فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

كواليس العمل في تركيا.. تفاصيل مؤلمة يرويها عمّال سوريون

سيرين مصطفى. هاني العبد الله

تعرض سوريون يعملون في تركيا لحوادث وإصابات بعضها سبب لهم إعاقات دائمة أو أدّى إلى الوفاة، لكن الجهل بقوانين البلد المضيف حرمهم من الحق بالتعويض

عندما قصد كريم محمد تركيا بطريقة غير نظامية عام 2015 كان يأمل بإيجاد مصدر دخل كغيره من الشبان المقبلين على الزواج، واضعاً حداً زمنياً لخطته أقصاه عامين كي يعود بمبلغ يكفيه لشراء بيت متواضع بسقف قماشي، إضافة لمبلغ يغطي نفقات الزواج.

لكن الشاب الثلاثيني المهجر من قرية مدايا بريف إدلب عاد بعد عامين وبحوزته قليل من المال بالكاد يكفي لسد تكاليف العلاج من مرض الديسك الذي أصابه نتيجة ساعات العمل الطويلة في معمل حديد بمدينة إسطنبول.

ارتفاع أجور المعيشة في تركيا مقارنة بأجور العمل كانت سبباً لسعي كريم لاستغلال حتى أيام العطلة بالعمل كساعات إضافية، طمعاً بتقصير خطته الزمنية. يقول: “تجاهلي آلام ظهري ومفاصلي لم يكن طمعاً بجمع المال على حساب صحتي، إلا أن شروط العمل جعلتني ألبي احتياج المعمل للدوام الإضافي، إضافة لرغبتي بالاكتفاء المادي، ولم أكن أتوقع أن المرض سيزداد لهذا الحد”.

كريم واحد من حالات أخرى وصلت أذيتهم بسبب العمل حد العجز، حاله مثل حال أسعد الأحمد، 24 عاماً، من ريف إدلب الجنوبي. قبل خمس سنوات كان يعمل في توسيا (مدينة في ولاية قسطموني شمالي تركيا) ضمن معمل حديد أيضاً. أثناء عمله تعرض لإصابة في اثنين من أصابع اليد اليمنى، من شدة الألم اجتمع العمال على صراخه، يقول: “لحسن حظي أن عمي واثنين من أقاربي كانوا معي في المكان ذاته، فأسعفوني إلى المشفى، لم أعد قادرا بعدها على العمل لستة أشهر كاملة”.

خلال برنامج إفطار نظمه اتحاد نقابات حقوق العمال التركي “HAK-İŞ” نهاية شهر آذار من العام الحالي أكد رئيس الاتحاد محمود أرسلان، عدم اعتراض الاتحاد على انخراط العمال الأجانب، ومنهم السوريون، في سوق العمل التركي، لكنه شدد على ضرورة التزامهم بالتشريعات القانونية، موضحاً أن النقابة “HAK-İŞ” تهدف إلى ضمان حصول العمال على تصاريح العمل اللازمة قبل البدء بالعمل.

لا تجهل النقابة أطماع أرباب العمل وأصحاب الورشات في كافة القطاعات للتملص من مسؤولياتهم تجاه العمال الذين يتعرضون لحوادث ميدانية قد تفقدهم قدرتهم على العمل نتيجة مرض أو إعاقة معينة، وقد تفقدهم حياتهم أيضاً، وهذا ما يبرر التصريح السابق.

ضحايا كثر من شريحة العمال في تركيا غابت قصصهم عن المحاكم التركية منذ بداية هجرة السوريين لتركيا، إلا أن إعاقتهم التي تسبب بها العمل أو ذاكرة ذوي المتوفين منهم تبقى شاهدة على ما مروا به ميدانياً وقانونياً.

“الرمد أحسن من العمى، والإعاقة أسهل من أن يعود بنعشٍ محمولٍ على الأكتاف” يقول أبو عدنان، من ريف حماة الغربي عندما سرد لنا قصة ابن أخيه “محمود أحمد” اسم مستعار اختاره عمه كون إخوته وأعمامه مازالوا يعملون في تركيا. لاقى الشاب العشريني حتفه عام 2019 بعد دخوله الأراضي التركية بـ 15 يوماً نتيجة صعقة كهربائية في المعمل أثناء إعداد الشاي خلال استراحة العمل.

