فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

الدراجات النارية وسيلة نقل

الدراجات النارية في إدلب.. سرفيس وبسطة ومآرب أخرى

 محمود يوسف السويد

  تصطف الدراجات النارية للنقل في محيط قرى وبلدات إدلب لنقل الركاب، وتمتلئ بها الطرقات، بعضها يحمل بضائع مركونة في مؤخرة الدراجات ضمن صناديق من النايلون، أخرى تحمل حطباً للبيع، […]

 

تصطف الدراجات النارية للنقل في محيط قرى وبلدات إدلب لنقل الركاب، وتمتلئ بها الطرقات، بعضها يحمل بضائع مركونة في مؤخرة الدراجات ضمن صناديق من النايلون، أخرى تحمل حطباً للبيع، علق على بعضها بسطات حديدية لبيع الملابس أو الأغذية والمأكولات.

يقول محمد، وهو مالك أحد الدراجات النارية في سلقين، إنه يقطع عليها كل يوم طرقاً وعرة للوصول إلى بعض العيدان والجذور اليابسة، يبيعها كوقود للشتاء مقابل مبالغ مالية يشتري بها طعاماً لأطفاله.

ويضيف إنه يدين بالفضل لدراجته النارية في تأدية عمله، إذ يصعب وصول السيارات إلى الأماكن التي يقطعها للوصول إلى أحراش عبريتا المتاخمة لبلدة كفرتخاريم.

طلبات بالأجرة ونقل الركاب

عادت الدراجات النارية للعمل كوسيلة نقل مرة أخرى بعد تجاهلها لأزيد من ثلاثين سنة، مع دخول الحافلات وانتشارها في المنطقة، وأصبحت الوسيلة الأكثر استخداماً نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات وقلتها، كذلك شكلت فرص عمل للكثير من ممتهنيها.

حسن كوسا، واحد من مجموعة شباب اختاروا مهنة توصيل الطلبات والركاب بالأجرة في مدينة سلقين، يقود دراجته يومياً إلى ساحة الجامع القديم، ليركنها بجانب دراجات أخرى مخصصة للنقل بالأجرة.

صندوق بلاستيكي يشبه صناديق الخبز في الأفران، هو ما يميز تلك الدراجات يثبته أصحاب الدراجات خلفهم، ليضعوا فيه المشتريات التي يحملها الركاب معهم. والتي تكون في الغالب مؤونة الشتاء من الخضراوات المتنوعة كالباذنجان والفليفلة والبندورة، فمكان وقوف الدراجات يقع بالقرب من مدخل سوق الخضار والفاكهة الرئيس في المدينة.

مقابل ليرتين او ثلاث ليرات تركية، ينقل حسن وزملاؤه الركاب ومشترياتهم ضمن حدود مدينة سلقين، مستفيدين من صغر حجم دراجاتهم، التي تتمكن من الدخول في الأزقة الضيقة، مثل حي السيباط والحي القديم، أو عبر الشوارع غير المعبدة والوعرة مثل المزارع والأحياء المحدثة المرتفعة. يقول حسن: “إنها أجرة زهيدة، إذا ما قيست بأجرة السيارة التي تبلغ ثمان ليرات، ولهذا يفضل المواطنون الركوب معنا على استئجار سيارة”.

يبدي أحد زملاء حسن والذي رفض الإفصاح عن اسمه، تململه من هذه المهنة التي لا تدر على صاحبها دخلاً كافياً، فهو “بالكاد يكفي ثمن المأكل والمشرب لأسرته” حسب قوله، كما انتقد قرار ترسيم الدراجات والمركبات الأخير، الذي ألزمهم دفع خمسين ليرة تركية، كرسوم مالية للمواصلات مقابل الحصول على نمرة للدراجة.

 

عن هذا يقول: “لم ينته الأمر عند الرسوم بل بات لزاماً علينا نحن المتعيشين الفقراء، أن نراعي حالة الدراجة الفنية دائماً، فغماز مكسور قد يعرضنا لمخالفة ومصادرة النمرة، ودفع غرامات مالية لا قدرة لنا بدفعها”. في حين عبر زملاء آخرون عن انزعاجهم من غلاء ثمن البنزين وأسعار قطع التبديل والتصليح، والتي بدونها لا يمكن للدراجة أن تستمر في العمل.

بسطات تسهل عمل الباعة الجوالين

يجوب كل من أبي حسين وأبي محمد على دراجتهما النارية شوارع بلدة اسقاط، وهما يجران خلفهما عربتين حديديتين، صنعاهما خصيصاً لتحمل أكياس الخبز والمعروك، التي يبيعانها للسكان في منازلهم، يقول أبو حسين إن العربة ساعدته في حمل كمية أكبر من الأكياس ما أمن له ربحاً أفضل، أيده في هذا زميله أبو محمد الذي أضاف أن العربة ساهمت في بقاء الخبز والمعروك محافظاً على طراوته وسخونته، كونها مزودة بغطاء قماشي يحفظ ما بداخلها من أشعة الشمس صيفًا وبرودة الطقس والأمطار شتاء.

