فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

واشنطن أوقفت المساعدات.. وأهل الشمال السوري يبحثون عن حلول

أميمة محمد

توقفت المساعدات الأمريكية بقرار مفاجئ من إدارة ترامب، فكيف هو الحال اليوم في مخيمات المهجرين في إدلب؟

“الإخوة الكرام.. للأسف تلقينا إخطارًا رسميًا من الجهة المانحة بإنهاء مشروعنا فورًا، وبالتالي فإن اليوم 27 شباط 2025 هو آخر يوم لتقديم الخدمات في مخيم أطمة. نأسف لهذا الأمر الخارج عن إرادتنا، و نشكركم على تفهمكم”. هذه الرسالة وجهتها منظمة الأيادي الخضراء للمستفيدين من خدماتها، وهي واحدة من المنظمات الإنسانية المتضررة من قرار إيقاف المساعدات الأمريكية شمالي غرب سوريا.

إدارة ترامب كانت قد أصدرت قراراً ، يوم الأربعاء 26 شباط الماضي، بإلغاء أكثر من 90% من عقود المساعدات الخارجية للوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID و60 مليار دولار من إجمالي المساعدات الإنمائية والإنسانية الأميركية في مختلف أنحاء العالم.

جاء هذا القرار بعد أكثر من شهر على قرار ترامب بتعليق الخدمات لإجراء مراجعة مدتها تسعون يومًا لتحديد برامج المساعدات الخارجية التي تستحق الاستمرار، وقطع بذلك جميع أموال المساعدات الخارجية عن الأنشطة المتعلقة بالالتزامات أو صرف المساعدات المالية الفيدرالية دون سابق إنذار.

آثار واضحة

معظم الخدمات التي تقدمها منظمات غير حكومية في مخيمات شمالي غرب سوريا تأثرت بالقرارات الأمريكية، فتوقفت مشاريع طبية و أنشطة الكاش والمياه والإصحاح وترحيل النفايات، وهي خدمات أساسية لا يمكن الاستغناء عن أي منها.

العديد من المنظمات الكبرى في المنطقة أعلنت عن تعليق العمل، منها منظمتي “الأيادي الخضراء” و “أكتد” الفعالتين في مخيمات أطمة وقاح شمالي إدلب، وتقلصت المشاريع بشكل عام عن منظمات محلية وعالمية، كذلك تأثرت مؤسسات ومواقع إعلامية.

في طريقها إلى مدرسة مخيم خان شيخون في تجمع الكرامة بمنطقة قاح شمالي إدلب، تلاحظ المعلمة فداء، 30 عامًا، أن أكوام القمامة تتراكم أكثر فأكثر أمام أبواب خيام المهجرين، وتتناثر في الشوارع الضيقة يومًا بعد يوم. مشهد القمامة المتراكمة بدأ يظهر في الأسبوع الأول من شهر شباط الفائت، كذلك بدأت أصوات المهجرين تعلو اعتراضًا على تقليل نسبة المياه الموردة للمخيمات، وهذا ما بررته منظمة الأيادي الخضراء بتعليق التمويل من الجهات المانحة.

المنظمة عبرت في منشور لها عن أسفها من تخفيض كميات المياه الموردة إلى المخيم حتى إشعار آخر، إلا أنها لم تقطع أمل المستفيدين من استئناف الأنشطة، على عكس ما حدث نهاية الشهر نفسه بعد أن انقطعت الخدمات كلياً بقرار مفاجئ من الإدارة الأمريكية.

نسبة الخدمات التي توقفت عن المخيمات نتيجة تخفيض الدعم من قبل الجهات المانحة للمنطقة  كبيرة جداً، وتأثر مئات الآلاف من المهجرين في المخيمات، بحسب محمد دراوشة، رئيس دائرة أطمة في مديرية الشؤون الاجتماعية. “لا حلول بديلة في الوقت الحالي” يقول دراوشة، إلا أن دائرة أطمة ستعمل على إجراء تقييم كامل للواقع الإنساني في المخيمات التي توقف عنها الدعم وخاصة خدمات برنامج المياه والصرف الصحي والنظافة العامة (Wash).