جثةً هامدةً عاد محمود، والمشهد الأكثر قسوة هو آثار الجرح الكبير الممتد من الذقن إلى أسفل البطن، تمت خياطته بآلة مخصصة (قطب معدنية)، التي تدل على أنهم شرحوا جثته قبل إرساله لسوريا. وعوضاً من أن يُزفّ للزواج الذي دخل تركيا لأجله زُفّ من معبر باب الهوى في تابوته بكثير من الحزن والدموع.

يقول أبو عدنان: “موجة من الانكسار اجتاحت إخوة محمود بعد وفاته، وكاد شقيقه الذي كان معه أن يفقد عقله، وكلما رأى إبريق الشاي يتذكر تفاصيل الحادثة التي انقضت دون أي تعويض لوالدته الأرملة”.

خدمات التأمين ضد البطالة للأتراك فقط

لمنع البطالة ولإيجاد فرص عمل وعمال تتخذ وكالة التوظيف الحكومية التركية (İŞKUR) إجراءات وتنفذ مبادرات مختلفة لتطوير وحماية وتوسيع التوظيف، وتدير خدمات التأمين ضد البطالة.

هذا كان يشمل كل من هم على الأراضي التركية قبل كانون الأول، أما بعد هذا التاريخ فقد أجرت مؤسسة الضمان الاجتماعي التركية (SGK) تغييرات على شروط الدعم التأميني الموجه للتوظيف، فأرباب العمل في القطاع الخاص لن يتمكنوا من الاستفادة من الدعم عبر توظيف الأجانب، إذ لا يمكن اعتبارهم وتسجيلهم كعاطلين عن العمل في وكالة التوظيف الحكومية التركية (İŞKUR).

لذلك فإن القطاع الخاص انصرف عن استقبال سوريين، فوجد سوريون أنفسهم مضطرين للبحث عن أي عمل يُقبلون فيه، وتشكل العمالة السورية 2,9% من إجمالي حجم العمالة في سوق العمل التركي الرسمي وغير الرسمي وفقاً لإحصائيات الحكومة التركية بحسب بحث أصدره مركز أبحاث الحوار السوري. هذا البحث صدر قبل القرار السابق بثلاثة أعوام، حاول معرفة واقع العمالة السورية من خلال دراسة حالة لإحدى الشرائح التي التحقت بسوق العمل، وهي شريحة القاطنين في السكن الشبابي.

النتائج أظهرت أن الشريحة المدروسة تركز عملها بشكل رئيسي في سوق العمل غير الرسمي، خاصة في قطاعات الورشات الصناعية والملابس والأحذية التي استوعبت ما يزيد عن نصف العمالة السورية، يليها قطاع الإنشاءات، ثم قطاع الشركات والمحلات التجارية، ثم قطاع الأعمال الحرة، ثم في قطاع المطاعم والمخابز السورية، ويتوزع البقية في قطاعات عمل متفرقة كصيانة السيارات، والعمل في نقل وبيع الفحم، والزراعة والإعلام والتعليم وغيرها بنِسَب بسيطة.

هذا كان قبل زلزال شباط 2023 الذي دمر قرابة 85% من الأبنية في ولاية هاتاي بسبب الزلزال، خسر بسببه سوريون مصالحهم ومنشآتهم التي أسسوها على مدار 10 سنوات، ما دفع من نجا منهم للانخراط بالعمل بالمياومة في مجال الإنشاءات الذي صار مصدر دخلهم الوحيد والعمل المتاح والأكثر استقطاباً للعمال السوريين مؤخراً.

وبعد تصريح مؤسسة الضمان التركي السابق في هاتاي دعا رئيس الحرفيين، أحمد تورونتش، الحرفيين الذين لا يستطيعون العثور على عمل في جميع أنحاء البلاد إلى هاتاي للعمل وقال في حديث نقلته وسائل إعلام تركية: “هناك عمل في كل مكان في هاتاي الآن…، ولكن لا يمكننا العثور على عمال”. مشيراً إلى أن الأجر اليومي هو ألف ليرة، وفي الفئات المهنية الأخرى هناك من لديه أقل ومن لديه أكثر. الأجر اليومي يبدأ من ألف إلى 1500.. لا يوجد موظفون حتى بهذه الأسعار. وأضاف: “العمل ثقيل، لا أحد يريد أن يجعل أطفاله يعملون في مثل هذا العمل الشاق”.

