في قلب رحلة النزوح التي أجبرت ملايين السوريين على مغادرة بيوتهم وأراضيهم، يقف أحمد السيد، المعروف بـ”أبو أيمن”، رمزًا للبقاء، وهو يبلغ من العمر 73 عامًا. بينما اتجه كثيرون للبحث عن حياة جديدة في بلدان اللجوء، اختار أبو أيمن البقاء. وعندما يُسأل عن سبب عدم مغادرته، يجيب ببساطة: “أنا أموت في بلدي ولا أخرج منها“.
وُلد أبو أيمن عام 1951 في قرية ”الناجية” بريف جسر الشغور. في سن الثانية عشرة، تعلم النجارة على يد حرفيَّين، مسيحي ومسلم، وبدأ العمل بأجور بسيطة. بعد أربع سنوات ونصف السنة من الخدمة العسكرية (1970-1974) في الجيش السوري شارك فيها بثلاثة حروب، عاد إلى قريته ليصبح أول نجار في منطقته، معتمداً على مهارته في صنع الأبواب والنوافذ والأدوات الخشبية.
مع الوقت، طوّر ورشة النجارة الخاصة به، وحصل على تراخيص للعمل بشكل رسمي. كان يُعرف بدقته في عمله، وعلّم أولاده الحرفة ليتمكنوا من كسب لقمة العيش. إلا أن الحرب غيرت كل شيء؛ فقد دُمر منزله عام 2015، واضطر للانتقال إلى قرية أخرى ”خربة الجوز“ بريف جسر الشغور. رغم ذلك، لم يتخلَّ عن أدواته، بل نقلها معه ليستمر بالعمل.
مع تزايد الهجرة السورية إلى بلدان مثل تركيا وألمانيا، اختار أبو أيمن البقاء رغم الظروف الصعبة. كان قراره مبنيًا على ارتباطه العميق بأرضه. “لا أحتاج للمال، أريد أن أعيش في وطني”، يقول. رغم أن قريته، الناجيّة، تقع في منطقة خطرة، يغامر أبو أيمن بالذهاب بشكل دوري ليعتني بأرضه ويقطف الزيتون.
أبو أيمن يواصل العمل في المخيم، يصنع أبواباً ونوافذ للخيام، ويساعد من حوله بتصنيع ما تبقى من الخشب الذي يتم توزيعه “وكأنه يريد من خلال حرفته تحويل الخيام إلى بيوت مستقرة، كي يشعر الجميع بالاستقرار ولا يضطر أحد إلى المغادرة.”. رغم انخفاض حجم العمل بسبب الفقر والتهجير، ما زال متمسكًا بحرفته. يعبر أبو أيمن عن فلسفته في الحياة ببساطة “لا آكل إلا إذا جعت، ولا أشرب إلا إذا عطشت، ولا أرتاح إلا إذا أنهكني التعب”. هذا التعلق العميق بالأرض والعمل يمنحه معنى لوجوده في خضم الفوضى والحرب.
اليوم، يعيش أبو أيمن نازحاً ملتزمًا بالحفاظ على أدواته ومهنته. يعتبر هذه الأدوات رمزًا لاستمراره رغم كل الصعوبات. قراره بعدم الرحيل يعكس موقفًا شخصيًا مبنيًا على الإصرار على البقاء في أرضه والعمل بها، حتى في أحلك الظروف. بالنسبة له، البقاء ليس مجرد قرار، بل هو أسلوب حياة يتمسك به بكل ثبات.