رسائل ذكية جداً لـ الخبز في حلب
برسالة نصية أو (واتسية) ترسل زوجتي ما تحتاج إليه من لوازم الطبخ والنفخ، الغسيل والتنظيف، الخضار والفاكهة، والمواد التموينية الأساسية من سكر وأرز وبرغل، إضافة لطلبات الأولاد من الشيبس والبسكويت، ولوازمهم في المدرسة الصيفية.
تكفي نظرة سريعة على هاتفي واسم المرسل (زوجتي) حتى أبدأ بالحسبلة والهلهلة والحوقلة، ويبدأ لساني بذكر الله والاستغفار ليهبني القدرة على التحمل والاستمرار، حيث أن أقل رسالة تنذر بمبلغ يتجاوز 15ألف ليرة سورية، ولكن ذلك كله لا يقارن بطلب مادة الخبز المقننة، والتي ترتبط بالبطاقة الذكية، حفظها الله وزاد في ذكائها وعبقريتها.
معركة المهزومين
الذهاب لشراء الخبز يشبه دخول أرض المعركة، فعلى كل مواطن أن يرتدي ثياباً رثة وبسيطة تساعده على الانزلاق بين المنتظرين، ومواجهة حشود المهاجمين الذين يتجاوزون الطابور الطويل. وعليه أن يتسلح بالصبر حتى يصل إلى كوة الخبز، وبالعزيمة والإصرار كيلا يبيت جائعاً أو يضطر لشراء الخبز من السوق السوداء، او الجنوح للخبز السياحي الذي وصل سعره لأرقام فلكية.
على المواطن أيضاً أن يتمتع بمكارم الأخلاق وحسن السلوك، إذ يتوجب عليه غض البصر عن أقرباء وأصدقاء وجيران صاحب الفرن، إضافة للشرطة والعسكريين والشبيحة والهيئات الطبية وموظفي الصحية والبلدية وما لف لفيفهم من بائعي الخبز والمتاجرين به.
ويعتبر حفظ اللسان من أعظم الأخلاق، خلال ساعات الوقوف، إذا يتوجب على المواطن أن يؤكد على مدى التنظيم، وحسن سير عملية البيع، ويثني على الجهود التي تبذلها مديرية التموين من أجل وصول الخبز المطعم برائحة المازوت الشهية إلى المحتاجين، وأن يشيد بجهود الشرطة الذين يبذلون جهدهم ووقتهم من أجل الحفاظ على الطابور الجميل أو زيادته إن أمكن لهم ذلك.
ولابد خلال هذه المدة من تقديم طقوس الإجلال والاحترام مع بعض الابتسامات الطائرة لصاحب الفرن، تجنباً لزعله وخشية أن يغلق الكوة في وجه من تسول له نفسه الاعتراض، أو النق، أو الشكوى، أو الاستعجال بتوزيع الخبز.
أسواق موازية لـ الخبز في حلب
لم تستطع الحكومة السيطرة على منافذ بيع الخبز، ولا على المعتمدين المعمدين باللصوصية، ولاعلى تجار الخبز وجشعهم، بالرغم من سعة أفقها، وبعد نظرها، وحنكتها منقطعة النظير بإصدار القرارات السطحية التي تثبت فشلها الدائم أمام سيل الفوضى والفساد والفقر الذي يجتاح البلاد.
فقد ضبط في حلب، الكثير من أصحاب الأفران الذي يملكون أعداداً كبيرة من البطاقات الذكية في حالات مخلة بآداب الأفران. إذ يقومون بتمريرها على الأجهزة الرقمية، وإرسال مالا يقل عن 150 ربطة خبز يومياً، معدة للبيع في السوق السوداء.
كما يقوم المعتمدون بتجميع بطاقات المعارف والأصحاب من الذين لا يحتاجون خبزاً بشكل يومي، إذ تقسم المستحقات مناصفة، يوم للظالمين ويوم للمؤمنين، ثم ترسل إلى الأسواق لإغراء المواطنين الجائعين، أو محلات بيع الصندويش.
شركاء يتقاسمون الموت
أخيراً هناك الكثير من الجيران يأخذون مخصصاتهم ومخصصات أقربائهم المغتربين، بشكل يومي مع عدم حاجتهم لها، يجففونها ويبيعونها (خبزاً يابساً) لأصحاب الحناتير (والطرطيرات) الجوالة، بسعر 600 ليرة سورية للكيلو غرام الواحد، مع العلم أن سعر ربطة الخبز المؤلفة من ستة أرغفة في السوق السوداء يتراوح سعره بين 800-1000 ليرة سورية، بما يعادل عشرة أضعاف سعرها المدعوم.
يميل غالبية أهالي حلب للطبخات التي لا تعتمد على الخبز مثل مجدرة البرغل والأرز، والمعكرونة، والكبة النيئة، والشوربات، مع غلاء مكوناتها نسبياً، لكنها تكفيهم ذل السؤال وارتياد الطوابير الكئيبة في كل يوم.
في أكثر محاولاتي لا أستطيع الحصول على مخصصاتي من الخبز، ولكن المميز بالأمر أن المركز الالكتروني للبطاقة الذكية أرسل لي أكثر من رسالة تشكرني على صبري وسعة صدري، وتؤكد حصولي على الخبز!
وبالمناسبة فقد اشتريت اليوم بعض (الكيك)، بعد نفاد الخبز في أقل من ساعتين من بدء التوزيع.
وللطوابير بقية….