في الوقت ذاته تتجاهل الحكومة التركية تشغيل اليد العاملة السورية دون تصريح عمل وتغض النظر عن أصحاب الورشات والمعامل الذين لا يسعون للحصول على إذن عمل لعمالهم، فالاستغناء عن تسجيلهم في مؤسسة الضمان الاجتماعي يساهم بالتوفير في مصاريف الإنتاج وزيادة الأرباح.

لا تتجاوز نسبة السوريين الحاملين لتصاريح عمل نظامية 5% من إجمالي حجم العمالة في سوق العمل التركي، ويعود ذلك إلى التعقيدات والشروط القاسية في استخراج تصاريح العمل، وإلى رغبة أرباب العمل وأصحاب الورشات بتشغيل السوريين برواتب قليلة دون الالتزام بالحد الأدنى للأجور الشهرية الذي حددته وزارة العمل التركية في 27 كانون الأول 2023 بقيمة 17002 ليرة تركية (527 دولار) بزيادة بنسبة 49 بالمئة عن المستوى المحدد في تموز 2023.

يريدون السلة من دون عنب

نزيف داخلي نتيجة سقوطه من الدور الخامس أثناء عمله بالإنشاءات في مدينة مرعش التركية تسبب بوفاة شاب في التاسعة عشرة من العمر، بحسب عم الشاب الملقب “أبو علي” من ريف حماة، يقيم في مدينة مرعش التركية منذ 11 عاماً، وقعت الحادثة في اليوم الأول من عمل الشاب بعد الزلزال بثلاثة أشهر، أي في أيار 2023.

وكان صاحب العمل يتعهد أبنية سكنية مهدمة بسبب الزلزال للحصول على الحديد والمعادن ضمن البناء، إلا أن الشاب لم ينتبه لانهيار درجة أثناء نزوله محملاً بالحديد فسقط إلى الطابق الأرضي وفقد الحياة في المستشفى. حالة من الصدمة والحزن أصابت عائلة الشاب منعت والده من المطالبة بتعويض أو تقديم شكوى ضد صاحب العمل خاصة أن أقاربه ما زالوا هناك.

بعد إصابة إصبعَي أسعد طلب رب العمل منه المغادرة دون أن يعطيه أي تعويض، يقول أسعد: ” تكاليف العلاج دفعتها من جيبي الخاص، لم أكن على دراية بالقوانين التركية حينها، ولا بتعويضات العمل أو تأمين الوفاة وغيرها من الإجراءات التي تضمن حق العامل، على الرغم من أني أحمل بطاقة الحماية المؤقتة، وبعد أن تعافيت تنقلت في أماكن ومعامل مختلفة، ثم توقفت بشكل كلي في عام 2022، بعد اكتشافي الإصابة بمرض السرطان، وكل ما جنيته خلال السنوات الفائتة أنفقته على تكاليف العلاج”.

أما كريم الذي دخل الأراضي التركية بطريقة غير شرعية، فلم يستطع الحصول على بطاقة الحماية المؤقتة (الكملك) ولا تصريح العمل، يقول: ” كنت أعتقد أني إذا طالبت بتعويض صحي سيكون مصيري الترحيل الفوري، وكنت أتجاهل ألمي لأني المعيل لعائلتي، فأنا مضطر نهاية كل شهر لإرسال قسم من أجوري لوالدي لمساعدته على تكاليف الحياة في الشمال السوري، فليس لدينا أي مصدر دخل هناك”.

يجهل كريم وأسعد ساعات العمل الرسمي التي حددها قانون العمل التركي بـتسع ساعات يومياً تتخللها ساعة استراحة وغداء، إلا أنهما وكثر من العمال السوريين الذين قابلناهم يعملون ساعات طويلة، ويضطرون في بعض الأحيان للعمل بشكل إضافي بالأجرة ذاتها، ويتعرض بعضهم للاستغلال عن طريق المماطلة بدفع كامل المبالغ المستحقة ليضمن صاحب العمل بقاء العامل وعدم ترك العمل بسبب الساعات الطويلة وغيرها من الضغوط.

