فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

في غياب الإعمار.. كرفانات ومنازل مسبقة الصنع بديل مؤقت للنازحين

حسن كنهر الحسين

كرفانات أو منازل مسبقة الصنع ما يجده نازحون حلّاً مؤقتاً يستطيعون تدبّر تكلفته لعودتهم إلى مدنهم وبلداتهم المهدّمة

ترك الدمار الواسع الذي خلّفه قصف وسرقة منازل مدنيين في المدن والبلدات السورية عامة، وأرياف إدلب وحماة، التي شهدت معارك وحملات عسكرية ممنهجة، خاصة، سكانها الذين هجّروا منها إلى مخيمات أو منازل مستأجرة، أمام خيار عدم البقاء في أماكن نزوحهم أو اجتراح حلول سريعة بتكاليف مادية وصفوها بـ “المقبولة” لعودتهم.

أن تحمل بيتك معك، ليس بالمعنى المجازي للكلمة، هو ما وجد فيه سكان المنازل المدمرة حلّاً لمشكلتهم، خاصة مع يقينهم بتأخر مشاريع دعم أو إعادة الإعمار من جهة، وضعف قدرتهم على إعادة بناء أو ترميم ما تهدّم، والذي يحتاج لمبالغ مالية يصعب تأمينها قد تصل إلى عشرات آلاف الدولارات، وهو ما دفعهم لنقل خيامهم أو كرفاناتهم التي كانت تؤويهم في مخيماتهم، أو شراء مثلها من المنتقلين إلى منازلهم التي تصلح جزئياً أو كلياً للسكن، أو من ورش تصنيع هذه الكرفانات أو المنازل مسبقة الصنع، ونصبها فوق أو بالقرب من منازلهم المدّمرة.

يقدّر، محمد الخطيب، أحد العائدين إلى مدينته كفرنبل من مدينة إدلب التي كان يقطن بيتاً مستأجراً فيها، تكلفة ترميم منزله المدمّر جزئياً بنحو 6 آلاف دولار، وهو ما لا يمتلكه في الوقت الحالي، على حدّ قوله. يروي الخطيب أن معظم من عادوا معه إلى كفرنبل عاجزون  عن ترميم أو بناء منازلهم من جديد، وهو ما دفعهم لاجتراح حلول وصفها بـ “المؤقتة”، مثل “السكن في خيمة أو كرفانة فوق أنقاض منازلهم ريثما تتاح لهم فرصة ترحيل أنقاضها وإعادة بنائها من جديد”.

يدفع الخطيب 100 دولار شهرياً، بدل إيجار في إدلب، وهو ما يراه مبلغاً كبيراً يستطيع توفيره وعكسه على إصلاح منزله في كفرنبل، بعد أن لجأ إلى شراء كرفانتين، إحداهما بـ 800 دولار خصصها لسكنه، والأخرى بـ 100 دولار حوّلها إلى حظيرة لأغنامه.

مجموعة من الأهالي يقومون بفك بيوت مسبقة الصنع لنقلها إلى قراهم  للسكن فيها تمهيدا لإعادة استصلاح منازلهم. المصدر: فيس بوك
مجموعة من الأهالي يقومون بفك بيوت مسبقة الصنع لنقلها إلى قراهم للسكن فيها تمهيدا لإعادة استصلاح منازلهم. المصدر: فيس بوك

إلى الجنوب من كفرنبل، نصّب ياسر أبو محمد، كرفانة اشتراها بـ 1800 دولار، فوق أنقاض منزله المدّمر بالكامل في بلدة أبو مكة بريف معرة النعمان الشرقي. يقدّر بنّاء استقدمه أبو محمد تكلفة إعادة بناء منزله بنحو 12 ألف دولار، متضمنة نقل الركام وهدم ما تبقى من الجدران المتصدّعة وإعادة إنشائها من جديد.

