فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

الصورة لمدينة داريا -إنترنيت

تسع أغنيات لـ “مدينة داريا”

محمد كساح

“توثق الذاكرة بالـ أغنيات “. لكل منها زمنه وشخوصه يستعيدها مهجرو مدينة داريا ويحمّلونها حنينهم. يدندنون كلماتها ويتناقلون قصص منشديها وكتاب كلماتها. ويتفق ناشطون في داريا على أن أغنية “يا […]

“توثق الذاكرة بالـ أغنيات “. لكل منها زمنه وشخوصه يستعيدها مهجرو مدينة داريا ويحمّلونها حنينهم. يدندنون كلماتها ويتناقلون قصص منشديها وكتاب كلماتها.

ويتفق ناشطون في داريا على أن أغنية “يا أخيّا” أشهر أغاني المدينة التي كانت بمجملها تعتمد على اللحن البسيط والصوت الشجي لمنشدين قتل جزء منهم وهجر آخرون، واستلهمت كلماتها من أحداث عايشها الديرانيون في مساحة لا تتجاوز كيلومترات من المدينة المحاصرة والمنكوبة بين عامي ٢٠١٢ و٢٠١٦.

كتب “أبو عدنان برية” أغنية “يا أخيّا” في رثاء أخيه الشهيد، لكنه قتل أيضاً قبل أن تخرج أنشودته للعلن، ليقوم هيثم الحلبي بتلحينها وغنائها في رثاء الشهيدين الأخوين. تقول الأغنية في مطلعها “يا أخيّا يا أخيّا.. طبت ميتا طبت حيا.. يوم أن صرت شهيداً.. ضاقت الدنيا عليا” وكانت واحدة من الأغاني التي كتبت زمن الحصار. وأبو عدنان كان قبل موته شاباً طموحاً ومشروع شاعر، أسس في داريا مركزاً تعليمياً وقال ممازحاً يومها “من هنا سوف أتحكم بالعالم”. لكن رصاصة غادرة اختطفته في الأشهر الأخيرة قبل التهجير من المدينة.


لم تكن أغنية “يا أخيّا” الوحيدة التي خرجت من رحم التجربة إذ كان هناك مجموعة من الشبان على رأسهم “سليم أبو مصعب” يعملون جاهدين في ذلك الوقت لإنتاج أغان عن المدينة، في حين نجح أكبر لواء عسكري داخل المدينة بالتعاون مع فرقة فنية بإنتاج ثلاث أغنيات لاقت تجاوباً مماثلاً مع انتقاد واسع بسبب حجم الأموال التي أنفقت عليها.

سليم أبو مصعب -إنترنيت
سليم أبو مصعب -إنترنيت

في العام الرابع للثورة اتفق أبو مصعب مع المركز الإعلامي لمدينة داريا الذي يديره شاب يدعى (المايسترو)، على إنتاج أغنية مصورة بعنوان “سنقاتل”.

 

مثّل أبو مصعب فيها دور مقاتل يعيش يوميات المعارك في مدينة محاصرة من كل الاتجاهات. بدأت الأغنية التي كتبتها هدى صالح ولحنها ماجد سكري مع اللقطات الأولى للفيلم القصير وانتهت مع اللقطة الأخيرة.

 

كما شكلت أغنية “شام الوجع” التي لحنها عمارالديراني وغناها مع أبي مصعب بداية لمرحلة أفضل من حيث النوعية والإنتاج. لكن لم يكتب لها النجاح بسبب الأحداث العاصفة التي مرت بها داريا ثم وفاة جزء من أسرة أبي مصعب تحت أحد براميل الموت وأخيراً وفاة أبي مصعب نفسه خلال قتال النظام بحرب الشوارع داخل داريا.

قبيل استشهاده تواصل أبو مصعب مع هيثم الحلبي لإنتاج الأغنية، وافق الحلبي كما قال أبو مصعب لكنها لم تخرج للعلن بسبب استشهاده. ما جعل أبو عدنان برية يتواصل مع الحلبي طالباً أن يلحن قصيدته “يا أخيا” في رثاء أخيه وأبي مصعب، لكن حين أنتجت الأغنية كانت بمثابة رثاء للشهداء الثلاثة.

غنى أبو مصعب أيضا أغنية “صبي دماءك يا بلادي وافخري.. داريا مقبرة الطغاة فزمجري” التي كتبها ولحنها شاعر هاو يدعى أبو ربيع الديراني وهي من إنتاج مؤسسة “صيحة حرية”. كما كتب وغنى أنشودة أنا ابن مدينة داريا.. أنا ابن أبي وأبية” وهي منشورة على يوتيوب.

خرجت هذه الأغنيات من الأيام والأحداث الذي مرت بها داريا، في حين كتبت أغان عديدة وانتشرت على نطاق محدود عن داريا أو فصائلها ولم يكن لفناني المدينة أي علاقة مباشرة بها مثل الأغنيات الثلاث التي أنتجتها فرقة الوعد الشهيرة عن داريا ولواء شهداء الإسلام.

كان تأثر الشبان بهذه الأغنيات الثلاث مختلفاً عن تأثرهم بما غناه أبو مصعب وجهاد خولاني ومحمد الشوا وسمير أكتع عن مدينتهم. فقد انتشرت أغنية “وقف ع بواب البطولة” بين المقاتلين مع بعض النقد الذي وجه لقيادة اللواء والمكتب الإعلامي التابع للمجلس المحلي، حيث شاع حينها أن تكاليف إنتاجها بلغت 15 ألف دولار.

الأغنية الثانية التي أنتجتها فرقة الوعد كانت “احشد جندك في داريا” أما الثالثة فبدأت بـ “شعل نارك يا مقدام شعلها بجيش الحرمية. يا لواء شهدا الإسلام.. تفخر بلهيبك داريا” والأغنيتان الأخيرتان أنتجتا خاصة للواء شهداء الإسلام وبمبالغ مشابهة.

كانت هذه الأغنيات محط تندر بين الشباب في تلك الفترة بسبب تكاليفها المرتفعة مقارنة بالأغاني التي أطلقها منشدو المدينة، وقالوا إن إحدى الأغنيات ردت إلى الجهة المنتجة بسبب خطأ في لفظ كلمة داريا ما جعل الجهة تعيد إنتاجها من جديد.

بينما تنال الأغنية التي لحنها وغناها “سمير أكتع” ابن مدينة سلقين عن داريا الحصار والبراميل المتفجرة نصيب الأسد من التداول والنشر على حالات واتساب وقصص فيسبوك منذ التهجير وحتى يومنا هذا، حيث يردد المقاتلون بحنين يكوي الضلوع: “كبروا حان التكبير.. نحنا في زمن التحرير.. داريا أرض النفير. داريا يا رمز التحدي والصمود”.

لتبقى تلك الأغاني الرابط الأقوى لأهالي داريا بمدينتهم، وتكتب توثيقاً تاريخياً لفترة قد تكون من أهم الفترات التي عاشتها المدينة خلال عقود طويلة.