فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

مشهد تمثيلي لإحدى المشاركات في "حملة 16 يوم".

“في حياتنا أمورٌ أقسى من الضرب”.. العنف بالإهمال أو باللفظ وعدم المشاركة مثالاً

هاني العبدالله

“ليش تركتي بيت زوجك طالما ما ضربك” أول عبارةٍ تسمعها نساء كثيرات من عائلاتهن حين يقررنّ ترك المنزل اعتراضاً على سوء معاملة أزواجهنّ، فبالنسبة للأهل “الضرب” فقط هو ما قد […]

“ليش تركتي بيت زوجك طالما ما ضربك” أول عبارةٍ تسمعها نساء كثيرات من عائلاتهن حين يقررنّ ترك المنزل اعتراضاً على سوء معاملة أزواجهنّ، فبالنسبة للأهل “الضرب” فقط هو ما قد يكون سبباً مقنعاً لجعل المرأة تلجأ إلى بيت والديها، أما باقي التصرفات مهما تركت جرحاً في قلب الزوجة، فهي تفاصيل ثانوية لا يجب عليها أن تأخذ موقفاً من أجلها.

الصمت يقتلني

تتلهف الزوجة لموعد عودة زوجها من العمل، لتجلس معه وتسمع أحاديثه وأخباره، تحكي له تفاصيل يومها وكل ما يجول في داخلها، فهو تفصيلٌ مهم جداً في حياة المرأة، إلا أن كثيراً من الزوجات يشتكينّ من صمت أزواجهنّ طوال فترة جلوسهم في البيت.

“خديجة قميناسي” من أهالي مدينة إدلب، تروي لنا مشكلتها مع زوجها، فهي بطبعها اجتماعيةٌ تحبُ تبادل الأحاديث، إلا أنها تعاني من عدم رغبة زوجها بالحديث، ما يُسبّب لها إزعاجاً كبيراً.

تقول خديجة: “حين يعود زوجي من العمل، يتناول الغداء ومن ثم يجلس لمشاهدة التلفاز بتركيز، لدرجة أنه لا ينتبه لي حين أتحدث معه، وحين يمل يفتح هاتفه المحمول ويبدأ بتصفح مواقع التواصل الإجتماعي أو الدردشة مع أصدقائه، دون أن يفكر للحظةٍ في الحديث معي أو سؤالي عن أخباري”.

تضيف خديجة لموقع فوكس حلب: “أحاول توجيه بعض الأسئلة له لأفتح حديثاً معه، لكنه يجاوب بشكلٍ مختصر، واذا أراد الحديث، يكون سؤاله المعتاد (شو بدك تطبخي بكرا)، وكأن الحياة الزوجية بالنسبة له فقط مرتبطةٌ بالطهي! صرت أكره صمته المطبق، والذي يدل على اللامبالاة وعدم الاهتمام بي”.

أم عماد (38 سنة) من سكان دمشق، انفصلت عن زوجها قبل عامين، والسبب كما قالت: “لم أكن أشعر بوجود زوجي في المنزل، وكأنه حجر أو صنم لا حياة له، فلم يكن يسأل عن أخباري أو حتى أخبار الأطفال، ودائماً مشغول البال وكثير التفكير ولا يأبه لأمور البيت، صمته كان يقتلني، وما كان يستفزني أكثر أني حتى حين أعاتبه لإهماله لي، كان يرفض الرد ويكتفي بالصمت”.

وترى دراسات إجتماعية، أن الرجل يُعبّر عن إنزعاجه من شيء ما بالصمت، على عكس المرأة التي تفضّل الفضفضة، كما أن الرجل قد يكون بطبيعته شخصٌ قليل الكلام نظراً للبيئة التي عاش فيها، لذا يجب أن تعلم الزوجة سبب صمت زوجها وتحاول تشجيعه على الكلام، بدلاً من تحويل صمته إلى سببٍ للخلاف.

العمل محط اهتمامه الوحيد

الظروف المعيشية الصعبة وغلاء الأسعار، تدفع أغلب السكان للعمل طوال اليوم، وهو ما انعكس سلباً على العلاقات الزوجية، هيام الحلبي (اسم مستعار) من سكان حلب (ربة منزل)، تعاني من عدم اهتمام زوجها بها رغم مضي عامٍ فقط على زواجها.

تقول هيام لموقع فوكس حلب: “اهتمام زوجي فقط يَنصبّ في العمل، فما أن يعود من عمله بعد الظهر حتى يتناول الغداء ويأخذ قيلولة، ومن ثم يفتح حاسوبه ويبدأ بعمله الثاني في مجال التسويق، ويستمر على ذلك لآخر المساء، دون أن يُخصص أي وقتٍ لي، لدرجة أنه يعمل حتى في أيام الإجازة”.

