فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

focusaleppo

عائدون من لبنان إلى شمال غربي سوريا.. الطريق مغلق

إغلاق معبر عون الدادات في جرابلس، المنفذ الوحيد إلى مناطق شمال غربي سوريا، يعقّد عودة سوريين هاربين من الحرب في لبنان وسط تضاعف المخاطر والتكاليف

أغلقت الشرطة العسكرية التابعة للجيش الوطني السوري في شمال غربي سوريا، يوم أمس الاثنين، المنفذ الوحيد (معبر عون الدادات) الواصل بين مناطق سيطرة كلّ من قوات سوريا الديمقراطية والمعارضة السورية، حتى إشعار آخر، وذلك نظراً لما وصفه بيان صادر عن إدراتها بـ “التصرفات غير الأخلاقية في ساحة العون من قبل عناصر حزب العمال الكردستاني اتجاه القادمين إلى للمنطقة من مناطق سيطرة النظام”.

دون توضيح لهذه التصرفات أو ردّ على الأسئلة الموجهة للحكومة المؤقتة أو الشرطة العسكرية، جاء قرار الإغلاق تزامناً مع رحلة نزوح عكسي يعيشها سوريون عائدون من لبنان هرباً من تصاعد “القصف الإسرائيلي” على مناطق متفرقة في الجنوب اللبناني والعاصمة بيروت، أجبرت، منذ 23 أيلول 2024، مئات آلاف السوريين على العودة إلى بلادهم.

ومع انعدام البدائل، يفقد سوريون من أبناء شمال غربي سوريا، و الهاربون من الحرب اللبنانية خياراً آخر للدخول إلى مناطقهم، ويجبرون على البقاء في مناطق النظام، عرضة للاعتقال والابتزاز، أو التوجه إلى مناطق الإدارة الذاتية.

النزوح  يبدأ من لبنان

تقدّر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وبحسب تقديرات حكومية لبنانية، وجود نحو مليون ونصف مليون لاجئ سوري في لبنان، يعيش 90% منهم في حالة من الفقر المدقع.

منذ 23 أيلول ولغاية 30 أيلول 2024، سجل الأمن العام اللبناني عبور أكثر من 289 ألف مواطن سوري إلى الأراضي السورية، وصل منهم إلى مناطق الإدارة الذاتية  نحو 18 ألف شخص، بينما سجلت مناطق شمال غربي سوريا (المعارضة السورية) وصول 1867 شخصاً حتى نهاية أيلول الماضي، بحسب منسقو استجابة سوريا، إضافة لنحو 1700 شخصاً آخرين وصلوا عبر معبر عون الدادات التابع لمنطقة جرابلس  يوم الجمعة الماضي، 4 تشرين الأول 2024، بحسب إحصائية الدفاع المدني في سوريا.

ليست رحلة النزوح العكسي خياراً بـ “العودة الطوعية”، يقول معتصم الحمدو، لاجئ سوري في لبنان منذ عام 2014 يعيش في مدينة صيدا اللبنانية، إذ فرضت ظروف الحرب على كثير من السوريين العودة إلى سوريا لانعدام البدائل أمامهم، رغم خطورة وتكاليف الرحلة المضنية.

يقول الحمدو إن عشرات آلاف السوريين نزحوا داخلياً في لبنان هرباً من أماكن سكنهم في الجنوب، لتعرضها للقصف أو استجابة للتحذيرات التي يطلقها “الإسرائيليون” بإخلاء مدن وبلدات، خاصة في الجنوب، أو خوفاً من سكنهم بالقرب من مناطق تتعرض للاستهداف اليومي.

ويضيف أن مراكز الإيواء في معظمها لا تستقبل السوريين، خاصة وأن عددها لا يلبي احتياجات اللبنانيين النازحين أنفسهم، وكانت وحدة إدارة الكوارث اللبنانية قد قالت إن مائة ألف مواطن لبناني فقط من أصل مليون نازح جرى احتوائهم في مراكز إيواء.

مشاهد مؤلمة يحكيها محمد، وهو  صحفي سوري لاجئ في لبنان يعيش في مخيم عين الحلوة، عن سوريين يعيشون في ساحات مدينة صيدا وعلى كورنيش صيدا الذي يبلغ طوله نحو 4  كيلومترات، يقول “على مدّ عينك والنظر أطفال ونساء وكبار السن يعيشون في الشوارع، دون أن تقبل مراكز الإيواء احتواءهم بموجب قرار من الحكومة اللبنانية”.

