فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

أزمة البنزين في مناطق النظام -المصدر: انترنيت

أزمة البنزين في مناطق النظام.. رحلة طويلة وأسعار مرتفعة

هاني العبدالله

“اليوم لمّا وصل دوري عَ الكازية دمّعو عيوني! أكيد مو لأنو رح عبّي بنزين، أساساً أنا عم فكر بيع السيارة واشتري بسكليت، بس زعلت لأني رح فارق شباب قضّيت معهم […]

“اليوم لمّا وصل دوري عَ الكازية دمّعو عيوني! أكيد مو لأنو رح عبّي بنزين، أساساً أنا عم فكر بيع السيارة واشتري بسكليت، بس زعلت لأني رح فارق شباب قضّيت معهم أيام وليالي عشناها سوا عالحلوة والمرة ع دور البنزين”، كلماتٌ يتهكّم بها طلال سائق تكسي من سكان حي الميدان بدمشق ساخراً من الحال الذي وصل إليه الأهالي في ظل أزمة البنزين، والتي أجبرت السائقين على الانتظار على الطابور لساعاتٍ وربما أيام لملء بضع ليترات.

أزمة محروقات

تشهد مناطق النظام منذ أسبوعين أزمة للحصول على المحروقات، وذكرت مواقع موالية نقلاً عن مصادر من حكومة النظام، أن خروج مصفاة بانياس عن الخدمة بسبب الصيانة، وتراجع التوريدات الخارجية عاملان أساسيان وراء تلك الأزمة، التي قد تستمر حتى منتصف الشهر القادم.

ليست هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها مناطق النظام إلى ذات الأزمة، ففي نيسان من العام الماضي عانى الأهالي من قلة المحروقات، بسبب توقف إيران عن توريد الفيول. وفي كل مرة تشتعل فيها أزمة المحروقات ينشط عمل “تجار الأزمات” المرتبطين بالأسد، حيث يستغلون حاجة الناس إلى الوقود وعدم قدرتهم على الانتظار طويلاً لبيعها بسعرٍ مرتفع، حيث وصل سعر الليتر خلال الأيام الماضية في السوق السوداء إلى ألفي ليرة.

مشهد أمام محطة وقود

خلال انتظار طلال (سائق تكسي) على طابور البنزين أمام محطة المهايني بحي الميدان، أجرينا معه اتصالاً لنتعرف من خلال عمله الطويل كسائق تكسي على مدار عشرين عاماً، كيف شهدت أسعار البنزين ارتفاعاً متواصلاً إلى أن وصلت اليوم إلى حوالي ستمئة ليرة لليتر الواحد. وكيف كان يتعايش مع ذلك الارتفاع ومع أزمات الوقود التي كانت تشتعل بين الفينة والأخرى؟

يقول طلال “حين بدأت عملي كسائق تكسي في عام 2000 كان سعر ليتر البنزين خمسة وعشرين ليرة سورية فقط، وكانت تعبئة الوقود تتم بسرعة، فلم يكن هناك أي ازدحامٍ على محطات الوقود، وبالتالي كانت تلك المهنة تدرّ ربحاً جيداً على السائقين. وكانت تكلفة أي توصيلة ضمن مدينة دمشق تتراوح من خمسين إلى مئة ليرة، وبالتالي كانت تلك التسعيرة في متناول أغلب المواطنين، لدرجة أننا كنا نعتذر عن توصيل كثيرٍ من الركاب بسبب الضغط الكبير وحاجتنا للراحة”.

يضطر طلال لتعليق المكالمة حتى يتمكن من دفع سيارته أمتاراً قليلة للأمام باتجاه المحطة، فالحركة البطيئة على طابور البنزين، تدفع معظم السائقين إلى إيقاف محركات سياراتهم ودفعها بأيديهم كلما تحرّك الدور قليلاً حفاظاً على ما تبقى من وقود.

يعتذر طلال لتركنا ننتظر على الهاتف ليتابع حديثه وهو يتناول المعجنات التي حضّرتها له زوجته كوجبة غداءٍ، فالانتظار الطويل يتطلّب أن يصطحب السائق معه بعض الأطعمة والمشروبات.

التسعيرات القديمة ونظام العداد

“كانت العدّادات في تلك الفترة مُسعّرة ومقسّمة حسب طول المسافة، فالأجرة للمسافة القصيرة كانت تتراوح بين 15-25 ليرة، وللمتوسطة بين 35-50 ليرة، وللطويلة بين 80-150 ليرة، وفتحة العدّاد كانت تبدأ عند ثلاث ليرات. ورغم أن الأجرة التي كنا نتقاضاها ضئيلة، لكنها كانت تؤمن لنا دخلاً جيداً، مقارنةً بسعر البنزين وانخفاض أسعار مختلف السلع في تلك الفترة”.