وتابعت هيام قائلةً: “أي امرأة تمضي أجمل الأوقات مع زوجها في عام زواجهما الأول، لكن زوجي منذ تسعة شهر لم يصطحبني لأي مكانٍ، وحين أشكي حالي لأمي، ترد عليّ: (ليش هو مو عم يشتغل منشانك! أشعر أني أعيش أقسى أنواع التعنيف النفسي”.

قصص محرجة صامتة

لا شك أن هناك تصرفاتٍ تجرح المرأة في الصميم، لكن طبيعة مجتمعنا تمنعها من البوح، لذلك لم أستطع التواصل مع أي سيدة لتتحدث عن قصص معاناتها، وهذا دفعني إلى البحث طويلاً في شبكات التواصل الإجتماعي، كونها منبرٌ لجأت إليه كثيرٌ من الزوجات للتفريغ عن وجعهنّ هرباً من صمت الواقع.

إحدى القصص كانت في مجموعة فيس بوك، تنشر فيه سيدات سوريات قصصهن. لفتني قصة لسيدة تقول فيها: “أنا “متزوجة عمري 24 سنة، لكن زوجي بارد في كل شيء، بمشاعره واهتمامه، وحتى ولا يطلب مني العلاقة الحميمية إلا مرة كل أسبوعين، أحاول التقرّب منه بكل الطرق، لكنه يقضي وقته على الهاتف أو ينام باكراً، أشعر بجرحٍ عميق، وأخجل أن أطلب منه حرفياً العلاقة الحميمية”.

واشتكت سيدة أخرى على ذات المجموعة، من مبالغة زوجها في طلب العلاقة الحميمية، ورغم رفضها إلا أنه يُجبرها على ذلك، لدرجة كان يطلب منها ذلك حتى خلال فترة الحيض، وكان يستخدم أسلوب العنف خلال الممارسة الجنسية، وهو ما كان يُسبب لها آلاماً جسدية والتهابات، إضافةً إلى تدهور حالتها النفسية من هذه المشكلة، طالبةً من المتابعين تقديم حلٍ لها، خاصةً أنها لا تريد الطلاق حرصاً على أطفالها، ولا تجرؤ على الإفصاح بقصتها لأهلها وأقاربها خوفاً من ردات فعل المجتمع.

وفي هذا السياق قال رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار، غزوان قرنفل لموقع فوكس حلب: إنه “لا يوجد في القانون السوري جريمة تسمى الاغتصاب الزوجي، وبالتالي فإكراه الرجل زوجته على الجماع لا يعتبر جريمةً أو فعلاً مخالفاً للقانون، ولا تملك الزوجة حق مقاضاته على هذا الأمر، ولا يعتبر سبباً مشروعاً من أسباب الطلاق والانفصال”.

لكن الاغتصاب الزوجي مجرّم في تشريعات دولٍ غربية منذ فترة طويلة، ففي 2019، قبضت قوات الشرطة الألمانية على لاجئ سوري، اتهمته زوجته بالاغتصاب الزوجي، وهو أمر مجرّم في القانون الألماني، وقال الرجل أمام المحكمة إنه لم يكن يعلم أن الإجبار على العلاقة الزوجية مجرّم في المانيا، وتعهد للمحكمة بأن زوجته إذا قالت “لا” بعد ذلك، أن يُنصت لرغبتها.

كلمة واحدة وزهرة

الإهانة اللفظية من الزوج إحدى المشاكل التي تشتكي منها كثيرٌ من الزوجات، ولاسيما في ظل ضغوطات الحياة التي تفاقمت خلال سنوات الحرب في سوريا، وهو شكلٌ آخر من أشكال العنف ضد المرأة يندرج تحت مسمى العنف العاطفي.

تقول “هيام الحلبي” من سكان حلب: “أتلهف لعودة زوجي من العمل، ولاسيما أني أعيش وحيدةً ولم أنجب أطفالاً حتى الآن، إلا أنه حين يعود يكون غاضباً من ضغط العمل والازدحام في الطرقات، فبدلاً من أن يقوم باحتضاني حين وصوله وقول الكلمات الرومانسية لي، يبدأ بالصراخ والتذمر، (ليش لهلأ ما صار الأكل، ليش ما خلصتي شغل البيت، وين بيجامتي، وين حطيتي اللابتوب؟!)

ولا يتوقف هذا النوع من العنف على الإساءة اللفظية، بل يتضمن أيضاً قيام الزوج بانتقاد زوجته بشكلٍ مستمر والسخرية من شكلها ولباسها، والتقليل من قدراتها، أو محاولة فرض السيطرة على المرأة، وإهمال رأيها وعدم إعطائها الفرصة لاختيار أي أمر متعلق بها وبحياتها الخاصة.

