فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

توقفت مشاريع إحيائه منذ مدة: نهر قويق ..مستنقع للمياه العادمة ومقر للقواعد العسكرية

فريق التحرير

                                                      توقفت عملية ضخ المياه إلى نهر قويق منذ عام 2011 من محطة الجرّ القادمة من نهر الفرات، كذلك تغذيته بالمياه المعالجة من محطة الشيخ سعيد، إضافة إلى جفاف […]

                                                     

توقفت عملية ضخ المياه إلى نهر قويق منذ عام 2011 من محطة الجرّ القادمة من نهر الفرات، كذلك تغذيته بالمياه المعالجة من محطة الشيخ سعيد، إضافة إلى جفاف الينابيع التي كانت أحد مصادر جريانه، ليعود النهر إلى سابق عهده قبل عام 2008، كمصب للمياه العادمة من الصرف الصحي ومخلفات المعامل، ما أدى إلى توقف المشاريع الزراعية في ري واستصلاح نحو (197 ألف هكتاراً) من سهول ريف حلب الجنوبي، وتراجع الزراعة المروية فيها وغمر قسم كبير منها بمياه الصرف الصحي في نقطه مصبه المعروفة بـ “السيحة”، وانتشار الأمراض والأوبئة.

الحكومة التركية والمسؤولية التاريخية

ينبع نهر قويق من مدينة عينتاب التركية، ويمر في أراضيها بمسافة 19 كيلو متراً، قبل دخوله إلى الأراضي السورية بمسافة 110 كيلو مترات، وهو المصدر الأهم لمياه الشرب والصرف الصحي في مدينة حلب، إلّا أن الحكومة التركية ومنذ عام 1950 أوقفت ضخ المياه إلى الأراضي السورية بعد إنشائها لسد على مجراه بالقرب من عينتاب وتحويل مجراه إلى أراضيها، وذلك خلافاً لاتفاق (فرانكلين – بويون) والذي أقر في 20 تشرين الثاني 1921 بين تركيا وفرنسا (خلال حقبة الانتداب السورية)، والذي نص توزيع مياه نهر قويق بين مدينة حلب والمنطقة الشمالية الجديدة التي آلت إلى تركيا توزيعاً عادلاً ومتساوياً يرضى عنه الجانبان.
كذلك ساهم جفاف الينابيع، وأهمها (العين البيضا –عين التل –والعين المباركة)، في تحول النهر المصنف من (أنهار الأحواض المغلقة) إلى انعدام جريانه بشكل شبه كلي، إذ أصبح عبارة عن واد سيلي يعتمد على مياه الأمطار ومخلفات الصرف الصحي يصب في سبخة المتخ الواقعة في الجنوب الغربي من مدينة حلب بالقرب من قرية العيس.

مجرى نهر قويق
مجرى نهر قويق

مشروع إعادة إحياء وتأهيل نهر قويق

في الخامس من كانون الثاني 2008، تم افتتاح مشروع إعادة وتأهيل نهر قويق وذلك بجرّ 4 م3/ثا عبر قناة “شبة منحرفة مكسوة بالبيتون”، ذات تدفق يصل إلى حوالي 90م3/ثا تستجر مياهها من بحيرة الأسد (خلف سد الفرات)، تروي بنحو 100 مليون م3 سنوياً سهول ريف حلب الجنوبي، كما تضمن المشروع إنشاء سد تخزيني في موقع خزان خان طومان بسعة (70 مليون م3) لاستصلاح 20 ألف هكتاراً من أراضي جنوب حلب، وتجفيف 22 ألف هكتاراً في منطقة “السيحة” المغمورة بالمياه، واستصلاح 65 ألف  هكتاراً من سهول القرى الجنوبية، و 10 آلاف هكتار بالقرب من خزان مويلح.