يضيف “في كانون الثاني 2006، تلقينا صدمةً بعد إعلان رفع سعر البنزين من 25 ليرة إلى 30 ليرة، وهو ما اضطرنا لتقاضي 50% أو 100% زيادة فوق تعرفة العدّاد على بعض التوصيلات، وخاصةً أن التعديل على العدّادات الذي قامت به محافظة دمشق لم يكن منصفاً لنا، وفي تشرين الثاني 2007 ارتفع سعر البنزين مجدداً من 30 إلى 36 ليرة، ولم نكد نستفيق من الصدمة، حتى عادت الحكومة لرفع سعر الوقود مجدداً بعد خمسة أشهر، ليصح سعر الليتر الواحد 40 ليرة”.

وقال مسؤولو حكومة النظام حينها إن رفع سعر البنزين في آذار 2008 إلى 40 ليرة، يأتي في إطار تخفيض فاتورة دعم المشتقات النفطية التي تتكبّدها موازنة الدولة، وذكروا أن سوريا تستهلك سنوياً ملياري ليتر من البنزين، ومن شأن هذا الرفع المساعدة على ترشيد الدعم والاستهلاك معاً.

يتفقد طلال عدد السيارات التي تقف أمامه ليتأكد من مسير الدور بشكل صحيح ويتابع ارتفاع سعر ليتر البنزين لم يتوقف عند حاجز 40 ليرة، ففي عام 2010 تم رفع السعر مجدداً الى 44 ليرة، ولم تؤثر تلك الارتفاعات على عملنا بشكل كبير. لكن الارتفاعات التي طرأت على أسعار المحروقات بعد اندلاع الحرب في سوريا شكلت العقبة الأكبر أمامنا”.

قبل أن ينتهي حديثنا مع طلال انتهى البنزين من الكازية ما يعني أنه فشل لليوم الثاني على التوالي بتعبئة سيارته بالوقود، وعليه تركها مركونةً في مكانها ليعود في صباح اليوم التالي ويتابع مسير الدور.

الارتفاعات التي طرأت على سعر البنزين خلال الثورة

تقصينا عن الارتفاعات التي طرأت على سعر البنزين عقب اندلاع الثورة السورية، ففي نهاية 2011 أصبح سعر الليتر 50 ليرة، وفي كانون الأول 2012 ارتفع إلى 55 ليرة، ومن ثم عاد للارتفاع مجدداً في آذار 2013 بمقدار عشر ليرات، لتعود حكومة النظام بعد شهرين فقط وترفع السعر إلى 80 ليرة، ثم إلى 100 ليرة في تشرين الأول من العام نفسه، ثم ارتفع لـ 120 ليرة في نيسان 2014 مسجّلاً ارتفاعاً قياسياً خلال ثلاث سنوات بنحو 300%.

انفوغراف يوضح زمن أزمة البنزين في سوريا خلال السنوات العشرين الأخيرة
انفوغراف يوضح زمن أزمة البنزين في سوريا خلال السنوات العشرين الأخيرة

واشتدت أزمة المحروقات في العام ٢٠١٤ بعدما فقد النظام السوري السيطرة على معظم الحقول النفطية في شمال شرق البلاد، وبات يسدّ معظم حاجاته من المشتقات النفطية من خلال الاستيراد عبر الخط الائتماني الإيراني، وتناقص الإنتاج المحلي من النفط إلى ١٢ ألف برميل يومياً في العام ٢٠١٣ بعد أن وصل قبل اندلاع الثورة إلى نحو 380 ألف برميل يومياً.

وفي عام 2014 خفّضت حكومة النظام دعمها للمشتقات النفطية بنسبة ثمانين في المئة، لاسيما بعدما خسر الأسد غالبية الحقول النفطية وأبرزها مجموعة حقول دير الزور الأكثر إنتاجاً في البلاد، حيث سيطر عليها تنظيم داعش في صيف 2014، كما تأثرت الصادرات النفطية للنظام بالعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي عام 2011 على البترول والغاز، احتجاجاً على قمع الأسد للاحتجاجات التي اندلعت بشكلٍ سلمي حينها.

في تشرين الأول 2014 ارتفع سعر البنزين مجدداً من 120 ليرةً إلى 140، وبعد شهر واحد انخفض السعر إلى 135 ليرةً، ليعود للانخفاض مرة ثانية الى 130 ليرة في كانون الثاني 2015، ويرجع سبب خفض النظام أسعار المحروقات، إلى تراجع أسعار النفط عالمياً إلى 60 دولاراً للبرميل في تلك الفترة، الأمر الذي ساهم في انخفاض أسعار مشتقاته، علماً أن سعر الدولار بالسوق السوداء حينها كان يساوي 212 ليرة سورية.

