دفع أبو معروف، وهو شاب مهجر من غوطة دمشق، نحو مئتين وخمسين دولاراً ليطلق مشروعه الخاص بتفقيس بيوض الطيور الداجنة، إذ يعمل مئات الشباب في مالمنطقة بمهنة المفاقس لتشكل رديفاً لمصدر دخلهم.
اشترى أبو معروف “مفقس” بيض صناعة صينية يعمل على المدخرة بشكل مباشر وبطارية بقوة 12 فولت ولوح طاقة شمسية، ثم اختار أنواع البيوض التي سيقوم بتفقيسها.
يقول إن الدفعة الأولى التي أنتجها من الفراخ خلال شهر واحد عوضت نصف المبلغ الذي دفعه، وهو ما يراه جيداً في حال استمر الإنتاج على هذا الحال.
لا تحتاج المفاقس الموجودة في الأسواق لمساحات كبيرة، ويمكن للمربي أن يستغل أي مساحة لا تتجاوز متراً مربعاً ليبدأ بمشروعه، كما أن استهلاكها البسيط للكهرباء شجع كثيرين على خوض التجربة، إذ تعتمد المفاقس على ذات المدخرة الموجودة في المنازل لتوفير رأس المال، وبعد تفقيس البيوض بأسبوع يتم طرحها في الأسواق، في حين يرغب آخرون بتربيتها فترة أطول لانتظار تحسن الأسواق وجني أرباح إضافية.
يختار أصحاب المفاقس نوع الطيور التي سيضعون بيوضها في المفاقس بحسب حاجة السوق، ولا توجد قاعدة ثابتة للعمل وقد ينتجون دفعة من بيض الفري تليها دفعة من بيض الدجاج البلدي أو دجاج الزينة، وذلك ليملكوا الوقت المناسب لتصريف الطيور التي أنتجوها، إذ تعتبر عملية التصريف أصعب المراحل نتيجة غياب الأسواق الخارجية والاعتماد على الاستهلاك الداخلي.
مفاقس تتناسب مع الواقع
استورد تجار سوريون أنواعاً عديدة من المفاقس التي تتناسب مع حاجة المواطن في إدلب من ناحية حجم المفقس واستهلاكه البسيط للكهرباء.
بدأ صفوان خضرو، وهو شاب من ريف حلب الغربي، بالعمل على مفقس بيض كهواية منذ خمس سنوات، لكنه طور عمله منذ عامين وبدأ بتجارة المفاقس من خلال استجرارها من شركة جمايكا التركية، والتي تتميز بضاعتها باستهلاكها البسيط للكهرباء، وتتوفر بأحجام تتناسب مع طلبات الزبائن وتبدأ من سعة ثلاثين بيضة حتى أربعة آلاف بيضة، وتتراوح أسعارها بين مئتين وعشرة دولارات حتى أربعة آلاف ومئة دولار.
تعتبر هذه المفاقس أفضل من سواها نتيجة تقنيتها المتطورة وعملها الأتوماتيكي بشكل كامل، إذ تناسب بشكل تلقائي بين الحرارة والرطوبة “وهما العنصران الأهم في عملية التفقيس”، كما تقوم بتقليب البيض بشكل آلي، وهو ما يضمن إنتاجاً أفضل بحسب صفوان.
يستعمل المنتجون هذا النوع من المفاقس لإنتاج أنواع كثيرة من الطيور باستثناء بيض النعام نتيجة كبر حجم البيضة. بينما لجأ آخرون لاستعمال المفاقس الصينية وذلك هرباً من التكلفة الزائدة، إذ يمكنك الحصول على مفقس صيني بسعة ثلاثين بيضة بسعر لا يتجاوز ستين دولاراً.
تصنيع محلي
حاجة الناس لتلك المفاقس دفعت بعض الفنيين لتصنيعها محلياً في محاولة لمحاكات النماذج المستوردة، ولتوفير المال ما شكل فرص عمل لهم ووفر بعض المال على المربين.
بدأ أبو هاشم، وهو شاب مهجر من مدينة حلب، بتصنيع مفاقس البيض منذ مدة مستفيداً من إقبال الناس على هذه الصناعة، حيث يصنع المفقس بناء على طلب الزبون، يستعمل في بعضها هياكل خشبية يقوم بتغليفها بمواد عازلة للحفاظ على الحرارة، بينما يستعمل في أوقات أخرى هياكل البرادات القديمة ويستفيد من العزل الموجود ضمن صندوق البراد للتوفير على الزبون.
يُزود أبو هاشم الصندوق بجهاز لرفع الرطوبة وسخانات لرفع الحرارة ومراوح لتحريك الهواء الساخن في الداخل، إضافة لمقاييس الحرارة والرطوبة والتي تمكن المنتج من معرفة الحرارة الداخلية للمفقس، وبالتالي يرفع الحرارة أو يخفضها بحسب نوع البيض الموجود.
تختلف سعة “الفقاسة” حسب رغبة الزبون، وتبدأ من ثلاثمئة بيضة حتى خمسة آلاف بيضة، ويلعب الحجم دوراً أساسياً في سعرها الذي يبدأ بمئتين وخمسين دولاراً.
اعتمد بعض المربين على خبراتهم الشخصية لإنتاج مفاقسهم بغية توفير بعض الأموال التي تساعدهم في تطوير إنتاجهم، إذ يعمل جهاد مطر أبو نصر “أحد مهجري مدينة تدمر إلى ريف حلب” بتربية وإنتاج الطيور معتمداً على خبرته القديمة التي رافقته أثناء معيشته في مدينته تدمر، وقام بتصنيع مفقس يدوي معتمداً على أحد البرادات المستعملة وبدأ بتفقيس بيوض الفري ودجاج الزينة، لتشكل رافداً مهماً لمصدر دخله في وقت يندر فيه الحصول على فرصة عمل، حسب قوله.
يحتفظ أبو نصر بالطيور التي أنتجها فترة من الزمن ويعطيها الفيتامينات واللقاحات اللازمة ثم يطرحها للبيع ويبدأ بتفقيس دفعة جديدة من البيض بحسب متطلبات السوق.
أبو دياب شاب آخر من ريف دمشق استفاد من هيكل جهاز “مايكرويف” وزوده بأجهزة حرارة ورطوبة وبدأ بتفقيس البيض. يقول أبو دياب إن مفقسه يتسع لنحو مئة وخمسين بيضة فري، ولم يتكلف في تصنيعه أكثر من ستين دولاراً، لكنه بحاجة لإشراف مستمر على البيض ليقوم بتقليبه يدوياً.
بينما عمل آخرون على استئجار مفاقس بشكل شهري لتفقيس البيوض التي تنتج في مزارعهم، أو لوضع البيوض لدى أحد أصحاب المفاقس والاتفاق معهم على نسبة من الطيور المنتجة أو مقابل أجر مادي يتفقون عليه.