دراوشة أكد أن المؤسسة ستشارك ملف تقييم الاحتياج مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في دمشق من أجل وضع خطة لحل هذه المشكلة وفق الأمور المتاحة، بالإضافةً إلى حشد جهود مكتب تنسيق العمل الإنساني والجهات الإنسانية من أجل عودة خدمة تزويد المياه.

من هي USAID؟

الأنشطة التي توقفت هي أنشطة للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID‏، وهي وكالة تابعة لحكومة الولايات المتحدة الفيدرالية، ومسؤولة في المقام الأول عن إدارة المساعدات الخارجية المقدمة للمدنيين، وتسعى لمساعدة الشعوب التي تعاني لتحسين ظروف معيشتهم وللتعافي من الكوارث، بحسب المهندس مصطفى، مدير مشروع عامل في منظمة تنموية فضل عدم ذكر اسمه الصريح لأسباب تتعلق بعمله.

تعرف الوكالة عن نفسها بأنها تعمل في أكثر من مئة دولة لتعزيز الازدهار الاقتصادي المشترك على نطاق واسع، وتعزيز الديمقراطية والحكم السليم، وحماية حقوق الإنسان، وتحسين الصحة العالمية، وتقديم الأمن الغذائي والزراعة، وتحسين الاستدامة البيئية، ومواصلة التعليم، ومساعدة الجمعيات على الصراعات والتعافي منها، وتقديم المساعدة الإنسانية في أعقاب الكوارث الطبيعية والكوارث من صنع الإنسان.

ساهمت الولايات المتحدة، وهي أكبر جهة مانحة منفردة للمساعدات الإنسانية استجابة للأزمة السورية، بحوالى 1,2 مليار دولار للاستجابة لما يحصل في سوريا وتداعياته في المنطقة في السنة المالية 2024، بالإضافة إلى أكثر من 18 مليار دولار منذ بدء الأزمة منذ 13 عامًا. بحسب بيان صحفي صدر عن مكتب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية في 26 أيلول 2024.

تقدم هذه المساعدات، حسب ما ورد في البيان، من خلال منظمات دولية شريكة للمساعدة في تلبية احتياجات الأكثر ضعفًا من بين اللاجئين والنازحين والمجتمعات المضيفة. وتضم هذه الاحتياجات الإيواء الطارئ، المساعدات الغذائية، الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم، مستلزمات المياه والصرف الصحي والنظافة، دعم مصادر الرزق، وحماية من يعيشون في حالات ضعف. “كل هذه الخدمات تأثرت بقرارات إدارة ترامب”، يقول المهندس مصطفى.

عمليات الدعم السابقة تكون من خلال شراكات مع منظمات غير حكومية دولية ومحلية فيما تعمل مع الحكومات الإقليمية لتوفير الدعم المنقذ للحياة والحماية للمجتمعات المضيفة واللاجئين وطالبي اللجوء، وفق البيان.

الحلول الفردية لا تكفي

لم تعد سيارة ترحيل القمامة تجول طرقات المخيم الضيقة بعد أن كانت تفعل ذلك صباح كل يوم، ما تسبب بتراكم القمامة بين الخيام وانبعاث الروائح الكريهة. زاد الوضع سوءاً بسبب عبث أطفال بالأكياس بحثاً عن قطع حديد أو بلاستيك لبيعها. تخبرنا أم عبد الله التي تعيش في أحد مخيمات تجمع الكرامة.

تجمع مخيمات الكرامة في منطقة قاح هو واحد من أكبر تجمعات النازحين في الشمال السوري، ويضم حوالي 55 مخيمًا جميعها تضرر بعد القرار الأمريكي الذي أدى لتوقف مشاريع منظمة أكتد الداعمة لهم، ما جعل الناس يتخوفون من الوضع الحالي ومن العبء المادي الجديد الذي يترتب عليهم من انتشار الأمراض نتيجة تراكم القمامة.

توضح أم عبدالله أن معظم الأهالي لا يملكون وسائل نقل ولا قدرة مادية على دفع أجور سيارة وعمال النظافة بشكل متكرر، ويلجأ من يقتني دراجة نارية لنقل أكياس القمامة خاصته إلى خارج المخيم، إلا أن هذا الحل الفردي لا يعالج المشكلة.

