تفاقمت الأمراض التنفسية في مناطق شمالي حلب وترافقت مع موجة “كريب” وصفت بـ “الحادة” ساهم في حدتها انخفاض استجابة المرضى للعلاج وسوء التغذية وغياب الإرشادات الصحية في استهلاك الأدوية اللازمة.
آليات العلاج الضعيفة وارتفاع ثمن الأدوية وأجور الأطباء والمستشفيات زاد من عدد المرضى وطول مدة العلاج، إذ حدّدت شبكة الإنذار المبكر والاستجابة للأوبئة، بعد التحاليل التي أجرتها على عينات تنفسية ضمن مراكز الترصد الخفرية، نمط الفيروس بـ “الأنفلونزا A”. قدّرت الشبكة عدد حالات الاشتباه بفيروس الأنفلونزا بأكثر من 29 ألف شخصاً من الذين راجعوا المراكز.
وصنف محمد الصالح، الطبيب المنسق في شبكة الإنذار المبكر، أنفلونزا A ضمن الفيروسات التنفسية الموسمية العادية نتيجة “برودة الطقس والتغيرات المناخية”، لكنه وصف انتشار المرض بـ “الجائحة غير المسبوقة” مقارنة بغيرها من السنوات من حيث عدد المرضى وطول مدة العلاج. العدوى بفيروس A تكون عن طريق السعال والعطاس والقطيرات والرذاذ، بحسب الطبيب الصالح الذي طالب السكان باتخاذ إجراءات وقائية شرحها بارتداء الكمامة والتباعد الاجتماعي، خاصة في ظل غياب الإجراءات الملزمة للمرضى.
الصيدلاني باسل العلي تحدّث عن زيادة كبيرة في عدد المرضى الذين يراجعون صيدليته يومياً في مدينة مارع بشكاية الانفلونزا، خاصة من الأطفال. ويشرح الصيدلاني أهم الأعراض التي رافقت الحالات بـ “الاختناق، السعال الجاف، ارتفاع درجة الحرارة، الإسهال، الإقياء، فقدان حاسة الشم والتذوق، إضافة للتعب والوهن”.
حدد الصيدلاني العلي أهم أسباب طول مدة الشكاية المرضية بين الأطفال بضعف المناعة وسوء التغذية اللتين تسهمان في ضعف الاستجابة للعلاج، فضلاً عن العشوائية في استخدام الأدوية. إذ يغلب بين أبناء الشمال السوري زيارة الصيادلة لتشخيص المرض وتلقي العلاج دون اللجوء إلى الأطباء واتخاذ الاستقصاءات اللازمة.
يقول من تحدثنا معهم، ومنهم عبد الغفور محمد، أب لأربعة أطفال يعمل حارساً لمنشأة صناعية في مدينة إعزاز إن موجة الكريب تنقلت بين أبنائه بالعدوى، وإنه لجأ إلى الصيدلية لتلقي علاجات أساسية مثل خافضات الحرارة والمضادات الحيوية قبل أن يقرر الصيدلي وصف صادات حيوية على شكل حقن لأبنائه نتيجة عدم استجابتهم للأدوية الفموية (الشراب).
ارتفاع تكاليف العلاج وثمن معاينة الكشف الطبي والتحاليل وغيرها من الاستقصاءات العلاجية اللازمة هي من دفعت الأهالي للتوجه نحو الصيدليات أو الصبر على المرض، بحسب من تحدثنا معهم.
يقول كامل جهجاه، نازح من ريف إدلب إلى مدينة إعزاز، إنه يدفع نحو ثلث راتبه الذي يتلقاه من عمله كشرطي للصيدلي الذي يبيعه الدواء ديناً لأطفاله، وإن ارتفاع تكلفة المعاينة الطبية وانتظار الدور الطويل والإجراءات البيروقراطية في المستشفيات والمراكز الصحية تحول أنظار كثر من المرضى لتلقي العلاج بالأدوية من الصيدلي الذي بات يشخص المرض ويصرف الدواء الذي يراه مناسباً.
أم يوسف، مدرسة في مدينة الباب بحلب، قالت إنها أجبرت على اصطحاب ابنها إلى أحد الأطباء بعد دفع نحو خمسمائة ليرة تركية ثمناً لأدوية لم تحسّن من حالته. وتضيف أم يوسف أن تكلفة معاينة الطبيب وما طلبه من تحاليل مخبرية والأدوية التي وصفها له زادت عن ألف وخمسمائة ليرة، وهو ما يعادل نصف ما تتقاضاه من عملها.
يزيد استخدام الأدوية غير المناسبة من مدة علاج الأنفلونزا، إذ يهدف تحديد نمط المرض، بحسب الطبيب محمد الصالح، إلى توجيه الأطباء نحو طريقة العلاج وبروتوكولاته المناسبة وفقاً للعامل الممرض المسبب، ولا بد من وجود تدبير للحالات العرضية، مع ضرورة إدخال المضاد الفيروسي (أوسلتاميفير) المعروف تجارياً باسم (تامي فلو) للوقاية، مع بداية الأعراض باكراً ما أمكن بهدف العلاج وبشكل خاص للحالات ذات الخطورة العالية (المسنّون، الحوامل، المرضى المزمنين).
عدم الالتزام بالوقاية والإرشادات الصحية زاد من انتشار مرض الأنفلونزا A، خاصة بين أطفال المدارس، يقول عبد الغفور المحمد إن العدوى نقلت إلى منزله من خلال اختلاط طفلته في الصف الثالث الابتدائي برفيقاتها في الصف، لتصاب بالانفلونزا وتنقله لأخوتها وأخواتها.
وتقدر المعلمة ريم طحبش عدد الطلاب المصابين بالأنفلونزا في الصف الأول الابتدائي الذي تشرف على تدريسه ضمن مدينة مارع بالنصف، تقول “زادت نسبة غياب الأطفال عن النصف، معظمهم يشتكون من الانفلونزا ويحتاجون لأيام لتلقي العلاج”. وأضافت: “أن موجة الكريب عامة وليست خاصة، بناء على دوام الشعب الصفية في مدرستها، إذ يقدر عدد الطلاب الذين غابوا عن المدرسة لأسباب صحية في الشهر الماضي بنحو 30% من العدد الكلي”، واصفة الرقم بـ “الكبير وغير المسبوق”.
تتزايد الإصابة بالأمراض الفيروسية (الكريب) خلال فصل الشتاء، تزامناً مع استخدام مواد تدفئة بديلة مثل: الفحم، الحطب، المازوت، بقايا الحراقات، التي تترك أثاراً سيئة في غرف المعيشة، فضلاً عن ضعف المناعة وسوء التغذية مما يتسبب في امتداد فترة الإصابة بالفيروس وتجعل إمكانية الشفاء أمراً في غاية الصعوبة، يرافق ذلك استخدام عشوائي للأدوية نظراً لارتفاع تكاليف العلاج وندرة في اتباع النصائح الإرشادية وطرق الوقاية.