فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

إدلب.. مدينة تحت الأضواء بعد سقوط الأسد

علا المصري

أهالي إدلب يشعرون بالسعادة لرؤية لوحات سيارات من دمشق وطرطوس واللاذقية، فالمحافظة المنسية أصبحت أخيرًا مقصدًا لكثير من السوريين

بعد تناولها وجبة العشاء في مطعم قُرب ساحة الساعة، تتجول الدمشقية غزل، للمرة الأولى، في الشوارع القريبة من دوّار الكرة في مدينة إدلب. ملامح الدهشة ترتسم على وجهها لما تراه من إنارة للطرقات وتنظيمٍ للسير رغم اكتظاظ الشارع بالمارّين، فهي لم تتوقع أن تكون إدلب التي استقبلت مهجرين بأعداد كبيرة بهذا المشهد.

تحاول غزل أن تحفظ ملامح المدينة التي صمدت في وجه نظام الأسد طيلة السنوات الماضية، تتأمل الأبنية والمحال التجارية. تقول إنها لاحظت أن الخدمات تتوفر في إدلب أكثر من العاصمة دمشق من ناحية تنظيم السير وتوفر الكهرباء والمستلزمات كلها. أكثر ما أثار دهشتها هو أن وجبة العشاء التي تناولتها لم تُكلّفها إلا ما قد تدفعه كأجرة تاكسي في أحد تنقلاتها ضمن دمشق.

تواصل غزل سيرها نحو شارع المحافظة بالقرب من دوار السبع بحرات. تتوقف للحظات لمشاهدة ما تعرضه شاشة الإعلانات المضيئة قرب إشارة المرور على الشارع العام، “تذكرت أننا لسنوات لم نشاهد سوى صور الأسد المخلوع على لافتات الإعلانات في دمشق” تخبرنا غزل.

الطرق المعبدة في المدينة وتوزيع المحال التجارية المنظم وتفاصيل أخرى جعلت غزل تتذكر تصريحًا نقلته وسائل إعلام عن وزير النقل السوري السابق في حكومة تصريف الأعمال بهاء الدين شرم، يصف فيه البنية التحتية للطرق في دمشق بأنها مهيأة لعام 1960 وليس للعام 2025، فهي ما تزال على حالها منذ ذلك الحين، حسب قوله.

صورة جوية لمدينة إدلب، نيسان 2025- تصوير: علا المصري.
صورة جوية لمدينة إدلب، نيسان 2025.

غزل واحدة من أربعين شابًا وشابًة سجلوا في رحلة نظمها مكتب سفريات في مدينة دمشق لزيارة مدينة إدلب، منهم من نزل ضيفًا عند أحد أصدقائه، في حين حجز آخرون غرفًا في أحد الفنادق التي يتعاون معها صاحب مكتب السفريات المنظّم للرحلة.

“لابد لزائر مدينة إدلب من المحافظات الأخرى أن يبدأ رحلته بأخذ صور تذكارية عند دوار المحراب” تسرد غزل موضحة أن عبارة “سوريا لكل السوريين” المكتوبة على جداريته أشعرتها ومن معها بالسعادة، فقبل سقوط نظام الأسد كان الانحدار من منطقة محسوبة على المعارضة، أو حتى من ديانة معينة، يتسبب لصاحبه بمضايقات أمنية على الحواجز أو في المؤسسات الحكومية.

تميم أحد الشبان القادمين من دمشق في الرحلة ذاتها، استأجر غرفة في فندق صح النوم في مدينة الدانا شمالي إدلب مع بعض الأصدقاء. دفع تميم مقابل مبيت ليلة واحدة عشرة دولارات، وهذا ما أثار استغرابه. يقول إن فرقًا كبيرًا بالسعر بين هذا الفندق الذي يوفر خدمات الإنترنت السريع والحمام الساخن والتدفئة بهذه القيمة، في حين تستقبل فنادق دمشق النزلاء بقيم مختلفة أقلها 20 دولاراً بخدمات ضعيفة جدًا وتصل أعلى قيمة إلى ما يقارب 250 دولار.

تفتقر مدينة إدلب للفنادق، فـ فندقها الشهير الذي يحمل اسم الكارلتون الواقع على يمين طريق أريحا، والذي تم افتتاحه عام 2000 لاستقبال السيّاح والفعاليات الرسمية والشعبية، مدمر منذ سنوات. بني هذا الفندق على قطعة أرض خاصة، اشتراها مستثمر دمشقي اسمه، سامر العطار، ونفذ عليها هذا البناء الذي رخّص على أنه قطاع مشترك بين وزارة السياحة وشركات مساهمة، كان العطار أحدها، بحسب أحد سكان المنطقة نقلًا عن صديقه المؤرخ الراحل فايز قوصرة.

الفندق كان يتألف من خمسة طوابق فيها ستون غرفة وزع عليها 120 سريرًا، وفي صالاته 254 كرسيًا. سابقًا كان يضم صالة للأفراح ومطعماً وحمّاماً عربياً وصالات ألعاب ومسبحاً وشلالات صناعية، إلى جانب احتوائه على كافيه غاردينيا.

خلال السنوات الأولى من الثورة تحوّل الفندق إلى مقر لمنظمة الهلال الأحمر السوري. وفي عام 2017 تم استهدافه بصاروخ اخترق ثلاثة طوابق منه، ما أدى تدميره، وفي عام 2020 استعملته منظمة “سيما” مع انتشار وباء كورونا مركزًا لعزل المرضى. ومنذ سنتين تحول الجزء الخلفي منه إلى مقهى ثقافي تحت مسمى “كتاب كافيه”.