ويتألف المشروع من محطة ضخ “البابيري”، وقناة من الاسمنت المسلح بطول 245 كم، ومحطة للضخ بطول 6.6كم قطرها 1.7، وخط لإسالة المياه بطول 12.5 كم، ومنشأة قريبة من حي حندرات لإسقاط المياه بشكل شلالي.

عودة النهر إلى سابق عهده وانحسار الزراعة

توقف الضخ عبر المشروع منذ عام 2011، وذلك بسبب تغير السيطرة العسكرية في هذه المناطق، خاصة في محطة ضخ البابيري (في مسكنة شرق حلب) والتي سيطرت عليها الفصائل المسلحة التابعة للمعارضة ثم داعش تلتها قوات سوريا الديمقراطية، وتخضع منذ عامين لسيطرة قوات النظام السوري. كذلك توقف الضخ على النهر من محطة الشيخ سعيد لمعالجة مياه الصرف الصحي والتي بنيت في العام 2002 وتسيطر عليها قوات النظام أيضاً.

يقول المهندس الزراعي على الناجي لــ “فوكس حلب” إن توقف الضخ أدى إلى تقلص المساحات المزروعة، خاصة في الصيف، والعزوف عن زراعة المحاصيل التي تستهلك كميات كبيرة من المياه كـ القطن والشمندر السكري “أهم مزروعات ريف حلب الجنوبي”، وإبدالها بمحاصيل زراعية أخرى “بعلية” لا تحقق الجدوى الاقتصادية للمزارعين التي كانت تقدمها الزراعات السابقة، أو ترك أراضيهم دون زراعتها مطلقاً.

الري من مياه نهر قويق العادمة بريف حلب الجنوبي
الري من مياه نهر قويق العادمة بريف حلب الجنوبي

يكمل المهندس أن 80% من الأراضي في المنطقة كانت تعتمد في ريها على مجرى نهر قويق، وهي الآن متوقفة، ويفرّق بين المحاصيل في الشتاء والتي تأثرت بشكل أقل بسبب تواجد المياه في النهر نتيجة الأمطار، والمحاصيل في الصيف التي تأثرت بنسبة كبيرة كـ (الذرة الصفراء وعباد الشمس والقرع والقثاء والخيار والبطيخ والجبس، والخضروات التي كانت تزرع على نطاق ضيق لتحقيق الاكتفاء الذاتي وليس للتسويق، والبطاطا التي توجه بعض المزارعين بسهل المتخ لزراعتها لتوفر المياه صيفاً وعزفوا عن زراعتها بعد انقطاع الضخ).

انحسرت هذه الزراعات، واقتصر مواسم المزارعين على القمح والشعير والكمون “تزرع بعلياً ويقدر إنتاجها مقارنة بالمروي بنسبة 2 إلى 10″، ما انعكس سلباً على الناتج المحلي ودخل المزارع الذي استغنى عن الزراعة في الصيف إلّا في الأراضي القريبة الواقعة على أطراف النهر في محيط قرى العيس والزربة وزيتان، إذ تتم سقايتها من المياه المتبقية في النهر والمياه العادمة التي أعيد جريان تصريفها فيه عبر “نشالات” تعمل على الجرار الزراعي، كما انتشرت زراعة الذرة البيضاء بكثرة بسبب قلة استهلاكها للمياه إضافة لسعرها الجيد، يقول المهندس الزراعي “محمد عيسى الخلف”.

احدى سواقي نهر قويق
احدى سواقي نهر قويق

يكمل الخلف أن نسبة قليلة من أصحاب الأراضي اتجهوا نحو الري عبر الآبار السطحية كحل بديل بكلفة عالية بسبب غلاء أسعار الوقود، كذلك عدم كفاية مياهها التجميعية لري كل المحصول، وهو ما دفع معظم المزارعين لهجر أراضيهم والبحث عن مصادر دخل جديدة لتأمين قوت يومهم.