ليست الكرفانات والخيام و المنازل مسبقة الصنع طارئة على حياة سكان مهجّري منطقة إدلب، بل باتت مألوفة منذ السنوات الأولى للثورة، داخل مخيّمات تغيّرت ملامح قسم منها من خيام إلى كرفانات، وقسم آخر إلى منازل اسمنتية متراصفة لا يستطيعون نقلها، أما القسم الأكبر فحافظ على القماش الذي مزّقته طول مدة الانتظار والعوامل الجوية المتعاقبة.

ومع غياب دعم إعادة الإعمار حالياً وضبابية أفقه، عمد سكّان الكرفانات والخيام في هذه المخيمات بعد استعادة السيطرة على مدنهم وبلداتهم وسقوط حكومة الأسد، إلى نقلها أو بيعها، ما يجعل هذه المخيمات السوق الأول لبيع وشراء الكرفانات، سواء بشكل مباشر أو عبر ورش تشتريها وتعيد تدويرها وبيعها، أو على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي.

خلال السنوات الخمس التي سبقت سقوط حكومة الأسد، أطلقت منظمات وجمعيات مشاريع لاستبدال الخيام المصنوعة من القماش والشوادر بكرفانات اعتبرت حلّاً أفضل لمشكلات السكان تقيهم بدرجة أكبر حرارة الصيف وبرد الشتاء.

لا نملك إحصائية دقيقة عن عدد هذه الكرفانات، لكن حكم درويش، أحد مشرفي مشروع “استبدال خيمة سفينة بخيم مسبقة الصنع”، أطلقته جمعية عطاء قبل عامين، قال إن عدد الخيام المستبدلة في المشروع وصلت إلى ألفي كرفانة وبتكلفة وسطية قدّرها بنحو 5 آلاف دولار.

ومع بدء عودة النازحين إلى مدنهم وقراهم عمد أصحاب كرفانات لبيعها بمبالغ زهيدة بالمقارنة مع أسعارها الحقيقية،  إذ باع محمد العاصي، نازح من مدينة حمص كرفانته بـ 600 دولار، علماً أن تكلفتها الإجمالية على المنظمة التي تسلّمها منها تجاوز 4 آلاف دولار، على حدّ قوله. يقول العاصي إن “تكلفة نقل الكرفانة إلى مدينته حمص تبلغ 200 دولار، كما أنه لا يملك مساحة هناك لنصبها والسكن فيه،  إضافة إلى أن منزله يحتاج إلى تجهيز محدود وهو ما دفعه  لبيعها”.

بيت مسبق الصنع مكون من غرفتين وملحقاته في ريف حماه
بيت مسبق الصنع مكون من غرفتين وملحقاته في ريف حماه

التكلفة ذاتها دفعها عمر الشيخ، وعائلات من جيرانه يسكنون مخيماً في دير حسان، لفكّ ونقل وتركيب كرفاناتهم في بلدة حاس بريف إدلب الجنوبي، لكنهم آثروا عدم بيعها والاعتماد عليها في سكنهم الجديد داخل بلدتهم بعد أن فقدوا منازلهم، فالكرفانة، على حدّ قوله “منزل متنقل اعتادوا السكن فيه حالياً ويلبي حاجاتهم إلى حين وجود حلّ لإعادة بناء ما تهدّم”.

الاختلاف في أسعار الكرفانات، والتفاوت الكبير في تكلفتها، يرجع لأسباب كثيرة، تحددها مساحة الكرفان، المواد التي تدخل في صناعتها، الجديد والمستعمل، وما يترافق مع تنصيبها من احتياجات. تبدأ أسعار الكرفانات بـ 75  دولاراً، وهي خيام تشبه الكرفانة من حيث الشكل إلا أن سطحها مصنوع من الفلين وجدرانها من الجلد الرقيق.

وتتدرج أسعار الأنواع الأخرى من الكرفانات في السوق المحلي بين 400 دولار ويتجاوز سعر أنواع منها ألفي دولار، يرجع ذلك، بحسب من تحدثنا معهم، تبعاً لمساحتها وأبعادها ودعائمها المصنوعة من الحديد، إضافة لنوعية جدرانها وسماكتها والعزل المتوفر داخل جدرانها، كذلك إن كانت جديدة أو مستعملة أو معاد تدويرها بعد شراء ورش لكرفانات من سكان المخيم وإصلاحها وإعادة بيعها.

