علي فاتو، الملقب “أبو محمد النهر”، نسبة إلى موقع منزله المحاذي لنهر الوادي الأزرق في قريته التي تتبع لـ صلنفة في ريف اللاذقية والتي تحمل الاسم نفسه. اضطر للنزوح من بيته رفقة والدته المسنّة وأطفاله الخمسة، منذ تشرين الثاني 2015. واليوم يسعى للعودة إليه للاستمتاع بجمال الطبيعة التي افتقدها في مخيم السلاطة بقرية الحنبوشية في الريف الغربي لمدينة جسر الشغور.

يستعيد أبو محمد ذكريات قريته قبل النزوح: “منذ أن بدأت الثورة عام 2011 وحتى 2015، “كانت قريتنا تتعرض للقصف، تتساقط البراميل والقذائف حولنا، مع ذلك كنا سعداء، لأننا كنا نعيش في بيوتنا”.
مع اشتداد الحرب، انقطعت الكهرباء والمياه عن القرية، لكن أبو محمد لم يستسلم. يقول بفخر: “ابتكرت مولدة كهرباء تعمل على الماء. استوحيت فكرتها من طاحونة قمح بناها أجدادي كانت تعمل بالطريقة نفسها”.
فرحة أبو محمد لم تدم طويلاً، فقد سرقت قوات الأسد معدات المولدة التي صنعها، إلا أنه عازم على صنع أخرى خلال أسبوع.
طاحونة القمح لم تكن مجرد آلة، بل إرث عائلي له رمزيته العميقة. يشرح أبو محمد: “عمرها مئة عام وهي الوحيدة في سوريا التي تعمل على الماء”. لكن الحرب لم ترحم شيئًا، فقد دُمّرت الطاحونة. رغم ذلك يصرّ أبو محمد على بنائها من جديد.


يعرف أبو محمد كيف يتعامل مع الطبيعة لحماية نفسه وعائلته مستفيدًا من خبرته ببناء المنازل من الحجر. يخبرنا أنه حفر مغارة في الوادي قبل سنوات للاختباء فيها من قصف الطائرات.
بعد النزوح، أدرك أبو محمد قيمة أشياء لم يكن يُعرها اهتمامًا، مثل الماء والحطب. فتزويد الماء لأهالي المخيمات يحسب باللتر، في حين كان يعيش على ضفة النهر. أما الحطب فصار يشتريه بالقطعة بعد أن كان وفيرًا وبالمجان.

عند نافذة منزله في المخيم، ينظر أبو محمد إلى الأفق مستذكرًا كلمات السياح الذين كانوا يزورون قريته في الصيف: “نيالك على هالسكنة” يقول: “كنت استغرب من كلامهم ولم أشعر بقيمة السكن في حضن الطبيعة إلا بعد أن فقدته”.

لم يكن أبو محمد يتوقع أن تكتب له العودة إلى بيته، لذلك كان يحدث أولاده عن قريته وبيته، وعن الشجر والأراضي. وكان يفكر بأن يرسم المعدات التي صنع منها المولدة، حتى يستطيع أولاده تركيبها في حال عادوا مستقبلًا.
عند سؤاله عن عمره يبتسم أبو محمد قائلًا: “ماني كبير والله يا عمي، الشيب اللي بدقني مانو من الكبر. الشيب من الهم، والظلم، والنزوح اللي عشناه…”

























