فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

idlib

يباس أشجار الخوخ بعد غمرها بمياه نهر العاصي غربي إدلب

ٲسامة الشامي

تيبست أشجار في مساحات واسعة من أراض حوض العاصي الزراعية، اصفرّت أوراق أشجار أخرى وقلّت ثمارها، في الوقت الذي ينتظر مزارعون في أرياف مدينة سلقين بريف إدلب إحصاء الضرر وعلاج ما تبقى من أشجار علّها تنجو

اتّضحت ملامح الضرر على أشجار الخوخ بعد جفاف المياه التي فاضت على حقول نهر العاصي في القرى المحيطة بمدينة سلقين بريف إدلب، تعدّى الضرر الثمار ليطال جذور الأشجار ما أدى إلى يباسها وخسارتها أو إصابتها بآفات زراعية يصعب التعامل معها. الضرر طال مساحات واسعة من المنطقة التي تعتمد على أشجار الخوخ بأنواعه والجانرك كأحد أهم المواسم، ففي الوقت الذي خسر فيه مزارعون قسماً من أشجارهم خسر آخرون كامل حقولهم.

يقول إبراهيم النصار، مزارع من قرية التلول بريف سلقين، إنه خسر أكثر من ثلثي أشجار الخوخ في حقله، تبلغ مساحته خمسة دونمات، بسبب فيضان النهر وغمر حقله بالمياه لأكثر من شهرين. ويضيف النصار “فيضان النهر حوّل أراضينا لمستنقعات، غمرت الأرض لعدة أشهر وما زالت أجزاء منها مغمورة حتى الآن”.

الصورة من بساتين الخوخ في قرية العلاني بريف سلقين.
الصورة من بساتين الخوخ في قرية العلاني بريف سلقين.

عطية الجاسم، مزارع آخر من قرية التلول خسر أشجار حقله بالكامل نتيجة الغمر، حاله حال مزارعين كثر على امتداد النهر في كل من قرى وبلدات عزمارين و ريفها، الحفرية، بتيا، الحمرة، الحمزية، دلبيا، جكارة، العلاني، المشرفية، الجسر المكسور، التلول، وحير جاموس في ريف سلقين.

تباينت الأضرار بين بلدة وأخرى وحقل وآخر، لكن جميع الأراضي الزراعية تشاركت في الخسارة، بين موت الأشجار ويباسها أو اصفرار أوراقها وتعفّن جذورها دون معرفة مصيرها، وفي أفضل الأحوال خسارة الموسم الحالي بشكل شبه كامل. يرجع من تحدّثنا معهم السبب الرئيس لتضرر الخوخيات إلى ارتفاع منسوب المياه وغمر الحقول إلى مستوى قياسي في العام الحالي ولمدة أطول عن ما ألفه المزارعون في السابق.

مهند الأسود ناشط من قرية العلاني حدّد بداية غمر مياه النهر للأشجار في العام الحالي مع “نهاية شهر كانون الثاني الماضي، واستمر حتى نهاية شهر آذار قبل أن تجف المياه مع ارتفاع درجات الحرارة بداية شهر نيسان”. الأسود ومزارعون تحدثنا معهم قالوا إن أيام الغمر زادت عن شهرين وهي مدة طويلة جداً مقارنة بالسنوات الماضية والتي لم تتعدى 20 يوماً.

الأثر الأكبر للغمر ظهر على أشجار الخوخ بأصنافه (الأحمر والأصفر والجانرك) وهي أحد أهم ثلاثة مواسم شجرية في حوض العاصي غربي إدلب، ولم يظهر الضرر حتى الآن على أشجار الرمان أهم المحاصيل في المنطقة و”المانجا” التي تأتي في المرتبة الثانية، بسبب وجود المساحات الأكبر منها في منطقة دركوش التي لم تطل فترة غمر بساتينها بالمياه كما حصل في بساتين سلقين و عزمارين وريفيهما، بحسب المهندس الزراعي عبد القادر الحميدي من بلدة دركوش.

المنخفضات الجوية المطرية وارتفاع معدل الهطولات المطرية في العام الحالي كان السبب الرئيس في ارتفاع منسوب مياه النهر ما أدى إلى فتح السدود التي امتلأت وغمر الحقول الزراعية، كذلك كان للزلزال الذي ضرب المنطقة في شباط 2022، وما تسبب به من انهدامات في وادي النهر وتغيير عمق مجراه دور كبير في تقليل طاقة النهر الاستيعابية للمياه وبالتالي فيضانه على الأراضي الزراعية المحيطة به، بحسب من تحدثنا معهم من مزارعين.

يؤكد ما ذهب إليه المزارعون صور الأقمار الصناعية لمعدلات الهطول المطرية والتي تضاعفت في المنطقة ذاتها لأضعاف كثيرة خلال السنتين الماضيتين، إذ تراوح معدل الهطول المطري في كانون الثاني 2022 بين 0 و 0,162 مم، بينا تراوح معدل الهطول في الشهر ذاته من عام 2023 بين 12,56 و 15,07 مم، أما في العام الحالي وفي الفترة ذاتها فقد تراوح معدل الهطول بين 34,54 و 44,11 مم.

