ما أن أعلنت الإدارة العسكرية لعملية ردع العدوان التي بدأت في 27 من شهر تشرين الثاني الماضي عن دخول مدينة حلب شمالي سوريا، وخروج المدينة عن سيطرة قوات الأسد في اليوم الثالث من العملية، حتى توجهت فرق تطوعية لتطبيق خطة استجابة طارئة لتلبية أهم احتياجات المدينة.
ولأن الخبز عصب الحياة بحسب الخمسينية رحاب جملو، من حي الجميلية وسط مدينة حلب، تصدّر قائمة المواد الأكثر أهمية. تقول رحاب “إن انقطاع الخبز عن المدينة لفترة محدودة جعلت الأهالي يفكرون بالجوع ويخافون أن يعيشوه”.
وزعت الفرق التطوعية مادة الخبز في 37 حياً من أحياء مدينة حلب، وبلغ حجم التوزيع حتى الإعلان عن بدء تشغيل الأفران يوم الأربعاء، 7 كانون الأول، أكثر من 234 ألف ربطة خبز، في وقت سعت فيه المؤسسة العامة للتجارة وتصنيع الحبوب لإعادة تشغيل المخابز في مدينة حلب لتوفير الخبز للأهالي بحسب وزير التنمية والشؤون الإنسانية، فادي القاسم.
كتب فريق سنابل على حسابه بمنصة فيسبوك “حلب اليوم بحاجة لجهود أولادها حتى تقوم من جديد”. وجمعية سنابل الأمل واحدة من أكثر من 50 منظمة وجمعية إنسانية سارعت إلى تقديم المساعدة لسكان المدينة من خلال تنسيق مشترك بينها عبر مكتب تنسيق العمل الإنساني الخاص بحكومة الإنقاذ بمدينة إدلب، أو عن طريق مجموعة واتس آب خاصة بمكتب التنسيق في حالات الطوارئ، بحسب محمد الخالد، قائد فريق بإحدى هذه المنظمات الإنسانية.
قبل سيطرة الإدارة العسكرية لمعركة ردع العدوان على مدينة حلب، كان معظم سكان المدينة يحصلون على الخبز عبر البطاقة الذكية، بعد اعتمادها من قبل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حلب والمدن التابعة لسيطرة النظام. كان هذا النظام واحداً من إجراءات سياسة توزيع المواد المدعومة مثل الغاز والمحروقات، فيحصل كل فرد على عشر ربطات شهرياً، وتتلقى بذلك الأسرة المؤلفة من أربعة أفراد أربعين ربطة شهرياً. أي حصة يومية محدودة لكل فرد.
هذه المخصصات اليومية توزع عبر رسائل نصية تحدد موعد ومكان الاستلام من معتمد أو مخبز محدد. لم تكن هذه السياسة عادلة بحسب أهالي التقيناهم، إذ تسببت بمشاكل مختلفة، منها التوزيع غير العادل في بعض المناطق.
يباع الخبز المدعوم في البطاقة الذكية بسعر ثمانمئة ليرة سورية للربطة الواحدة المؤلفة من أربعة عشر رغيف خبز، أما غير المدعوم فسعره بوساطة البطاقة الذكية أيضاً ثلاثة آلاف ليرة سورية، وفي السوق السوداء فيباع بسعر ستة آلاف ليرة سورية، أما الخبز السياحي بوزن واحد كيلوغرام فسعره تسعة آلاف ليرة سورية، بحسب منير سباعي، عامل بأحد أفران المدينة، بينما تباع اليوم بـ 4 آلاف ليرة سورية.
عارف السيد، ممثل لإحدى المنظمات المحلية المشاركة بعملية التوزيع، يشير إلى أن تضافر جهود جميع الجهات ساهم بسد الاحتياج إلى حد ما، إلا أن الحلول المؤقتة ليست كافية وأن هناك حاجة ماسة لخطط مستدامة لتأمين المواد الأساسية للناس المنهكين أساساً بسبب الفقر وغلاء الأسعار مقابل الدخل المحدود.
فريق ملهم كان أحد الفرق المشاركة منذ اليوم الأول لخروج النظام من المدينة بحسب مدير المكتب الإعلامي للفريق عبد الله الخطيب، موضحاً أنهم عملوا جاهدين على توفير الاحتياجات الأساسية التي انقطعت، وخاصة الخبز، فوزعوا نحو ثلاثين ألف ربطة خبز حتى يوم الأربعاء الماضي.
في مقابلة هاتفية أجريناها مع أحد سكان المدينة، فضل عدم ذكر اسمه، أكد حصوله على المساعدة من المنظمات المحلية في الأيام الأولى لانقطاع الخبز لمدة ثلاثة أيام متوالية، واصفاً إياها بأنها خدمة جاءت في الوقت المناسب، لكنه أشار إلى أنها لم تكن تغطي جميع الأحياء السكنية في المدينة، معتبرًا أن هذه الجهود غير كافية.
ولمحاولة تخفيف أزمة الخبز في المدينة خلال الأيام الماضية اتخذت عدة إجراءات، مثل زيادة الكميات الموزعة على نقاط محددة داخل المدينة، بحسب القاسم، بهدف تلبية الاحتياجات المتزايدة بعد توقف أفران عن العمل وتشغيل بعض الأفران جزئياً بعد تأمين الوقود والدقيق. يقول القاسم: ” لأن الكميات المنتجة كانت غير كافية لتغطية الطلب الكبير، ولمنع تشكل طوابير طويلة أمام الأفران، أقرت السلطات المحلية آلية توزيع جديدة تشمل صالات البيع ومنافذ الجمعيات التعاونية، مع تعزيز الرقابة لمنع التلاعب أو بيع الخبز بأسعار مضاعفة”.
