فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

عوامل الطقس تحرم أصحاب زراعة الأنفاق الفائدة المرجوة من زراعتهم

حسن كنهر الحسين

مساحات واسعة من الأراضي المزروعة بالأنفاق تضررت نتيجة عوامل الطقس وعدم اتباع الإرشادات الزراعية اللازمة

تسببت موجة الصقيع، التي تلت العاصفة الهوائية منذ نحو عشرة أيام، بأضرار كبيرة في زراعة الأنفاق التي نشطت خلال السنوات الماضية في الشمال السوري، ما أدى إلى خسائر مادية كبيرة للمزارعين الذي اعتمدوا هذه الطريقة في الزراعة.

الطقس المتقلب الذي شهدته المنطقة، منذ منتصف شباط، بدء موسم نقل الشتلات إلى الأنفاق لزراعتها، وحتى نيسان الحالي، والتكلفة العالية للإرشادات الواجب اتباعها، أثرت على محاصيل الثمار المبكرة الناتجة عن زراعة الأنفاق، إذ شهدت المنطقة خلال آذار الماضي عواصف مطرية وفيضانات وسيول، تسبب بأضرار مباشرة في أكثر من 754 دونماً من الأراضي المزروعة بالمحاصيل الصيفية، أهمها البقوليات وحبة البركة والخضار والقمح، بحسب تقديرات وزارة الزراعة في حكومة الإنقاذ وفرق الدفاع المدني في إدلب.

وزراعة الأنفاق، أسلوب زراعي دخل حديثاً إلى شمالي غربي سوريا، خاصة في سهل الروج وجبل الزاوية وقرى محيطة بمدينة الدانا، يتمثل بتغطية أنفاق طولية بعمق 40 إلى 60 سنتيمتر، وبعرض متر إلى متر ونصف المتر، بأغطية من النايلون البلاستيكية تتراوح سماكتها بين 5 إلى 8 ديزيم، لإنتاج ثمار صيفية مبكرة وطرحها في الأسواق قبل موسمها، بحسب المهندس الزراعي محمد الموسى.

يعتبر الموسى، زراعة الأنفاق “حساسة جداً”، نظراً لزراعة أنواع من الشتلات في غير موسمها، إذ تحتاج هذه الزراعة لحراثة عميقة للأرض في الشهرين الأخيرين من العام، وتهيئتها بشبكات مياه وتسميدها، ومن ثم نقل الشتلات إليها في منتصف شباط، وعادة ما تطرح إنتاجها منذ بداية نيسان، الشهر الذي تبدأ فيه زراعة الشتلات في الأراضي المكشوفة، وهو ما يكسب المزارع أسعاراً أفضل لمنتجه من جهة، كذلك تأمين الخضار للسكان في مواسم مختلفة.

تضرر زراعة الأنفاق في الأراضي المحيطة بمدينة الدانا- فوكس حلب
تضرر زراعة الأنفاق في الأراضي المحيطة بمدينة الدانا- فوكس حلب

طبيعة المنطقة الباردة هي من فرض هذا النوع من الزراعة، لكن الظروف المناخية القاسية، خاصة العواصف الهوائية والصقيع، هي ما يحول دون نجاحها في كثير من الأعوام، بحسب الموسى، وهو ما ترك آثاره السلبية على معظم زراعات الأنفاق والبيوت البلاستيكية في العام الحالي.

بيوت بلاستيكية مدمرة، ومساكب شتلات بأنواع مختلفة تحطمت قبل بيعها لأصحاب الزراعات الصيفية، ومحاولات من قبل أصحابها لملمة ما تبقى منها، كل ما تشاهده على امتداد الأراضي الزراعية المحيطة بمدينة الدانا بريف إدلب، حيث تنشط تلك الطريقة من الزراعات، إذ ما تزال آثار العاصفة واضحة على تلك المشاريع التي مني أصحابها بخسارات فادحة.

يقدّر، عمر شامان، أحد أصحاب مشاريع زراعة الأنفاق في الدانا، خسارته هذا العام بنحو خمسة آلاف دولار، يقول “إن العاصفة الهوائية اقتلعت معظم الأسطح البلاستيكية المستخدمة لتحضين المزروعات التي شارفت على النضوج، إضافة لهلاك كثير من الشتلات، لا سيما الكبيرة منها”.

ويضيف الشامان أن “الضرر لم يقتصر على المزروعات المثمرة، وتعدّى ذلك إلى شتلات كانت يجهزها في مساكب لبيعها إلى أصحاب الزراعات الصيفية ضمن أكياس صغيرة، هي الأخرى تحطّمت أو اقتلعت نتيجة هشاشة جذورها”. خسر الشامان موسمه إضافة لأجور العاملين وتكاليف زراعة الأنفاق ما بين “أنفاق وسقاية وأسمدة”.

ويبلغ تجهيز دونم واحد بالأنفاق الزراعية، بحسب المهندس الموسى، نحو 350 دولاراً، منها نحو 150 دولاراً لشراء أغطية النايلون (ثمن كل كيلو 2 دولار)، و100 دولار لوسائل الري (25 دولار ثمن كل بكرة خرطوم)، إضافة لـ 50 دولار ثمناً للقضبان المعدنية، ومثلها لليد العاملة. 