يوضح المهندس الزراعي غسان عبود أثر الفيضان و الغمر على أشجار الخوخيات، يقول إن “النبات مثل باقي الكائنات الحية يحتاج للأكسجين من أجل التنفس، يوجد هذا الأكسجين في الفراغات بين حبيبات التربة لتمتصه الجذور، وعند إضافة الكثير من المياه تصل التربة لنقطة التشبع، أي تصبح مسام التربة مملوءة وتطرد الهواء إلى الخارج ما يمنع الجذور من التنفس، وهو ما يؤدي إلى إغراق الجذور وبالتالي اختناقها أو عدم تنفسها جيدًا، ويتسبب في تعب وإرهاق النبات واصفرار أوراق الشجر وتساقطها”.

كذلك “يتسبب بقاء الجذور في وسط رطب مشبع بالماء لفترة طويلة بظهور الفطريات والبكتيريا وعفن الجذور الذي يؤدي بدوره إلى ضعف نمو النباتات و تجعد واصفرار أوراقه، ومن الممكن أن يتسبب باختناق النبات كلياً و موته إذا لم يتدارك الأمر”. ويضيف المهندس العبود أن زيادة الري يمكن أن تؤدي إلى ظهور أمراض مثل  “عفن الجذور التاجي، وهو مرض قاتل للنباتات” والأمراض الفطرية والبكتيرية التي التي يمكن أن يكون لها دور في موت الأشجار أو يباسها، خاصة أشجار الخوخ والجانرك التي وصفها بـ “المحبة للدفء والإضاءة الجيدة”.

وقلّ أو انعدم إنتاج الخوخيات في مناطق واسعة لهذا العام، وتراجع الإنتاج من الأطنان في العام الماضي إلى كيلوغرامات قليلة، يقول المزارع محمد بهجات بكرو من قرية العلاني، إن إنتاجه تراجع من 4 أطنان من الجانرك إلى 380 كيلو غراماً، ومن  10  أطنان من الخوخ بنوعيه (المبكر وأبو ريحة) إلى 100 كيلو غرام، بسبب يباس نحو 90% من أشجاره.

الأرقام المخيفة التي تحدّث عنها المزارع محمد بهجات توحي بحجم الضرر الحاصل، وهو حال مزارعين كثر في المنطقة، إذ لم يجنِ المزارع محمود الأسود من قرية العلاني كيلوغراماً واحداً من الخوخ في الموسم الحالي، واقتصر ما جناه من حقله الممتد على مساحة 2 دونم على 300 كيلو غراماً من الجانرك، في الوقت الذي زاد إنتاجه في العام الماضي عن خمسة أطنان.

المزارع إبراهيم الناصر، قدّر خسارته في العام الحالي بنحو 75% من الإنتاج، إذ كان متوسط دخله مما يجنيه من خوخ وجانرك نحو 3 آلاف دولار سنوياً، بينما لم يصل إنتاجه في العام الحالي إلى 400 دولار، يقاطعه مزارعون آخرون تحدثنا معهم بأن الخسارة عند بعض المزارعين بلغت 100٪، إذ لم يجن ابراهيم الحميدان حبة خوخ أو جانرك واحدة من حقله الذي تزيد مساحته عن 3 دونمات، علماً أن متوسط إنتاجه في العام الماضي بلغ نحو 1500 دولاراً.

الصورة من بساتين الخوخ في قرية العلاني بريف سلقين.
الصورة من بساتين الخوخ في قرية العلاني بريف سلقين.

لا تقتصر الخسارة على موسم واحد، يقول عطية الجاسم من قرية التلول، فالتكلفة الأكبر ستكون في إعادة تشجير البساتين وانتظار إنتاجها بعد عدة سنوات.

يشرح عطية التكاليف بقوله “حجم الخسارة كبير جداً. إن أردت زراعة الأرض من جديد  تحتاج  نحو ألفي دولار  ثمن نصب خوخ، مئتي دولار أجر حراثة، إضافة لـ مئة دولاراً أجور حفر جور وتجهيز للزراعة، وبعد كل ذلك عليك الانتظار بين ثلاثة إلى خمس سنوات دون مردود  حتى تثمر الأشجار، إن كتب لها النجاة”.

تترك التغيرات المناخية آثارها البيئية القاسية على أراضي المزارعين في إدلب وأشجارهم مع غياب شبه كامل للدعم الحكومي والمنظماتي عنهم في تعويضهم عن الخسائر أو المساهمة في تكاليف إعادة زراعة حقولهم التي ستغدو جرداء وسيضاف أصحابها لقائمة الباحثين عن عمل في ظل ارتفاع غير مسبوق لمعدلات البطالة والفقر المدقع في المنطقة، في الوقت الذي سترتفع فيه أسعار المنتجات الزراعية لتضاف إلى أحلام السكان في المنطقة.