طُوي ملف فرقة صقور الشمال المنضوية في الفيلق الثاني التابع للجيش الوطني السوري والمنبثق عن وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، بعد نحو شهر من الخلافات والحشود الفصائلية بين تحالف القوة المشتركة (فرقة الحمزة، فرقة السلطان سليمان شاه) ووزارة الدفاع من جهة، وتحالف فرقة صقور الشمال والجبهة الشامية من جهة أخرى.
آثار هذه الخلافات برزت في ريفي حلب الشمالي والشرقي شهدت وتجلت بحشد الفصائل لعناصرها وقطع الطرقات ووضع الحواجز بين المقار والنقاط العسكرية، إضافة للتجييش الإعلامي، كما شهدت اجتماعات مكثفة بين غرفة عمليات “درع الفرات” والاستخبارات التركية تجنباً للحل العسكري الذي يهدد حياة آلاف المدنيين في القرى والبلدات المتخمة بالمقار والوحدات العسكرية.
فشلت جميع الوساطات المقدمة للحل بين القوى المختلفة، وتحوّلت منذ يوم الأربعاء الماضي، 16 تشرين الأول، إلى اشتباكات مسلحة، إثر مهاجمة القوة المشتركة مقر قيادة فرقة صقور الشمال بقرية حوار كلس على الحدود السورية التركية، تبعه هجوم لعناصر الجبهة الشامية على مقار القوة المشتركة في كفر جنة وعفرين بريف حلب الشمالي، ما تسبب بمقتل وإصابة ما لا يقل عن عشرة عناصر من طرفي الصراع.
تسببت الاشتباكات التي استخدمت فيها أسلحة خفيفة وثقيلة بمقتل شخصين وإصابة 30 شخصاً بينهم أطفال في حالات خطرة، إضافة لـ نزوح عدد من أهالي المخيمات والقرى والبلدات المحيطة ببلدة حوار كلس شمال مدينة صوران وقرب الحدود السورية التركية التي تعج بالمخيمات، و قرية كفرجنة بريف عفرين.
توصلت منظمة الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) بعد يوم من الاشتباكات إلى هدنة إنسانية بين الأطراف المشتبكة، ولمدة ثلاث ساعات، لتتمكن فرقها من الوصول إلى الجرحى في مخيم للنازحين قرب كفرجنة وإجلاء المدنيين من المناطق التي شهدت اشتباكات إلى أماكن أكثر أمناً. وأعلنت الجبهة الشامية من جهة والقوة المشتركة من جهة أخرى استجابتهما لمطالب وقف إطلاق النار في بيانين منفصلين، حمّل كل منهما الآخر مسؤولية استخدام الأسلحة الثقيلة والقصف العشوائي الذي تسبب بوقوع ضحايا في صفوف المدنيين.
ولم تمض ساعات على الهدنة حتى رضخت فرقة صقور الشمال لقرار وزارة الدفاع معلنةً حل نفسها مساء الخميس 17 أكتوبر/تشرين الأول في إطار إعادة هيكلة كوادر الجيش الوطني، وتوزيع الأدوار والمهام الموكلة للفصائل العسكرية وفق المتطلبات الميدانية وتركيزاً للقوة العسكرية، بحسب بيان صادر عن قيادة الفرقة.
أسباب الاشتباكات الأخيرة
ترجع الخلافات إلى رفض فرقة صقور الشمال قرار وزارة الدفاع الذي صدر في 16 أيلول الماضي، والذي نص على حل الفرقة ودمج كوادرها البشرية والمعدات اللوجستية والعسكرية في صفوف فرق عسكرية أخرى ضمن الجيش الوطني، وذلك بما يتماشى مع خطة الوزارة في إعادة الهيكلة.
وظهر لواء صقور الشمال مع انطلاقة غرفة عمليات درع الفرات ضد تنظيم الدولة الإسلامية شمالي حلب خلال عام 2016، بقيادة النقيب أحمد حاج علي الملقب (أحمد الخيرية)، الذي رفض الانسحاب من مناطق شمال حلب إلى إدلب استجابةً لمطالب قيادة لواء صقور الجبل (الفصيل الأم) وأعلن تشكيل لواء صقور الشمال.
وتأسس لواء صقور الجبل في منطقة جبل الزاوية في محافظة إدلب في أيلول 2012 بقيادة شقيق أحمد حاج علي، حسن حاج علي الملقب بـ (حسن الخيرية)، الذي تولى قيادة فرقة صقور الشمال ضمن مكونات الفيلق الثاني من الجيش الوطني عوضاً عن شقيقه الذي قتل في معارك ضد داعش.
وبحسب الموقع الإلكتروني لفرقة صقور الشمال، تتكون الفرقة من 2500 مقاتل، انتشروا عقب معركة “درع الفرات” ضمن بلدة الغندورة شرق حلب، وقريتي حوار كلس وإكدة قرب الحدود السورية التركية، لكن في العام 2018، شاركت الفرقة في عملية “غصن الزيتون”، ومنحت السيطرة على قرى جمروك وعرب شيخو وعلي جارو وسعر نشكي في عفرين.
