محمد فرج الجاسم، 42 عامًا، مهجر من بلدة تل الضمان في ريف حلب الجنوبي، عاش مع أسرته رحلة تهجير مليئة بالتحديات، بدأت عام 2017 عندما اندلعت المعارك في قريته، ما دفعه للهروب خوفًا على حياة عائلته. يقول محمد: “لم أكن أعلم أن الموت سيظل يلاحقني حتى بعد نجاتي من الحرب”.
رحلة التهجير كانت على مرحلتين: الأولى إلى مدينة سراقب، حيث استقرت العائلة لمدة شهرين فقط قبل أن تضطر إلى المغادرة بسبب القصف العشوائي. المرحلة الثانية قادته إلى قرية بحوري القديمة شمالي مدينة إدلب، حيث عاش في خيمة صغيرة لعام كامل. لكن الضغوط استمرت حين طُلب منهم إخلاء الأرض، ما دفع محمد للبحث عن ملجأ جديد.
على أطراف القرية، عثر محمد على مجموعة من القباب الطينية المهجورة منذ عقود. رغم حالتها المزرية، قرر ترميمها بنفسه لتكون مأوى لعائلته. يستذكر محمد كيف كان جده يبني البيوت من الطين في الريف. يقول: “شعرت أثناء العمل إنني أعيد جزءًا من تاريخ عائلتي”.
لم تكن المهمة سهلة. قلة الموارد أجبرته على بيع أثاث منزله لتوفير مواد البناء الأساسية. بمساعدة ابنه الأكبر، أكمل ترميم القباب التي أصبحت ملاذًا دافئًا في الشتاء ومريحاً في الصيف بفضل خصائص الطين الطبيعية.
لا نملك الأرض ولا المال
رغم الجهود التي بذلها، لم تكن القباب مجانية. كان على محمد دفع إيجار سنوي بقيمة 180 دولارًا، وهو مبلغ يعجز عن توفيره. لذلك بدأ العمل كمياوم في أراضي الزيتون والمعامل، في حين ساعده أطفاله على توفير لقمة العيش.
في القرية نفسها، وجد محمد فرصة للعمل كخادم مسجد ومؤذن. كما بدأ بتعليم الأطفال قراءة القرآن وأحكام التجويد. لكن دخله الشهري من هذا العمل لا يتجاوز 11 دولارًا، وهو مبلغ بالكاد يغطي احتياجات أسرته.
حلم على قدر الواقع
رغم كل شيء يتمسك محمد بالأمل، فأكبر أمنياته أن يعود لقريته وأرضه، لكنه يعلم أنه حلم بعيد المنال. يقول: “كل ما أتمناه الآن هو توفير حياة كريمة لعائلتي في ظل هذه الظروف.”
قصة محمد واحدة من قصص آلاف العائلات السورية التي وجدت نفسها مضطرة للعيش في ظروف قاسية، لكنها تحمل في طياتها إرادة بالحياة وأملاً بواقع أفضل.