فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

عودة أهالي تل رفعت.. آمال للاستقرار في مدينة منكوبة

حسين الخطيب

عودة تدريجية، عائلات قليلة، إصلاحات، ترميم منازل بالحد الأدنى، هذا ما ترصده في شوارع تل رفعت التي غاب عنها سكّانها لأكثر من ثماني سنوات

تشهد مدينة تل رفعت، بريف حلب الشمالي، عودة تدريجية لعشرات من سكانها المهجّرين قسرياً، بعد سيطرة الفصائل المنضوية ضمن عملية “فجر الحرية” على المدينة التي كانت تخضع لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مطلع شهر كانون الأول الحالي.

العودة إلى تل رفعت، حالها كحال مدن وبلدات واسعة في سوريا سيطرت عليها الإدارة العسكرية لعمليتي ردع العدوان وفجر الحرية من قوات النظام وقسد، يحكمها نجاة منازل من الدمار الكامل وقابليتها للسكن و توفر الخدمات الأساسية، وتفرضها سنوات من التهجير القسري وسكن النازحين في المخيمات أو في بيوت مستأجرة تستحوذ على معظم دخلهم الشهري، ما دفعهم للعودة إليها والسكن فيها أيّاً كانت الظروف.

في شوارع تل رفعت، التي غاب عنها سكّانها لأكثر من ثماني سنوات، ترصد عودة حياة تدريجية إلى المدينة التي وصفها سكانها بـ “المنكوبة”، عائلات قليلة وإصلاحات وترميم كيفما اتفق لتأهيل منازل بالحد الأدنى.

أمام باب منزله في الحي الشمالي الغربي من تل رفعت، يجلس محمد خير حومد (34 عامًا) القرفصاء، يداه مشغولتان بقص قطع من “النايلون” يستبدل فيها ما تكسّر من زجاج أبواب ونوافذ منزله، بمساعدة طفلته الصغيرة.

محمد خير حومد مع ابنته في مدينة تل رفعت- كانون الأول 2024. تصوير: حسين الخطيب
محمد خير حومد مع ابنته في مدينة تل رفعت- كانون الأول 2024. تصوير: حسين الخطيب

يصف حومد، رب أسرة مكونة من ثمانية أشخاص، هجّر من تل رفعت قبل ثماني سنوات إلى مخيم بالقرب من قرية سجو شمالي مدينة أعزاز بريف حلب الشمالي، رحلة نزوحه بـ “القاسية”، فلا “جدران كان تحمي عائلته في خيمته التي كان يسكنها من برد الشتاء وحرارة الصيف، ولا خصوصية في مكان يكتظ بمئات الخيام”.

ينفخ حومد على يديه لتدفئتهما من برودة الطقس، وهو يقطع “النايلون” بمقاسات تتناسب مع ما تهشّم من زجاج في منزله، يقول إنه لم يستطع الانتظار أكثر من يوم واحد ليعود إلى منزله في المدينة بعد استعادة السيطرة عليها، وإنه “ما في متل تل رفعت رغم تضررها وخرابها..”.

حياة جديدة، كلّ ما يرجوه حومد، تصطدم بـ “حيطان مطقطقة وأبواب متضررة وخراب في بعض الجدران”، لكن كل ذلك “قابل للإصلاح” على حد قوله، إذ بدأ بالفعل بترميم ما يمكن، وتدريجياً سيعيد منزله إلى ما كان عليه بـ “الإمكانيات المتاحة وما يستطيع توفيره من عمله في مكبس لصناعة البلوك (الطوب)”.

ليس بعيداً عن منزل حومد يعمل الخمسيني أحمد ياسين (50 عاماً، رب أسرة مكونة من ستة أفراد) على إصلاح أنبوب مياه حديدي “أكله الصدأ”. يشبه ياسين حال أنبوب المياه بما آلت إليه حياة السكان سابقاً، صراع يومي لاستمرار الحياة، دفعه للنزوح إلى إدلب منذ سقوط تل رفعت وتهجير سكانها في عام 2016، والسكن في بيت مستأجر بتكاليف مرهقة وصلت إلى 100 دولار شهرياً، ناهيك عن مصاريف الحياة اليومية الأمر الذي استدعى تفرّق عائلته بين أعزاز وتركيا للعمل وسدّ الاحتياجات.

 أحمد ياسين من مدينة تل رفعت- كانون الأول 2024. تصوير: حسين الخطيب
أحمد ياسين من مدينة تل رفعت- كانون الأول 2024. تصوير: حسين الخطيب

“تركنا كل شيء و خرجنا من منازلنا”، يروي ياسين وهو يتذكر أيام تهجيره من المدينة، إذ لم يكن هناك وقت لإفراغ منازلهم من أثاثها الذي سرق بالكامل، يقول “لم يبق سوى الجدران.. سرقت الأدوات الكهربائية والأثاث والأبواب والنوافذ، حتى أكبال الكهرباء من داخل الجدران”.