وشكل قرار حل الفصيل سبباً في تعرض حسن الخيرية لأزمة قلبية نقل على إثرها إلى المستشفى، وفور خروجه زار أبو العز سراقب (عزام غريب) قائد الجبهة الشامية والتقطا صورةً في مقر قيادة الجبهة الشامية في معبر باب السلامة الحدودي وأعلنا انضمام فرقة صقور الشمال إلى “الشامية”، التي رحبت بدورها ببيان منفصل خارج إطار وزارة الدفاع، ما وضع الوزارة ومن خلفها الاستخبارات التركية أمام استحقاق إثبات قدرتهما على فرض القرارات الوزارية على الفصائل العسكرية.
وجدت الجبهة الشامية في انضمام صقور الشمال إلى صفوفها في 17 أيلول 2024، فرصة لا تعوض، تمكنها من تحقيق مكتسبات على المستويين السيطرة والانتشار والنفوذ الاقتصادي لا سيما منطقة عفرين، وهو أمر اتضح خلال ترحيبها المباشر بانضمام الصقور إليها على الرغم من مخالفته للقرارات الصادرة عن وزارة الدفاع ومن خلفها الاستخبارات التركية.
وأثار التقارب المباشر بين صقور الشمال والجبهة الشامية مخاوف القوة المشتركة من استعادة الجبهة الشامية قوتها و بسط نفوذها على مواقع ضمن منطقة عفرين التي تقع تحت سيطرة “القوة المشتركة” ما حولها إلى عصا وزارة الدفاع والجانب التركي في تنفيذ القرارات ضد الجبهة الشامية و صقور الشمال.
عداء الشامية والمشتركة
العداء بين الجبهة الشامية والقوة المشتركة ليس وليد الأحداث الأخيرة، إذ يعود للربع الأخير من عام 2022 حين خسرت الشامية مواقع نفوذ لها في مدينة عفرين لصالح المشتركة.
وتعود جذور الصراع إلى قضية اغتيال الناشط الإعلامي محمد عبد اللطيف أبو غنوم وزوجته الحامل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2022 في أحد شوارع مدينة الباب شرقي حلب، على يد مقاتلين عسكريين، لأسباب وصفت بنشاطاته الراصدة و المنتقدة للانتهاكات الفصائلية في المدينة، ما دفع الأهالي إلى التظاهر والمطالبة بتحقيق العدالة من خلال ملاحقة المجرمين المتورطين.
تولت الجبهة الشامية، الفيلق الثالث آنذاك، مسألة التحقيقات وكشفت تورط عناصر ينتمون لفرقة الحمزة في حادثة اغتيال أبو غنوم، إذ تلقوا أوامرهم من القيادة، لكن محاولة تملص فرقة الحمزة من الخضوع للقضاء ومحاسبة المسؤولين تسبب بمواجهات عسكرية بين الجبهة الشامية والقوة المشتركة في الباب وبزاعة وقباسين إضافة لمدينة عفرين.
في تلك الأثناء دفعت “هيئة تحرير الشام” بأرتال عسكرية وصلت إلى حدود منطقة أعزاز ضد الجبهة الشامية التي كانت تهيمن على الفيلق الثالث بقيادة حسام ياسين (أبو ياسين) بهدف مؤازرة القوة المشتركة وحركة أحرار الشام القطاع الشرقي (متهمة بتبعيتها لهيئة تحرير الشام وانضمت للقتال ضد الجبهة الشامية نتيجة خلافات سابقة على موارد اقتصادية بمنطقة حراقات ترحين ومعبر الحمران الفاصل بين مناطق سيطرة قسد والجيش الوطني).
إثر ذلك، انسحبت الجبهة الشامية من معاقلها في ترندة (محطة ترسيم عبور) والمعبطلي وكفر جنة لصالح القوة المشتركة، إلى معقلها الرئيسي ضمن مدينتي أعزاز ومارع شمال حلب، مع إبقاء وجود عسكري محدود الصلاحيات ضمن مدينة الباب.
مطلع عام 2024 استعادت الجبهة الشامية علاقاتها مع الفصائل المنشقة عنها بما فيها أحرار الشام القطاع الشرقي/أحرار عولان، وهو ما اعتبر منافساً للقوة المشتركة التي وجدت مساعي كبيرة من قبل “الشامية” لاستعادة نفوذها السابق، لا سيما من خلال انضمام الصقور أخيراً إلى صفوفها، وعودتها إلى عفرين، وهو ما يعني بالضرورة مشاركتها في السيطرة على المنطقة التي تسعى جاهدة لإدارتها.
وتأسست القوة المشتركة خلال العام 2022، نتيجة تحالف بين فرقتي الحمزة، والسلطان سليمان شاه، وخروج الفصيلان المعروفان أيضاً بـ “الحمزات والعمشات”، من الغرف والتجمعات الفصائلية التي نشأت في تلك الفترة داخل الجيش الوطني (غرفة القيادة الموحدة عزم، الجبهة السورية للتحرير، هيئة ثائرون للتحرير).
