فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

اللجان الهندسية في مناطق النظام.. تبعية مختلفة وحلول قاصرة

تموز نجم الدين

يحاول النظام تعويم نفسه من خلال كارثة الزلزال، قرارات ومراسيم دون جدوى، والحصيلة تصب دائماً في مؤسسات تتبع له، حتى على صعيد الأرقام والإحصائيات

لم تصدر بعد نتائج التقرير النهائي لخلاصة عمل لجان الكشف على الأبنية المتهدمة نتيجة زلزال السادس من شباط وتداعياته من هزات ارتدادية، في المحافظات (حلب -اللاذقية حماة -إدلب) والخاضعة لسيطرة النظام ، رغم انتهاء عملها وتسليم النتائج لوزارة الأشغال العامة منذ أسبوع.

وتصدّر الحديث عن الأضرار التي طالت المباني في مناطق النظام جدول أعمال رئاسة مجلس الوزراء، ووزارة الأشغال العامة ومجالس المحافظات واستصدرت قرارات من شأنها دعم متضرري الزلزال، لكن ذلك كله لم يكن ملاحظاً بعد أكثر من مئة يوم على الزلزال.

لجان بتبعيات مختلفة

مئات اللجان المكلفة بتقصي السلامة الإنشائية عن المباني المتضررة بشكل كلي أو جزئي تشكّلت بعد أيام من الزلزال، وأخرى تشكّلت بموجب قرار من رئاسة مجلس الوزراء في 27 من شباط الماضي، وتحت تسميات مختلفة من “لجان السلامة، اللجان الفنية، لجان الإنشاء والتعمير، لجان تقييم المباني المتضررة وغيرها من التسميات”

ضمت هذه اللجان بين 3 إلى 5 مهندسين من نقابة المهندسين والشركة العامة للدراسات الهندسية والخدمات الفنية والوحدات الإدارية، إضافة للجان تشكلت من قبل المديريات مثل مديرية التربية، التي شكلت لجاناً لتقصي واقع المباني المدرسية وتأثرها بالزلزال كذلك الفرق التي تشكلت من طلاب الجامعات.

ولا توجد إحصائيات دقيقة بعدد اللجان المشكلة بسبب الفوضى في التبعية، لكن إحصائيات خلال شهر آذار الماضي تحدثت عن 116 لجنة في حلب، 91 لجنة في اللاذقية، 65 لجنة في حماه، ولم نستطع عبر الوسائل المتاحة تحديد عدد اللجان في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام من محافظة إدلب.

وبحسب ما نقله رئيس وزراء النظام في نهاية نيسان الماضي، فإن اللجان كشفت على مئات آلاف الشقق دون تحديد دقيق، وأن أكثر من 59 ألف بناء يحتاج للتدعيم.

أما بخصوص الأبنية المهدّمة أو الآيلة للسقوط والتي جرى هدمها بعد الزلزال، فقد بلغت 527 مبنى، توزعت وفق التالي: 413 في حلب و 106 في اللاذقية و 8 في حماه. 

المباني التي انهارت مباشرة بعد الزلزال كانت 103 أبنية، منها 53 في مدينة حلب، 50 منها في الأحياء الشرقية التي تعرّضت للقصف خلال سنوات الثورة السورية. إضافة لـ 50 مبنى في اللاذقية، بينما قامت اللجان الهندسية بهدم الأبنية الخطرة أو الآيلة للسقوط وبلغ عددها 423 مبنى.

تعمل جميع اللجان وفق دليل واستمارة موحدين وضعتهما وزارة الأشغال العامة والإسكان، تتضمنان تصنيف الأبنية إلى “متضررة بالكامل، متضررة تحتاج إلى تدعيم، أبنية تحتاج إلى صيانة بسيطة، مبان سليمة”، ومن ثم تقديم الدعم الفني والاستشارة الهندسية لتحقيق السلامة الإنشائية من خلال التوصيات اللازمة بعد تقصي الأضرار.

تقدم اللجان نتائجها إلى مجالس المحافظات التابعة لها، وتقوم أيضاً بتشميع الأبنية الآيلة للسقوط في انتظار هدمها وإزالة أنقاضها وتنبيه الأهالي بعدم العودة إليها أو الاقتراب منها.