وينصّ قانون العمل على أن أجرة الساعة الإضافية تكون بزيادة 50 بالمئة عن الساعة العادية، إلا أن بعض أرباب العمل يساومون العمال على احتساب نفس أجر الساعات الرسمية، وفي حال رفضهم فإنهم يتعرضون لاقتطاع جزء من أجرهم نهاية الشهر بحجة تقصيرهم في العمل.

يحتاج كريم اليوم لإجراء عملية ديسك، وهو عاجز عن مزاولة المهن التي تتطلب جهداً عضلياً، يقول: “لا أحمل شهادة جامعية تؤهلني للعمل المكتبي، فلا يوجد أمامي فرص سوى الأعمال الزراعية والبناء والإنشاءات، وبعد المرض لا طاقة لي على القيام بها، مرة عملت بكساء الجدران “اللياسة” نهاراً واحداً فقط، قضيت ليلتي يومها بالصراخ من ألم الفقرات السفلية لظهري”.

فخ يحرم سوريين من حقوقهم

الشاب “ع. ع”، 30 عاما، فضل عدم ذكر اسمه لأنه ما يزال يقيم في مدينة أنقرة التركية. دخل تركيا عام 2014 عن طريق باب الهوى بطريقة رسمية، فهو يملك جواز سفر سوري، وحصل على فرصة عمل في معمل لقص أوراق الكرتون بصفة عامل على إحدى الماكينات، دون عقد أو تصريح عمل، بعد فترة تعرض لإصابة انبترت على إثرها كامل كف اليد اليسرى، ثم تلقى العلاج بأحد المستشفيات في تركيا.

كان على ع.ع التأقلم مع وضعه الجديد، وعليه أن يعتاد على القيام بمهامه الخاصة بكف يد واحدة، كارتداء الملابس ودخول الحمام، ولم يعد قادراً على قيادة المركبات أو العمل، كذلك لم يوفق بإيجاد شريكة حياة تتفهم وضعه حتى الآن.

بعد قرابة عامٍ من الإصابة شجعه مقربون على تقديم شكوى، فوكّل محامياً ثم عقدت عدة جلسات بالمحاكم، قسم من الشهود شهد لصالحه، وقسم آخر شهد لصالح صاحب المعمل، وذكر ع.ع أنه لاحظ انحيازاً واضحاً لصالح صاحب المعمل على الرغم من امتلاك الشاب لضبط شرطة وتقرير بالحادث، لكن الوقت صار يمر دون فائدة، ثم تدخل أناس أتراك لحل القصة بالتراضي، ليحصل ع.ع على مبلغ  قدره 125 ألف ليرة تركية، بعد أن أخبره المحامي بأن الجلسات في المحاكم قد تستمر سنتين دون جدوى.

القانون التركي وضع بنودًا خاصة لحماية حقوق العمال الأتراك والأجانب، في حال تعرضهم لإصابات خلال العمل، كما ضمن لذويهم الحصول على تعويض في حال وفاة العامل أثناء أدائه لمهامه.

المادة 13 من قانون التأمين الاجتماعي التركي، تعرّف إصابة العمل بأنها الحادث الذي يتسبب بإصابة العامل بإعاقة جسدية أو عقلية بسبب أدائه للعمل، أو أثناء انتقاله من وإلى مكان العمل بسيارة يوفرها صاحب العمل، وبالتالي يحق له الحصول على تعويضات إذا أثبت تقرير الطبيب تلك الإصابة.

المادة 14 تؤكد أنه يجب على صاحب العمل، إبلاغ الشرطة بإصابة العامل خلال مدة أقصاها ثلاثة أيام من تاريخ الحادث، حيث تقوم الشرطة فور وصول البلاغ بإجراء التحقيق اللازم ويثبت في المحضر أقوال الشهود، وصاحب العمل أو من يمثله وأقوال المصاب إذا سمحت حالته بذلك، وفور انتهاء التحقيق على الشرطة أن ترسل صورة من المحضر إلى دائرة العمل وأخرى لصاحب العمل.

المستشار القانوني خليل التاني، نصح العمال السوريين في حال تعرضوا لإصابة أثناء العمل، أن يسارعوا إلى كتابة ضبط بالحادثة في مخفر الشرطة، وألا ينصتوا لكلام رب العمل، الذي يحاول أن يوهمهم أنهم قد لا يحصلون على تعويضات من شركة التأمين أو أن الأمر قد يستغرق وقتًا طويلًا”.

