فقدت إيمان ذات الخمسة والثلاثين عاماً الرؤيا في عينها اليسرى بالكامل، بعد أيام قضتها تستمع لتأويلات تشخيصية لعدد من الأطباء، رافقتها جملة من التحاليل التي أثبتت إصابتها بسرطان “melanoma” أحد أمراض العين الخبيثة ، حاملة معها رحلة من الألم غير المنتهي، والقرار بتحويلها إلى المشافي التركية للعلاج غير المتوافر في الشمال السوري.
فور وصول إيمان إلى تركيا صدمت بتكلفة العلاج والتداوي على حسابها الشخصي، بعد إبلاغها باعتماد السلطات التركية الوثيقة السياحية بشأن المرضى السوريين المحولين إلى مشافيها لتلقي العلاج على نفقتهم الشخصية.
الوقت والتكلفة ما يحتاجه الباحثين عن حلّ لعلاج أمراض العين الخبيثة في المستشفيات التركية، تقول إيمان “اشتد الألم مع تفاقم الإصابة، وبدأت العين تخرج من محيطها العظمي إلى خارجه”.
كل ذلك حدث خلال ثلاثة أسابيع كانت فيهما إيمان تبحث عن حلّ لتأمين نفقة العلاج أو داعم من المنظمات أو المستشفيات داخل تركيا، دون جدوى، ما دفعها لاستلاف ثمانمائة دولار الدفعة الأولى اللازمة لبدء رحلة التداوي.
تضاءلت حظوظ إيمان بالحفاظ على بصرها، ومع تفاقم المشكلة كان الخيار الوحيد الذي أبلغها به الطبيب يفيد بـ “إزالة العين فوراً بعد أن دفعت الكتلة السرطانية العين إلى خارج محورها وبدأت بالتوغل في أنحاء مختلفة داخل الجمجمة”.
تقول إيمان إن وقع هذا الخيار كان “الأسوأ في حياتي، فقدت عيني ومعها ما استلفته من نقود باتت ديناً في رقبتي، دون نفع”.
جراحة وفقط
تغيب تقنيات ما بعد الجراحة عن مستشفيات الداخل السوري فيما يخص أمراض العين الخبيثة، يقول أيمن جمالو أخصائي في طب العين “المشكلة ليست في استئصال الورم، هو عمل جراحي يمكن إجراؤه داخل المستشفيات المتوفرة، لكن المشكلة تكمن في توفر العلاج الإشعاعي والكيماوي الذي يلي الجراحة، والتكاليف الباهظة التي تترتب على هذه الإجراءات الواجب اتباعها بشكل دوري”.
عدم توفر علاج ما بعد الجراحة أجبر إيمان على البقاء داخل تركيا لاستكمال رحلة العلاج، تقول إنها الآن في المرحلة الثانية من العلاج الإشعاعي والكيماوي وما يرافقه من ثمن تحاليل، تضاف إلى تسعمئة ليرة تركية إيجار منزل تقطنه ريثما تنتهي من تلقي العلاج.
تمثل حالة إيمان صورة لنحو خمسة وثلاثين حالة مصابة بـ أمراض العين الخبيثة تدخل، بشكل سنوي، إلى الأراضي التركية لتلقي العلاج. لم يوفق جميعهم بمتابعة علاجهم في الشمال السوري، وهو ما يجبرهم على السفر إلى تركيا لمتابعة علاجهم بشكل فردي وتكاليف باهظة، يرافقهم الانتظار لوقت طويل نتيجة إجراءات الإحالة، إذ يحال المريض تبعاً لنوع الإصابة المرضية وشدتها وهو ما ينعكس بشكل سلبي على وضعهم الصحي، بحسب الطبيب حسين بازار، المكلف بتسيير أعمال وزارة الصحة.
تكلفة ترهق المرضى
تختلف تكاليف العلاج في تركيا من حالة لأخرى، ويعود ذلك تبعاً لموضع الورم واحتمال وجود نقائل له وطبيعة العلاجات الكيماوية والإشعاعية التي يخضع لها بين الحين والآخر.
جميع تلك المخاوف والاحتمالات تلخصت في حالة الاستاذ عبد القادر ذي الأربعين عاماً بعد ظهور كتلة خبيثة في موضع حساس من عينه اليسرى.
سبق العمل الجراحي تكهنات ومخاوف الأطباء من احتمال انتقال الورم الى المخ وبالتالي الموت الحتمي.وهو ما دفعهم لاتخاذ قرار بإلغاء استئصال العين والحفاظ على بقاء الكتلة.
استعاض الأطباء عن الاستئصال بزراعة شريحة مشعة داخل الكتلة الخبيثة لمدة أيام، تعمل على قتل الخلايا السرطانية ومنع انتشارها وتحويلها إلى كتلة مهملة داخل العين.