المزارعون يؤكدون

يقول علي التركي وهو مزارع في ريف حلب الجنوبي إن الزراعة المروية تراجعت في عموم السهول الجنوبية من حلب، والتي كانت تمثل سلة غذائية للمدينة وما حولها بعد سنوات من الازدهار، فتوفر مياه الري النظيفة عبر مشروع إحياء النهر في السابق ساهمت في إدخال محاصيل وصفها بـ “الاستراتيجية والمربحة”، كـ “القطن والشمندر السكري”، كما ساهمت في رفع الكفاءة الإنتاجية لباقي المحاصيل، واتساع رقعة الأراضي المستصلحة والمستثمرة من قبل الفلاحين.

كان الهكتار الواحد من القطن يطرح نحو ثلاثة إلى خمسة أطنان بتوفر المياه، أما القمح فيصل إلى ستة أو سبعة أطنان، بحسب التركي، ومع انقطاع المياه توقف محصول القطن نهائياً، وتراجع انتاج القمح إلى الثلث.

خليل الشعار (أحد المزارعين وهو مساعد مهندس زراعي ويملك صيدلية في قرية العيس بريف حلب الجنوبي) يقول إن المزارعين استفادوا من مياه النهر خلال تدفقها بدورتين زراعتين، وذلك عبر زراعة المحاصيل في الصيف بعد الانتهاء من حصاد المحاصيل في الشتاء “بعد حصاد القمح باكراً لصناعة الفريكة، والشعير والفول يلجأ معظم الفلاحين لزراعة الخضار والبطاطا، وكذلك القطن التركي المعروف بإنتاجه الجيد ودورته الزراعية القصيرة”، كما أن وجود المياه التي وصفها بـ “النظيفة” خلال فترة جريان النهر وإغلاق تدفق مجارير الصرف الصحي من مدينة حلب إليها، وتحويلها إلى محطات معالجة بالقرب من الشيخ سعيد لتنقية المياه وإعادة طرحها قلل من الأمراض والآفات التي تصيب المحاصيل.

المزارع أحمد الحميدي قال إن الزراعة المروية اليوم تتركز فقط في الأراضي المحاذية للنهر، والتي يروي أصحابها محاصيلهم من هذه المياه المختلطة بالصرف الصحي بعد إعادة صبّها من قبل المؤسسات المعنية في حلب التي تخضع لسيطرة النظام في النهر، كذلك اعتماد القرى التي تسيطر عليها المعارضة على مجرى النهر لتصريف المياه العادمة في مجراه أيضاً.

قويق بين إيران وقوات النظام

منذ شهر تشرين الأول في العام 2015 سيطرت قوات النظام مدعومة بالميليشيات الإيرانية على مناطق واسعة بريف حلب الجنوبي، وبات مجرى النهر الخط الذي يفصلها تقريباً عن مناطق المعارضة، يقول المقدم معتز العبد (وهو ضابط منشق عن قوات النظام ويتبع للمعارضة) إن الميليشيات الإيرانية سيطرت في نهاية عام 2015 على سد خان طومان والمعروف باسم (شغيدلة) الواقع غرب قرية عبطين بالقرب من جبل عزان، والذي أنشئ ضمن مشروع إعادة إحياء النهر بهدف حبس مياه المطار في الشتاء من أجل ري الأراضي الزراعية التي تغمرها “السيحة” وتقدر بعشرين ألف هكتار، كما تعتبر محمية طبيعية للطيور المهاجرة.

 

يتابع العبد إن القوات الإيرانية حولت السد إلى مقر لعملياتها العسكرية، ونشرت في محيطه عدداً من مرابض المدفعية وراجمات الصواريخ التي تستهدف سكان القرى المجاورة، ما أدى لنزوح قسم كبير منهم.

ويبلغ طول السد ثلاثة كيلو مترات من الشمال إلى الجنوب، وهي منطقة محصنة تحتوي على أبنية من الإسمنت المسلح، وقامت القوات الإيرانية مؤخراً بحفر أنفاق في محيطها، كذلك أقبية تحت الأرض لحماية قواتها المتواجدة هناك، وبذلك توقف العمل في السد وقطعت كافة إمداداته المائية، بحسب العبد.

