“أبيع ولا أشحن؟” سؤال يتردد في ذهن عبدالرحمن سحاري جعله يصاب بصداع متكرر، فمنذ سقوط النظام السوري، قرر إنهاء سنوات لجوئه العشر في اسطنبول والعودة إلى سوريا، لكنه وقع في حيرة من أمره حول كيفية التصرف بأثاث منزله، كحال كثير من السوريين الراغبين بالرجوع إلى بلدهم.
عقب سقوط النظام في 8 من كانون الأول الفائت، أعلنت معابر حدودية بين سوريا وتركيا عن قرارات جديدة، لتسهيل عودة السوريين إلى بلدهم. وقالت إدارة معبر “باب السلامة” الحدودي، الثلاثاء 10 كانون الأول، إن العودة الطوعية إلى سوريا أصبحت على مدار 24 ساعة عبر المعبر، وبإمكان العائدين اصطحاب أثاث منازلهم ونقله بالسيارة إلى المعبر السوري. كما أصدر معبر “جرابلس” الحدودي بيانًا مماثلًا، أكد خلاله السماح للسوريين بالعودة إلى بلدهم على مدار الـ24 ساعة، وبأنه يمكنهم اصطحاب أثاث منازلهم وإدخاله إلى سوريا. في حين لم تعلن معابر “باب الهوى” و”تل أبيض” و”رأس العين” عن أي إجراءات جديدة تخص العائدين من تركيا إلى سوريا.
بدوره قال وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، إنه جرت زيادة الطاقة الاستيعابية للدخول عبر المعابر الحدودية من ثلاثة آلاف إلى 15-20 ألفًا يوميًا. ولتسهيل عودة السوريين إلى بلدهم، أعلنت الداخلية التركية أيضاً في 24 كانون الأول، السماح لشخص من كل عائلة بالمغادرة إلى سوريا والعودة منها ثلاث مرات، خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني إلى تموز 2025، لتسهيل ترتيبات عودة أسرته.
التسهيلات التي أعلنتها تركيا و المعابر الحدودية شجعت كثيراً من السوريين في تركيا على العودة إلى بلدهم بأقرب وقت، لكن بعضهم كان محتاراً بين بيع كامل الأثاث وشراء عوضاً عنه في سوريا، أو نقله إلى بلده.
عبدالرحمن سحاري (37 سنة)، قرر بعد تفكير طويل بيع أثاث منزله، حيث نشر إعلاناً على مجموعات السوريين على فيس بوك، وعرض الأثاث بسعر 40 ألف ليرة تركية (1150 دولار)، لكنه تفاجأ بعدم اكتراث أحد بالمنشور، واكتفى أشخاص بسؤاله عن سعر قطع كهربائية معينة عوضاً عن شراء الأثاث بكامله.
وقال سحاري الذي يقيم في اسنلر باسطنبول لفوكس حلب، “عفش بيتي من النوع الفاخر، ورغم ذلك وضعت سعراً أقل بكثير من قيمته الحقيقية لتسريع عملية البيع، ومع ذلك لم يكترث به أحد، لذلك قررت تخفيض السعر مجدداً إلى 30 ألف لكن بلا فائدة، ثم إلى 20 ألف، لكن لم أجد أي زبون، وفي النهاية نشرت إعلاناً بأن يدفع أي شخص سعراً بنور الله ويشتري العفش”.
دفع أحد الأشخاص 15 ألف ليرة فقط ثمن أثاث منزل عبد الرحمن، فاضطر لبيعه بعد أن ظل معروضاً على جروبات فيس بوك لعشرة أيام، يقول: “لو عرضت العفش ذاته قبل سقوط النظام بشهر كان سيباع بـ 60 ألف، لكن الظرف تغيّر الآن وأصبح الجميع يفتش عن زبون لشراء أثاث منزله”.
حال عبد الرحمن سحاري مثل حال كثير من السوريين الذين خسروا مبالغ كبيرة خلال بيع الأثاث، بسبب كثرة العرض وقلة الطلب، ومنهم يوسف درة (لاجئ في الريحانية)، حيث شعر بالأسى لبيع أثاث منزله الذي كلّفه أكثر من 50 ألف ليرة بمبلغ زهيد، لذلك قرر توزيعه بالمجان على المحتاجين كصدقة عن روح والده. في المقابل قرر آخرون نقل أثاث المنزل إلى سوريا، حيث بدؤوا بالتواصل مع سائقي سيارات نقل أو شركات شحن، للاستفسار عن التكلفة.