صورة جانبية لمبنى الكارلتون في مدينة إدلب، نيسان 2025.
صورة جانبية لمبنى الكارلتون في مدينة إدلب، نيسان 2025.

في  مدينة الدانا تتنافس عدة فنادق لإرضاء زبائنها، حسب ما يسوق أصحابها على صفحات التواصل الاجتماعي، فندق صح النوم الذي أقام فيه تميم يتيح للزائر خزنة لوضع الأمانات من أموال وممتلكات أثناء خروجه للتنزه والتعرف على المدينة، كما يوفر كراجًا لركن سيارات النزلاء مجانًا. يخبرنا أنه شاهد تجّار سيارات يبيتون في الفندق بعد شرائهم لسيارات أوروبية من السوق الحرة في باب الهوى بمدينة سرمدا قبيل انطلاقهم إلى دمشق وحلب للتجارة.

زيارة مولات مدينة الدانا الواقعة على الطريق الزراعي كانت على قائمة الأماكن التي سيقصدها تميم وأصدقاؤه. يضم شارع المولات مجموعة من المتاجر الكبيرة، منها مول الجلوم، مول الحميدية، المول الصيني، مول التلل، مول رويال، مول الزهراوي، سوق الحرير، ستار مول، الفاتح توب، مول الحمرا ومول فينيسيا المفتتح حديثًا والمجاور لمول الذهب المخصص لبيع المصوغات والسبائك الذهبية.

هذا الشارع صار مقصدًا لرواد مواقع التواصل الاجتماعي وصناع المحتوى الذين راحوا يتجولون فيه محاولين شرح تفاصيله للمتابعين، لكثرة الصدى الذي لاقاه بسبب تطور بنائه وتنوع بضائعه وانخفاض أسعاره مقارنة بالأسعار في باقي المحافظات. كان ذلك قبل أن تبادر الإدارة السورية الجديدة لتوحيد الرسوم الجمركية في جميع المعابر دون امتيازات مناطقية، فارتفعت الأسعار في إدلب وانخفضت في باقي المحافظات، لكنها صارت موحدة بعد القرار.

شارع المولات شهد ازدحاماً شديدًا منذ اليوم الأول لإعلان سقوط نظام الأسد، لكن ليس بالضرورة أن يكون كل عابريه يمرون به بقصد التسوق، ففي نهايته مفارق تأخذ المسافر إلى بحر كبير من المخيمات مثل مخيمات دير حسان وقاح ومشهد روحين. كثير من الناس قصدوا المنطقة للقاء ذويهم وأقاربهم الذين حرموا من رؤيتهم خارج شاشات الجوالات.

يقول محمد نجار، مدير مول الحمرا لـ فوكس حلب: “استقبل المول أكثر من ٢٥ حافلة (بولمان) بداية سقوط نظام الأسد، يكون ذلك عبر التنسيق مع مكاتب السفر في مدنهم، كما تصل أعداد كبيرة أخرى من الزوار بوساطة سياراتهم الخاصة”.

الألبسة والكهربائيات والأجهزة الذكية والمأكولات والأدوات المنزلية، كلها متوفرة بماركات مختلفة، يقول تميم لوالدته عبر اتصال فيديو ينقل فيه تفاصيل جولته التي لم تمر دون شراء هدية لها وألبسة العيد له. يقول إن سعر ما اشتراه ربما يعادل نصف القيمة لو اشتراها نفسها من أسواق دمشق، فأسعار بعض المنتجات هناك لم تضبط بعد رغم خفض الرسوم الجمركية.

صورة جوية لساعة مدينة إدلب، نيسان 2025.
صورة جوية لساعة مدينة إدلب، نيسان 2025.

سائقو سيارات الأجرة كان لهم نصيب وافر من سماع آراء زوار إدلب. أبو وليد واحد من السائقين الذين يتجهون إلى كراج مدينة إدلب كل صباح. يحرص على شرب فنجان القهوة الصباحي على أنغام أغنية “ارفع راسك فوق أنت سوري حر”. كثير من الزائرين يأتون على شكل وفود ينقلهم أبو وليد إلى مكاتب منظمات إنسانية أو جمعيات للتخطيط لمشاريع مشتركة وبناء شراكات، “بحسب ما يدور بينهم من نقاشات” يشرح أبو وليد.

طوال العقد الأخير افتقدت شوارع مدينة إدلب لهذا التنوع بعد أن قطع نظام الأسد جميع الطرق المؤدية إليها وسعى لتشويهها في أذهان السوريين، فوصمها بالتطرف والإرهاب، “هذا ما استطاعت الثورة السورية كسره” برأي أبو وليد الذي اعتبر أن وعي وإرادة السوريين كانت أقوى مما توقع الأسد.

يشعر أبو وليد بالسعادة لرؤية أسماء معظم المحافظات السورية على لوحات السيارات في شوارع إدلب مثل دمشق وطرطوس واللاذقية وحمص وحماة، بعد أن اعتاد الأهالي على رؤية السيارات المسجلة بلوحات إدلب وحلب فقط. وبرأيه فإن اسم المحافظة المنسية يذكر اليوم كل بيت سوري، كما أنها دخلت التاريخ الحديث الذي لن يستطيع أحد طمسه.