فرضت وزارة الخدمات التابعة لحكومة الإنقاذ في إدلب شروطاً صارمة على المشاريع السكنية والأبنية من “التسليح والترخيص والرقابة الهندسية” تطبيقاً لنظام البناء المقاوم للزلازل، خاصة في الأبنية الطابقية، تلافياً لكارثة جديدة تشبه ما خلّفه زلزال شباط 2023 من آثار مدمرة في المنطقة.
شملت الشروط، إضافة للترخيص والإشراف الهندسي، مراعاة أسس البناء مثل “المقاومة وصلابة العناصر الإنشائية منفردة (أعمدة جسور جدران قصية)، أو الجملة الإنشائية ككل (هيكل المبنى المسلح)، وذلك لتحسين أداء المبنى ضد الزلازل المفترضة.
يعرف العمار المقاوم للزلازل بـ “نوع من أنواع الهياكل الإنشائية التي تستخدم فيها الخرسانة المسلحة معززة بقضبان الفولاذ والحديد وفق دراسة هندسية محكمة لتحسين مقاومتها وتحملها للضغوط والقوى الخارجية وتحقيق قوة محكمة واستقرار عالٍ ومقاومة للعوامل البيئية مثل الزلازل والرياح القوية، حيث يتم تصميم تلك الهياكل وفق نموذج يحقق المرونة في البناء ويجعله قادراً على تحمل الضغوط والاهتزازات بشكل فعال، مما يجعلها ملائمة للاستخدام في المناطق المعرضة للزلازل”.
لا توجد إحصائية دقيقة في وزارة الإدارة المحلية عن عدد الأبنية المخالفة لنظام الزلازل أو غير المتوافقة مع الكود السوري للسلامة الإنشائية، لكن مديرية الخدمات التابعة لحكومة الإنقاذ ألزمت المهندسين عبر مجموعة قرارات داخلية، لم يتم نشرها، بدراسات مخصصة للأبنية الجديدة متوافقة مع الكود السوري لا سيما في الأبنية الطابقية المكونة من أربعة طوابق وما فوق، ويجب على المهندسين ومقاولي البناء، تطبيق الكود في دراساتهم التصميمية وفي مخططات ترخيص البناء.
كذلك فرضت المديرية، شروطاً إضافية تتناسب مع ارتفاع المنشآت والمباني، ونوع الجدران الحمّالة والقصيّة، بحسب محمد ياسر غزال، مدير الخدمات في الإدارة المحلية. ويشرح غزال هذه الشروط بمثال عن الأبنية المكونة من أربعة طوابق فما فوق، يقول إنها تحتاج إلى “دراسة مقاومة للزلازل من حيث التسليح والجدران القصية والتباعد والحجم وشكل التسليح وقوة الخرسانة والمتانة، إضافة إلى أي احتمال للتشقق أو الانحراف وتصميم الأرضيات الخرسانية المسلحة من خلال تحديد متطلبات حمل الهيكل أولاً مثل وزن المبنى ووزن الأرضيات وأي أحمال حية أو ميتة متوقعة، ليتم مراجعة التصميم والموافقة عليه من قبل مهندس إنشائي للتأكد من استيفائها لجميع متطلبات السلامة والأداء اللازمة”.
وتلزم بهذه الشروط جميع المنشآت العامة والخاصة بما فيها مشاريع السكن والمباني الحكومة، بحسب غزال الذي قال” إن توجيهات صدرت عن وزير الإدارة المحلية بإلزام المتعهدين تنفيذ المخططات بعد دراستها من قبل المختصين في وزارة الإدارة المحلية والخدمات، تحت طائلة المساءلة القانونية، وفرض عقوبات على المخالفين، منها منع مزاولة المهنة لمدة تتناسب مع حجم المخالفة، والغرامات المالية، إضافة لإزالة ما هو مخالف على الفور إذا كان يتعارض مع سياسة البناء المفروضة”.