يفرّق، أحمد الحسين، مدير شركة الحسين المختصة بتصنيع البيوت مسبقة الصنع، بين الكرفانات التي يتم شراؤها من المخيمات، وبين تلك التي يتم تصنيعها ضمن تلك الورش تحت مسمى بيوت مسبقة الصنع، يقول إن “الأخيرة يمكن التحكم بمساحتها، إضافة إلى تجهيزها بشكل كامل بما في ذلك الأرضية والمنتفعات وعدد الغرف ضمن المنزل والتحكم في عدد الطوابق، أي تجهيزها لتصبح صالحة للسكن بشكل مباشر دون الحاجة لتزويدها بملحقات عمار أو غيرها من الإضافات التي يتم تجهيزها بالحجارة والإسمنت”.

يقول أحمد الحسين “تستورد معدات المنازل مسبقة الصنع من تركيا أو يعاد تدويرها من كرفانات يبيعها سكان المخيمات، تعمل الشركات والورش على تفكيكها وتطبيقها حسب رغبة الزبون و وفق المخطط المرسوم، إذ تقوم الشركة بتطبيق تلك الألواح بعد نصب شبكة من القضبان والعوارض المعدنية لحمل تلك الألواح، وتتراوح فترة تجهيز المنزل من أسبوع وحتى شهر واحد”.

بيت مسبق الصنع قيد الإنشاء في مدينة حلفايا بريف حماة مكون من طابقين بمساحة ١٢٠ متر.
بيت مسبق الصنع قيد الإنشاء في مدينة حلفايا بريف حماة مكون من طابقين بمساحة ١٢٠ متر. المصدر: شركة تصنيع بيوت مسبقة الصنع

ويضيف الحسين ” أن التكلفة والوقت تزيد وتنقص تبعاً للمساحة وعدد الطوابق والخدمات المقدمة والتي تعود لرغبة الزبون “. وتتراوح “تكلفة المتر المربع بعد تركيبه ما بين 17 إلى 25 دولاراً،  يحدّد ذلك سماكة جدران الصفائح ونوعية الحشوة وحجم الدعائم التي تحملها”. ويشرح مدير شركة الحسين “تختلف أسعار تلك  المنازل باختلاف مساحتها وطبيعة البناء، فـ على سبيل المثال نقوم حالياً بتجهيز منزل في ريف حماة بمساحة 120 متر، مؤلف من طابقين وبتكلفة 16 ألف دولار، ويحتاج لنحو شهر لإنجازه  وتسليمه للمالك “.

أما عن سبب اختلاف تكلفة الكرفانات في المنظمات عن السوق المحلي فـ يرجع حكم الدرويش التكلفة العالية للكرفانات التي نصّبتها المنظمات إلى ما يرافق بناؤها من “تسوية للأرضية ورفعها بطبقة من الإسمنت، وبناء ملحقات لها مثل الحمام و المرحاض والمطبخ، إضافة لتجهيزها بفرش وعدة مطبخ تعرف بسلة nfi”.

وبحسب الدرويش، فإن الكرفانات التي وزّعتها منظمة عطاء مصنعة من “مجاري معدنية وألواح سندويش بنل (صاج حديد مع فوم مضغوط) قابلة للفك والتركيب يتم تجميعها عبر اللحام بأبعاد 3.30سم عرض و5.60 طول للكرفانة الواحدة”.

تبدو الكرفانات بتنوعها واختلاف تكلفتها حلّاً مؤقتاً في انتظار حلّ دائم يعيد سكان المنازل المدمرة إلى بيوت ثابتة، يعاد بناؤها من جديد، أملاً بدعم منتظر لإعادة إعمار ما تهدّم بجهود دولية، والتي تزيد تكلفته عن مئات مليارات الدولارات.