“حتى وإن نقل الأهالي أكياس القمامة فهم يتسببون بمشكلات قد تكون أكبر من تركها في مكانها” يقول أحمد الحلاق مدير مخيم نور الشام في تجمع مخيمات الكرامة بقاح، فـ “البعض يرمي الأكياس في أراض زراعية على مقربة من المخيم، وهذا يوقع السكان في مشكلة أخرى”.

يعي الحلاق أن الوضع يحتاج لجهود كبيرة قبل اقتراب فصل الصيف وتكاثر الذباب والحشرات، مؤكداً أن المخيم الذي يديره واحد من مخيمات كثيرة انقطع عنها الدعم، غالبية قاطنيها لا يستطيعون العودة لمناطقهم في الوقت الحالي، فمنهم من تهدم منزله ومنهم من ينتظر انتهاء المدارس ليفكر بحلول بديلة.

الماء وخدمات أخرى

تحتاج عائلة أم عبد الله المكونة من ستة أشخاص، هي وزوجها وأربعة أطفال، لبرميل ماء يوميًا بالحد الأدنى، للشرب والاستخدامات المختلفة من غسيل واستحمام وأعمال التنظيف، تقدر أم عبدالله تكلفتها الشهرية بـنحو 500 ليرة تركية. “إنه مصروف إضافي لم يكن بالحسبان” تقول.

قرار وقف الخدمات الفوري الذي أخطرت به منظمات إنسانية عاملة في الشمال السوري كان مفاجئاً، وجاء بعد أيام من حضور الحلاق اجتماعًا لمديري المخيمات ومنظمات عاملة في المنطقة بالإضافة لجهات حكومية، لدراسة الوضع الحالي للمخيمات التي توقف عنها الدعم.

يقول الحلاق: “وعدونا أنهم سيستأنفون ضخ المياه لكن بكمية أقل من السابق، أما بالنسبة لترحيل القمامة خارج المخيمات وخدمة الإصحاح وإصلاح أعطال شبكات الصرف الصحي فلا حلول قريبة تلوح في الأفق”.

الحلاق الذي حاول إيجاد حلول بالتعاون مع أهالي المخيم من خلال تقاسم التكلفة مع السكان لنقل النفايات خارج المخيم يتساءل: “الناس لا يملكون ثمن الخبز فكيف لهم بتحمل تكاليف جديدة؟”. يناشد الحلاق الجهات المعنية والسلطات المحلية لأخذ تدابير تخفف من الوضع الذي يصفه بالكارثي.

القطاع الطبي خارج الخدمة

يؤكد من التقيناهم من الأهالي في مخيمات واقعة على الحدود السورية التركية  بأنهم يعتمدون على المشاريع التي تقدمها المنظمات الإنسانية من خدمات طبية وإصحاح وتوعية ومساعدات غذائية ومشاريع كاش ومواد تدفئة وغيرها، وأن تقلص المشاريع الطبية تحديدًا يهدد حياتهم ويزيد حالتهم سوءً أكثر مما هي عليه.

المستشفى الوطني وعدة مستشفيات أخرى في مدينة إدلب توقف عنها الدعم، كذلك مستشفى الكنانة بمدينة دارة عزة ومستشفى النور في مدينة تفتناز التابعان لمنظمة ريليف إنترناشونال، بالإضافة لمستشفى حارم العام التابع لمنظمة SDI ومستشفى الإخاء في أطمة التابع لمنظمة سيما.

مستشفى باب الهوى على الحدود السورية التركية المدعوم من الجمعية الطبية السورية الأمريكية (سامز) إحدى المستشفيات التي توقف عنها الدعم بشكل كامل بعد قرار الإدارة الأمريكية، بحسب الدكتور ياسين العلوش المدير التنفيذي لمستشفى باب الهوى.

يقول العلوش: “علقنا العمل لمدة أسبوع و اضطررنا لاستئناف تفعيل خدمة الطوارئ والحالات الإسعافية المهددة للحياة على أمل أن تتحقق وعود شفوية نتلقاها من داعمين، نتمنى أن تنفذ بأقرب وقت وإلا سيتم إغلاق المستشفى نهائيا”. المستشفى استطاع تأمين التكلفة التشغيلية منتصف شهر شباط من متبرع من الهلال القطري يكفي لنهاية الشهر فقط، وهي لا تفي بالغرض  بسبب الحاجة الملحة والشديدة لاستقبال المرضى بشكل مستمر في المنطقة، بحسب العلوش.

