فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

بائع تمر هندي

“يا سمرة يا تمر هندي “

مصطفى أبو شمس

لبائعي التمر الهندي في قرع الكؤوس وغسلها بالماء طرق فنية، كرشق الماء للأعلى والتقاطه داخل الكأس، والتنغيم بصوت طرق الكؤوس النحاسية مع المناداة على شرابهم بألفاظ اخترعوها (قرب يا حباب لعندي، أنا عندي التمر هندي) و (أنا بياع الطيب، أنا بياع الهنا.. أنا ملك التمر هندي). أو حوروها من أغانٍ فلكلورية شهيرة كـ “يا سمرة يا تمر هندي يا أطيب مشروب عندي / كل ما بقلا سقيني شوي/ بتقلي ما عندي مي / المي مقطوعة يا أفندي”

تراجعت صناعة مشروب الـ تمر هندي وبيعه في الأسواق السورية نظراً لمشاكل كثيرة، بدءً من صعوبة استيراده الذي كان في الغالب يأتي من أسواق الهند والسودان، إلى غلاء السكر وماء الزهر، إضافة إلى ظهور بائعي التمر الهندي الجدد “عديمي الخبرة” الذين يستخدمون “الظروف الصناعية” في تحضيره بدلاً من الطريقة التقليدية، وتخليهم عن اللباس الفلكلوري الذي ارتبط بهذه المهنة، كذلك القربة أو إبريق التمر الذي تحول إلى براميل زرقاء وأكياس من النايلون ترصف على الطرقات.

يعد التمر الهندي أحد المشاريب الرمضانية المميزة، الذي يمثل ارتباطاً وثيقاً بالذاكرة مع الأسواق في المدن السورية، يجذبك بائع التمر الهندي بلباسه التقليدي الفلكلوري المتمثل بالطربوش والصدرية والشالة والشروال والكسرية، ويستخدم الطربوش لأخذ النقود من الزبائن ووضعها على الرأس كتقدير للنعمة، هذا اللباس اعتمد في عام 1980 بعد أن كان اللباس التقليدي قبل ذلك عبارة عن صدرية بيضاء وطاقية من القش، بحسب أبو أحمد(55عاماً) أحد بائعي التمر الهندي.

وعن أصل هذه المهنة يقول أبو بشير ملك التمر الهندي في دمشق، وهو من أصول حلبية انتقل إلى دمشق عام 1958، في مقابلة له مع جريدة الشرق الأوسط إنه من أدخل التمر الهندي إلى دمشق وحوله إلى ظاهرة جماعية تباع في الأسواق، بعد أن كان يصنع في البيوت بطريقة تقليدية يغلب عليها “الطعم السيء”، على حد وصفه، لضعف خبرة صانعيه. مؤكداً أن التمر الهندي دخل إلى مدينة حلب بهذه الطريقة في الصناعة على يد خمسة رجال من الطائفة الأرمنية، تعلم منهم أبو بشير أو “أبو حلب” كما كانوا ينادونه في أسواق دمشق، ليطلق عليه فيما بعد لقب ملك التمر الهندي.

ويشرح أبو بشير طريقة تحضير التمر هندي “ننقع الثمار المجففة في الماء، ونتركها حتى المساء، وفي الصباح نضعها في الأوعية بعد عصرها حسب الأوزان. سابقا كان يأتينا من الهند في صناديق كبيرة (قفف)، وليس (باكيتات) مغلفة، كما هو الحال في السنوات العشرين الأخيرة، ثم نضيف الماء البارد المحلى بالسكر إليها ونقوم بعصرها ثم تصفيتها عبر منخل ناعم لتنقيتها من التفل والشوائب ونضيف لها ماء الزهر”.

أما عن القربة النحاسية أو إبريق التمر الهندي، فيقول أبو أحمد إن “هذه القربة تطورت من القربة التي كان يستخدمها من يمتهنون مهنة السقا في القرن الثامن والتاسع عشر، لتأخذ شكلها النحاسي الحالي، وهي مؤلفة من خمسة قطع: الرأسية والبطن والزنبوعة وفي أعلى الرأس العصفور ثم القشاط أو المحمل، الذي يوضع في داخله حفر نضع فيها الكؤوس والإبريق الذي نغسلها بمائه، وهو إبريق من الألمنيوم، ورشاشة الورد التي نضع في داخلها ماء الزهر”.