المديرية أشارت إلى أنها لم تكتف بتوجيه المهندسين والمتعهدين للسير ضمن شروط البناء التي فرضتها أخيراً، ولكنها فرضت رقابة على سير خطة البناء المتبعة من خلال موظفين يتبعون لها ضمن دوائرها لمراقبة متعهدي البناء، وعدم فتح المجال للتلاعب بكميات المواد الأساسية في الأبنية مثل الإسمنت والحديد، ومحاسبة كل متعهد يقوم بسرقة المواد ويخالف المواصفات الرسمية المطلوبة للبناء.
يقول محمد غزال “تُراقَب الأعمال الفنية والهندسية من قبل موظفين متخصصين من البلديات، من حيث التسليح ومونة الإسمنت وغيرها، بحيث لا يسمح للمتعهدين بتنفيذ أعمال الصب دون وجود مراقبين فنيين من البلدية المختصة الموجودة في منطقة البناء”.
يحدّد فادي الخطيب، مهندس معماري مشرف على بناء عدد من المشاريع السكنية في الشمال السوري، أبرز الشروط الواجب تنفيذها في البناء المقاوم للزلازل بـ “اشتمال البناء على المرونة التي تتمثل بتصميم محكم يمكّن البناء من مواجهة الزلازل شديدة القوة، إضافة الى زيادة مقاومة عناصر الجملة الإنشائية للبناء سواء كانت منفردة مثل الجسور والأعمدة عن طريق تكثيف التسليح بالقضبان الحديدية ضمن أماكن خاصة كالتقاء الجسر مع الهيكل الكلي أو تكثيف أساور حديد سفلية وعلوية في الثلث الأول والأخير من الجسور العمودية، إضافة لاستحداث جدران قصية في المبنى المنشأ في الاتجاهين “x ” و”z ” وتسليحها بشكل يتوافق مع الكود السوري، باعتبارها خط الدفاع الأول للمباني ضد الزلازل، كذلك استحداث عناصر إنشائية جديدة لزيادة مقاومة المبنى للقوى الجانبية بشكل جيد مثل الجسور المتدلية والمخفية”.
ويجب، بحسب المهندس الخطيب، وضع جملة من الاختبارات لمواد البناء بشكل كلي قبيل البدء بالعمل للتأكد من مراعاتها لشروط البناء المقاوم للزلازل. ويضرب الخطيب مثالاً عن هذه الاختبارات، يقول إنه يجب على العاملين في البناء إخضاع الحديد المستخدم في البناء، كمثال، لجملة من الاختبارات مثل إجهاد الخضوع وإجهاد الانقطاع ونسبة الاستطالة والمرونة، كما يجب التأكد من الترابط الوثيق بين الجسور والأعمدة من جهة وبين الجسور والجدران القصية من جهة أخرى، عن طريق قضبان حديدية بشروط خاصة موجودة في الكود السوري.
كما يجب أن يخضع حديد تسليح المباني الهيكلية لتجارب مخبرية عديدة للتأكد من قابلية استخدامه للمباني المنشأة ضد الزلازل ومطابقته للمواصفات الموجودة في الكود السوري الخاص بالزلازل. يقول الخطيب “ليكون الحديد مقاوماً للزلازل يجب أن تكون قيمة مقاومة الشد عند الانقطاع الى قيمة إجهاد الخضوع أكبر من 1.2 ويجب أن تكون النسبة المئوية للاستطالة عند الانقطاع بين الـ 10 الى 12%”.