“يستقبل المستشفى حالات تحويل لمرضى من المحافظات الأخرى، فهو مركزي لما يحتويه من اختصاصات نادرة مثل الجراحة العصبية والمجهرية وجراحة الأطفال والأورام والجراحة البولية والعينية وزراعة الحلزون وغيرها” يقول العلوش.

القيمة التشغيلية للمستشفى يقدرها العلوش بحوالي 250 ألف دولار شهريًا، ويبلغ عدد العاملين فيه قرابة 450 موظفاً، ويستقبل شهريًا ما بين 17-18 ألف مريض و 31 ألف مراجع، فيما يتراوح عدد العمليات الجراحية شهريًا ما بين 1200-1500 عملية من بينها نحو 500 عملية إسعافية، ويجري مركز غسيل الكلى أكثر من ألف جلسة غسيل في الشهر.

“حملة المناصرة الإعلامية التي أطلقتها إدارة المستشفى لم تثمر” يشرح العلوش معتبرًا أن الوضع سيكون كارثيًا في حال توقفه عن الخدمة، لوجود نحو مليوني نازح ليس باستطاعتهم العودة لبيوتهم قبل أقل من عامين، فضلًا عن المرضى الوافدين من المحافظات الأخرى بينهم مرضى الأورام والجراحة العامة والعصبية والأطفال، مؤكدًا على أن الكادر يعمل بشكل تطوعي لخدمة المرضى دون رواتب أو تدفئة.

تحليل وانتقاد

في مقال للكاتب بين فيشمان، وهو محلل سياسي،  نشر على الموقع الإلكتروني لمعهد واشنطن للدراسات في الشرق الأوسط  يقول: “في سوريا يتحتم على واشنطن أن تتبنى نهجًا جديدًا لدعم البلاد خلال مرحلة تحولها العميق بعيدًا عن حقبة الأسد، بدلًا من السعي إلى قطع المساعدات. فالولايات المتحدة لديها مصلحة أمنية قومية واضحة في تقديم مساعدات عاجلة ومشروطة بشكل معقول في مجال الحكم للقيادة الجديدة والفاعلين المحليين خلال سعيهم لإرساء ترتيب مستقر بين الفصائل في البلاد”.

كما ذكر فيشمان أن الحكومة الأمريكية أنفقت نحو 5.6 مليار دولار لدعم برامج الصحة والرعاية الاجتماعية وغيرها من برامج المساعدات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنة المالية 2022/23. وأن إلغاء شبكة الأمان هذه قد يقوض الاستقرار الاجتماعي في الدول الحليفة للولايات المتحدة. وذكر أن استفادة سوريا من المساعدات الاقتصادية الأمريكية كان بقيمة 900 مليون دولار.

استثناء لم يفِ بالغرض

قبل ما يقارب الشهر من إيقاف المساعدات الإنسانية، أعلن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو عن إعفاء للمساعدات الإنسانية المنقذة للحياة خلال فترة توقف مدتها تسعون يومًا للمساعدات الخارجية. شمل هذا الاستثناء في البداية المساعدات العسكرية المقدمة لإسرائيل ومصر، ثم الغذائية في جميع أنحاء العالم.

أنشطة ترحيل القمامة وضخ المياه ومشاريع صرف القسائم الغذائية، والخدمات الطبية في مؤسسات مذكورة لم تفعل رغم صدور الاستثناء، وبعض الأنشطة التي استؤنفت تقلصت ثم انقطعت أخيرًا بعد قرار الإيقاف، في وقت لم يشهد أي مخيم حلول حكومية إسعافية رغم المناشدات.

منظمات حقوق الإنسان طالبت إدارة ترامب بمراجعة القرارات تجنباً لكارثة إنسانية، كما ألزمت المحكمة الجزئية الأمريكية الإدارة بالإفراج عن مليارات الدولارات من المساعدات الخارجية بحلول منتصف ليل الأربعاء 26 شباط الفائت. إلا أن المحكمة العليا تدخلت في القضية في وقت متأخر من يوم الأربعاء وعلقت القرار حتى تتاح للمحكمة العليا فرصة لإبداء رأيها بشكل أكثر تفصيلاً.