الأمانة السورية للتنمية سيد الموقف 

خلال عمل اللجان وفي كل مفصل من مفاصل الاستجابة الطارئة للزلزال، سواء على الصعيد المادي أو الإغاثي أو الإحصاء وتقدير الأضرار، برز اسم الأمانة السورية للتنمية التي ترأسها “أسماء الأسد”، دون معرفة الصفة التي تحملها هذه المؤسسة لإدارة هذا العمل، واستلام المساعدات وتوزيعها، وكذلك إحصاء الأضرار ومرافقة اللجان الهندسية  عبر محامين تابعين لها.

وكان مركز عمران قد أوضح في دراسة له صدرت في نيسان الماضي وجود علاقة شراكة أو تبعية بين أكثر من 45% من الشركات المحلية والأجنبية التي قدّمت الدعم في الزلزال بالأمانة السورية للتنمية.

تصبّ القرارات والمساعدات في الأمانة السورية للتنمية، إضافة لفيلق المدافعين عن حلب والذي يقوده الحشد الشعبي العراقي، الذي أظهرت صور وفيديوهات في مدينة حلب إدارته لعمليات الإنقاذ والمساعدات، متجاهلين المؤسسات الحكومية الرسمية أو المنظمات و الأشخاص الداعمين محلياً والذين فرض عليهم التعاون مع الجهتين المذكورتين.

وتفيد دراسة مركز عمران بوجود “خلل ممنهج في البنية القانونية الناظمة للعمل المدني، وربطه المستمر بفلسفة النظام الأمنية، ما سيجعل أي عمل مدني محل تقييم مستمر”، وأن “غياب آليات الرقابة الشعبية أو الحكومية، وعدم وضوح منهجية التنسيق والتكامل، وغياب الشفافية، سيعزز من مقاربة النظام وذراعه التنموي “الأمانة السورية”، والمتمثلة بأن كل الأدوات قابلة للاستثمار السياسي. وضمن هذا الإطار يمكن فهم الصورة التي يحاول إعلام النظام تصديرها عن منظمات القطاع المدني في مناطقه، وفعاليتها التي تؤهله لاستقبال الدعم الغربي أو الأممي”

دعم غائب وقرارات بالجملة دون جدوى

إلى الآن، وبحسب من تحدثنا معهم في مدينة حلب، لم تقدّم هذه المؤسسات أي دعم بما يخص الاستجابة لأضرار الزلزال، كتعويض للأبنية المهدمة، أو تدعيم المنازل، واقتصر الدعم على الراغبين بالترميم على نفقتهم الشخصية بتقديم تسهيلات تنفيذية في الرخص، وإعفاء من الرسوم.

وتحدّثت تقارير إخبارية عن تكليف الشركات الإنشائية التابعة لوزارة الأشغال العامة ولوزارة الدفاع بتأمين 350 وحدة سكنية مسبقة الصنع لإيواء المتضررين، ولكن ذلك لم يتم أيضاً، بحسب من تحدثنا معهم.

ويعفى بحسب المرسوم التشريعي رقم 3 الصادر في 12.3.2023 المتضررين المالكين من كافة الضرائب والرسوم المالية والتكاليف المحلية المتوجبة في القانون المالي للوحدات الإدارية، بعد تقديم طلب الحصول على الترخيص بأعمال البناء، وإعفاء المتضررين حتى نهاية عام 2024 من ضريبة الدخل على الرواتب والأجور، وضريبة ريع العقارات، ورسم طابع المصادقة والرسوم، والتكاليف المحلية المتوجبة على تلك المحاضر، والرسوم والغرامات المترتبة عليهم عند تسجيل واقعات أحوالهم المدنية، والحصول على وثائق الأحوال المدنية، وطي كل التحققات من الضرائب والرسوم المالية وبدلات الخدمة وأجور اشتراكات وقيم الاستهلاكات وفوائدها وغراماتها لشركات (الكهرباء المياه الاتصالات).

إضافة للإعفاءات فقد أقر المرسوم بمنح المتضررين قروضاً من المصارف العامة لغايات الترميم والتأهيل وإعادة البناء للعقارات المتضررة، وأشار رئيس الوزراء بأن 4500 أسرة حتى 25 نيسان الماضي، بإمكانها المباشرة بأخذ القروض المخصصة للتعامل مع تداعيات الزلزال، علماً أن قيمة القرض قد تصل إلى مئتي مليون، يبدأ سدادها بعد ثلاث سنوات وعلى مدى عشر سنوات دون فوائد أو عمولات.