أحمد عبد العظيم، صاحب مكتب شحن في منطقة اسنيورت باسطنبول، يشرح بأن هناك طريقتين لنقل أثاث المنزل، الأولى عبر سيارة متوسطة الحجم مخصصة لنقل عفش واحد، وهنا يجري الاتفاق بين السائق والزبون، إما بأن يقوم الأخير بتحميل العفش إلى السيارة بنفسه وتكون مهمة السائق فقط نقل العفش، أو أن يتكفل السائق بكل عملية نقل الأثاث، ابتداءً من فك العفش إلى تغليفه ومن ثم نقله إلى سوريا، وصولاً إلى تحميله هناك وتركيبه مجدداً في المنزل.
وأضاف عبد العظيم لفوكس حلب، أن الطريقة الثانية هي أقل تكلفة، وتكون عبر إرسال مكتب الشحن سيارة إلى منزل الزبون تقوم بتحميل العفش إلى مكتب الشحن، وهناك يتم وضعه ضمن شاحنة كبيرة (كميون) تتسع لأثاث خمسة منازل. ولفت عبد العظيم إلى أن البعض يتخوف من أن تحميل العفش في “الكميون” قد يتسبب في تلف بعض الأثاث أو فقدان جزء منه، “لكننا نسعى لضبط الموضوع عبر تغليف كل قطعة أثاث على حدة، ووضع باركود خاص لجميع قطع الأثاث تحمل اسم صاحبها”.
أيهم قجي لاجئ سوري في اسطنبول، تفاجأ عند استلام أثاث منزله من مكتب الشحن في سرمدا، أن عدة كراتين مفقودة، وأن بعض قطع الأثاث تضررت بسبب سوء التحميل، لذلك نصح السوريين ببيع العفش في تركيا، أو نقله بسيارة خاصة مضمونة.
وتختلف التكلفة حسب حجم العفش المراد نقله وإلى أي مكان في سوريا، وهل التحميل سيكون عبر عمال أو يتكفل الزبون بذلك، وهل سيُنقل العفش عبر “كميون” أو سيارة خاصة، إضافة إلى أن التكلفة قد تزيد بسبب جشع بعض السائقين واستغلالهم حاجة الناس لنقل أثاثهم، وقد تكون الأجرة بالدولار أو الليرة التركية.
موقع فوكس حلب تواصل مع عدة سائقين للاستفسار عن تكلفة نقل العفش، حيث تحدث أغلبهم أنهم يتقاضون ألف دولار لنقل العفش إلى المعبر فقط، و1100 إلى إدلب، و1200 إلى حلب، و1400 إلى دمشق. بعض السائقين يحسبون تكلفة نقل العفش بالقطعة، إذ يتقاضون 220 دولاراً لنقل غرفة الجلوس أو غرفة النوم، و60 دولاراً لنقل الثلاجة أو الغسالة أو الجلاية، وشاشة التلفاز 50 دولاراً، أما الكراتين والحقائب فتكلفة نقلها 2.5 دولار لكل كيلو.
يعدد فواز جواد، يعمل في ولاية كيليس الحدودية، أسعار نقل قطع الأثاث من كيليس إلى سوريا، فتكلفة شحن غرفة نوم مع عنبر وفراش تصل إلى 100 دولار، غرفة ضيوف 75 دولاراً، براد 25 دولاراً، غسالة 20 دولاراً، سجادة 3 دولارات، شاشة 15 دولاراً، كرتونة صحون من 7 إلى 10 دولار، حرام 3 دولارات، فراش لشخصين 20 دولاراً، سرير فردي 15 دولاراً، دراجة 5 دولارات، عربة أطفال 4 دولارات.
لنقل الأثاث كاملاً يقول عبد الجواد: “يكون الزبون غير الراغب بمرافقة الأغراض والعودة الطوعية أمام خيارين، فإما أن يرسل أثاث البيت كاملاً بسيارة شحن خاصة بتكلفة 700$ متضمنة الجمركة وباقي الإجراءات، أو أن ينقل قسماً من الأغراض (بيت عادي) بسيارة شحن مشتركة بسعر يتراوح بين 350 حتى 400 دولار، ويكون النقل من باب المنزل بكيليس لباب البيت بسوريا”.