أما فيما يخص البيتون المسلح فـ “يجب أن يكون ضمن عياره السليم وهو 350 كيلوغرام أسمنت لكل متر مكعب واحد من مواد البناء، ويجب استخدام الآلات الرجاجة في البيتون لضمان انتشاره في كامل أجزاء الهيكل الإنشائي”. أضاف المهندس الخطيب ” أن البيتون المسلح يجب أن يخضع لتجارب مخبرية قبيل البدء بالتنفيذ عن طريق كسره في المختبرات، ويسمى ذلك الاختبار بـ “كسر المكعبات” للتأكد من مقاومته ومطابقته للكود السوري، إذ أن المقاومة المميزة للبيتون ضد الكسر تتراوح بين 180 إلى 230 كغ على كل واحد سم مكعب”.
يعتبر الكود العربي السوري أحد برامج تصميم وتنفيذ المنشآت بالخرسانة المسلحة، وهو نظام عمراني-إنشائي لتصميم وتنفيذ المباني وصيانتها بحيث تحقق الحد المقبول من مقاييس السلامة في البناء ضمن مخططات ترخيص البناء، ويشرف عليه المهندسون ومقاولو البناء في دراساتهم التصميمية، وهو الواجهة الأساسية المعتمدة في تصميم وتنفيذ المنشآت البيتونية في نقابة المهندسين السورية وفي مجالس البلديات وهيئات أخرى كثيرة.
الشروط الجديدة دفعت الجمعيات والمنظمات العاملة في البناء إلى تغيير سياستها وإعادة النظر في تنفيذ مشاريعها، و الاستعانة بمهندسين متخصصين لتطبيق شروط البناء المقاوم للزلازل بعد أن كانت تعتمد في سياساتها على مناقصات يحصل عليها متعهدون دون أن يكون للمهندسين أي دور فيها، خاصة بعد تضرر مشاريع سكنية في المنطقة كلياً أو جزئياً عقب حادثة الزلزال، مثل مشروع بسنيا السكني الذي تدمّر بالكامل و راح ضحيته أكثر من 600 شخص، بحسب المهندس المدني أحمد الشعبان، مشرف مشروع سكني في بلدة سرمدا.
يرى المهندس الشعبان في إهمال وجود مهندسين لمراقبة سير عملية البناء والإشراف على المواد والشروط خطأ لا يمكن تجاوزه، إذ يفترض أن يتحمل المهندس مسؤولية الخلل والتقصير في حال حدوثه، وهو ما لم يكن موجوداً في السابق ما عرّض السكان للخطر والمنظمات والجمعيات والمتعهدين للانتقاد.
يقدّر المهندس الشعبان زيادة التكلفة في البناء المقاوم للزلازل بنحو 1.15 عن التكلفة العادية، (البناء الذي كانت تكلفته نحو 10 آلاف دولار أصبح اليوم يكلف نحو 11.5 ألف دولار) ويصف هذه الزيادة بـ “الأمر الطبيعي”، لما يتطلبه هذا النوع من “زيادة في التسليح و مونة الإسمنت وغيرها من المواد..”، وهو ما رفع أسعار الشقق السكنية في الشمال السوري.
يقول نهاد ياسين، صاحب مكتب عقاري في إدلب، إنه وعلى الرغم من ارتفاع أسعار الشقق المبنية وفق النظام المقاوم للزلازل إلا أن الطلب على شرائها أو استئجارها بات أكبر، خاصة وأن الفارق ليس كبيراً مقارنة بالمتانة والجودة التي تميزها عن الشقق القديمة.
شروط البناء المقاوم للزلازل جاء بعد نشاط عمراني سبق كارثة الزلزال، اتّسم بالفوضى، وافتقد معظمه لأسس التصميم الهندسي ومبادئ الهندسة المقاومة للزلازل والهياكل اللازمة لتحمل الزلازل بشكل فعال، إضافة لافتقاره لعناصر التسليح الذي لا يستخدم فيه الحديد و الأسمنت المسلح كجزء من هيكل البناء، واقتصاره على مواد بناء تقليدية مثل الطوب والحجارة والخرسانة العادية أو المتوسطة، وهو ما تسبب بانهيار معظم الأبنية أو تضررها بشكل كبير.