تابعت هيام حديثها قائلةً: “في بعض الأحيان حين أحضّر طبخة معينة لزوجي لا تعجبه، ويبدأ بالتذمر ويرفض أكلها، بدلاً من تقديم الشكر لي على تعبي، أو على الأقل مجاملتي والتظاهر أن الأكلة لذيذة، وأحياناً أقوم بارتداء لباسٍ معين، فيقول لي: (شو هالموديل هاد روحي غيريه)، دون أن يدرك لأي درجة تؤذي تلك الكلمات مشاعر الزوجة، فنحن النساء نحب الرومانسية، فكلمة واحدة من القلب وهدية بسيطة حتى لو كانت زهرة، تجعلنا نتعلق بأزواجنا، ونغض الطرف عن كثيرٍ من أخطائهم”.

“الخيانة” أقسى درجات العنف

من أقسى الأمور التي تجرح الزوجة وتؤلمها هي الخيانة، والتي تُحدث شرخاً عميقاً في الحياة الزوجية، وتؤدي لفقدان الثقة بالزوج وقتل كثير من المشاعر الدافئة للمرأة، وإهانة لكرامتها، وإهدار العشرة، وقد تنتهي الأمور بالانفصال.

سيدة من سكان جرمانا في ريف دمشق، تواصلنا معها فضّلت عدم ذكر اسمها، اكتشفت خيانة زوجها لها رغم مضي خمسة أشهر فقط على زواجهما.

تقول السيدة: “سافرت قبل شهر الى حمص في زيارةٍ لأهلي، بينما بقي زوجي في دمشق بحكم عمله، وحين عدت إلى بيتي اكتشفت أشياءً غريبة، حيث لاحظت شعراً نسائياً على السرير، كما أن هناك رائحة عطر نسائي على بعض ملابسي التي كانت في الخزانة، صرخت من الفزع وطلبت من زوجي تفسير ذلك، لكنه أنكر أن يكون قد ارتكب أي خيانة في غيابي، حتى أنه حلف على المصحف”.

تضيف السيدة: “لم أصدقه، فالمرأة تشعر بكذب زوجها مهما حاول المراوغة، لذا حاولت مراقبة تصرفاته وهاتفه المحمول، وبالفعل عثرت على محادثة بينه وبين فتاة، يتحدثان عما جرى بينهما في المنزل خلال سفري، ووعدها باستئجار منزلٍ لتكرار العلاقة الحميمية التي جرت بينهما، شعرت بصدمة قاسية خاصة أننا تزوجنا عن حب ولم يمض سوى خمسة أشهر فقط على الزواج، لذا تركت المنزل فوراً وسافرت لعند أهلي وفي قلبي حرقة كبيرة، حاول زوجي مراراً طلب السماح بعدما اعترف بالخطأ، لكني رفضت وطلبت الطلاق، فالشيء الذي انكسر لن يعود كما كان، وصرت أحقد على كل الرجال”.

حين يتحوّل المال الى نقمة

“يخفي راتبه عني ولا أعلم كم يقبض”، هكذا تقول أم حسان سيدة من الأتارب، معبّرةً عن معاناتها من مشكلةٍ قد لا يتم تسليط الضوء عليها كثيراً، حيث أن زوجها يعمل في إحدى المنظمات، لكن لا يخبرها بمقدار راتبه أو المكان الذي يُخبئ به الأموال.

تقول أم حسان: “المرأة شريكة زوجها، ومن حقها أن تعرف كل شيء، بمافي ذلك مقدار الأموال التي يجنيها ومصدرها ومكان إيداعها، لكن زوجي يرفض ذلك، حتى أنه لا يترك أي مصروفٍ لي، واذا أعطاني فبالقطّارة وعلى مضض، وحجته في ذلك أنه لا داعي أن تكون الأموال بيد الزوجة، طالما أنه يتكفل بتأمين كل مستلزمات المنزل”.

تضيف أم حسان: “سئمت من هذا الواقع المزعج، حيث أشعر أنه يحاول فرض سيطرته عليّ من خلال حجب الأموال عني، وأكثر من مرة أحتجت للمال لشراء بعض الأشياء الطارئة، لكن لم أجد أي مبلغٍ في البيت، واذا استمر على هذا الطبع، فلن استطيع إكمال حياتي معه”.

ويرى باحثون أن هناك شكل من أشكال العنف ضد المرأة يسمى “العنف الإقتصادي”، والذي يتضمن صعوبة حصول الزوجة على الأموال، إلى جانب تحكم الزوج في مستوى الرعاية الصحية والتعليم للمرأة، وعدم أخذ رأيها بعين الاعتبار في القرارات المالية، الى جانب منعها من العمل أو إجبارها عليه.