ليس المرسوم رقم 3 هو الوحيد الذي صدر في الاستجابة للزلزال، إذ خصص مجلس الوزراء، 50 مليار ليرة سورية من الأموال الجاهزة لدى خزينة الدولة، ووضعها بتصرف الجهات العامة المعنية بالشأن الإغاثي وإعادة تأهيل المرافق الأساسية، وإقرار وثيقة التوجهات الأساسية الحكومية للتعاطي مع آثار الزلزال وحشد جهود جميع مؤسسات الدولة والمنظمات وفعاليات المجتمع الأهلي والدول التي تقدم المساعدات والجمعيات، وتنسيقها بشكل منهجي وشفاف للتعويض على المتضررين من الزلزال، وإعادة تأهيل المناطق المنكوبة.

تلا تلك القرارات صدور المرسوم التشريعي رقم 7 لعام 2023، والقاضي بإحداث الصندوق الوطني لدعم المتضررين من الزلزال، والذي سيقدم الدعم المالي للمتضررين، وفق معايير واضحة ومعتمدة.

تبدو تلك القرارات حلّاً لكثير من مشكلات المتضررين، لكن في الحقيقة، وبحسب من تحدثنا معهم، تبدو هذه القرارات والحلول، مجحفة وتظهر هشاشة الدولة واستيلائها على ما يمكن أن تحصل عليه من مساعدات، وفقاً لما يلي:

تقديرات البنك الدولي في تقرير وصفه بالسريع عن الأضرار، بلغ نحو 5.1مليار دولار أمريكي، أكبرها في حلب بنسبة 45% نحو (2.3مليار دولار)، تلتها إدلب (بنسبة 37% أو 1.9 مليار دولار) واللاذقية (بنسبة 11% أو 549 مليون دولار). حصة الأضرار المباشرة للمباني السكنية (نحو 48.5% من القيمة المتوسطة أو 2.5 مليار دولار)، في حين تشكل الأضرار في المباني غير السكنية (مثل المنشآت الصحية والمدارس والمباني الحكومية ومباني القطاع الخاص) نحو ( 33.5% أو 1.7 مليارات دولار). وتمثل الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية 18% من إجمالي الأضرار (0.9 مليار دولار). 

وبحسب مناطق توزع الأضرار، علماً أن الضرر الأكبر وقع في مناطق المعارضة، لكن النسبة الأكبر من تقديرات البنك الدولي كانت في مناطق النظام، كذلك استجابات الأمم المتحدة التي وصفت بـ “الهشة”.

الميزانية التي خصصت من قبل مجلس الوزراء لا تتجاوز بحسب سعر الصرف الحالي (8750 ليرة لكل 1 دولار)، نحو 11.4 مليون دولار، وهذا يعني تغطية أقل من 0.5% من الأضرار المقدرة.

الإعفاءات والتسهيلات المقدمة لا تشكل نسبة كبيرة من المبالغ المدفوعة على الترميم والتدعيم، خاصة وأن تكلفته ستكون على نفقة المواطن الشخصية والذي لا يتجاوز دخله 20 دولاراً، في حين يبلغ متوسط التكاليف بحسب من تحدثنا معهم، نحو  3000 دولار.

القروض المقدمة هي الأخرى تحتاج إلى مواصفات مطلوبة، وغالباً غير محققة في كثير من المباني المهدمة، خاصة وأن النسبة الأكبر في مناطق عشوائية ولا يمتلك أصحابها سندات تمليك.

ويبقى الأهم في عدد المباني المتضررة والتي سعى النظام السوري إلى تضمين الأضرار التي ألحقها خلال عمليات القصف بالأضرار الناتجة عن الزلزال.

تغيب الإحصائيات الدقيقة والعمل المنظم والنتائج عن مناطق سيطرة النظام، كذلك أعداد اللجان الهندسية المشرفة على تقصي المباني وتبعيتها، بعد أكثر من مئة يوم على الزلزال بينما تبقى الحلول قاصرة، وينتظر المتضررون ما يمكن فعله بعد إغلاق مراكز الإيواء داخل المدن وإجبارهم على الذهاب إلى مراكز خارج المدينة أو الاعتناء بأنفسهم وترميم منازلهم على نفقتهم الشخصية، لسان حالهم في ذلك، دائماً ما كنا كذلك، نحن من يدفع الثمن في النهاية.