يضيف محمد، شرطة البلدية طلبت من اللاجئين السوريين نهاية شهر أيلول إخلاء الساحات والشوارع والكورنيش خلال 24 ساعة، ومنحوهم خيارين، العودة إلى سوريا أو (دبر حالك)، وتعني هذه الجملة أن “تستضيف عائلات سورية تعيش في منطقة شبه آمنة عائلات أخرى، إذ لا يكاد يخلو منزل سوري اليوم من عشرين شخصاً على الأقل، أو التوجه إلى مفوضية اللاجئين التي أجابت عائلات سورية تحدثنا معهم أنها لا تملك خياراً، ولم تخصص أي مكان للاجئين السوريين”.

في صيدا يتراوح إيجار الشقة المفروشة نحو 800 دولار وقد يصل إيجار المنازل الكبيرة لأكثر من ألف دولار، بينما يتراوح إيجار الشقة الفارغة بين 500 إلى 600 دولار، ويفرض أصحاب العقارات على المستأجرين دفع ستة شهور مقدماً، وهو ما لا يمكن تحمل نفقته لدى معظم العائلات السورية، أما في مناطق أخرى في بيروت فيصل إيجار المنازل لأكثر من 1200 دولاراً وبالشروط ذاتها، ما أجبر السوريين على العودة إلى سوريا أو افتراش طرقات يطردون منها في كل يوم، وفي أفضل الأحوال التوجه إلى مخيمات السوريين القديمة في البقاع أو النوم في البساتين أو الطرقات الفرعية.

المرصد السوري لحقوق الإنسان قدّر  في 6 تشرين الثاني، مقتل 171 شخصاً من اللاجئين السوريين في لبنان منذ بداية الحرب، بينهم 33 امرأة و46 طفلاً، بينما تواجه بقية العوائل أوضاعاً إنسانية صعبة في ظل موجات النزوح الداخلي الكبيرة الذي تشهده لبنان أخيراً. 

إلى مناطق النظام: تكاليف مرهقة، اعتقالات وخوف

تدرّجت تكلفة الوصول إلى سوريا من لبنان، وتضاعفت يوماً بعد يوم، لأسباب كثيرة أهمها قطع طريق المصنع الرئيسي، الواصل بين لبنان ودمشق، بعد استهدافه فجر يوم الجمعة الماضي، 4 تشرين الأول 2024، بغارات إسرائيلية، كذلك الاكتظاظ الحاصل وقلّة الوقود ودفع الرشاوى للمرور.

في اتصال أجريناه مع أحد مكاتب النقل في دمشق يوم الاثنين 7  تشرين الأول الحالي، طلب منا لنقل عائلة مكونة من خمسة أشخاص و 4 حقائب مبلغ 600 دولاراً لإيصال العائلة من مدينة بيروت إلى مدينة اللاذقية، قبل ذلك طلب منا المكتب ذاته في 3 تشرين الأول الحالي مبلغ 350 دولاراً لإيصال العائلة ذاتها إلى اللاذقية، أو 300 دولار لإيصالها إلى دمشق.

يقول الصحفي محمد إن التكلفة تختلف بين مكتب وآخر، وإن هناك وسائل نقل عامة (كرانك) من بيروت تتقاضى نحو 25 دولاراً فقط على الشخص لإيصاله إلى دمشق، بحسب التعرفة العامة، لكن الازدحام الكبير وطول الوقت على الطريق يدفع الأهالي لطلب سيارة خاصة، ويحدد التعرفة أيضاً طبيعة أوراقك، إن كنت مخالفاً أو خائفاً أن تكون مطلوباً لإحدى الجهات الأمنية، كذلك رغبتك بالدخول بسرعة، فمثل العادة دائماً (ادفع بتمرق أسرع، دون دور أو مشكلات).

تتراوح تكلفة السيارة الخاصة اليوم بين 150 دولاراً للشخص الواحد أو 600 دولار للعائلة بكاملها، ويفرض على جميع السوريين العائدين قراراً بمنع العودة إلى لبنان.