حظّ ياسين ببقاء جدران منازله كان وافراً أسوة بمنازل أخرى في المدينة تهدّمت بالكامل، إذ تعرّضت تل رفعت أواخر عام 2015 إلى حملة شرسة من طيران النظام وروسيا، ما تسبب بدمار واسع في منازل سكانها، تزامن القصف مع عملية عسكرية موازية لقوات قسد  أسفرت عن سيطرتهم على المدينة في شباط 2016 وتهجير غالبية سكانها، فضلاً عن تدمير أحياء سكنية بالكامل وسرقة ما يمكن سرقته من منازلها.

سكّان المدينة التي كانت تضم نحو 85 ألف نسمة، بحسب إحصائيات 2013، إضافة لآلاف النازحين والمهجرين من مدن مارع أخترين والباب في ريفي حلب الشمالي والشرقي الذين نزحوا بسبب وصول تنظيم “داعش” إلى أعتاب مدينتي مارع وأعزاز، وجدوا أنفسهم مهجّرين مرة أخرى وتوزّعوا بين مخيمات ريف حلب الشمالي وإدلب.

في شباط 2018 تحولت مدينة تل رفعت إلى مكان يؤوي العائلات النازحة من منطقة عفرين بسبب شن فصائل الجيش الوطني عملية عسكرية (غصن الزيتون) بدعم تركي سيطرت خلالها على منطقة عفرين بالكامل، ما أدى إلى انسحاب قسد إلى تل رفعت وقرى سد الشهباء التابعة لمدينة مارع شمال حلب.

مدينة تل رفعت في ريف حلب الشمالي- كانون الأول 2024
مدينة تل رفعت في ريف حلب الشمالي- كانون الأول 2024. تصوير: حسين الخطيب

في جولة داخل مدينة تل رفعت يطالعك دمار واسع في الأبنية السكنية والبنية التحتية، خاصة الأحياء الشرقية والشمالية، يقول سكان في المدينة إن الدمار كان على مراحل، بدءاً من القصف الممنهج على المدينة من قبل طائرات النظام وروسيا، كذلك ما دمّرته قوات قسد، وصولاً إلى القصف المدفعي والطائرات المسيرة على تل رفعت من قبل القوات التركية وفصائل الجيش الوطني.

تتوزع المنازل غير المتضررة في الأحياء الجنوبية الغربية الممتدة على الطريق الواصل إلى بلدة دير جمال الواقعة على الطريق الدولي حلب –غازي عنتاب، بينما تبدو العودة إلى الأحياء الشرقية، المحيطة بالطريق الواصل إلى مدينة مارع والأحياء الشمالية الممتدة على الطريق الواصل إلى مدينة أعزاز، صعبة لتهالك منازلها.

يقول عمار حميدان (51 عاماً) إنه  يعمل على إعادة ترميم منزله المتضرر بشكل جزئي، تمهيدًا لعودة عائلته التي تسكن في مدينة أعزاز شمالي حلب منذ أكثر من ثماني سنوات.

لم يتعرض منزل حميدان لضرر كبير لوقوعه وسط المدينة واستخدامه من قبل عائلات قسد القادمة من عفرين، يقول إن “أضرار منزله بسيطة، اقتصرت على تضرر الأبواب والنوافذ بشكل جزئي”، لكن منازل مجاورة لبيته شبه مدّمرة.

من أحد الشوارع في مدينة تل رفعت- كانون الأول 2024. تصوير: حسين الخطيب
من أحد الشوارع في مدينة تل رفعت- كانون الأول 2024. تصوير: حسين الخطيب

يقدّر عبد السلام الوحش، مدير العلاقات العامة في مجلس تل رفعت المحلي، نسبة العائلات التي عادت إلى المدينة، خلال الأسابيع الماضية، بنسبة تتراوح بين 10 إلى 15% من المهجّرين عنها. ويرجع الوحش السبب إلى عدم استقرار الأوضاع الخدمية ودمار المنازل وتضرر البنية التحتية، إذ تقدّر إحصائيات المجلس المحلي نسبة المنازل المدمرة بالكامل بـ 50%، بينما تحتاج 25% من المنازل إلى إعادة تأهيل جزئي لتكون صالحة للسكن.

ويعمل المجلس المحلي في تل رفعت على تأمين الخدمات الأساسية للعائدين، إذ أعاد تفعيل مخبز المدينة للعمل، كما يقدّم خدمة الكهرباء عبر المولدات الكهربائية (الأمبيرات) لمدة ثلاث ساعات يومية للمنازل المشتركة، ويضخ المياه عبر شبكة أنابيب البلدية الصالحة للعمل، إلا أنها تغيب عن الأحياء المتضررة، كما يؤكد الأهالي.

ورغم تضرر المنازل، يعلق الأهالي  آمال الاستقرار بعودة الخدمات الأساسية، لا سيما الكهرباء والماء، والخبز، وإعادة افتتاح المشفى، المستوصف، المدارس، المؤسسات والدوائر الحكومية، التي توقفت عن العمل ويحاول المجلس المحلي إعادة تفعيلها تدريجياً.

من مخيمات في الشمال السوري ومن مدن وولايات تركية، يتجهز سكان تل رفعت وغيرها من المدن السورية للعودة إلى منازلهم، آملين بمساعدة من قبل الحكومة السورية الجديدة والمنظمات الدولية لتجهيز بنى تحتية أساسية وترميم منازلهم تمهيداً لعودتهم إلى منازلهم، والبدء ببنائها من جديد.