“علي شلاش” وهو موظف سابق في مشروع التنمية الريفية في جبل الحص جنوب حلب يقول إن القوات الإيرانية سيطرت على مقر المشروع في العام 2018، وحولته إلى قاعدة عسكرية، يتابع شلاش إن قوات النظام قامت بإيقاف ضخ المياه عن طريق عنفات التحويل الموجودة في منطقة عين التل بالقرب من مشفى الكندي منذ عام 2011، والتي أوقفت تدفق النهر إلى سهول ريف حلب الجنوبي، واستخدام المياه كورقة ضغط في الحرب ضد السكان، ما ساهم إلى حدّ كبير في نزوح الفلاحين عن أراضيهم للبحث عن مصدر رزق جديد، واعتماد من بقي منهم على الزراعة البعلية أو الآبار القليلة، كذلك قامت قوات النظام بطرح منجرفات الصرف الصحي في النهر حاملة معها الأوبئة والأمراض سواء للسكان أو المحاصيل الزراعية، ليعود النهر إلى “الذبول” بحسب وصف شلاش و “مرتعاً للحشرات والأوبئة”.

المرة الوحيدة التي أعيد فيها ضخ المياه لنهر قويق من قبل قوات النظام كانت في 29/1/2013 ليحمل مع مياهه نحو 200 جثة لأشخاص كان النظام قد اعتقلهم في مدينة حلب، إذ استخدم النهر كوسيلة لطمس جريمته وإيصال الجثث إلى ذويهم في الطرف الآخر الذي تسيطر عليه قوات المعارضة، يقول عباس الموسى (محامي وأحد الذين وثقوا الحادثة) إن “220 جثة لأشخاص بينهم نساء وأطفال مكبلي الأيدي إلى الخلف بعضهم مقيدي الأرجل ومكممي الأفواه تم انتشالهم من سرير النهر على مدي أيام من قبل فرق الدفاع المدني والمتطوعين وأبناء المنطقة في الفترة الممتدة من نهاية كانون الثاني وحتى آذار من عام 2013”.

تجمع مياه نهر قويق ومصبها في "السيحة"
تجمع مياه نهر قويق ومصبها في “السيحة”

تقلصت المساحات المزروعة في مناطق جنوب حلب لعدة عوامل كان آخرها سيطرة قوات النظام والميليشيات المساندة له على مساحات شاسعة من الريف خصوصاً منطقتي تل الضمان والحص، بسبب العمليات العسكرية في مطلع عام 2018 التي عرفت بمعارك شرق السكة، لتبقى قرابة 30 قرية من أصل ما يزيد عن 350 قرية في منطقة جنوب حلب بيد المعارضة، وتقع هذه القرى بين ما يعرف بغرب السكة وأوتوستراد حلب دمشق الدولي ضمن المناطق منزوعة السلاح بحسب اتفاق الدول الضامنة في سوتشي وآستانه، إلّا أنها تشهد استهدافات يومية وتضييقاً على السكان الذي يعمل معظمهم في الزراعة بعد استخدام المياه كورقة ضغط لإجبارهم على المصالحة أو النزوح، وتحويل مجرى النهر إلى مياه عادمة تصب فيها مجارير الصرف الصحي ومخلفات الدباغات ومناشر الحجر والمعامل، والمياه غير المعالجة من محطة الشيخ سعيد بما تحمله من مواد سامة ومعادن ثقيلة تترك أثرها على الواقع الزراعي، كذلك احتمال انهيار السواتر الترابية  التي صنعها المزارعون في منطقة السيحة “مصب النهر” والتي ستغمر في حال انهيارها مساحات شاسعة من أراضي القرى والبلدات المحيطة بها.