هذه التكلفة تشمل فقط معبري المصنع، وهو الذي يربط بين بلدة جديدة يابوس في محافظة ريف دمشق وبلدة المصنع في البقاع اللبناني، و العريضة الذي يربط محافظة طرطوس السورية مع قرية العريضة اللبنانية، وهما معبران من أصل 6 معابر شرعية بين لبنان وسوريا، وهي الدبوسية   وجوسيه، وتلكلخ و مطربا وجميعها تصل الحدود اللبنانية بمدينة حمص، ولم نستطع الوصول إلى تكلفة الدخول من هذه المعابر، إضافة لأكثر من عشرة معابر، غير شرعية، تستخدم للتهريب.

لا يمكن تحديد تكلفة واضحة لطرق التهريب، لكن محمد العلي، لاجئ سوري يعيش في برج البراجنة في بيروت، قال إنه حاول الدخول عبر إحدى هذه الطرق لخوفه من الاعتقال، يقول “أعلم أني مطلوب لأكثر من جهة أمنية، ولذلك قررت الدخول عبر طرق التهريب، طلب مني المهرب 600 دولار عن كل شخص كبير من عائلتي و 350 دولار عن كل طفل”.

لم يكن محمد يملك المبلغ المطلوب، لكن ذلك ليس السبب الوحيد لتخليه عن الرحلة، يقول إن أصدقاء له سلكوا الطريق ذاته، مشوا لساعات وتعرضوا للإهانة والذل في الطريق، وهو ما لا يحتمله رفقة عائلته، ناهيك عن الخوف من تسليم العائلات لقوات النظام، أو خطفها أسوة بحوادث سابقة.

تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان صدر في 2 تشرين الأول الحالي، أشار إلى اعتقال قوات النظام عند المعابر الحدودية بين لبنان وسوريا الرسمية وغير الرسمية، ما لا يقل عن 9 أشخاص من اللاجئين معظمهم من أبناء محافظة ريف دمشق، وعلى خلفية التجنيد الإلزامي والاحتياطي.

واقتيد معظمهم إلى مراكز الاحتجاز الأمنية والعسكرية في محافظتي حمص ودمشق. بينما تحدثت وسائل إعلام عن وصول عدد المعتقلين لأكثر من 40 شخصاً بتهم مختلفة، دون معرفة مصيرهم.

أيضاً سببت حركة النزوح العكسي للسوريين والنزوح اللبناني بتضاعف أسعار إيجارات المنازل في سوريا، إذ رصدنا في فوكس حلب و بحسب من تحدثنا معهم، ارتفاعها في مدن دمشق، اللاذقية، حلب بنحو ضعف إلى ضعفي ما كانت عليه قبل 23 أيلول الماضي. 

معبر عون الدادات مفتوح لمرة واحدة ومغلق حتى إشعار آخر 

تتذيل الأعداد التي وصلت إلى شمال غربي سوريا قائمة النازحين العائدين إلى سوريا، يرجع الصحفي محمد سبب ذلك لخطورة الطريق والتكلفة العالية من جهة، إضافة لأن معظم هذه العائلات، سواء كان ذلك صحيحاً أم لا، تشعر بأنها مطلوبة لقوات النظام، إما لسبب أمني أو للالتحاق بخدمة العلم، كذلك خوفهم من الاعتقال لأسباب أخرى، منها المدن التي ينحدون منها في إدلب أو أرياف حلب.

وتسببت الإجراءات التي وصفتها منى سيد علي، أم لأربعة أطفال خاضت رحلة العودة من مكان نزوحها في مدينة صور إلى مسقط رأسها في إدلب، بـ “التعسفية” على معبر الجيش الوطني، بخوف سكان من العودة، واضطرارهم للبقاء في مناطق النظام لعدم قدرتهم على الوصول إلى قراهم، و تعرضهم للابتزاز من قبل المهربين.

عبيدة سعود، أحد النازحين السوريين العائدين من لبنان حيث كان يقيم إلى سوريا قال إنه دفع مبلغ 350  دولاراً عن كل فرد من أفراد عائلته تشمل نقله من بيروت وحتى معبر عون الدادات الفاصل بين منطقتي  منبج الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” وبين منطقة جرابلس التي يسيطر عليها الجيش الوطني.