عاد طلال إلى سيارته في صباح اليوم التالي حيث تركها في طابور البنزين، وقد اتخذ قراراً بالتوقف عن العمل كسائق تكسي في حال لم يتمكن من ملء سيارته بالوقود فقد تعطّل عمله لثلاثة أيام، وهو مصدر رزقه الوحيد وفي رقبته زوجة وثلاثة أطفال، بحاجةٍ إلى طعامٍ وشرابٍ وحاجيات أساسية.

أجرينا اتصالاً جديداً بطلال وسألناه هل استفاد السائقون حين انخفض سعر البنزين مرتين في 2014 فأجاب بكل بساطة لا، وبرر ذلك قائلاً: “سعر صرف الدولار وصل حينها إلى أكثر من 200 ليرة، وتسبّب في غلاء أسعار السلع، بمافيها تكلفة صيانة السيارة، إضافةً إلى أن محطات الوقود شهدت حينها ازدحاماً كبيراً، خشية ارتفاع سعر البنزين مجدداً، وهذا كان يضطرنا لإضاعة ثلاث أو أربع ساعات من وقتنا أمام محطة الوقود، وهذا كلّه يُنقص من أجرتنا اليومية”.

انخفاض أسعار البنزين لم يدم طويلاً، ففي منتصف نيسان 2015 عادت حكومة الأسد إلى رفع سعر الليتر الى 140 ليرة، مبررةً سبب هذه الزيادة لارتفاع سعر النفط العالمي وانخفاض الإنتاج المحلي، وبعد شهرين فقط زاد سعر الليتر مجدداً بمقدار عشر ليرات، وفي مطلع آب 2015 ارتفع السعر من 150 إلى 160 لليتر الواحد.

الكارثة الأكبر بحسب وصف طلال كانت في حزيران 2016، حين قرر النظام رفع سعر البنزين الى 225 ليرة بدلاً من 160 ليرة، أي بنسبة أربعين في المئة، وبذلك اًصبحت أي توصيلة ضمن العاصمة لا تقل عن 500 ليرة سورية، وهذا سبّب عزوف كثيرٍ من الناس عن ركوب التكسي ولجؤوا إلى السرافيس أو الدراجات الهوائية، ما أثر بشكلٍ كبيرٍ على دخلنا، وصرنا نتفق مسبقاً على الأجرة مع الراكب ولم نعد نعمل على نظام العداد”.

وفي نيسان 2019 أعلنت حكومة النظام لأول مرة، بيع البنزين بالسعر الحر عبر كازيات متنقلة، والتي تعتبر أولى خطوات رفع الدعم عن المادة، حيث تم تحديد سعر ليتر البنزين نوع “أوكتان 95” بـ 600 ليرة سورية، و(أوكتان 90) بـ 425 ليرة، على أن يتم تعديلها شهرياً وفق السعر العالمي، بينما بقي سعر البنزين المدعوم بـ 225 ليرة.

البطاقة الذكية لم تحل المشكلة

وقام النظام بإصدار ما يسمى “البطاقة الذكية”، حيث يحصل بموجبها كل شخص يملك سيارة خاصة على 20 ليتراً بالسعر المدعوم كل خمسة أيام، و20 ليتراً كل يومين لسيارات الأجرة العمومية، فضلاً عن ثلاث ليترات كل خمسة أيام للدراجات النارية، وفي آذار الماضي، رفع الأسد سعر البنزين “أوكتان 90” المدعوم من 225 الى 250 ليرة، وغير المدعوم لـ 450 ليرة، بينما حدّد سعر البنزين “أوكتان 95″، بـ 575 ليرة لليتر الواحد.

بعد ثلاثة أيام من الانتظار تمكن طلال أبو الفوارس من تعبئة خزان سيارته بـ 20 ليتراً فقط، وهي الكمية المخصصة لسائقي السيارات العمومية كل يومين، وفي حال أراد تعبئة أكثر عليه شراء الليتر بالسعر الحر 575 ليرة، ليكتفي بالعشرين ليتراً ويتجه للعمل، بعد أن أنهى رحلة البحث الشاقة عن البنزين، والتي لن تكون الأخيرة، فبعد نفاد الكمية التي لديه سيكون على موعدٍ مع رحلةٍ جديدة، قد تكون أكثر تعقيداً في حال اشتدّت أزمة المحروقات أكثر خلال الأيام القادمة.