وأضاف خليل لفوكس حلب “احذروا من أن يوقعكم رب العمل في الفخ، حيث يحاول إقناع العامل المصاب أنه سيتكفل بعلاجه وتقديم كل التعويضات له، مقابل ألا يكتب ضبطًا لدى الشرطة، أو أن يذكر أنه تعرض للإصابة خارج مكان العمل”، مضيفًا أن جميع من استجاب لصاحب العمل ولم يكتب ضبطاً حقيقياً، ضاعت حقوقه لأن صاحب العمل يتنصل من وعوده لاحقًا”.

فخ آخر وقع فيه عمال بعد تعرضهم لإصابة عمل، فحُرموا من حقهم بالتعويضات بحسب المحامي خليل يقول: “أحيانًا يأتي عنصر من الشرطة بالتنسيق مع رب العمل، ويقول للعامل إنه يعرف محامٍ جيد يساعده لتحصيل حقه، بينما يكون ذلك الشخص عبارة عن معقب معاملات، يقوم بالاحتيال على العامل، فيماطل بالقضية ويسحب منه الأموال، وفي النهاية يضيع حقه، لذا يجب على العامل أن يوكل محامٍ بنفسه يثق به”.

العامل ضحية الخوف والجهل

عمال كثر فقدوا حقهم بالحصول على تعويضات إصابة العمل أو المطالبة بها بسبب خوفهم من الترحيل أو جهلهم بالقوانين، وهو ما حصل مع العامل عزت أبو كرمو، 32 سنة، لاجئ سوري في بغجلار بإسطنبول، تعرض لإصابة خلال العمل، لكنه لم يتجرأ على كتابة ضبط في المخفر بالحادثة خوفًا من الترحيل.

يقول أبو كرمو لفوكس حلب، “ليس لدي بطاقة حماية مؤقتة (كمليك) ولا إذن عمل، لذلك أعيش في حالة خوف دائم ولاسيما مع تصاعد عمليات الترحيل بحق السوريين. إحدى المرات فقدت إصبعي خلال عملي بتقطيع الخشب، فطلبت من رب العمل تعويضاّ عن الإصابة، فرفض دفع أي مبلغ، وهددني بالطرد من العمل، لذا نصحني صديقي بكتابة ضبط لدى الشرطة بالحادثة، لكني خشيت أن يتم ترحيلي فقررت العلاج على نفقتي الخاصة، والتغاضي عن موضوع الشكوى”.

لكن عضو تجمع المحامين الأحرار حسام السرحان، أكد أن العامل يستطيع الحصول على تعويض إصابة العمل، حتى لو لم يكن يملك إذن عمل ولا حتى كمليك، وهذه معلومة يجهلها كثير من السوريين ما يتسبب بضياع حقهم، مشيرًا إلى أن رب العمل من مصلحته ألا يستخرج أذونات عمل للسوريين، كي لا يدفع لهم التأمين الصحي وتعويض إصابة العمل، ولا يلتزم بالحد الأدنى للأجور أو ساعات العمل المحددة.

وأضاف السرحان لفوكس حلب أن “من حق العامل حتى لو لم يكن لديه كمليك أو إذن عمل، أن يرفع دعوى قضائية على صاحب العمل، حيث يدفع العامل مخالفة بسيطة لعدم حيازته تصريح عمل، لكنه في المقابل سيحصل على تعويض كبير من صاحب العمل، الذي سيدفع أيضًا مخالفة لعدم استخراجه أذونات لعماله”.

تعويضات الإصابة 

في مدينة كوجايلي شمالي غرب تركيا، حكمت محكمة العمل لشاب تركي بتعويض قياسي بقيمة 1,65 مليون ليرة تركية عام 2014، بعدما أصيب بشلل جزئي جراء سقوطه من ارتفاع سبعة أمتار في موقع بناء كان يعمل فيه، وحصل على أعلى مبلغ تعويض مدفوع لحادثة إصابة عمل في تركيا.

وفق القانون التركي فإن التأمينات الاجتماعية تتكفل بدفع التعويضات لصالح العامل، إن كان مسجلًا لديها بموجب إذن عمل، أما إن لم يكن مسجلًا لديها، فإن صاحب العمل ملزم بدفع كامل التعويضات للعامل. يقول المحامي خليل التاني، إن “التعويضات التي يحصل عليها العامل تختلف حسب نوع إصابة العمل وإذا سببت الإصابة عجزًا مؤقتًا أو دائمًا، كذلك إذا كان العامل المصاب شابًا أو لديه أسرة من عدة أطفال”.