وعن خطة تشغيل الأفران صرح مدير المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب، أحمد عبد الملك، بأنه سيتم تشغيل جميع الأفران العامة والبالغ عددها 16 فرناً بالإضافة إلى 143 فرناً خاصاً، ليصل العدد الإجمالي إلى 157 فرناً ستلبي احتياج أحياء مدينة حلب بالخبز.
بدوره، أكد المهندس أكرم حمودة، المدير العام للمشتقات النفطية، أن الحكومة وضعت أحد أهم أولوياتها تأمين احتياجات المحروقات لأكثر من 90% من المخابز العامة والخاصة في مدينة حلب، بالتعاون مع مديرية الأفران في وزارة الاقتصاد لمتابعة إنتاج الخبز باستمرار دون انقطاع لتخفيف آثار الأزمة الراهنة على المواطنين، مع التأكيد على عدالة التوزيع على المحطات.
عبير العيسى، 50 عاماً، تسكن في حي الجميلية وسط مدينة حلب، قالت إن الخبز الذي توزعه المنظمات الإغاثية أفضل من الخبز الذي كان يوزع عبر البطاقة الذكية، إذ كان الرغيف سميكاً وصغير الحجم. على عكس الخبز الذي استلمته من الفرق الإغاثية الذي يعتمد على الدقيق المحسن ومعايير التصنيع الأفضل، وهذا ما أكده يحيى العلوي مراقب في أحد الأفران وهو عامل في إحدى المنظمات الإنسانية.
المنظمات المحلية لم تكن وحيدةً في الميدان، فهيئة الإغاثة الإنسانية التركية (ihh) في سوريا ساهمت بتوزيع 36 ألف رغيف خبز منذ اليوم الأول بعد سيطرة الإدارة العسكرية لعملية ردع العدوان على مدينة حلب، وتسعى للوصول إلى 100 ألف رغيف، بحسب ما نشرته على موقعها الرسمي.
ولم تقتصر الاستجابة على الخبز فحسب، إذ وزعت المنظمة أيضاً الوجبات السريعة للأهالي في حلب فقط، بالإضافة لعشرات الآلاف من السلال الغذائية خلال هذه الفترة في حلب والمناطق المحيطة بها بحسب مسؤول المنظمة.
كما وزع فريق ملهم بحسب الخطيب، مسؤول المكتب الإعلامي للفريق مواد أساسية منها السكر والأرز والشاي والمعلبات وحليب الأطفال وغيرها من مواد غذائية بالإضافة لمياه الشرب المعلبة وأدوية أمراض مزمنة.
أما فريق جمعية سنابل الأمل فوزع يوم الخميس الماضي الألعاب والمأكولات والحلويات لأطفال مدينة حلب بعد أن أعلنت لجنة الاستجابة الطارئة في حكومة الإنقاذ، عودة أفران المدينة للعمل بشكل طبيعي بعد تزويدها بالدقيق والمحروقات. يقول رامي الأحمد، رئيس مجلس إدارة جمعية سنابل الأمل الذي يضم بغالبيته متطوعين مهجرين من أبناء مدينة حلب، إن هدف متطوعي الفريق من هذا النشاط هو زرع الابتسامة على شفاه الأطفال وطمأنتهم نفسياً.
لم تستطع الفرق التطوعية الوصول لجميع أحياء مدينة حلب، وذلك بسبب خطورة المرور بها بعد تعرض ناشطين إنسانيين وصحفيين ومدنيين للخطف أو لرصاص مصدره أحياء في مدينة حلب، منها: طريق دوار الليرمون، حي الأشرفية، طريق دوار الصاخور، حي بستان الباشا، حي بني زيد، حي الشيخ مقصود، حي الهلك، حي بعيدين. وهي أحياء مرصودة من قبل قوات الحماية الكردية التي تعتبر امتداداً لحزب العمال الكردستاني.
لذالك، وجهت الجهات الأمنية تحذيرات للأهالي والفرق التطوعية المتوجهة إلى المدينة بعدم المرور أمام هذه الأحياء أو التجول داخلها وذلك بعد عدة حوادث راح ضحية أحدها الشاب حسام ملاح، عامل إنساني في منظمة هيئة الإغاثة الإنسانية IYD، أثناء عملية الاستجابة الطارئة لأهالي حلب. كذلك لقي المصور الصحفي مصطفى الساروت مصرعه قنصاً برصاص صادر من أحد الأحياء المذكورة أثناء مروره بها.
كما فقد عدد من الأشخاص منهم الأخوين محمد وقاسم مدلج بعد انقطاع الاتصال بهما أثناء عودتهما من مدينة حلب ليبقى مصيرهما مجهولاً وسط توقعات عن وجود شبكة أنفاق تصل الأحياء ببعضها البعض، كتلك التي كشفت عنها العملية العسكرية التي أطلقها الجيش الوطني السوري شمالي حلب، إذ تبين وجود مدينة أنفاق تحت مدينة تل رفعت وفي عدة مناطق حرروها من قوات الحماية الكردية شمالي حلب، وهذه الأنفاق عبارة عن شبكة تضمن لعناصر التنظيم الحركة الآمنة عند تنفيذ عملياتهم، وهي مزودة بفرن ومؤونة وكل مقومات الحياة.
تعي الفرق التطوعية والمنظمات الإنسانية حساسية الوضع الإنساني في الفترة الحالية، كما تعلم جيداً أن هذا الانتقال الذي تشهده المدينة سيأخذ وقتاً لإيجاد حلول مستدامة، لذا فهي تأمل أن تطلق المنظمات الإنسانية العالمية برامج استجابة طارئة تساهم بدعم الجهود المحلية لتلبية احتياجات أهالي المنطقة.