وتمتلك القوة المشتركة صلاحيات السيطرة العسكرية الكاملة على منطقة عفرين والباب، بينما يبدو وجود الفصائل العسكرية الأخرى محدوداً في بعض القرى والبلدات، وفي أغسطس/آب 2023 فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على فرقتي الحمزات والعمشات لتورطهما بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في منطقة عفرين.
واستغلت القوة المشتركة مواقف الجبهة الشامية المعارضة للسياسة التركية، بدءًا من رفضها إرسال عناصرها للقتال خارج الأراضي السورية (ليبيا، أذربيجان، النيجر)، وامتناعها عن التوقيع على قرار إعادة فتح معبر أبو الزندين، الفاصل بين مناطق سيطرة الجيش الوطني ومناطق سيطرة نظام الأسد جنوبي مدينة الباب شرقي حلب.
واتهام الجبهة الشامية بتحريك الشارع في الشمال السوري للخروج بمظاهرات مناهضة لتركيا في الأول من تموز الماضي والتي تزامنت مع قرار إعادة فتح معبر أبو الزندين وتغير السياسة التركية الرامية إلى تطبيع العلاقات مع النظام السوري، وموجة العنصرية تجاه اللاجئين السوريين على الأراضي التركية، ما عرف حينها بأحداث قيصري.
تسببت مواقف الشامية المناهضة للسياسة التركية بوضعها أمام قوائم التفكك رغم مساعيها الحثيثة إلى كسب الثقة المحلية، كونها تعتبر نفسها صاحبة امتداد اجتماعي ناشئ من أهالي محافظة حلب وريفها نظراً إلى قدم تأسيسها ومشروعها المحلي السوري.
وبدى واضحاً تعرض الجبهة الشامية لضغوط من قبل الجانب التركي من خلال تضييق تحركات قيادتها وكوادرها في العبور من وإلى تركيا عبر معبر باب السلامة، إضافة إلى تخليها عن صقور الشمال وانصياعها لأوامر الاستخبارات التركية عبر وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، فضلاً عن انشقاق ثلاثة مكونات رئيسة من أبناء تل رفعت عنها وانضمامهم إلى الفرقة 51 وهم: تجمع أهل الديار واللواء الخامس وكتائب الساجدون لله خلال اليومين الماضيين.
تأسست الجبهة الشامية في منتصف كانون الأول من العام 2014 من قبل مجموعة فصائل عسكرية عاملة في مدينة حلب، من بينها الجبهة الإسلامية، وكتائب نور الدين الزنكي، وتجمع فاستقم كما أمرت، وجبهة الأصالة والتنمية وأحرار الشام، وصقور الشام، وحركة حزم.. بعضها استمر في العمل تحت اسم الجبهة الشامية وآخرون خرجوا عنها.
انتهت المواجهات بسيطرة القوة المشتركة على جميع مقار فرقة صقور الشمال في حوار كلس وإكدة في منطقة أعزاز، وجمروك وعرب شيخو وعلي جارو وسعر نشكي في منطقة عفرين، بعدما أعلن الفصيل حل نفسه والخروج من الجبهة الشامية، ومن المفترض أن تضع القوة المشتركة الكوادر البشرية والعتاد العسكري تحت تصرف وزارة الدفاع.
ورغم ما أثبتته الأحداث الأخيرة من محدودية صلاحيات وزارة الدفاع التابعة للحكومة السورية المؤقتة في فرض قراراتها على الفصائل العسكرية وقياداتها، فإنها تسعى، منذ مطلع العام الجاري، إلى إعادة هيكلة مكونات الجيش الوطني، وتعد مسألة حل فرقة صقور الشمال خطوة أولى نحو حل مكونات أخرى بهدف تحويلها إلى فرق عسكرية متساوية الصلاحيات والنفوذ.
ويبدو، إلى الآن، أن مسمى “الجيش الوطني السوري” الذي يجمع بين الفصائل العسكرية هو مجرد جسم عسكري دون فاعلية منتظمة وقيادة موحدة، يمتلك كل فصيل فيه مكاتب سياسية واقتصادية وعسكرية واجتماعية وعشائرية منفصلة تماماً عن الأخرى يقرر وفق ما تقتضيه مصالحه ونفوذه السلطوية والاقتصادية.
الأحداث الأخيرة أظهرت انشغال الفصائل بالاقتتال والخلاف الداخلي على السيطرة والنفوذ الاقتصادي دون الاهتمام بأرواح المدنيين القاطنين في المنطقة، مايثير مخاوف الأهالي في ريفي حلب الشمالي والشرقي، حول قدرتها على حماية المنطقة من الهجمات العسكرية وتحقيق الاستقرار، الهدف الرئيس لتشكيل الجيش الوطني و انضواء جميع الفصائل تحت مظلته.