يقول صلاح، مرافق الأستاذ عبد القادر، إن “اللجوء الى ذلك الخيار جاء نتيجة حساسية مكان الكتلة ومخاوف الأطباء من تبعات استئصالها التي قد تصل للدماغ أو العين الأخرى، بالإضافة للمحافظة على بقاء العين بالرغم من فقدانها لتسعين بالمئة من قدرتها البصرية”.
أجريت العملية في مشفى عيني خاص في مدينة اسطنبول، وتكللت بالنجاح إلا أن العلاج لم يتوقف، ومعه التكاليف المادية التي وصلت الى خمسة عشر ألف دولار حتى تاريخ اليوم.
يقول الأستاذ عبد القادر إن “كلفة العمل الجراحي وزرع الشريحة وصلت إلى ثلاثة عشر ألف دولار، إضافة لألفي دولار تم تقسيطها على أربعة أشهر دفعت ثمناً للتحاليل والصور، عدا عن أجور السكن الشهرية خلال فترة العلاج، وقد تم جمع المبلغ من الأقارب وعدد من أصحاب الخير من سوريا وتركيا”.
إجراءات دخول مشددة وبدائل إسعافية مرفوضة
تسببت إجراءات الدخول إلى تركيا ومنع دخول المرضى، في بعض الأحيان، بتفاقم مشكلاتهم وحدوث تبعات أخرى عند بعض الحالات، وهو ما دفع أطباء إلى إجراء عمليات الاستئصال، ووضع دراسة لحالة المريض وإجراء الصور المتاحة وإدراج اسم المرضى الذين يحتاجون لمتابعة العلاج في تركيا على المعبر تمهيداً لدخولهم ولتلافي انتقال الورم إلى مناطق أخرى.
يقول الدكتور أيمن جمالو “تسببت تلك الإجراءات لمرضى، منعوا من دخول الأراضي التركية نتيجة عدم وجود ثبوتيات بوجود ورم بعد إجراء عمليات الاستئصال في الداخل السوري”.
أمراض العين الخبيثة: أنواع ومخاطر
يقول الطبيب أيمن جمالو إن نوعين من الأورام تصيب غالبية المرضى الذين يراجعون عيادته: نوع سليم ويكون تأثيره محدوداً على البصر ويمكن علاجه دون الاضطرار لتحويل المريض إلى تركيا، ونوع أخر خبيث ويكون غالباً على حساب أجفان العين، ويسمى سرطان الجلد والأجفان، ويندرج تحت نوعين الـ “bcc” سرطان قاعدة الخلايا، والـ “acc” سرطان شائك الخلايا.
يرتبط الـ “bcc” بالتعرض للشمس لفترات طويلة وهو السرطان الجلدي أو العيني الأكثر انتشارًا، وعادة ما يكون خبثه موضعي دون إعطاء نقائل لباقي الجسم.
أما السرطان الجلدي الآخر الـ “acc” فغالباً ما يكون سرطان شائك الخلايا، ويعتبر أكثر خطراً نتيجة احتمالات إعطائه نقائل العدوى إلى باقي الجسم، خاصة الدماغ، كما أنه يقود إلى مراحل متقدمة جداً إلا أن تواتره يعتبر أقل انتشاراً من الـ “bcc”.
هناك سرطانات تصيب داخل مقلة العين ويأتي في مقدمتها “ورم الجزيعات الشبكية” retno” “plastoma” وتعتبر شريحة الأطفال دون خمسة سنوات من أكثر ضحاياه، ويكون في بعض الأحيان ثنائي الجانب وهو أسوأ الأنواع، وتكون الخطوة الأولى عند الإصابة به بإزالة العين بشكل كامل، إضافة لعلاجات المتابعة المفقودة في الشمال السوري.
النوع الثاني هو الـ “melanoma” ويكون تركزه في فئة الشباب من العقد الثاني والثالث، ويعتبر من الأمراض الشائعة المنتشرة في الشمال السوري، وتكون أول الإجراءات العلاجية مع مرضاه باستئصال العين، وإرسال خزعة لتأكيد التشخيص وتحويله إلى تركيا ومتابعة الإجراءات الإشعاعية.
لجوء المرضى إلى المشافي التركية جاء نتيجة غياب الاختصاص الذي يتابع علاج ذلك النوع من الأمراض عن المشافي العينية العامة والخاصة، بالرغم من وجود مستشفيان متخصصان بطب العيون ووجود قسم آخر في باب الهوى ومشفى جراحي في إدلب، إلا أن جميعها تخلو من العلاجات العينية الخبيثة وتقتصر أعمالها على معاينات وجراحات محدودة.