فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

الأونروا تخالف قوانين إنشائها وتتخلى عن فلسطيني الشمال السوري

فداء الصالح

تغيب الخدمات الصحية والإغاثية عن الفلسطينيين المهجّرين إلى شمال غرب سوريا بعد أن تخلّت عنهم، منذ تهجيرهم، وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين تاركة مئات العائلات الفلسطينية لقدرهم، دون […]

تغيب الخدمات الصحية والإغاثية عن الفلسطينيين المهجّرين إلى شمال غرب سوريا بعد أن تخلّت عنهم، منذ تهجيرهم، وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين تاركة مئات العائلات الفلسطينية لقدرهم، دون أن تفلح المناشدات التي أطلقها السكان وجهات وتجمعات قانونية بالنيابة عنهم في إيجاد حلّ لمشكلتهم. لسان حال السكان في هذه المناطق يقول إن الأونروا تخالف قوانين إنشائها اعتماداً على حجج واهية يمكن إيجاد حلول لها بسهولة.

عقوبة المكان

يقول أبو رأفت، وهو مهجر فلسطيني، تجاوز عمره ستون عاماً، يسكن في مخيم دير بلوط في منطقة عفرين بعد تهجيره من مخيم اليرموك منذ أزيد من أربعة أعوام، إن الأونروا تخلت عن الفلسطينيين منذ لحظة تهجيرهم.

يسكن أبو رأفت خيمة حاول تحسينها خلال السنوات الأربع الماضية، بنى جدرانها دون أن يسمح له بسقفها المكسي بأحد الشوادر القماشية، إضافة لحمام خاص. هذا كل ما حصل عليه أبو رأفت في مكان يفتقر لوجود المشافي، وتندر فيه الخدمات الأخرى، أما التعليم فليس بأفضل حالاً، على حد قوله.

يعيش في شمال غرب سوريا نحو ألف وخمسمائة عائلة فلسطينية، بحسب إحصائية مركز توثيق اللاجئين الفلسطينيين في الشمال السوري، جميعهم حرموا من الخدمات التي كانت تقدمها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا UNRWA”، بحكم وجودهم ضمن مناطق عملياتها الخمس، سوريا والأردن ولبنان وقطاع غزة والضفة الغربية.

لم تعد الأونروا تقدم الخدمات والحماية الملزمة بها، بحكم قانون إنشائها، لتلك العائلات، بعد أن هجرهم النظام السوري من مخيمات لجوئهم، في مخيم اليرموك المعروف بعاصمة الشتات الفلسطيني ومخيم درعا ومخيم خان الشيح ومخيم حندرات وغيرها من المخيمات الفلسطينية الأربعة عشر الموجودة في سوريا، إلى مخيمي دير بلوط والمحمدية المتجاورين في ريف عفرين في منطقة جنديرس شمال غرب حلب، ومخيم البل وسجو في ريف إعزاز شمالي حلب.

غياب الخدمات عن مخيم دير بلوط الذي سكنه أبو رأفت رفقة عائلات فلسطينية دفعتهم للاعتصام مدة تجاوزت ثلاثة أشهر في بداية التهجير، منتصف عام 2018، أملاً بتحصيل حقوقهم من قبل الأونروا وتحسين أوضاعهم المعيشية وإيجاد حل لقضيتهم، دون جدوى. يقول أبو رأفت: إن “حياة المخيمات لا تطاق فيما هنالك منظمة دولية من المفترض أنها تعمل لحمايتنا وتأمين حياتنا”.

تعيش العائلات الفلسطينية ضمن هذه المخيمات في مناطق تبعد نحو عشرة كيلومترات عن مراكز المدن الرئيسة، وفي أبنية منعت إداراتها سقفها بالبيتون، ويتلقون مساعدات إغاثية وصفوها بـ “القليلة” من خارج الأونروا.

 

صورة من مخيم دير بلوط في ريف عفرين.
صورة من مخيم دير بلوط في ريف عفرين.

ولد أبو رأفت في مخيم اليرموك وكان قد مضى على تأسيس الأونروا أحد عشر عاماً، بموجب القرار رقم 302 عام 1949، ولديها ضمن بنود تأسيسها التزاماً طويل الأجل للفلسطينيين في قطاعات عملها الخمسة لا ينتهي إلا بإيجاد حل لقضيتهم.

