فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

focusaleppo

وقائع يوميات أب سوري بين التهجير والطين

هيا أرمنازي

ينظر محمد عبر المرآة إلى ملامح وجهه متأملاً التجاعيد التي ظهرت مع طول فترة التهجير

محمد فرج الجاسم، 42 عامًا، مهجر من بلدة تل الضمان في ريف حلب الجنوبي، عاش مع أسرته رحلة تهجير مليئة بالتحديات، بدأت عام 2017 عندما اندلعت المعارك في قريته، ما دفعه للهروب خوفًا على حياة عائلته. يقول محمد: “لم أكن أعلم أن الموت سيظل يلاحقني حتى بعد نجاتي من الحرب”.

يتفقد محمد فتحة التهوية في القبة الطينية التي رممها وسكن فيها منذ عام 2018. قرية بحوري شمالي مدينة إدلب 2024- تصوير: هيا أرمنازي

رحلة التهجير كانت على مرحلتين: الأولى إلى مدينة سراقب، حيث استقرت العائلة لمدة شهرين فقط قبل أن تضطر إلى المغادرة بسبب القصف العشوائي. المرحلة الثانية قادته إلى قرية بحوري القديمة شمالي مدينة إدلب، حيث عاش في خيمة صغيرة لعام كامل. لكن الضغوط استمرت حين طُلب منهم إخلاء الأرض، ما دفع محمد للبحث عن ملجأ جديد.

الطفلة بتول تنظر إلى الجدار الطيني، تقول إنها تشعر بالدفء والحنان بجوار عائلتها. قرية بحوري شمالي مدينة إدلب 2024- تصوير: هيا أرمنازي

على أطراف القرية، عثر محمد على مجموعة من القباب الطينية المهجورة منذ عقود. رغم حالتها المزرية، قرر ترميمها بنفسه لتكون مأوى لعائلته. يستذكر محمد كيف كان جده يبني البيوت من الطين في الريف. يقول: “شعرت أثناء العمل إنني أعيد جزءًا من تاريخ عائلتي”.

قبة طينية متهالكة يرممها محمد ليوفر غرفة إضافية أملاً بأن يتسع المكان لعائلته وعائلة أخيه. قرية بحوري شمالي مدينة إدلب 2024- تصوير: هيا أرمنازي

لم تكن المهمة سهلة. قلة الموارد أجبرته على بيع أثاث منزله لتوفير مواد البناء الأساسية. بمساعدة ابنه الأكبر، أكمل ترميم القباب التي أصبحت ملاذًا دافئًا في الشتاء ومريحاً في الصيف بفضل خصائص الطين الطبيعية.

محمد يحضّر التراب والماء والحجارة الصغيرة والقليل من القش لترميم قبة قديمة. قرية بحوري شمالي مدينة إدلب 2024- تصوير: هيا أرمنازي
يختبر محمد جودة تماسك المواد ليبدأ بالبناء والترميم. قرية بحوري شمالي مدينة إدلب 2024- تصوير: هيا أرمنازي
محمد يبدأ برصف الحجارة وإضافة الخلطة الطينية لتتماسك. قرية بحوري شمالي مدينة إدلب 2024- تصوير: هيا أرمنازي
محمد يختبر تماسك الجدار ليتأكد من جاهزيته للبناء فوقه. قرية بحوري شمالي مدينة إدلب 2024 -تصوير: هيا أرمنازي
سقف القبة الطينية المطلية بالتراب الأبيض لعكس الإضاءة داخل الغرفة. قرية بحوري شمالي مدينة إدلب 2024 -تصوير: هيا أرمنازي

لا نملك الأرض ولا المال

رغم الجهود التي بذلها، لم تكن القباب مجانية. كان على محمد دفع إيجار سنوي بقيمة 180 دولارًا، وهو مبلغ يعجز عن توفيره. لذلك بدأ العمل كمياوم في أراضي الزيتون والمعامل، في حين ساعده أطفاله على توفير لقمة العيش.

في القرية نفسها، وجد محمد فرصة للعمل كخادم مسجد ومؤذن. كما بدأ بتعليم الأطفال قراءة القرآن وأحكام التجويد. لكن دخله الشهري من هذا العمل لا يتجاوز 11 دولارًا، وهو مبلغ بالكاد يغطي احتياجات أسرته.

محمد في مسجد القرية يعلم الأطفال أحكام تجويد القرآن ومبادئ القراءة السليمة. قرية بحوري شمالي مدينة إدلب 2024 -تصوير: هيا أرمنازي
الأطفال داخل مسجد القرية في حلقة التعليم التي يديرها محمد. قرية بحوري شمالي مدينة إدلب 2024 -تصوير: هيا أرمنازي
محمد يستمع لتلاوة القرآن من طلاب وطالبات الحلقة. قرية بحوري شمالي مدينة إدلب 2024 -تصوير: هيا أرمنازي
محمد يصحح أخطاء التلاوة التي يقع فيها بعض طلاب الحلقة. قرية بحوري شمالي مدينة إدلب 2024 -تصوير: هيا أرمنازي
أطفال القرية داخل المسجد يتلقون دروس التجويد التي يعلمهم إياها محمد. قرية بحوري شمالي مدينة إدلب 2024 -تصوير: هيا أرمنازي

حلم على قدر الواقع

رغم كل شيء يتمسك محمد بالأمل، فأكبر أمنياته أن يعود لقريته وأرضه، لكنه يعلم أنه حلم بعيد المنال. يقول: “كل ما أتمناه الآن هو توفير حياة كريمة لعائلتي في ظل هذه الظروف.”

قصة محمد واحدة من قصص آلاف العائلات السورية التي وجدت نفسها مضطرة للعيش في ظروف قاسية، لكنها تحمل في طياتها إرادة بالحياة وأملاً بواقع أفضل.