خرجت آخر النقاط الطبية المتبقية في جبل الزاوية عن الخدمة فجر يوم الأربعاء الماضي، إثر تعرضها لقصف مدفعي بقذائف ليزرية موجهة، قتلت امرأة وأصابت طفلها ودمرت المنزل بشكل شبه كامل.
يضعنا هذا الخبر المتداول خلال اليومين الماضيين أمام مسؤوليتين، أولهما قتل الحياة في منطقة واسعة بدأ جزء من سكانها النازحين بالعودة إليها من حياة المخيمات العشوائية والأراضي الزراعية، بعد أن فقدوا ويفقدون كل يوم، أمانهم الصحي والحياتي، والثانية حول تعمد قوات النظام في كل يوم تذكيرنا بأن آلة القتل لن تتوقف، وأن جميع المناشدات والقرارات الدولية لن تثنيه عن ارتكاب جرائم بحق المدنيين في المنطقة.
ليس توقف الانتهاكات مرهوناً بسيطرة النظام على المنطقة، أو إقامة اتفاقات لحماية المدنيين، هناك درس أدركناه وفهمناه جيداً من المصالحات التي تمت في الغوطة الشرقية ودرعا سابقاً، يمكن تلخيصه بأن الانتهاكات لن تتوقف، حتى لو لبى سكان هذه المناطق جميع ما فرض عيلهم من شروط، يشبه ذلك الانتهاكات التي قامت بها قوات النظام وميليشياته في درعا خلال الشهرين الماضيين، من حصار للمدنيين وقتل لهم واستهدافهم بمختلف أنواع الأسلحة.
نزوح آخر تشهده المنطقة، بعد عودة أزيد من مئتي ألف شخص إلى جبل الزاوية، بحسب إحصائيات منسقو الاستجابة، سببته خروقات وقف إطلاق النار الموقع في آذار من العام الماضي، استهدفت هذه الضربات بنى تحتية ومنشآت خدمية وطبية ومدارس، إضافة لمنازل المدنيين الذي زاد عدد من قتل منهم عن خمسة وستين شخصاً خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، نصفهم من الأطفال.
ليس القصف المتعمد للحياة في جبل الزاوية بهدف إفراغ المنطقة من ساكنيها فقط، إذ لا يشكل وجودهم عائقاً أمام أي عملية عسكرية أمام قوات النظام التي لا يشكل وجود مدنيين وقصفهم رادعاً لها، بل على العكس، ينظر إليهم وفق نظرية أن من يعيش في هذه المناطق “إرهابيون” يجب قتلهم، وهو ما أثبتته عشرات التقارير الصحفية عن مناطق تم اقتحامها وقصفها وتدميرها على رؤوس سكانها في مختلف المحافظات السورية.
إفراغ المنطقة هنا، يشكل نصراً معنوياً لهذه القوات، باعتبار أن زيادة مأساة النازحين هدفاً بحد ذاته، وتصديراً للمشاكل الداخلية التي يعيشها موالو النظام في مناطقه، للمفاضلة بين لقمة العيش الغائبة أو النادرة على الأقل وعدم التعرض للقصف والنزوح.
يحاول أولئك في كل مرة إثبات وتصدير أنفسهم كطريق وحيد للاستمرار، الاستمرار المعنون بأنواع الحياة القاسية كافة، من نقص في المواد الغذائية وانعدام للأمن الغذائي والصحي، وقلة الخدمات العامة مثل الكهرباء والوقود والمواصلات. وفي الوقت ذاته زيادة النقمة الشعبية لسكان هذه المناطق على الفصائل العسكرية الموجودة لعدم قدرتها على حمايتهم أو الوقوف إلى جانبهم.
الزاوية الوحيدة المتروكة لمن يعيش في مناطق النظام إقناع أنفسهم بجملة “بيكفي الأمان”، الأمان الغائب في المناطق التي يقوم من يوالونهم بضياعه، وإن كان هذا الأمان يحتاج لتفسير أكبر وأعمق، فهل من الطبيعي أن يفسر الأمان على أنه البقاء على قيد الحياة ضمن سلطة ديكتاتورية وفي ظروف الخوف من الاعتقال والقتل والتغييب في السجون، أيضاً ضمن فكرة عدم توفر المواد الأساسية للبقاء على قيد الحياة مثل الغذاء والوقود والمأوى وصولاً إلى الكهرباء التي بات الحصول عليها رفاهية في معظم المناطق السورية التي تسيطر عليها قوات النظام، أخيراً حرية التعبير المفقودة والقدرة على الكلام.
استهداف المرافق العامة، خاصة المشافي والنقاط الطبية ، بات سمة لقوات النظام وميليشياته خلال السنوات العشر الماضية، يمكن إضافتها لأساليب التعذيب وأوراق الضغط الأخرى، مثل الحصار والمياه والكهرباء، إذ تعرضت مئات المنشآت والمراكز الصحية للاستهداف المباشر، وثق الأرشيف السوري أزيد من مئتي منشأة منها في تحقيق أصدره العام الماضي، وميز فيه استهدافاً متكرراً لمنشآت محددة بهدف إخراجها عن الخدمة، ومنعها من تقديم العلاج للمصابين في كل منطقة يحاول النظام التقدم فيها، كما حدث في استهداف المنشآت في كفرنبل ومعرة النعمان قبل سيطرته عليها بداية العام الماضي، إضافة لمنشآت طبية مسجلة ضمن آلية التحايد المشاركة من قبل الأمم المتحدة لمنع استهدافها.
لا يكاد يغيب يوم دون تسجيل انتهاك جديد في جبل الزاوية، تسبب ذلك بنقل المنشآت والنقاط الطبية خارج المنطقة إلى الشريط الحدودي أو إلى مناطق أكثر أمناً، ما يزيد من صعوبة حصول العائدين إلى المنطقة على الخدمة الصحية، إذ تبعد أقرب المراكز الطبية عنهم مسافة تزيد عن عشرة كيلو مترات على الأقل، في ظل غياب لوسائل النقل العامة، إذ تتركز هذه المراكز في مدينة أريحا التي لم تسلم هي نفسها من القصف المتكرر خلال الأشهر الأخيرة.