وقدمت الأونروا المساعدات الغذائية والصحية والتعليمية للفلسطينيين اللاجئين منذ بدأ عملها في أيار عام 1950، وبدأت المساعدات الغذائية تقل تدريجياً إلى أن أصبحت مخصصة للحالات الخاصة والأيتام وأبرز خدماتها كانت المدارس التي تميزت بنظام تعليمي مميز والخدمات الصحية، بحسب المحامي أيمن أبو هاشم المنسق العام لتجمع مصير.

يقول أبو هاشم: مع انطلاقة الثورة السورية وخروج عدد من المخيمات عن سلطة النظام السوري، أبرزها مخيم اليرموك، أعادت الأونروا المساعدات الغذائية لمعظم اللاجئين واتبعتها بتوزيع مساعدات مادية في 2012 بقيمة تقدر وسطياً بنحو 20دولاراً للفرد الواحد شهرياً، تزيد وتنقص تبعاً لكمية التبرعات الأممية وسعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، يتم استلامها مجتمعة كل ثلاثة أشهر، فيما أغلقت مكاتبها ضمن المناطق الثائرة ومن ضمنها المدارس والمكاتب الصحية.

الأونروا عاجزة والمناشدات دون جدوى

عجزت الأونروا عن مساعدة الفلسطينيين منذ بداية الثورة السورية وانخراط جزء من اللاجئين فيها، ظهر ذلك جلياً مع بداية حصار مخيم اليرموك، حيث وقفت عاجزة عن تقديم المساعدات العينية والطبية للمحاصرين، وبعد أن أخذ الجوع مأخذه من سكان المخيم والمهجرين إليه، وبمساع أممية، تمكنت من إدخال دفعات من السلال الاغاثية، وفي مرات كثيرة كان معظمها ينتهي بافتعال النظام السوري والفصائل الفلسطينية الموالية له قتالاً مسلحاً لإيقاف إدخال المساعدات وسقوط عدد من الضحايا، بحسب عمار القدسي مدير مركز توثيق اللاجئين الفلسطينيين في الشمال السوري.

 

ويقول القدسي: اتبعت الاونروا سياسة التوكيل لاستلام المساعدات المادية في مخيم اليرموك عبر أحد موظفيها الذين حوصروا في المخيم ويدعى أنس حديد، إذ سمح للاجئين الفلسطينيين المحاصرين بتوكيل أقاربهم أو معارفهم في مناطق النظام لاستلام المساعدات المادية جراء عدم مقدرتهم على الذهاب لمناطق النظام، إلا أنها عادت وألغت التوكيل للمحاصرين ورفضت تجديده عن طريق موظفها منذ مطلع 2018، وبقي الإمر على حاله لمن هجر، فيما أعادت مساعداتها لمن بقي في مناطق النظام.

وكان لمركز توثيق اللاجئين الفلسطينيين في الشمال السوري محاولات كثيرة للتواصل مع الجهات المعنية بشأنهم، لم تكن السفارة الفلسطينية في دمشق ضمن الخيارات المتاحة لاتباعها نهج النظام، باعتبار أن كل من هجر من جنوب دمشق هم إرهابيين.

منذ أن وصل اللاجئون إلى الشمال السوري حاولوا التواصل مع السفارة الفلسطينية في تركيا، بحكم واقع الشمال السوري من وجود للسلطات التركية فيه، يقول القدسي: في اتصال مع السفير في تركيا وشرح كل ما يعانيه اللاجئون، كانت الإجابة بأننا ما نزال في الأراضي السورية ولا علاقة للسفارة الفلسطينية داخل تركيا بنا، وجدد افتراض تبعيتنا للأونروا.

صورة من مخيم دير بلوط في ريف عفرين.
صورة من مخيم دير بلوط في ريف عفرين.

يوضح القدسي أن نطاق عمل الأونروا يتركز في خمس قطاعات، وكل ما عدا ذلك فهو مسؤولية المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وهذا ما ينطبق على اللاجئين الفلسطينيين في تركيا.

وتطبيقاً لنصيحة السفير الفلسطيني في تركيا وبمساعدة بعض الفلسطينيين في استراليا، تمكن مكتب توثيق اللاجئين الفلسطينيين في الشمال السوري من إيصال رسالة مكتوبة إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، يقول القدسي “عبر أحد الأسرى المفرج عنهم من سجون كيان الاحتلال الإسرائيلي في لقائه مع عباس أوصلنا رسالة باليد له، ولكنها وضعت في الدرج ولم نلق لها صدى حتى اللحظة”.