المادة 18 من قانون التأمينات الاجتماعية، حددت قيمة التعويضات في حال سببت إصابة العمل عجزًا مؤقتًا أو دائمًا للعامل وفق معايير معتمدة لكل حالة. ففي حالة العجز الكلي الدائم مثلاً يحق للعامل الحصول على دخل بنسبة 70% من راتبه الشهري، وفق المادة 19، أما في حالة العجز الجزئي الدائم، يدفع له المبلغ بما يتناسب مع درجة العجز.

ويحصل العامل على تعويضه منذ اليوم الثالث من الإجازة المرضية، إذا تم تبرير الإصابة بشهادة طبية أو مذكرة طبيب، ويشمل كل ما سبق جميع العاملين المسجلين في تركيا ضمن نظام الضمان الاجتماعي، دون تفرقة بين تركي وأجنبي وفق قانون العمل التركي.

ونصح المحامي خليل السوريين بعد حصولهم على تعويض إصابة العمل، برفع دعوى جديدة على شركة التأمين وعلى رب العمل، إذا شعروا أن التعويض الذي حصلوا عليه غير منصف، ويمكن أن يحصلوا على تعويضات ضخمة لاحقًا. القانون كذلك يمنح العامل تعويضًا، في حال تعرضه لمرض مهني، والذي عرّفته المادة 14 بأنه مرض مؤقت أو دائم أو إعاقة جسدية أو عقلية، يعاني منها العامل بسبب ظروف العمل.

التعويضات لا تقتصر على الإصابة أثناء العمل فقط، فإذا حدث مرض بعد ترك آخر عمل بعام على أبعد تقدير وكان سببه ذلك العمل، يمكن للأشخاص في هذه الحالة التقدم إلى مؤسسة التأمينات الاجتماعية بالمستندات اللازمة، التي تثبت إصابتهم بمرض بعد ترك العمل. فعلى سبيل المثال إذا أصيب العامل بالديسك بعد ترك العمل (كما حدث مع كريم)، وحصل على تقرير طبي يثبت أنه أصيب بهذا المرض عندما كان يعمل سابقًا في مكان معين، عندها يحصل على تعويض عن هذا المرض.

تعويضات الوفاة

في حال توفى العامل لأسباب تتعلق بحادث عمل أو مرض مهني، يحصل ذووه على 70% من راتبه الشهري، إضافةً إلى دفع مبلغ مقطوع بسبب الوفاة، وصرف تكاليف الجنازة، وفق المادة 20 من قانون العمل التركي.

وحول كيفية تحصيل تعويضات العامل المتوفى، قال المحامي خليل التاني، “في البداية على الأهل إجراء حصر إرث، ثم رفع دعوى أمام النيابة العامة تسمى الصوجي، وفي حال كان ذوو المتوفى خارج تركيا، يمكنهم توكيل محامٍ عبر القنصلية” هذه التفاصيل كانت تجهلها عائلتي الشابين محمود، وع.ع ما حرم ذوي كل منهما الحصول على تعويضاتهم المستحقة.

وصل الأمر بأصحاب ورشات أو معامل إلى تغيير سبب الوفاة، حتى يتهربوا من دفع التعويض لورثة المتوفى، بحسب بعض من التقيناهم. لكن المحامي خليل أكد أن تزوير سبب الوفاة لن يضيع حق الورثة، فعندما ترفع دعوى في النيابة، تصبح الأمور تحت سلطة القضاء، وسوف يستدعى الشهود وتفحص الكاميرات في المعمل، وحينها سيتم التأكد من أن سبب وفاة العامل هو حادث أثناء العمل، وسيحصلون على تعويض مرتفع”.

ما تزال منصات التواصل الاجتماعي تنقل فيديوهات لقصص لاقى أصحابها السوريون حتفهم أثناء العمل، أقساها وليس آخرها كان فيديو لشاب توفي بعد أن سحبته عجانة الحديد في معمل لصهر الحديد دون أن يتمكن زملاؤه من إنقاذه بعد أن ابتلعته خلال لحظات قليلة، وأحدث ذلك الفيديو ضجة واسعة على منصات التواصل.