تضرر زراعة الأنفاق في الأراضي المحيطة بمدينة الدانا- فوكس حلب
تضرر زراعة الأنفاق في الأراضي المحيطة بمدينة الدانا- فوكس حلب

أما تكلفة الشتلات والأسمدة والحراثة فتختلف باختلاف الأنواع المزروعة، ومن أهمها الخيار والبطيخ والفاصولياء والباذنجان والبندورة والجبس، ويقدرها الموسى وسطياً بنحو 75 دولار للدونم الواحد.

ساهر عدروش، يمتلك عدداً من المشاريع الزراعية في منطقة حارم بما فيها مشاريع الورد والبيوت البلاستيكية وزراعة الأنفاق الحديثة، قال إن “العاصفة الهوائية التي ضربت المنطقة أتلفت عدداً من المحاصيل الزراعية لا سيما مشاريع الأنفاق وبعض البيوت البلاستيكية”، وأضاف أن “موجة الصقيع التي تلت العاصفة جعلت المزروعات على تماس مباشر مع عوامل الطقس في الخارج ما تسبب بتلفها، بعد أن اقتلعت العاصفة الأسطح البلاستيكية التي كانت تحمي المزروعات”.

مقابل هذه الخسارات في القطاع الزراعي، سواء الأنفاق الزراعية أو الزراعة المكشوفة وحتى مواسم الأشجار مثل الزيتون والكرز والتين وغيرها، والتكاليف الكبيرة التي لا تتناسب مع أرباحها، يغيب الدعم أو التعويض عن مزارعين كثر، من قبل المديريات أو المنظمات، وتتراجع الزراعة، العمود الفقري لأبناء المنطقة، إذ ترك مزارعون أراضيهم وانتقلوا للعمل في مهن أخرى.

تختلف الأضرار والخسائر التي لحقت بالمزارعين بين منطقة وأخرى، تبعاً لشدة العاصفة، بحسب مديرية زراعة إدلب والتي صنفت مناطق الغاب وجسر الشغور وجبل الزاوية بالأكثر تضرراً، بينما انخفضت نسبة الأضرار في مناطق حارم وسرمدا والأتارب والدانا.

سليمان عدلة، مدير زراعة حارم والمكلف بإدارة مشاريع الري فيها، قال إنه ومن “خلال الجولات الميدانية التي قمنا بها على المحاصيل الزراعية، تبين أن الضرر الأكبر طال زراعة الأنفاق، لعدم تثبيتها بشكل جيد، وتمزق الأسطح البلاستيكية التي تغطيها”. وأضاف” أن تأثير الصقيع تراوح بين المتوسط والخفيف، وانعكس على زراعة الأنفاق بإطالة فترة النضوج التي تعتبر مقصد المزارعين من تلك الزراعة”.

لا يقتصر ما تركته عوامل الطقس من آثار على إطالة فترة النضوج، كما أسلفت مديرية الزراعة، إذ يرى وائل الحسن، مهندس زراعي، أن “العاصفة الهوائية اقتلعت معظم الأنفاق البلاستيكية، الكيان الأهم لتلك الزراعة، ما أدى إلى عطب الكثير من الخضروات المثمرة واقتلاع الحديثة منها نتيجة هشاشة جذورها”.

ويضيف الحسن “أن المزارعين لم يستطيعوا تدارك الأضرار التي استهدفت محاصيلهم، حيث ازداد الوضع سوء عقب العاصفة الهوائية مع موجة صقيع استهدفت المزروعات، فالمحاصيل التي نجت من العاصفة الهوائية جمدها الصقيع لا سيما الشتلات الحديثة منها”.

تضرر زراعة الأنفاق في الأراضي المحيطة بمدينة الدانا- فوكس حلب
تضرر زراعة الأنفاق في الأراضي المحيطة بمدينة الدانا- فوكس حلب

لا يتحمّل الطقس وحده مسؤولية الضرر في زراعة الأنفاق، يقول المهندس الموسى، إن المزارعين يتحملون جزء كبيراً من المسؤولية لعدم اتباع الإرشادات الزراعية المناسبة لمواجهة الطقس المتقلب المتكرر في كل عام، خاصة وأن وزارة الزراعة أصدرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي طرقاً لحماية زراعة الأنفاق، أهمها، إضافة غطاء ثان لمواجهة الصقيع، كذلك تغطيتها بمادة السلوفان لمنع وصول الحرارة المنخفضة إلى داخل الشتلات، واستخدام الأسمدة العضوية لرفع درجات الحرارة داخل الأنفاق والاعتماد على الأسمدة الفوسفورية والبوتاسية لزيادة مقاومة النبات للصقيع، أيضاً الاعتماد على طرق بدائية مثل تشغيل بالات القش لتخفيف درجات البرودة وتثبيت البيوت البلاستيكية بالحبال.

ويحتاج تطبيق هذه الإرشادات، بحسب من تحدثنا معهم، إلى تكاليف إضافية بما لا يتناسب مع أسعار المنتجات في السوق عند طرحها، خاصة مع قلّة الدعم الزراعي من قبل المنظمات لمثل هذه المشاريع.

تتطلب زراعة الأنفاق تكاليف إضافية وعناية خاصة، وتحقق في حال نجاها دخلا مادياً جيداً للمزارعين وأسعاراً منافسة للمنتجات الزراعية في السوق المحلية، لكن ذلك يحتاج لخطة زراعية منتظمة تتضمن إرشادات ودعماً مادياً وبالمواد لأصحاب هذه المشاريع لتعميمها ما يخلق فرص عمل لسكان في المنطقة، إضافة لتنشيط الدورة الزراعية التي بدأت بالتراجع والخسارة في السنوات الماضية.