وصل عبيدة رفقة عائلات أخرى في الأول من تشرين الأول ليجدوا أنفسهم عالقين بعد رفض الشرطة العسكرية في معبر عون الدادات إدخال العائلات الواصلة من لبنان، دون توضيح الأسباب، مكتفية بإرجاع ذلك إلى إجراءات أمنية ضرورية.

اضطر الأهالي العالقين في المعبر ، وعددهم نحو 1700 شخصاً، معظمهم من الأطفال والنساء، بعد ثلاثة أيام من وصولهم، لاقتحام حواجز الشرطة العسكرية والجيش الوطني تزامناً مع توافد عدد من المتظاهرين من جانب سيطرة الجيش الوطني للمطالبة بالسماح بدخول الأهالي، ما أجبر الشرطة العسكرية على السماح بدخولهم شريطة ترك هوياتهم الشخصية لإجراء تحقق أمني لاحق.

ويمثل معبر عون الدادات، الذي سمي نسبة للقرية التي يوجد فيها، نقطة العبور الوحيدة للمدنيين القادمين من مختلف المناطق السورية إلى مناطق سيطرة الجيش الوطني، إذ يحتاج المدنيون عادة إلى ورقة “تنسيق” من أفرع الشرطة العسكرية للسماح لهم بالدخول على شكل زيارة يتم تقديمها من قبل أحد أقاربهم من الدرجة الأولى حصراً والمقيمين في مناطق سيطرة الجيش الوطني بغية التحقق الأمني، بحسب إدارة الشرطة العسكرية، فيما أضاف ناشطون بأن ورقة التنسيق أو الزيارة من شأنها ضمان عدم مغادرة الأشخاص باتجاه تركيا بشكل غير شرعي بسبب اعتبار ورقة الزيارة بمثابة كفالة من قبل ذوي الأشخاص المقيمين في مناطق سيطرة الجيش الوطني وقد تعرضهم للمساءلة في حال خروج الشخص القادم من مناطق سيطرة قسد والنظام باتجاه تركيا.

عساف الشيخ، 27 عاماً، أحد العائدين الذين كانوا عالقين في المعبر، عبر عن أسفه “نتيجة المعاملة التي تلقوها على المعبر من قبل الشرطة العسكرية بالمنع والإغلاق دون مراعاة وضعهم الإنساني السيء، ودون اعتبار لكونهم سوريين اختاروا مناطق شمال غربي سوريا دوناً عن بقية مناطق السيطرة في سوريا”.

السيدة منى قالت إن المكان الذي تركوا فيه كان يفتقر لمعظم الخدمات الأساسية، تقول “كنا نشتري الطعام المتوفر بأسعار باهظة، تقاسمنا ما كان معنا حتى حليب الأطفال والأودية، كان هناك مرضى وعجائز، كانت أياماً شعرنا فيها بالندم على العودة”.

العائلات الثلاث التي تحدثنا معها أكدت أن مئات العائلات افترشت الأرض رفقة أطفالها طيلة ثلاثة أيام، دون وجود أي خدمات تذكر، وأنه لا توجد أي أماكن استقبال أو غرف انتظار.

يؤكد ما قالته العائلات، ما نقله الدفاع المدني السوري خلال استجابته لدخولهم ونقل المرضى وتقديم الرعاية الصحية الأولية والمساعدات الطارئة لهم في فيديوهات تظهر ما عاشه العائدون خلال رحلة النزوح من تعب وإرهاق.

تواصلت فوكس حلب مع المكتب الإعلامي للحكومة المؤقتة للاستفسار عن سبب منع دخول المدنيين القادمين من لبنان إلى المنطقة طيلة ثلاثة أيام دون سبب واضح، ليأتي الرد باستقبال الاستفسارات ورفعها لوزير الداخلية دون رد حتى الآن، فيما صرحت إدارة الشرطة العسكرية بأن دورها يقتصر على الجانب الأمني فقط وإنها لا تملك قرار الفتح أو الإغلاق.

بعد دخول العائلات أغلق المعبر نهائياً حتى إشعار آخر، وأنهى بإغلاقه أمل آلاف العائلات السورية بالعودة إلى مدنهم وبلداتهم ما يتركهم أما خيار البقاء تحت القصف الإسرائيلي أو العودة إلى مناطق النظام وخطر الاعتقال، هناك خيار آخر يلوح به مهربون من تحت الطاولة.