ولبائعي التمر الهندي في قرع الكؤوس وغسلها بالماء طرق فنية، كرشق الماء للأعلى والتقاطه داخل الكأس، والتنغيم بصوت طرق الكؤوس النحاسية مع المناداة على شرابهم بألفاظ اخترعوها (قرب يا حباب لعندي، أنا عندي التمر هندي) و (أنا بياع الطيب، أنا بياع الهنا.. أنا ملك التمر هندي). أو حوروها من أغانٍ فلكلورية شهيرة كـ يا سمرة يا تمر هندي يا أطيب مشروب عندي / كل ما بقلا سقيني شوي/ بتقلي ما عندي مي / المي مقطوعة يا أفندي”

تغيب معظم هذه المظاهر عن الأسواق اليوم، فلا تجد منها سوى ما علق في ذاكرتك أو ما تراه على شاشة التلفاز، فيبدو المشهد مغايراً بعد أن احتلت البراميل الزرقاء الشوارع بدلاً من القربة النحاسية وغاب اللباس التقليدي وحتى المذاق الأصيل للتمر الهندي ما جعل الكثير من الناس يعودون إلى إحياء صناعته في المنازل، يقول محمد الأحمد (أحد سكان مدينة إعزاز) إنه عزف عن شراء التمر الهندي من السوق “فمعظم الموجود في الأسواق خفيف وليس حلو بالطريقة السليمة وقليل حموضة ومخلوط ماء”، أما أبو علي (نازح إلى إدلب) فقد اتهم البائعين بتحضير التمر هندي عن طريق “الظروف الصناعية” وبيعه على أنه “صناعة يدوية بيتية”، وهو ما دفعه لصناعة التمر الهندي في بيته رغم “العذاب والتعب”، بعد أن فقد الشراب المرصوف في الطرقات مذاقه ونكهته.

ومشروب التمر هندي مشروب قديم عرف منذ زمن الفراعنة وعرفه العرب باسم “الحُمَر والحَوْمر” يقول داود الأنطاكي عنه، التمر الهندي: هو الصبار والحمر والحومر وهو شجر كالرمان وورقه كورق الصنوبر لا كورق الخرنوب الشامي وللتمر المذكور غلف نحو شبر داخلها حب كالباقلاء شكلآ ودونها حجمآ، يكون بالهند وغالب الإقليم الثاني ويدرك أواخر الربيع، أما اسمه تمر هندي فهو اسم تركي بحسب موسوعة حلب الكبرى لخير الدين الأسدي.

تمر هندي يباع في أسواق إدلب
تمر هندي يباع في أسواق إدلب

وله فوائد طبية كثيرة وتعود أقدم وصفة طبية للـ تمر هندي إلى بردية “ايبرز” الطبية الفرعونية، ضمن وصفة علاجية لطرد وقتل الديدان في البطن. وقد وصف أطباء الفرس القدامى منقوع التمر الهندي شراباً لعلاج بعض امراض المعدة والحميات الناشئة عنها ثم عرفت أوروبا هذه الفوائد العلاجية عن طريق العرب الذين حملوا معهم التمر الهندي أثناء الفتوحات الإسلامية، قال عنه ابن سينا “التمر الهندي ينفع مع القيء والعطش في الحميات ويقبض المعدة المسترخية من كثرة القيء. يسهل الصفراء والشراب من طبيخه قريب من نصف رطل ينفع الحميات”

وبينت الدراسات الحديثة احتواء التمر الهندي على نسبة عالية من البروتين والكربوهيدرات والمعادن كالفوسفور والكالسيوم، كذلك يمد الجسم بالألياف التي تحد من زيادة الكوليسترول ويستخدم كخافض للحرارة وليس له أعراض جانبية.