرقية، مثل ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، بأن سماسرة من أبناء الغوطة الشرقية جرى تجنيدهم من مجموعة أشخاص يتبعون لميليشيا “لواء العباس” الموالية للقوات الإيرانية، وشكلوا مافيا مدججة بالمال والسلاح من أجل اقتناص العقارات في مناطق سقبا وجسرين وكفربطنا و المليحة وبيت سوا و حمورية، أغلبها مدمرة بشكلٍ كامل أو جزئي.
الطوق والطريق
كما ذكرنا بداية، فإن السلوك الإيراني المدعوم من نظام الأسد في جنوب دمشق يأتي في إطار تشكيل طوق حول العاصمة دمشق لتأسيس ما ذكرناه سابقاً بضاحية جنوبية ذات هيمنة إيرانية، إلا أن هذا الطوق جنوب دمشق ليس هو الهدف، بل هو عبارة عن قطعة من لوحة أكبر، أو بالأحرى هي العقدة الرئيسية في طريق إيران الذي تحلم به منذ آلاف السنين، والذي يصل طهران بالبحر المتوسط عبر بيروت.
وتشكل دمشق عقدة استراتيجية، للطريق القادم من بغداد عبر البوكمال، ومن دمشق إلى بيروت مع حزام كامل لتأمينه يمتد من الزبداني إلى القصير، وهو الحزام الذي شكل الحضور الأكثر كثافة لحزب الله اللبناني خلال العمليات العسكرية ضد الجيش السوري الحر.
صحيفة الاندبندنت البريطانية كانت قد كشفت أن حزب الله اشترى أراض وعقارات في أطراف العاصمة دمشق، نحو ٨٧٥ قطعة أرض و٣١٥ شقة سكنية، وكذلك اشترت المليشيات الإيرانية ما يقرب من ٣٧٠ قطعة أرض حول منطقة الزبداني، وما لا يقل عن ٥٠٠ قطعة أرض أخرى في منطقة الطفيل على الحدود السورية اللبنانية.
وسيطرة حزب الله اللبناني على الحزام الحدودي لا تخطئها العين واستيلائها على عقارات بل ومدن بأكملها كما في حالة القصير باتت أمراً واقعاً ينتظر على ما يبدو قطار مراسيم وقوانين الاستملاك والتنظيم.
وفي المحصلة، تبدو إيران وقد جيشت النظام السوري وماكينته العسكرية والأمنية والإدارية، بما في ذلك تسهيل حصول أفراد ميليشيات لها على الجنسية السورية، لتحقيق غرض الإقامة الدائمة طويلة المدى، في اختراق مجتمعي يصفه البعض بالخطير، مسرحه جنوب دمشق، بوصفه الطوق لقيامة الطريق المأمول، الذي يبدأ من شرقي سوريا و سيكون موضوع الجزء الثاني من هذا التحقيق.