محاولات كثيرة سعى إليها مركز التوثيق مع الأونروا لإيجاد حل، يقول المقدسي “المكتب الإقليمي للأونروا في الأردن، وبعد عدة مراسلات وعبر إيميل مطول أرسله مركز توثيق اللاجئين الفلسطينيين في الشمال السوري، وقد اطلعت فوكس حلب عليه، شرح كل ما يمكن عن وضع اللاجئين شمال غربي سوريا”، لكن الإجابة أفادت “أنتم ضمن مناطق تقع خارج سلطة الحكومة السورية وليس لدينا مكاتب عمل هناك، ولا يمكننا فتح مكتب جديد نتيجة سيطرة الفصائل العسكرية عليها ولعدم وجود اعتماد مالي”.

ويخبرنا القدسي “ادعت الأونروا عبر ردها أنها راسلت الشركاء الدوليين لتقديم المساعدات للمهجرين السوريين في المخيمات، مع وعود، بحال القدرة على الوصول لنا، بتقديم الخدمات عن طريقهم”.
تعرض أبو رأفت لوعكة صحية نتيجة مرض قلبي العام الفائت، يقول إنه اضطر لاستدانة مبلغ كبير للعلاج، في الوقت الذي تقدم فيه الأونروا الخدمات الطبية المجانية للفلسطينيين خارج الشمال السوري، كما كانت تفعل سابقاً، إضافة للقاحات وعلاج الأمراض المزمنة وكفالة العمليات الجراحية.

خارج مقاعد الدراسة.. ليس للفلسطيني إلا التعلم

تكفلت الأونروا منذ عقود بتعليم الفلسطينيين ضمن القطاعات الخمس التي تشرف عليها، ويشمل التعليم الطلبة حتى انتهاء المرحلة الإعدادية، وهي فترة تأسيسية امتازت فيها مدارس الأونروا بجودة التعليم والتكفل بالمصاريف والتدفئة والقرطاسية وفق شروط صارمة تكفل إيصال التعليم بالطريقة الأمثل.

غياب مدارس الأونروا عن مخيمات الشمال السوري زاد الأعباء على كاهل العائلات وأضعف التحصيل العلمي للطلبة، يقول محمد فلاح لاجئ فلسطيني في مخيم البل ” لو أن مدارس الأونروا موجودة لما اضطر أبنائي الثلاثة أن يجلسوا رفقة اثنين أو ثلاثة طلاب في المقعد الدراسي ذاته، ولكانت خففت عني عبء شراء القرطاسية لهم وإعطائهم مصروفهم اليوم بدل ذلك، ولما اضطر ابني الكبير لترك الدراسة لإعانتي على مصروف المنزل، المستوى التعليمي في مدارس المخيمات يكاد يكون معدوماً مقارنة بمدارس الأونروا، فكثير من الأطفال تركوا التعليم من مرحلة التعليم الأساسي، للصف التاسع، التي تلتزم بهم الأونروا خلالها نتيجة ذلك”.

وتقول ميادة علي، لاجئة فلسطينية تعمل مدرسة في مخيم البل، إن الفرق شاسع بين مدارس أطفالنا الآن ومدارس الأونروا، من ناحية الأساليب التعليمية ووجود أدوات التعليم وعدد الطلاب الموجودين في الصف، غياب مدارس الأونروا في الشمال السوري ترك فجوة تعليمية لدى أطفالنا، فهي يجب أن تضمن لهم حق التعليم الذي يعتبر حقاً أساسياً من حقوق الطفل”.

تقرير المصير.. أطفال دون حق

يمتلك الأطفال الذي ولدوا قبل غياب خدمات الأونروا حقوقهم كلاجئين، وأهمها حق العودة وتقرير المصير، في حين يفتقد من ولد بعد ذلك وخاصة بعد التهجير لتلك الحقوق، فهم غير موثقين على أنهم لاجئين، يقول ثائر أبو شرخ، من رابطة المهجرين الفلسطينيين، إن مشكلة توثيق الولادات هي مشكلة وجودية وتحديد مصير، ويمكن اعتبار تخلي الأونروا عن هذه المهمة محاولة لطمس هوية هؤلاء الأطفال، وإلغاء حقهم في العودة، واعتبارها شريكاً في تهجيرنا.

عدم وجود مكاتب للأونروا في الشمال السوري لا يخلي المسؤولية عنها اتجاه العائلات المهجرة، يقول أبو هاشم: الأونروا ملزمة بحكم قانون إنشائها بهذه العائلات، فهم مازالوا ضمن قطاعات عملها وهي ملزمة بتقديم الخدمات التعليمية والصحية والإغاثية لهم، وبتخليها عنهم تخالف قوانين عملها.