أما في حال نقل الأثاث المشروط بالعودة الطوعية، (الشخص يعود مع الأغراض بشكل نهائي)، يخبرنا السائق أن العملية تتم على مرحلتين، من باب بيت الشخص للباب الأبيض عند المعبر السوري، (وهو آخر نقطة التقاء بين المعبرين التركي والسوري)، وتكون أجرة السيارة 100 دولار تقريباً، ثم تجري عملية نقل الأغراض من السيارة التركية للسيارة السورية بأجرة مماثلة بحسب عبد الجواد.
وتمنع الحكومة التركية السيارات التي تحمل لوحات تركية من الدخول إلى سوريا، لذلك فإن عملية نقل العفش تجري على مرحلتين، حيث يُنقل الأثاث عبر السيارة الأولى إلى ساحة تتجمع فيها السيارات بين المعبرين التركي والسوري. وعقب ذلك يتم إفراغ حمولة السيارة التركية، ونقل العفش في المكان نفسه إلى السيارة السورية التي تقوم بنقل الأثاث بشكل مباشر إلى سوريا.
وقال السائق إياد المسطو، الذي يملك سيارة نقل في مدينة الريحانية، إن المعابر المتاحة لإدخال أثاث المنزل هي: باب السلامة من جهة مدينة أعزاز، ومعبر الحمامات قرب بلدة جنديرس بريف عفرين، ومعبر كسب بريف اللاذقية، ومعبر جرابلس.
أما معبر باب الهوى فلا يسمح بنقل كامل الأثاث، ففي بعض الأحيان يجري تدقيق على إدخال الأثاث الكبير مثل غرف النوم والجلوس والثلاجة والغسالة، في هذه الحالة يقوم السائق بإفراغ الأثاث قرب المعبر، ويضطر حينها الزبون لتحميل العفش عبر عمال بالعربات عوضاً عن السيارة السورية، وهو أمر شاق ومكلف جداً، خاصة لمن يملك أثاثاً كبيراً، بحسب المسطو.
وأوضح المسطو أنه عند الوصول إلى المعبر من الطرف التركي، فإن السيارة قد تضطر للانتظار من أربع إلى خمس ساعات، ريثما يتم تفتيش وإفراغ باقي السيارات، ناصحاً السوريين بالوصول باكراً إلى المعبر لضمان عدم الانتظار طويلاً.
ويلجأ بعض السوريين ممن لديه عائلة صغيرة إلى الصعود بالسيارة ذاتها التي تقوم بنقل أثاث منزله، أما من لديه عائلة كبيرة أو يقوم بنقل العفش عبر الشاحنة “الكميون”، فإنه يسافر عبر البولمان أو الطائرة، وينتظر صاحب السيارة عند المعبر لاستلام عفشه ونقله عبر سيارة سورية، بينما يكمل مع عائلته إلى سوريا عبر تكسي خاصة.
خالد مبيض، لاجئ سوري في بورصة، يقول إنه اتفق مع سائق سيارة على نقل أثاث منزله إلى إدلب مقابل ألف دولار. لدى خالد طفل وحيد، لذلك كان متاحاً له أن يسافر مع عائلته بالسيارة ذاتها، وبذلك استطاع توفير أجرة السفر.
وأضاف مبيض لـ فوكس حلب، “وصلنا إلى معبر باب السلامة عند الساعة الحادية عشرة ليلاً، واضطررت للانتظار مع عائلتي قرب المعبر، إذ تتوفر خيام للعائلات وتوزّع وجبات طعام، لكننا عانينا من البرد الشديد، وفي الساعة السابعة صباحاً بدأت حركة السيارات، لكن سيارة الأثاث لم تعبر الجانب التركي وتتجه إلى سوريا حتى العاشرة صباحاً”.
أما محمد خورشيد لاجئ في اسطنبول، قرر الاستفادة من قرار الحكومة التركية الذي يتيح للشخص السفر ثلاث مرات إلى سوريا، قبل عودة أسرته، إذ يفكر في الذهاب إلى بلده لاستئجار منزل في مدينة إدلب وشراء الأثاث، ومن ثم سيعود إلى تركيا، يقول، إنه سيأخذ معه بعض الحقائب في المرة الأولى، لتخفيف الحِمل حين يعود مع عائلته بشكل نهائي إلى سوريا.
في الوقت الذي استطاع عبدالرحمن وأيهم وخالد ومحمد اتخاذ قرار بشأن العودة إما مع العفش أو بعد بيعه، مازال سوريون آخرون يراقبون المشهد السياسي أملاً بالبدء بإعادة إعمار بيوتهم المهدمة حتى يستطيعوا نقل الأثاث إليها.