فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

ازدحام السيارات أمام احدى محطات الوقود في دمشق/ أ ف ب

أزمة البنزين المفتعلة في مناطق النظام “رفع للدعم أم تثبيت للسيطرة”

هاني العبدالله

يرى المحلل الاقتصادي يونس الكريم إن “أزمة البنزين مفتعلة من قبل نظام الأسد لعدة أسباب، ففي شهر نيسان من عام 2008، حصلت أزمة بنزين خانقة تعمد النظام افتعالها بغية تخفيض الدعم عن البنزين وهو ما ساهم في ارتفاع سعره حينها”، مؤكداً أن “النظام يعاود اليوم نفس السيناريو الذي حصل في 2008، بغية خفض الدعم مجدداً عن البنزين، فالدعم على المحروقات قبل 2011 كان يصل إلى 25 مليون دولار يومياً، أما اليوم يصل الدعم إلى 2 مليون و180 ألف دولار، وربما يسعى لإزالة الدعم الكامل لاحقاً، وهذا يتيح له الحصول على قرض من البنك الدولي مقداره 21 مليار دولار، ما يساهم في دخول شركات متعددة الجنسيات للاستثمار في سوريا، وهذا في المجمل يدرّ أموالاً ضخمةً على النظام ويساعده كذلك على تعويم نفسه دولياً”.

لاتزال حكومة النظام عاجزة عن إيجاد حلّ جذري لتأمين معظم الخدمات الأساسية في مناطق سيطرتها، كـ “الغاز والكهرباء”، والتي كان آخرها اندلاع أزمة الوقود المستمرة منذ ما يزيد عن الشهر، وسط تنبؤات بأزمات لاحقة.

ومع اعتراف مسؤولي النظام بوجود نقص في كميات الوقود، مبررين ذلك بالعقوبات الاقتصادية وعمليات التهريب، بعد أن إنكارهم لوجود أزمة في البداية، إلّا أن الحلول التي تم اجتراحها أثبتت عدم نجاعتها، واقتصرت على تخفيض الكمية المسموح بها للسيارات والحافلات.

أزمة مفتعلة

شهدت مناطق النظام حالة تذمر من قبل الموالين سببتها أزمة البنزين المستمرة، والذين تساءلوا عن عجز الحكومة في حل تلك الأزمة رغم استعادته لعدد من آبار النفط، إضافة إلى السخرية من الإعلام الرسمي الذي تحدث عن عودة الحياة إلى طبيعتها.

ازدحام السيارات أمام احدى محطات الوقود في دمشق/ انترنت
ازدحام السيارات أمام احدى محطات الوقود في دمشق/ انترنت

ويرى المحلل الاقتصادي يونس الكريم إن “أزمة البنزين مفتعلة من قبل نظام الأسد لعدة أسباب، ففي شهر نيسان من عام 2008، حصلت أزمة بنزين خانقة تعمد النظام افتعالها بغية تخفيض الدعم عن البنزين وهو ما ساهم في ارتفاع سعره حينها”، مؤكداً أن “النظام يعاود اليوم نفس السيناريو الذي حصل في 2008، بغية خفض الدعم مجدداً عن البنزين، فالدعم على المحروقات قبل 2011 كان يصل إلى 25 مليون دولار يومياً، أما اليوم يصل الدعم إلى 2 مليون و180 ألف دولار، وربما يسعى لإزالة الدعم الكامل لاحقاً، وهذا يتيح له الحصول على قرض من البنك الدولي مقداره 21 مليار دولار، ما يساهم في دخول شركات متعددة الجنسيات للاستثمار في سوريا، وهذا في المجمل يدرّ أموالاً ضخمةً على النظام ويساعده كذلك على تعويم نفسه دولياً”.

 

ويستدل الكريم في وجهة نظره “أن الإعلان عن وجود أزمة بنزين جاء بشكلٍ مفاجئ، حيث كان بإمكان حكومة النظام تدارك الأمر من خلال الاحتياطي الذي لديها لكنها لم تفعل ذلك، إضافةً إلى أن المؤسسة العسكرية لم تعاني من أزمة محروقات، وهي مؤشرات تدل أيضاً على افتعال أزمة غير موجودة أصلاً”.

ويكمل الكريم أن “الأسد لم يُدخل إيرادات آبار النفط التي سيطر عليها ضمن موازنة الدولة، وإنما يضعها في خزائنه، ولاسيما الآبار في جنوب غرب الرقة وبادية تدمر وريف حمص وبعض مناطق دير الزور، ويتحدث إعلامياً دوماً عن الحد الأدنى لإنتاج تلك الآبار، رغم أن إنتاجها أعلى بكثير، فعلى سبيل المثال تدّعي حكومة النظام أن إنتاج حقل الشاعر النفطي ألفي برميل، لكن طاقته الفعلية 13 ألف برميل”.

“العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام من أميركا ودول أوروبا والتي تمنع النظام من استيراد المحروقات ساهمت أيضاً في خلق أزمة البنزين، إضافةً إلى أن الليرة السورية شهدت تراجعاً كبيراً خلال الأيام الماضية ووصلت إلى حوالي 600 ليرة مقابل الدولار، وهذا انعكس سلباً كذلك على أزمة البنزين”، بحسب الكريم.

ازدحام السيارات أمام احدى محطات الوقود في دمشق/ انترنت
ازدحام السيارات أمام احدى محطات الوقود في دمشق/ انترنت

من جهته قال الخبير في الشأن الاقتصادي محمد بكور إن “فقدان نظام الأسد الكثير من حقول النفط، كان أحد الأسباب التي ساهمت في عدم قدرته على حل أزمة البنزين حتى الآن، حيث تقع أغلب آبار النفط الموجودة شرق الفرات تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركياً، ويواجه الأسد صعوبةً في التنسيق معها لشراء النفط كما كان يفعل خلال سيطرة تنظيم داعش على تلك الآبار”.

وأضاف بكور لــ فوكس حلب أن “قسد قامت قبل أيام بإغلاق معبر الصالحية البري في دير الزور الواصل بين مناطق سيطرتها ومناطق النظام، حيث يُشكّل هذا المعبر الشريان البري الرئيسي لتبادل النفط بين الطرفين عبر مجموعة (القاطرجي)، وهذا سينعكس سلباً بشكل أكبر على أزمة البنزين الحاصلة في مناطق سيطرة الأسد، علماً أن الأخير كان يشتري النفط من داعش خلال فترة سيطرته على آبار شرق الفرات بأسعارٍ زهيدة، وذلك لأن التنظيم لا يستطيع تصريف إنتاج النفط خارجياً”، لافتاً إلى أن “سيطرة الأسد على مساحات واسعة من سوريا، كانت عاملاً سلبياً، إذ بات اليوم مطالباً بإعادة تأهيل تلك المناطق وتوفير الخدمات لها، وهذا يتطلب مبالغ ماليةً ضخمةً ترهق النظام المتهالك أصلاً، إضافةً إلى أن الأخير كان يقوم بسرقة المساعدات القادمة الى المناطق المحررة ويفرض إتاوات ضخمة على البضائع التي كانت تدخل الى تلك المناطق، وهذا كلّه خلق أزمات اقتصادية بينها أزمة البنزين”.

روسيا وإيران تعمّقان جراح الأسد

ومع استمرار تواصل أزمة البنزين، زاد تساؤل الموالين، عن سبب عدم تقديم روسيا وإيران أي دعم اقتصادي لنظام الأسد، أو إمداده بالمحروقات لإنقاذه من تلك الأزمة.

ازدحام السيارات أمام احدى محطات الوقود في دمشق/ انترنت
ازدحام السيارات أمام احدى محطات الوقود في دمشق/ انترنت

وفي هذا السياق قال يونس الكريم إن “إيران تعمّدت وقف إمداد النظام بالمحروقات منذ 20 تشرين الأول الماضي للضغط عليه وإجباره على تنفيذ التفاهمات بين إيران وسوريا وتحويلها إلى عقود فعلية، لكن الأسد يرفض حتى الآن، ويُفضّل منح كل الامتيازات لروسيا”.

وأضاف الكريم أن “إيران تحرم الأسد من المحروقات، بغية الضغط على الحاضنة الشعبية الموالية لروسيا والرافضة للتواجد الإيراني في سوريا، بينما تسعى روسيا في المقابل للضغط عن طريق إسرائيل، لمنع وصول شاحنات النفط الإيرانية إلى سوريا عبر البحر أو البر، بهدف زعزعة العلاقة بين طهران ودمشق”، يضاف إلى ذلك “خوف الأسد من التمرد الأمني للميليشيات الإيرانية المنتشرة في سوريا، كذلك إثارة حنق روسيا الداعم الأهم لبقائه، ما يجعل الصراع في سوريا خارج قرارات الأسد وحكومته”.

أزمات لاحقة تلوح في الأفق

لم تكن أزمة البنزين الوحيدة التي تشهدها مناطق النظام، فطوال فصل الشتاء الماضي، عانى السكان من أزمة خانقة في الغاز والمازوت والذي ترافق معه زيادة ساعات التقنين الكهربائي، ما جعل السكان يتخوفون من أزمات لاحقة تعصف بهم وتضاعف معاناتهم.

وحذر نبيل صالح عضو في “برلمان الأسد”، الأهالي في مناطق النظام، من أن الأيام القادمة ستكون أكثر سوء مما تشهده اليوم تلك المناطق من أزمة خانقة في المحروقات، وعجز واضح من حكومة الأسد في تأمين الاحتياجات المعيشية للمواطنين، وحتى تأمين حاجة المؤسسات والدوائر الحكومية من المحروقات لمركباتها.