كما أن المقدسي وأبو شرخ من خلال عملهما في الرابطة ومركز التوثيق المعنيين بشؤون اللاجئين الفلسطينيين في الشمال السوري “عرضا على الأونروا إرسال كامل تفاصيل اللاجئين في الشمال السوري لاعتمادها، إلا أن الأونروا لم تقبل ذلك، ونوها إلى أن عمل الاونروا أصبح ذو اعتبارات سياسية في التعامل معنا، لأننا وقفنا مع السوريين في ثورتهم”.

تلك الاعتبارات السياسية أظهرها تحقيق لـ درج عن القروض التي تقدمها الأونروا لمقربين من نظام الأسد وعناصر ميليشياته، وقد بلغت نسبة القروض الممنوحة للفلسطينيين 2.5% فقط فيما ذهب البقية لشبيحة النظام، فيما أظهر التحقيق أن من يحكم العلاقة مع الأونروا هي الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب والتي وصفها التحقيق بـ “جهاز أمني سوري”.

تفاجأ رامي السيد، مصور من جنوب دمشق مهجر في مخيم دير بلوط، عندما أبلغه أحد العاملين في الأونروا مصري الجنسية أنه من بين الموظفين المشرفين على توزيع المساعدات في بلدة يلدا في جنوب دمشق للاجئين الفلسطينيين أواخر عام 2017 هم عناصر مخابرات يتبعون لعدة أفرع أمنية، ويقول رامي “كانوا يرتدون زيّ الأونروا على أنهم موظفون داخلها، هذا يعتبر تواطؤاً من قبل الوكالة مع الأجهزة الأمنية للتجسس على المناطق المحاصرة حينها”.

حلول.. لكن

اقترح من تحدثنا معهم من اللاجئين الفلسطينيين حلولاً، من وجهة نظرهم، للحصول على خدمات الأونروا، أسرع الاقتراحات من قبل معظمهم كان وصول المساعدات “عن طريق الـ PTT ” مديرية البريد التركية التي تنتشر مراكزها في الشمال السوري، ويمكن للأونروا ارسال مستحقاتهم المالية عبرها.

صورة من مخيم دير بلوط في ريف عفرين.
صورة من مخيم دير بلوط في ريف عفرين.

يرى أبو شرخ أن الحل يمكن أن يكون عبر توقيع شراكات مع منظمات دولية تعمل ضمن الشمال السوري مثل الهلال القطري أو أي منظمة دولية أخرى، على غرار ما تم في لبنان عبر اتفاقية بين الأونروا والهلال الأحمر القطري وتقديم مساعدات وخدمات للاجئين في لبنان. ويجد أبو هاشم في الهيئات الفلسطينية العاملة في الشمال السوري ما يمكن أن تعتمد عليه الأونروا في حال رغبت بتقديم المساعدة للعائلات الفلسطينية المقيمة في المخيمات.

توقف أبو رأفت خلال حديثنا معه، وشدد على كلمة “الحماية” الموجودة ضمن تعريف الأونروا، عبر موقعها الرسمي “نحن نقدم المساعدة، الحماية والمناصرة”، واستذكر عدداً من الأشخاص الذين اعتقلتهم مخابرات النظام السوري من ساحة الريجة في مخيم اليرموك أثناء تسلمهم للإغاثة من قبل الأونروا، يقول: “اعتقل جاري أحمد العيسى، وكان عمره 50 عاماً ولديه أربعة أطفال، أمام أنظار موظفي الأونروا”، وتساءل عن أطفاله من تلك الحماية معتبراً مستحقات أربع سنوات كفيلة بتحسين الواقع المعيشي له ولباقي اللاجئين في الشمال السوري. وقد وثقت مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا اعتقال 1797 فلسطينياً في سجون النظام بينهم 110 معتقلات.

يطالب من تحدثنا معهم أن تصرح الأونروا برفع يدها عن ملف الفلسطينيين في المخيمات، إن كانت عاجزة عن تقديم الخدمات لهم، وإحالتهم إلى المفوضية السامية للشؤون اللاجئين باعتبارها تعنى بكل اللاجئين في العالم، علّهم يجدون هناك من يسمعهم وينصفهم.

ملاحظة: 
تم تعديل وحذف فقرة دمشق بناء على طلب المصدر