أبو علي هو الأخر يقصد شوارع البلدة بعربته ودراجته، يعرض بضاعته المكونة من ملابس مستعملة (بالة)، ليقوم ببيعها فيؤمن له ذلك دخلاً  يشتري به بعض احتياجات أسرته كالخبز والطعام.

باعة آخرون وضعوا خلفهم صندوقاً معدنياً أو خشبياً، بداخله مادة الأيس كريم (البوظة)، يقودون دراجاتهم في شوارع المدن والبلدات، وهم ينادون على بضاعتهم لبيعها، في حين يقصد آخرون تجمعات مسائية ككورنيش سلقين والحديقة العامة في حارم وغيرها، ليبيعوا بضائعهم المختلفة من غزل البنات والذرة المسلوقة والبوشار.

تجارة الدراجات النارية

تنتشر مراكز ومكاتب بيع وشراء الدراجات النارية على مساحة الشمال السوري، ويقصدها الراغب ببيع أو اقتناء دراجة، يدير العملية أشخاص يملكون خبرة في مجال الدراجات النارية وتقييم ثمنها، كما يخبرنا أحمد الأطرش صاحب أحد المكاتب الموجودة في مخيم القلعة القريب من مدينة سرمدا، يقول إن دورهم ينحصر بتقريب وجهات النظر بين البائع والمشتري، وأيضا تقدير ثمن الدراجة لمن يجهل أسعار السوق، والتقييم يخضع لحالة الدراجة الفنية وتاريخ صنعها ولمسألة العرض والطلب، فالأسعار ترتفع مع قدوم فصل الربيع، لإقبال الناس على الشراء؛ وتنخفض مع حلول فصل الشتاء ليصل أحياناً لفترات ركود شبه تام.

كما يتضمن عمل المكتب إبرام عقود البيع مذيلة باسم البائع والمشتري، مع معلومات شخصية، بحسب ما هو مذكور في الوثيقة الرسمية التي يبرزها كلاهما. عملية التوثيق هذه تكفل للمشتري أموراً عدة مثل “الكسر والسرقة”، وتمكن من ملاحقة البائع فيما لو اتضح وجود مشكلة في الدراجة يستدعي مساءلته لاحقاً. يقول أحمد: “نتقاضى مقابل كل صفقة مبلغ عشرين ليرة تركية ثمناً للعقد وأجرة للمكان، وتختلف إيرادات المكتب باختلاف حال السوق، لكنها تكفي لتوفير مبلغ بسيط بعد دفع أجرة المحل ومصروفاته”.

هشام تاجر دراجات نارية من أبناء قرى سهل الغاب بريف حماة الغربي، يقصد المكاتب وأسواق الدراجات النارية بصورة يومية، يبيع ويشتري، ونادراً ما تراه يقود الدراجة ذاتها لأسبوع كامل، وهذه حال أغلب أصحاب هذه المهنة، يقول هشام: “كل يوم يمر على الدراجة وهي بحوزتي أعده خسارة بالنسبة لي، فالتاجر الناجح من يبيع ويشتري أكبر عدد ممكن في أقصر فترة، وبالنهاية كله توفيق من الله”.

يكسب هشام نحو عشر دولارات من بيع دراجة واحدة، وأحياناً يرتفع هذا الرقم ليتجاوز العشرين دولاراً، إذا كانت الدراجة بحالة فنية جيدة، وهناك طلب على نوعها وماركتها التجارية.

ولا يغفل هشام دور الخبرة في زيادة الربح، فهو في هذه المهنة منذ عشرين عاماً، كثيراً ما اشترى دراجات تبدو للناظر أنها مهترئة ومتهالكة، يجري بعض الإصلاحات عليها، واستبدال التالف من أجزائها بأخرى جديدة، ولا يمانع هشام ببعض التحسينات هنا أو هناك، لتتحسن صورة الدراجة وتعود وكأنها جديدة، يقول هشام: “أحيانا كنت أبيع الدراجة لصاحبها الذي اشتريتها منه، وهو غير مصدق أنها ذات الدراجة التي باعني إياها قبل أسبوع “.

مهن مختلفة ارتبطت بالدراجات النارية بشكل أو بأخر، مثل محلات بيع الدراجات الجديدة إضافة لقطع الغيار، وورش تصليح القديم منها، ومهن أخرى مثل محال إصلاح الدواليب (الكومجي) ومغاسل السيارات ومحال تبديل الزيوت، كلها تعتمد على وجود الدراجة النارية، لتضمن استمرارها، وتزدهر بازدياد أعداد الدراجات النارية، وأصبحت هذه المحال والمهن سمة تطبع أغلب مدن وبلدات الشمال السوري، تصادفها أينما حللت، فالدراجة تظل الوسيلة الأكثر انتشاراً والاوفر مصروفاً مقارنة بوسائل النقل، الأخرى ويفضلها معظم سكان الشمال وأهله.