سوريون ينتظرون وصول دورهم في محطات الوقود/انترنت
سوريون ينتظرون وصول دورهم في محطات الوقود/انترنت

ودعا صالح، في حديثه لوسائل إعلام موالية، الأهالي إلى التأهب والتحضّر لما أسماه “فن الاقتصاد المنزلي وشد البطون وبراغي العقول”، مضيفاً “قانون (سيزر) سيضاعف الحصار خلال أيام قليلة، ورغم ذلك لا يوجد خطط حكومية واضحة ولا إعلام شفاف”.

ويرى يونس الكريم أن ” افتعال أزمة البنزين يهدف إلى تخفيض الدعم عن هذه المادة تمهيداً لرفع الدعم بشكل كامل عنها وبيعها في الأسواق بالسعر العالمي، وهذا مؤشر أن رفع الدعم سيطال اساسيات أخرى وعلى رأسها مادة الخبز الذي لا يزال يباع بـ 50 ليرة حتى اللحظة”

بدوره قال محمد بكور إن “الأزمات في المستقبل القريب لن تقتصر على المحروقات، وإنما سنشهد انهياراً أكبر في سعر صرف الليرة السورية، وقد تهبط لمستويات قياسية غير مسبوقة، ستساهم في ارتفاع الأسعار بشكل جنوني”.

أزمة مستمرة

يقول أيمن من سكان ضاحية قدسيا في دمشق إن “قلة كميات البنزين دفعت سائقي التكسي لرفع أسعار الطلبات دون محاسبة، وبنفس الوقت لا نستطيع الاعتراض على السعر الذي يطلبونه، فكثيرٌ من السائقين مرتبطين بمخابرات النظام أو من الشبيحة، لذلك صرنا نصعد بالتكسي وفق نظام (تطبيق الركّاب)، أي يقوم سائق التكسي بتجميع أربعة ركاب متجهين إلى نفس المكان، ويتم تقاسم الأجرة بينهم”.

وأضاف أيمن “ما زاد الطين بلّة، قيام سائقي السرافيس برفع الأجرة أيضاً، فأجرة الراكب الواحد من جسر الرئيس وسط دمشق إلى ضاحية قدسيا، أصبحت ٣٠٠ ليرة سورية، بعد أن كانت ١٠٠ ليرة فقط”

وقال يونس الكريم إن “أزمة البنزين مستمرة ربما لستة أشهر أو أكثر، وذلك في ظل إيقاف الواردات من إيران إلى النظام السوري، كما أن الأسد يواجه صعوبة في الحصول على البنزين من لبنان والأردن، إضافةً إلى سوء الوضع الاقتصادي في الأصل للنظام بالتزامن مع انخفاض سعر صرف الليرة السورية”.

سوريون ينتظرون وصول دورهم في محطات الوقود/انترنت
سوريون ينتظرون وصول دورهم في محطات الوقود/انترنت

وأشار الكريم إلى أن “ترويج إعلام النظام على أن أزمة البنزين انتهت مجرد تضليل إعلامي، وتراجع الضغط على بعض الكازيات هو حالة مؤقتة ونتيجة انخفاض السيولة المالية للسكان، ولجوء البعض الآخر إلى شراء البنزين الحر بدلاً من الوقوف لساعات في طوابير البنزين، فضلاً عن تكيّف الغالبية مع أزمة البنزين، ولجوئهم إلى حلول بديلة كالمشي أو ركوب المواصلات العامة، كما تكيّفوا سابقاً مع القطع المتواصل للكهرباء”.

وقام النظام قبل شهر بتخفيض كميات البنزين المخصصة لكل مواطن عبر نظام “البطاقة الذكية”، من 20 ليتر يومياً إلى 20 ليتر كل يومين، ومن ثم أصبحت كل خمسة أيام.

وأصدر نظام الأسد هذا الأسبوع، قائمة جديدة بالمخصصات من مادة البنزين للآليات الخاصة والدراجات النارية والسيارات العمومية وغيرها، وتم تخصيص (100 لتر) شهرياً للآليات الخاصة و(25 لتر) للدراجات النارية المرخصة بسعر 225 ليرة سورية، بينما خُصص (350 لتر) للسيارات العمومية، وهي كميات غير كافية ما سيجبر السكان على الشراء من السوق السوداء.

كما أشارت وزارة النفط في حكومة النظام أن كل كمية تزيد عن الكمية المحددة بشريحة الدعم تباع بقيمة / 375 / ليرة سورية لليتر الواحد وهو سعر (متغير تبعاً لسعر التكلفة)، وكان موقع “هاشتاغ سوريا” الموالي نشر قبل حوالي شهر خبراً يخص هذه الدراسة وتم اتهامه حينها بأنه يروج لإشاعة سببت ازدحاماً واختناقاً على محطات البنزين.